المثقف ومواقع التواصل الاجتماعي

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: لم تعد الصحف والكتب والمجلات الورقية، هي الوسط الاوحد لنقل الافكار وبثها بين الناس، كما كان الامر هكذا في السابق، فقد تعددت وسائل الاتصال والنقل الفكري بكل انواعه واشكاله، فبالاضافة للصحافة والتواصل عبر الورق والكتابة، هناك مواقع الكترونية كثيرة ومتنوعة، اخذت على عاتقها نقل الفكر، فضلا عن مواقع التواصل الاجتماعي، ودورها الذي بات في عصرنا الراهن قويا ومؤثرا، في رسم الاحداث وبلورة المواقف والنشاطات، الاجتماعية والسياسية، وكذلك في المجالات الحيوية الاخرى.

إن مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما موقع (الفيس بوك)، بات لها تأثير كبير على المستوى العالمي، من حيث تلاقح الثقافات، فضلا عن ربط الافراد والمجموعات مع بعضها، عبر تبادل الاخبار والمعلومات والاراء والثقافات بصورة فورية وعلى مدار الساعة، وقد شكل المثقفون والادباء حضورا لافتا في هذا المواقع، وبات نقاشهم مع بعض مباشرا، فضلا عن اعلان آراءهم وتصريحاتهم حول الشؤون السياسية والثقافية وسواها، بصورة مباشرة، ويمكن توصيله عبر الفيس بوك في لحظات الى كل من يهمه الامر.

ولكن رافقت عملية نقل الافكار وعرضها وتوصيلها، ظواهر اخرى غير جيدة، فعندما نقول من الافضل ان نجد مساحة مفتوحة لحرية الحوار والتثاقف بين الجميع، هذا لا يعني اطلاق العنان لكل اساليب النقل، حتى المتهافت منها، او النقل بأساليب غير متحضرة، بمعنى هناك طرق حوار مبتذلة، وهناك افكار لا تحترم سواها، وهناك اختلافات كثيرة قد تصبح اضرارها كبيرة، فتشيع نوع من اساليب الحوار غير لائقة.

لهذا تكون مهمة المثقف في مواقع التواصل الاجتماعي مضاعفة، فهو بالاضافة الى بث افكاره وطروحاته وعرضها للجمهور الواسع من القراء، تقع عليه مسؤولية قيادة الحوار البناء بين الجميع، من خلال كونه النموذج الذي يحتذي به الاخرون، في طريقة الحوار وعرض الافكار، واستخدام اللغة بالطريقة السليمة والمناسبة، وعندما يرى الاخرون المثقف وكيفية تعامله مع وسيلة الاتصال والطريقة التي يتعامل بها لعرض ونقل افكاره، فإن الجميع سوف يتخذ من المثقف مثالا، لذلك لابد أن يكون مؤثرا وذا رؤية دقيقة متنورة تبث المحبة والسلام والتعايش بين الجميع، فضلا عن نشر طرق الحوار البناء بين الجميع.

ان دور المثقف ريادي دائما، وهو يمسك بزمام الامور، كونه مالك الوعي الأعلى من بين الجميع، لهذا السبب ينظر عامة الناس الى المثقف على انه انسان متكامل، قلما يخطئ بحق الاخرين، لهذا يبقى المثقف محط انظار الجميع، يتابعون اقواله وحركاته وردود افعاله وسلوكه، وغالبا ما يتأثرون فيها ويعملون بها، من هنا تتشكل اهمية المثقف، لاسيما في عرضه لافكاره ونشرها عبر مواقع الاتصال، فطريقة الحوار والمفردات واللغة المستخدمة، والابتعاد عن التعصب، ونشر احترام الرأي الاخر، كل هذا وغيره، يجب نشره وابرازه وتوصيله الى الملأ الاكبر، أي الى عامة الناس اللذين يستخدمون مواقع لاتصال الاجتماعي.

بطبيعة الحال هناك تجاوزات وهناك اخطاء كثيرة يمكن ملاحظتها في مواقع الاتصال، وخاصة قضية التعصب، ورفض الرأي الاخر، وهناك اثارة مقصودة لنوع من الصراعات، لكن على العموم، يبقى المثقف هو صاحب المبادرة للتصحيح، وهو القادر على أن يقدم المثال المناسب والصحيح للجميع، في حين يتلكّأ بعضهم عن الدور المرسوم له كمنتمي للوسط الثقافي أو الادبي عموما، عندما يفشل في اداء الدور التنويري او المثالي المطلوب منه، كونه صاحب الوعي الاعلى، وعليه ان يكون المثال الافضل للاخرين.

هكذا يتلخص دور المثقف في مواقع الاتصال الاجتماعي، فهو لا يشبه غير من عامة الناس، انه قائد تنويري، يفتح آفاق الوعي امام الجميع، ويمنحهم قدرة على التلاقح الفكري والحوار المجدي، وهو بهذا السلوك يجعل من مواقع التواصل مساحة مفيدة ومثمرة لبناء مجتمع او فرد مثقف وقادر على أن يكون ذا تعامل انساني ناجح وسليم دائما.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 13/آب/2013 - 5/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م