الحديث الدائرة في الوسط السياسي العراقي، بعد تأجيجه اعلاميا من
قبل بعض نواب ائتلاف دولة القانون، حول ترشيح الاستاذ نوري المالكي
لرئاسة الوزراء لدورة ثالثة.. يكشف لنا بشكل كبير عن حجم افتقار اصحاب
التصريح للحنكة والنضج السياسي الذي يمكن صاحبه من امتلاك ادوات قراءة
الواقع العراقي على صورته الحقيقة وليس من مرآة اصحاب التصريحات
الاعلامية فضلا عن عدم أدراك هؤلاء لطبيعة المرحلة الحرجة والظرف
الاستثنائي الذي يمر به العراق.
اذ يصطدم هذا التصريح، للوهلة الاولى، بالواقع الامني الحالي في
العراق الذي يعاني من انتكاسة جزئية كما اعترف بذلك المالكي نفسه،
فالمنجز الامني الذي كان أحد اهم مقومات نجاح حكومة المالكي خلال
السنوات السبع الذي تسنم فيها رئاسة الوزراء يتعرض لخطر كبير مُحدق بعد
سلسلة العمليات الارهابية التي ضربت بغداد ومحافظات العراق والتي
توجتها عملية الهجوم" الكارثية" على سجني ابو غريب والحوت واقتحام
الاول منهما واطلاق سراح عتاة الارهابيين في العراق.
هذه العملية التي ليس من المبالغة ان وصفناها بالــ " كارثية" قد
كان لها نتائج على مستويين :
الاول: نتائج تتعلق بهروب عشرات الارهابيين من السجن وهو ماتم
التركيز عليه من قبل بعض جهات الاعلام والجهات الامنية والاستخبارية.
الثاني : نتائج كبرى تتركز في قابلية هذه الحركات الارهابية على
تنفيذ مثل هكذا عملية كبرى تخطيطا.. وتمويلا.. وتنظيما.. وتنفيذا... في
مقابل تفكك أمنى جلي وغياب تنسيق واضح بين الاجهزة الامنية ووزارات
الحكومة التي بدأت بتقاذف الاتهامات فيما بينها محملة كل طرف مسؤولية
ماحدث.
وسط هذه الكارثة الامنية التي استغلتها الاطراف السياسية التي تكن
العداء للمالكي للتحشيد ضده وتأليب الشارع ضد حكومته في وقت عصيب تقترب
فيه الانتخابات البرلمانية العامة.... يأتي، وعلى نحو يخلو من الفطنة
السياسية، من يتحدث عن الرغبة في تجديد ولاية ثالثة للمالكي واعتبار
الاخير مرشح دولة القانون لهذا المنصب وسط ذهول الاخرين الذي يرون في
العراق انفلاتا وتدهورا امنيا منقطع النظير متزامنا مع هذه التصريحات،
مع العلم، وهذه النقطة مهمة جدا، ان المالكي لم يصرّح ابدا في هذه
الفترة بمثل هذا التصريح، بل حتى السيد واثق الهاشمي الذي التقى
المالكي قبل فترة مع نخبة من السياسيين والاكاديميين قد صرّح " باننا
لمسنا من المالكي رغبة في ولاية ثالثة".. ولم يقل انه صرّح بذلك.. وهذا
ذكاء من المالكي وربما جزعا من فرقاءه السياسيين وسياستهم معه.
ومن الطريف ان هذه التصريحات التي هي في الاصل في غير محلها ولا
وقتها تؤدي الى رد فعل يتمثل في تصريحات اخرى للرد عليها، فتحدث لدينا
معارك اعلامية شبيهة بمعارك طواحين الهواء التاريخية التي كان يقوم بها
بطل الروائي الاسباني ميجيل دى سيرفانتس الفارس الوهمي دون كيشوت !
مضيعة وقتا يمكن ان يصرفه النواب في عمل أخر قد يعود بالفائدة على
المواطن العراقي.
نعم..انا ادرك واعلم يقينا ان جميع اعضاء ائتلاف دولة القانون
يرغبون بشدة ببقاء صاحب" الفضل الاكبر" في وصولهم لما هم عليه الان من
مناصب لم يكن اغلبهم يحلم بالامتيازات التي ترافقها، وهم بذلك يعبرون
ويكشفون، بهذه التصريحات، عن هذه الرغبة... لكن عليهم ان يتوقفوا مؤقتا
عن التصريح بهذه الرغبات من اجل المالكي نفسه قبل غيره ان كانوا فعلا
يحترمون بوعي وشعور عال هذا الرجل الذي يكن له اعدائه قبل اصحابه
الاحترام.
الوقت ليس مناسبا لهذه التصريحات.. مع انه لاشك اولوية بالنسبة
للكثير من اعضاء دولة القانون.. لكنه الان ليس الاولوية الاولى !
فللأولويات سلم تراتبي ارجو ان لايغفله بعضهم، فالشارع العراقي ينتظر
الان التصريحات التي ترتبط بالمساهمة في تهدئة الاجواء السياسية
المسمومة من جهة وما يتعلق بإلغاء رواتب البرلمانيين من جهة ثانية...
فالحكومة تتعرض لنقد واضح من قبل الكتل السياسية والشعب العراقي امام
التدهور الامني الحاصل... والبرلمان واقع تحت مرمى الشعب العراقي الذي
يجد فيه منبرا للتشاتم والانتهازية والمصالح الشخصية والحزبية وهدرا
للمال العام... والقاعدة تستغل هذه الصراعات والخلافات من اجل تحقيق
مآربها الدنيئة...
ازاء كل هذه المظاهر السيئة للتجربة العراقية في الفترة الحالية نجد
من يتبرع بتصريحات عن ولاية ثالثة وحسم الموقع تجاه المالكي في حين ان
اي شخص يمتلك حظ بسيط من الثقافة السياسية يعلم ان ائتلاف دولة القانون
سوف يرشح المالكي في الانتخابات القادمة كرئيس وزراء بل انهم مرشح
الائتلاف الوحيد ولايوجد من يضاهي امكانياته وقدراته بل وحتى شعبيته
التي مازالت هي الاعلى بين السياسيين العراقيين، ولاحاجة لذا لهذا
التصريح الذي يثبت ولاء صاحبه للمالكي !.
alsemawee@gmail.com
http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/mohendalsmawoi.htm |