الفساد والارهاب صنوان

يهددان الديمقراطية ويوجبان التغيير

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى

 

أكدّت كل الرسالات السماوية على محاربة الفساد بجميع أشكاله وأنماطه، فقد جعلت السماء من السعي في الأرض فسادا بمثابة الحرب على الله (تبارك وتعالى) ورسوله (ص)، كما دعت الحُكام الى حُكم شعوبهم بالعدل، وحذّرت من أن الحكومات الاستبدادية ومهما طال بها المقام فمآلها ومصيرها الى الزوال والإنهيار المفاجئ.

وفي نظرة سريعة الى نظام الحُكم في العراق ومنذ سقوط الصنم عام 2003 على يد قوات التحالف بقيادة أمريكا والى اليوم، نلاحظ انتشار الفساد بشكل لامثيل له في العالم وبما جعل من القواعد الفاسدة حاضنة أساسية تمد الارهاب بأسباب الحياة. وخاصة عندما يدور الحديث عن بلد مثل العراق، والذي يكاد أن يكون الأغنى في المنطقة بما يمتلك من موارد اقتصادية وثروة بشرية وثقل جيوسياسي على صعيد الإقليمي والعالمي.

فما عدا المواسم الانتخابية التي نرى فيها المسؤول العراقي متملقا ومنتحلا لصفة (خادم الشعب)، نرى ذات الشخص متنصلا عن وعوده، أصماّ أبكماً حال وصوله الى كرسي المسؤولية وكرسي الحٌكم الذي يُصبح بمثابة (كرسي النسيان) الذي سرعان ما يتسبب في ذهاب الوعود الانتخابية التي أطلقها المرشح أدراج الرياح.

وقد بدأ نهج التخادم بين الفساد والإرهاب جليا في المرحلة الأخيرة، حيث ألقى كل منهم بظلاله على الآخر مما حدا بالقيادات الدينية والمجتمعية والثقافية الانتقال من مرحلة التلميح الى التصريح علنا. فقد حذّرت المرجعية الدينية مؤخرا الحكومة من خطورة ما يجري من اختلالات أمنية وادارية عميقة لا يلمس الشعب العراقي أية نوايا صادقة للحلول الجذرية الجادة من قبل الحكومة لإصلاحها، سيما وأن الهمّ الأكبر للمسؤول العراقي قد بات محصورا في الدفاع عن موقعه الوظيفي بوصفه (طابو مسجل في دائرة الشهر العقاري)، دفاعا مستميتا يتيح له البقاء في موقع المسؤولية لأطول فترة ممكنة للحفاظ على إمتيازاته وجمع ما أمكن من المال السُحت لإيداعها في البنوك الإقليمية والأوربية والأمريكية.

فلم يعد خفيا ما يجري من عملية تخادمية بين الفساد والإرهاب، حيث يتم تسريب الأموال العراقية الى الخارج من قبل المسؤولين في نفس الوقت الذي يجري فيه استقطاب الإرهابيين الى الداخل من قبل أطراف أخرى، ومن الطبيعي في هذه الحالات أن يغض أحدهما الطرف عن الآخر ويشكلون غطاءً لبعضهم البعض وبما يسهّل عملية اختراق المواقع الأمنية الحساسة من قبل عناصر (البعث والقاعدة)، وخاصة مع اصرار الحكومة العراقية على استمرار ذات الوجوه دون ضخ دماء جديدة كفوءة في الأجهزة الأمنية. وجراء هذا الوضع المتسبب في ارباك الجانب الأمني والسياسي، ومع عدم وجود اصلاحات جذرية يكون الشعب العراقي هو الضحية والخاسر الأكبر نتيجة هذه العملية التخادمية بين كل من الفساد والارهاب.

وأن المناشدات المتتالية من القوى العراقية الشعبية والدينية للحكومة العراقية، والتي تحث فيها الحكومة على الشروع بالإصلاح لم تحضى تلك المناشدات وللأسف سوى بالتجاهل المطلق، بل الأدهى أن بعض الاطراف في كلا السلطتين التشريعية والتنفيذية باتت أكثر جرأة على الإفصاح عن تخادمها مع الإرهاب، وقد تجسّد ذلك في مواقفها المناهضة لأي نقد شعبي أو تشخيص للخلل حتى إن كان موجه لهم من قبل المرجعية الدينية العليا في العراق. حتى يمكننا القول بأن الفساد المتجسد في الأطراف الحكومية والإرهاب المتمثل في (البعث والقاعدة) يتقاسمان اليوم السلطة في العراق، مع تقدّم واضح في قوة الارهابيين الذين امتلكوا زمام المبادرة بأيدييهم سواء ما يتعلق منه بتوقيت التنفيذ أو جغرافية الفعل الارهابي.

وفي مقابل هذا التعنت والفساد الرسمي من جهة، وتصاعد وتيرة الفعل الارهابي وتزايد فرص بقاءه من جهة أخرى، ومن أجل الحفاظ على ما تبقى من أمل في الإصلاح الأمني والإداري، فقد أصبحت الحاجة ملّحة والضرورة في أقصى درجاتها لتأسيس ما يمكن الاشارة لها بـ (جمعية الانقاذ الوطني) لترميم ماهو موجود اليوم قبل أن ينهار وبشكل مفاجئ بناء الدولة بالكامل على رؤوس الشعب الذي عانى ما عانى بسبب الفساد والإرهاب الآخذين بالإزدياد. وعلى أن تأخذ هذه الجمعية على عاتقها خطوات سريعة تتمثل في.

أولا: تقوية وترميم الجبهة الداخلية من خلال إبعاد الفاسدين والمفسدين عن الساحة السياسية وضخ دماء جديدة بالتنسيق المباشر مع المرجعية الدينية والقوى المجتمعية والقوى السياسية المستقلة.

ثانيا: تنقية وتسمية الوزارات الأمنية من العناصر المشبوهة والفاسدة التي تشكل بتواجدها حواضن رسمية للإرهاب، مع الحفاظ الكامل على وحدة الملف الأمني بالإعتماد على الكفاءات المستقلة بعيدا عن المحاصصة الحزبية.

ثالثا: تطوير الجهد الاستخباري، من خلال تشكيل لجان أمنية خاصة من الكوادر المتخصصة والخبراء الوطنيين لتنقية الأجهزة الاستخبارية وتسمية رؤساء جدد لتطوير عملها بما يؤهلها للفعل الإستباقي لمنع الجرائم السياسية والعمليات الارهابية.

رابعا: محاربة الآفات الثلاثة ( الجهل والفقر والظلم)، ويتم ذلك من خلال:

أ- الإصلاح الاقتصادي : الاصلاحات الجذرية في قطاع الانتاج الصناعي والزراعي والتجاري وتقنين عملية الاستيراد لحماية الانتاج الوطني، وإرساء أسس المعالجة الفورية لإحتياجات الطبقة المتعففة في المجتمع من الأرامل والأيتام والعجزة والعاطلين عن العمل وعوائل ضحايا الارهاب.

ب: تشكيل لجان خاصة لمحاربة الفساد ومتابعة ملفات سرقة المال العام ومحاسبة المفسدين من مسؤولي الدولة وانزال أشد العقوبات بمن تثبت التهم الموجهة لهم، على أن يسبق ذلك إصلاح قضائي بالإضافة الى ما سبق يتبنى أيضا، مراجعة مظلومية الأبرياء في السجون العراقية، وتنفيذ الأحكام المعطّلة والمعلّقة بحق الإرهابيين والفاسدين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 14/آب/2013 - 6/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م