طغاة ومقتنيات

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: يتشابه طغاة العالم الذين يحكمون حاليا او الذين اصبحوا في ذمة التاريخ، يتشابهون في الكثير من صفاتهم وافعالهم واهتماماتهم.. وهذا التشابه يعود الى جملة من العوامل النفسية والثقافية، اغلبهم كانوا مغمورين في قاع  المجتمع، وهم مصابون بالغرور والنرجسية  ومشاعر العظمة وحب الالقاب والتوصيفات التي تسبق اسماؤهم..وهم لا يسمعون الا صوت اهوائهم ورغباتهم، وهم ايضا في صعودهم واستمرارهم في حكم بلدانهم ، يعتمدون على منطلقات قوميه وعنصريه واثنيه، ولهم احزابهم التي يؤسسوها لغرض تمجيد صورهم في اوساط مجتمعاتهم، وذلك يتطلب منهم امتلاك جيش اعلامي ضخم لتمجيدهم والتسبيح بحمدهم ونشر افكارهم وتبرير افعالهم.

وهم ايضا يتشابهون في الرغبة العارمة بامتلاك الاشياء الثمينة، التي تشعرهم بالسعادة بعد ان امتلكوا ثروات شعوبهم، وتركوهم عرضة للجوع والفقر..

صدام حسين حاكم العراق والقائد الضرورة، واحد من هؤلاء الذين تعددت وتنوعت مقتنياته التي شاهدها العالم بعد رحيله، ومن ذلك السيف الذهبي الذي اعادته الولايات المتحدة الامريكية الى العراق بعد ان بقي فيها من العام 2003 ، بعد ان اكتشفت دائرة الهجرة والجمارك الأمريكية  ومباحث الأمن محاولة بيعه في مزاد في (نيو هامبشاير) في العام 2012، بقيمة 15 ألف دولار. يبلغ طول السيف 1.1 متر ومزخرف بكتابات باللغة العربية من حروف ذهبية، واحتفظت به وحدة المؤرخين العسكريين مدة طويلة.

وفي وقت سابق اعتقلت شرطة ولاية نيوجيرسي الأميركية اربعة اشخاص متهمين بالتآمر لبيع مسدسات وبنادق مسروقة، من مقتنيات عائلة صدام، تتراوح قيمتها بين 250 ألفا و350 ألف دولار.

وقبل ذلك أطلق مسؤول البروتوكول في حاشية صدام حسين، موقعاً إلكترونياً خاصاً، لبيع مقتنيات رئيسه السابق.

وكان هيثم رشيد، مسؤولاً عن متعلقات الرئيس السابق التي كان يتركها في قصوره المتعددة بعد اجتماعاته أو لقاءاته، فجمعها على مدى 20 عاماً خدم فيها صدام.

ويهدف رشيد لجمع 350 الف جنيه استرليني (نحو 700 الف دولار)، من بيع ما يعرضه من أقلام وخواتم ومجوهرات وملابس أيضاً، إضافة إلى ساعة رولكس كان يرتديها صدام حسين.

وتتضمن المعروضات متعلقات منحها صدام لرشيد كتذكار منه، كما يعود بعضها لسنوات خلت، كنظاراته التي كان يرتديها عندما يذهب ويتفقد الجبهة الامامية اثناء الحرب العراقية الايرانية.

وعرض هيثم هذه النظارات الشمسية مقابل 6 آلاف جنيه استرليني. كما يعـرض قلم صدام الخاص مقابل 2500 جنيه استرليني.

وبحسب هيثم، فان هذا القلم يمثل رمزاً خاصاً، وقيمة تاريخية، لأنه ذاته القلم الذي (وقّع) صدام به قرارات الإعدام التي وصلت في بعض المرات إلى 25 قراراً دفعة واحدة.

 يقول هيثم (كان صدام يمارس طقوساً خاصة عند اتخاذ قرارات الاعدام، إذ كان يكتب إلى جانب توقيعه (رحمه الله) .

وكان من مقتنيات صدام حسين ايضا ثلاث عربات ذهبية، مصنوعة من الذهب ومرصعة بالماس الايطالي ويقدر ثمنها بثلاثة مليارات دولار.

وكانت احدى تلك العربات منحوت عليها صورة صدام حسين، ومن الجهة الاخرى صورة ابنته الصغرى، وسبق ان استخدمها في احد اعياد ميلاده خلال سنوات الحصار الاقتصادي على العراق وجلست بجانبه زوجته الثانية سميرة الشابندر، ويرجح الخبراء ان تكون العربة قد تم تصنيعها من قبل التصنيع العسكري بمساعدة متخصصين ايطاليين .

وعند احتلال العراق ودخول القوات الامريكية الى قصور صدام حسين، عثرت تلك القوات في أحد قصور صدام حسين ودوره على غرفة نوم وُصفت بأنها (عش غرام يعود لعقد الستينات). فالجدران مغطاة بالمرايا من الأرض للسقف، والمصابيح على شكل نساء، ولوحات فنطازية تظهر عوالم خرافية يقطنها محاربون ونساء عراة أو شبه عراة.

وهذه اللوحات وصفها الناقد التشكيلي البريطاني جوناثان جونز على صفحات «غارديان» البريطانية بعد العثور عليها بأنها «تبدو وكأنها أنجزت بعلب الألوان الرشاشة لتصور عوالم ليس فيها غير رجال ذوي عضلات مفتولة ونساء».

ويمضي جونز قائلا:(هذه هي حثالة الفن التشكيلي وأجدر ما تكون بشخص تعلم القراءة والكتابة لتوه وبدأ يعي الأشياء من حوله بالطريقة التي يجد فيها المراهق الجديد مغزى جنسيا في كل شيء ينظر إليه).

ومجموعة صدام من اللوحات الفنية تشي برجل عاش حياته في دنيا العنف المتدثر بالجمال الشهواني. وليس ثمة كلمة بوسعها احتواء هذا الوضع غير (الفاشية).

لا يقتصر الامر على صدام حسين، بل يمتد ايضا الى الكثير من الطغاة الذين حكموا اكثر من دولة في العالم.. بعد اسقاط الملك فاروق من عرش الملكية في مصر،  قاد ضابط مصري شاب مجموعة من الصحافيين الغربيين في جولة على قصر عابدين، وقال يخاطبهم: (سترون ما كنتم تظنون أن لا وجود له).

وقال مراسل صحيفة «تايمز» البريطانية في تقرير له إن القصر «يترك لدى الزائر الانطباع بأن شخصا ما ملأ غرفه الواسعة بكل ما خطر له من أثاث، وأنه فعل هذا بشكل عشوائي يشير بوضوح إلى أن هذا الشخص يعاني الوحدة القاسية واليأس».

ووصف المراسل أيضا بعض ما حوته تلك الغرف. وكان بين هذه خزانة تعج بعجلات الروليت، ومئات صناديق ورق اللعب التي تحمل على ظهورها صور نساء «أبعد شيء عن الحشمة»... ومجموعة أخرى العملات النقدية الذهبية والفضية، والميداليات الروسية القيصرية، وصكوك دولارات فضية خاصة، ومجموعة من طوابع العالم البريدية تبلغ قيمتها (وقتها) مليوني دولار.

هذا بالإضافة إلى مختلف أنواع الأدوات، ومنها فونوغراف عتيق هائل الحجم، وأورغن، وتماثيل لعراة «في أوضاع تقليدية وأخرى غير تقليدية».

وأخيرا يصف المراسل محتويات غرفة أخرى قال إنها «خليط غريب من الإباحية التي تشمل تماثيل وحيلا فوتوغرافية ».

اما الزعيم الكوري السابق  كيم جونغ إيل يملك أكثر من 20 ألف فيلم على أشرطة فيديو، وأنه معجب يشكل خاص بسلسلة أفلام جيمس بوند. ويقال، من باب التهكم، إن الاستثناء الوحيد في هذه السلسة هو Die Another Day «مت في يوم آخر» الذي تبدأ أحداثه بالعميل البريطاني 007 وهو يتلقى أقسى صنوف التعذيب في معتقل بكوريا الشمالية.

ويبدو أن كيم ليس مغرما بجمع الأفلام وحسب وإنما بجمع العاملين في مجالها أيضا. فقد أصدر أوامره في 1978 – قبل خلافته والده – باختطاف مخرج وممثلة سينمائييْن كوريين جنوبيين لتصوير عدد من الأفلام عنه. ويعرف عن كيم ايضا غرامه الدفّاق بكرة السلة الأميركية ونجمها مايكل جوردان.

ويقال إن مكتبته من شرائط الفيديو في هذا المضمار تضم المباريات التي شارك فيها جوردان مع فريقه «شيكاغو بولز» عن بكرة أبيها. ويذكر أن وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، مادلين اولبرايت، حققت له حلما عظيما في إحدى حقب التقارب بين بيونغ يانغ وواشنطن في أواخر التسعينات حين أهدته كرة سلة ممهورة بتوقيع جوردان.

على أن الإدارة الأميركية استغلت في الوقت نفسه ولع الرئيس الكوري الشمالي بالمنتجات الغربية للضغط السياسي عليه شخصيا.

ومثلا فرضت إدارة الرئيس جورج بوش في 2006 حظرا على بلاده يجعل من الصعب عليه وعلى رموز نظامه تلقي السلع الكمالية مثل «آي بود» وتلفزيونات البلازما وساعات «رولكس» ودراجات «هارلي ديفدسون» النارية والدراجات المائية النفّاثة... ولكن الكونياك على وجه الخصوص. فقد عُلم أن الرئيس الكوري الشمالي ينفق 650 ألف دولار في السنة على استيراد كونياك «هينيسي» الذي يبلغ حبه له حد التقديس في ما يبدو.

ولو اتينا الى ايران والى الشاه محمد رضا بهلوي وجدنا ولعا اخر يتعلق بالسيارات الثمينة، والتي كانت مجموعته منها تشمل 140 سيارة بين العتيقة والنادرة، بما فيها رولز رويس «فانتوم 5» مدرّعة تعود للعام 1953، و«لامبورغيني كونتاش» 1947 قدمت هدية له بمناسبة اجتيازه امتحان القيادة عندما كان وليا للعرش.

وتشمل هذه المجموعة أيضا نموذجا أصليا لسيارة «كرايزلر سي – 300» (1950)، و«مرسيدس 500 كيه كوبيه».

وهذه الأخيرة واحدة من ست فقط في العالم، ويقال إنها كانت مملوكة للزعيم النازي أدولف هتلر. وحاليا توجد هذه المجموعة الفريدة، التي توصف وسط جامعي السيارات بأنها «مسيلة للّعاب»، في «المتحف القومي للسيارات» بطهران.

اما الزعيم الليبي معمر القذافي الذي عاش ساعاته الأخيرة في مصرف للمياه وهو يتوعد أعداءه (الجرذان) بمسدس ذهبي، فقد  كان ذا غرام خاص بالأسلحة المصنوعة من الذهب أو المطلية بمائه.

وكان ذلك المسدس الذهبي، الذي يقال إن الثوار قتلوه به، نسخة معدّلة من «كولت 45» الذي صار شهيرا بفضل استخدامه في الغرب الأميركي وظهوره بالتالي في أفلام رعاة البقر «الكاوبوي». لكن العقيد امتلك ايضا عددا من مدافع «ايه كيه – 47» الرشاشة (كلاشنيكوف) الذهبية إضافة إلى مسدس قبضته مطعمة بالألماس.

على أن القذافي كان يحمل في صدره غراما أكبر من عشقه للماديات. فلم يكن خافيا ولعه الجارف بوزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس التي كان يسميها (حبيبتي الأميرة الإفريقية). وقد عثر في باب العزيزية على ألبوم صور مخصص للقاءات رايس بمختلف المسؤولين في زياراتها دول العالم شرقا وغربا.

وفي كتاب مذكراتها الأخير تكشف رايس نفسها أن القذافي أصر خلال زيارة لها الى طرابلس على أن تتناول الغداء معه في مطبخ مقره بباب العزيزية. ثم أطلعها بعد الغداء على ذلك الألبوم من الصور لشخصها وهي في أسفارها الخارجية والداخلية. وكما تقول، فقد أمر بأن تشغّل في الخلفية أغنية ألّفها ليبي بعنوان (زهرة سوداء في البيت الأبيض).

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 6/آب/2013 - 28/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م