شبكة النبأ: يشهد العراق منذ عدة شهور،
حراكا مدنيا لافتا، يتصاعد مع مرور الأيام، مصحوبا بمؤشرات عديدة، تؤكد
إمكانية استثمار هذا الحراك لصالح بناء الدولة المدنية، القادرة على
حماية الحقوق والحريات، وإلزام الجميع باحترام واجبات المواطنة، فيما
لو تم ذلك وفق أفكار وخطوات محسوبة من حيث التخطيط والتنفيذ من لدن
الجهات المعنية، ومنها تلك المبادرات المدنية الفردية والجماعية التي
تظهر بين حين وآخر، ضمن الإرهاصات الاحتجاجية الشعبية، الهادفة الى
الحد من التجاوزات التي ترتكبها مؤسسات تابعة للدولة، يمكن وصفها
بالهشة، كما هو الحال بالنسبة للبرلمان، او السلطة التنفيذية الركيكة.
نحن نتفق بطبيعة الحال على الفوضى التي تعيشها مؤسسات الدولة،
والثغرات الكثيرة التي يتسلل منها أرباب الاعتياش على قوت الشعب
وثرواته بشكل منظم، بمعنى نحن نعرف ونتفق ونؤكد أن هناك جهدا (مافيويا)
منظّما يعمل على مدار الساعة، من اجل تخريب الدولة واضعاف مؤسساتها،
ولعل المخطط الدولي والاقليمي فضلا عن العصابات المحلية، كلهم يلتقون
ويتفقون على هدف واحد، هو اضعاف الدولة العراقية الى الحد الذي يسمح
بتحقيق اهدافهم السياسية والاقتصادية كافة.
وقد وعت هذا المخطط معظم الجهات الوطنية والشعبية في العراق، وهي
تعرف اليوم بأن البلد يتعرض الى هجمة شرسة منظمة، من اجل امتصاص خيراته
وثرواته الى اطول مدى ممكن، فضلا عن تحييده فيما يخص الصراعات
الاقليمية وحتى الدولية، لأن عراقا قويا ذا تأثير في السياسة والاقتصاد،
سوف يربك الحسابات الاقليمية، ويحرم دول وحكومات من تحقيق اهدافها على
حساب الشعب العراقي والدولة العراقية، فضلا عن نهبها لخيرات البلد، ومع
ذلك تبدو الحلول صعبةن مع وجود مؤشرات كثيرة تدل على الاستعداد الشعبي
للاحتجاج او الانتفاض، لاسيما شريحة الطلبة والشباب عموما، كونهم أكثر
المتضررين من نهب ثروات البلد وإضعاف المؤسسات المستقلة للدولة .
لذلك تستميت القوى الاقليمية والدولية من اجل تحييد قدرات العراق
الذاتية، فتعمل ليل نهار من اجل ابقائه ضمن دائرة الهشاشة، حتى تبقى
هذه القوى هي المتحكمة في موارده، وفي حراكه السياسي ايضا، وقد فهمت
هذه اللعبة المضببة والغامضة كثير من الجهات ذات المنحى الوطني ومنهم
معنيون بالسياسة، وآخرون يبحثون عن حقوقهم المهدورة، ويأتي هذا الحراك،
كما تؤكد جميع المؤشرات من الجهات ذات الجذور الشعبية، وها هي تحاول أن
تمسك بزمام المبادرة وتعيد الامور الى نصابها، كي يصبح الشعب هو
المتحكم بحاضره ومصيره، بدلا من تلاعب القوى الاقليمية والدولية
بمقدراته، بمساعدة عصابات منظمة، قد تأخذ اشكالا وتنظيمات سياسية
تابعة، تحاول بشتى السبل والاساليب فتح ثغرات متواصلة في النسيج
السياسي والاجتماعي والديني في العراق، من اجل تحقيق الاهداف المخطط
لها سلفا.
لذا تستدعي المرحلة الراهنة تكثيفا للوعي، وتطوير لإرهاصات الاحتجاج
هنا وهناك، لزيادة الضغط على الحكومة ومؤسسات الدولة المعنية من اجل
حماية حقوق العراقيين، وحقهم في بناء حاضر آمن سليم، ومستقبل مضمون،
لذلك نلاحظ انطلاق حملات ودعوات متواصلة لتصحيح الاخطاء السياسية، منها
على سبيل المثال (الدعوة لالغاء الرواتب التقاعدية لاعضاء مجلس النواب
والمجالس البلدية)، وهي حملة آخذة بالتصاعد مع مرور الوقت كما تشير
الوقائع، فيما بدأت بعض الاحزاب والكتل والشخصيات تعلن (في خطوة
استباقية) تنازلها عن رواتبها التقاعدية، لأمور يقول المراقبون عنها،
انها قد تكون محاولات غير جادةن القصد منها كسب ود الشارع، قبل
الانتخابات النيابية القادمة في عام 1914.
وثمة مؤشرات اخرى تدل على تنامي الحراك المدني، لذلك مطلوب استثمار
هذا الحراك بالطريقة الصحيحة، لكي يؤتي أُكُلهُ بما ينسجم وتطلعات
الشعب العراقي، لاسيما الطبقة الفقيرة التي عانت وما زالت كثيرا من
العوز والحرمان، وآن لها أن تتمتع بخيرات بلدها، كذلك آن للجهات
السياسية المتحكمة بادارة ثروة البلد أن تفهم بأن غبن الفقراء لا يمكن
ان يستمر الى ما لانهاية، وهذا ما يؤكده منطق التاريخ، وتجارب الامم
التي سبقتنا في الصراع، بين الفقراء من جهة، والطبقة السياسية من جهة
ثانية. |