الارهاب الدولي وهذيان العقل السياسي العراقي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: تداولت وسائل الاعلام خبر اغلاق عدد من السفارات والقنصليات والممثليات الامريكية في مجموعة من الدول في الشرق الاوسط وبعضا من الدول الاسلامية.. سبق ذلك تهديد اطلقه تنظيم القاعدة الارهابي باستهداف معتقل غوانتانامو واخراج المعتقلين فيه، بعد ان نجح هذا التنظيم في اخراج مجموعة من قادته من سجون العراق وليبيا وباكستان.

اغلاق ممثليات الولايات المتحدة الامريكية شمل حتى اسرائيل، التي كشفت ان “وزارة الخارجية الاميركية قررت اغلاق سفارتها لدواعي امنية”، وذلك في اعقاب تقرير للاستخبارات الاميركية حذرت من الاوضاع الامنية واستهداف الاميركيين في اسرائيل وغيرها من الدول.

وذكرت المواقع الاخبارية ان (قرار الخارجية الاميركية يشمل عدداً من السفارات والممثليات الاميركية في مختلف انحاء العالم).

وبحسب تلك المواقع فان أبو ظبي وبغداد والقاهرة على رأس الدول، التي سيتم إغلاق السفارات الأميركية فيها ، إضافة الى افغانستان والجزائر والبحرين وبنجلادش وجيبوتي ومصر والعراق والاردن والكويت وليبيا وموريتانيا وعمان وقطر والسعودية والسودان والإمارات العربية المتحدة واليمن. وذكر ان بعض السفارات قد تبقى مغلقة لأكثر من يوم واحد وذلك بحسب التقييمات الأمنية.

مجموعة الدول التي ورد ذكرها تتراوح فيها طبيعة الاوضاع الامنية بين المستقر والهش، ففي الخانة الاولى يمكننا وضع (البحرين واسرائيل والاردن والكويت وسلطنة عمان وقطر والسعودية والجزائر وجيبوتي وموريتانيا والسودان والإمارات العربية المتحدة) وفي الخانة الثانية يمكن وضع (بغداد والقاهرة وليبيا واليمن وافغانستان وبنغلادش ).

اغلاق السفارات اجراء متبع من قبل العديد من الدول وتبعا لاسباب كثيرة، الامنية واحدة منها، وتفاصيل الاسباب الامنية لايمكن النظر اليها من زاوية واحدة تبعا للمعطيات الموجودة على ارض كل دولة على حدة..

تختلف طبيعة القراءات للاسباب الامنية تبعا لاختلاف العقول الممسكة بملفات الامن والسياسة في كل دولة تواجه مثل هذا الاجراء.. النظر الى تلك الاسباب وطبيعة قراءتها تكشف ايضا عن مستوى العقل السياسي او النخبة السياسية التي تقود وتحكم وبيدها مقاليد السلطة والحل والربط في تلك الدول.

شبكة (سى بى إس)الإخبارية ذكرت ان (المعلومات الاستخباراتية لم تشر إلى أماكن بعينها وهذا سبب إغلاق كل السفارات يوم الأحد، وهذا يشمل سفارات وقنصليات فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا حيث يكون يوم الأحد هو بداية أسبوع العمل".

فيما لفتت مصادر أخرى، أن يوم الأحد المقبل هو ساعة الصفر لفض الاعتصامات فى مصر مما جعل أمريكا تقرر إغلاق سفارتها بالقاهرة تخوفا من حدوث آية تهديدات فى ذلك اليوم.

في مصر التي ورد اسمها في اللائحة، تمت قراءة القرار والتعليق عليه بهدوء يتناسب مع واقع الحال، وليس تنظيرا صوتيا مليئا بالهلوسات.

حيث اعتبر اللواء سامح سيف اليزل أن قرار الإغلاق لا علاقة له بالموقف السياسى الأمريكى من مصر والدليل زيارة جون كيرى لمصر يوم الاثنين المقبل، قائلا (طالما أن مصر ليست بمفردها فى غلق السفارة فهناك دواعى أمنية بحته جعلت السلطات الأمريكية تقرر ذلك).

واعتبر أن هذا الموقف أمنى كامل ولن يستمر لفترة طويلة بل هو مرهون بانتهاء التهديدات المطروحة.

وأشار الدكتور عبد الغفار شكر مؤسس حزب التحالف الشعبى إلى أن هذا الأمر لا يتعدى كونه إجراءات وقائية، لكن لا يوجد خطر على أمن مصر خاصة وأن غلق السفارة جاء فى أكثر من دولة وليس مصر فقط.

وأكد شكر أن السلطات الأمريكية عادة ما تتخذ هذا القرار عندما يكون هناك أحداث متوترة فى أحدى الدول التى تتواجد بها سفاراتها.

كيف نظر ساسة العراق لمثل هذا الاجراء، وكيف كانت ردود افعالهم المعلنة؟

رئيس كتلة الاحرار البرلمانية التابعة للتيار الصدري بهاء الاعرجي، اشار إلى أن (قرار اغلاق السفارة في ظل هذه الظروف الحرجة التي يمر بها بلدنا الحبيب الا رسالة واضحة الى بقية الدول ان العراق يمر بحالة طوارئ، وضرورة اغلاق سفاراتكم فيه).

وأوضح الاعرجي أنها (أيضا رسالـة لتأكيد الازمة واعـطاء الضوء الاخضر للقاعدة في اقامـة عملياتهـا الارهابيـة). مضيفا، (أننا في ذات الوقـت نوجـه رسالـتنا الى ابناء شعبنا العراقي بضـرورة توحيد الصفـوف وعـدم الاكتراث الى هـذه الاسـاليب التي يراد بهـا زرع الخـوف فـي صفـوف ابنـاء شعبنا).

وعلى منواله أكد النائب عن كتلة الاحرار حسين الشريفي، إن (غلق السفارة الامريكية في هذه المرحلة يشير الى ان هناك امرا مبيتا بين تنظيم القاعدة الارهابي والأمريكان).

وأوضح أن (تنظيم القاعدة الارهابي والامريكان هم وجهان لعملة واحدة، وإلا بماذا يفسر غلق تلك الثكنة الامريكية في هذا الوقت بالتحديد بحجة دواع امنية، وهي لم تغلق طيلة تواجدهم بالعراق).

ولكي لانكون متجنين على تيار الاحرار، قال عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، حامد المطلك إن (تخوف الولايات المتحدة الأن من خلال غلق سفارتها في العراق جاء نتيجة تهورها وعدم احترامها لكرامة وإرادة الشعوب وغزوها للعراق دون مبرر).

وأضاف المطلك أن (تصرفات الحكومة الامريكية غير المسؤولة، هو ما آل بها إلى هذا الحال)، متابعا (عندما تلجئ السفارة الامريكية لغلق سفارتها التي لم تغلقها منذ 11 عاما بالتأكيد لديها معلومات خطيرة بعد الأوضاع المتردية والمتفاقمة التي بدت تتجه إلى خارج الحدود في بلدان إقليمية أخرى).

النائبة سميرة الموسوي عضو ائتلاف دولة القانون قالت أن (موضوع إغلاق سفارة الولايات المتحدة الأميركية في العراق أثار القلق في جميع الأوساط الشعبية والحكومية، بل حتى في أوساط القوات المسلحة)، مبينة أنه (كان على الحكومة الأميركية ان لا تدمج العراق مع بقية الدول التي قررت إغلاق سفارتها فيها، لأن العراق قطع شوطاً كبيراً في العملية الديمقراطية برعاية ودعم الولايات المتحدة الأميركية، فمن غير الممكن وضعه في مصاف الدول التي ما زالت تعاني إرباكاً في شأنها الداخلي، ولم تتضح معالمها السياسية حتى الآن).

وأضافت ان (ذلك القلق له تأثير على الجانب النفسي، ويولد دلالات غير بناءة)، مشيرة إلى أنه (لم نكن نتأمل من السفارة الأميركية أن تغلق سفارتها بهذا الشكل في العراق اسوة ببقية الدول المضطربة).

ربما التحالف الكردستاني، وحده الذي لم يثره القرار بالشكل الذي اثار البقية، وهو ايضا قدم رؤية بسيطة اختزلها بالقول إنه (قرار مؤقت) وليس دائميا .

من قراءة لتلك التحليلات التي اعقبت قرار الاغلاق، يمكن ان تتكشف لنا حقيقة تلك العقول الاستراتيجية التي تحكم البلد عبر المواقع السياسية في مجلس النواب وفي الحكومة، ومقدار العمق الاستراتيجي الذي تتمتع به في النظر الى جميع المشكلات ووضع الحلول الناجزة لها.

من المؤكد ان اي واحد من الساسة العراقيين لم يقرأ خبر الاغلاق كله، واقتصر على قراءة كلمة واحدة فيه وهي العراق، ومحاولة استثمارها في مشاكسة ومناكفة الحكومة، الذين يستوزرون فيها، وهو استثمار تعودنا عليه طيلة السنوات السابقة.

ينطبق على ساسة العراق ما كتبه الدكتور عفيف دمشقية في بداية صفحات ترجمته لكتاب ريجيس دوبريه والمعنون (نقد العقل السياسي) حيث يقول: السياسة جعلت الناس في جميع الازمان، مجانين او متوحشين او خطرين، وبكلمة واحدة فاقدي العقل.. والحق ان لكل انحراف عقلي سبب، ولا شيء يتم بلا علة.

هذا ما يقوله الحس السليم.. ومن هنا السؤال المحرج: لماذا ينبغي ان تزيغ عقول الناس بمجرد ان يعيشوا في مجتمع؟ الجواب هنا يتخذ شكل صعود نحو وضع امكان الهذيان الجماعي وهو يبدأ بفحص خطابات الهذيان (وهي اليوم ايديولوجية) وينتهي بفحص البنية المنطقية لجماعة مستقرة... بعد سنوات من كل هذه الفوضى نحتاج فعلا في العراق ان نتفحص خطابات الهذيان التي صدّعنا بها ساسة العراق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 5/آب/2013 - 27/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م