كل شهر بل كل يوم هو للعبادة (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون)...
ولكن الله سبحانه ونبيه عليه الصلاة والسلام وآل بيته الطيبين الطاهرين
والصحابة الغر الميامين قد خصوا هذا الشهر بجهد استثنائي في العبادة
لأنه (شهر رمضان الذي انزل فيه القران، هدى للناس وبينات من الهدى
والفرقان).
في هذا الشهر تقرر الصوم فريضة واجبة على كل مسلم مستطيع...
والصوم ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب...
فلا فائدة ان يصوم المرء عن الطعام والشراب وهو يكذب على الله
والعباد.
او يمتنع المرء عن الزاد والشراب بينما تمتد يده الى اموال الناس...
وجريمة كبرى ومضاعفة ان يصوم المرء عن الطعام والماء لكن يده تمتد
الى اخيه المسلم بالقتل والخطف...
فالقاتل هنا قد افطر، وليته قد افطر على جرعة ماء، انما افطر بان
ارتوى من دماء اخيه...
والصائم الذي يقتل اخاه يعيد مأساة الخلق الاولى عندما قتل قابيل
هابيل.... وتركه كما يفعل البعض اليوم جثة على الثرى وحتى ان هذا البعض
لم يتمن ان يكون مثل ذلك الغراب الذي راح ينثر التراب بمنقاره على سوءة
غراب تصارع معه....
وليت هذه الجرائم (جاهلية) لكن الجاهليين انفسهم لم يفعلوا هذا فكيف
يفعله من يصوم لله!؟، ويردد (اشهد ان لا اله الا الله، وان محمداً رسول
الله). كيف؟.
انه والحالة هذه لا يقدس الشهادة انما يلطخها وجزاؤه عند الله لن
يكون جزاء المؤمنين.
وفي رمضان ايضا يتوجب على السياسيين والاحزاب الكف عن المناورات،
وحفر الحفر لغيرهم، وادعاءا وتبجحا من البعض بما ليس فيه، واصوات تنهى
عن الفعل المشين لكنها لا تفعل غيره...
ولرمضان نكهة خاصة في الارواح والابدان لذلك فان الناس قد اعتادوا
بعد الفطور ان بقبلوا على لذيذ الطعام كعملية فرح بانقضاء يوم صاموا
لله فيه.
وعندما كنا صغاراً كان كاتب هذا السطور كما هي حاله الان من عائلة
فقيرة بين عوائل فقيرة...
كان الفطور خبزا بالطبع واحيانا رأسا من الفجل واحيانا (رقية) تبرد
بحفظها طيلة النهار بالطين.
واحيانا وليس دائما كنا نذبح دجاجة، او نضع العجين في السمن (كباب
طاوه)... وكنا بذلك سعداء...
اما اليوم فمطالب الحياة تغيرت فلا بد تنويع ولو بسيط في الفطور،
ولا بد من استعداد للعيد بثياب زاهية للاطفال عسى ولعل العيد يمر دون
سيارات مفخخة واحزمة ناسفة، عسى....
لكن الناس في بلادي عاجزون عن ذلك، لان البطالة تتسع بدل ان تتقلص،
ولان الاسعار ترتفع بدلاً من النقصان، والناس في بلادي، يدفعهم من
يدفعهم، الى القتال حتى في رمضان، الناس في بلادي يصومون رمضانا ولكنهم
في سائر الشهور على حافة الصيام...
والولائم العامرة يقيمها الاغنياء لبعضهم، ليس ارضاء لله والا
لكانوا قد افطروا عائلة فقيرة، انما للتبجح وللتحالفات السياسية
ولكيفية تدمير غيرهم... عشاء عمل working dinner وحيث ان رمضان ايام
معدودات 29 او 30 يوما وان عدد الاحزاب العراقية يصل الى اضعاف هذا
العدد لذلك ظهرت ولائم جديدة هي ولائم السحور working dawn (وعذرا لهذا
النوع من الترجمة)...
ولا نقصد بالاغنياء الذين جاءوا بالمال بكدهم، او علمهم، او ميراثهم
انما الذين اخذوه مقابل انفسهم ووطنهم...
ان بعض الفقراء يبيعون عضوا من اعضائهم كأحد الكليتين لكن هؤلاء
يبيعون الفكر والروح والجسد لزيادة اموالهم.
فهم يصومون في نية الكسب الحرام ويفطرون على الكسب الحرام.
والله شاهد انه ما مر زمن اسيء فيه للاسلام مثل هذا الزمان، فلا حول
ولا قوة الا بالله....... |