الدور التركي الأردوغاني في الأحداث السورية

عدنان العلي الحسن

 

مقدمة

بعد انهيار الدولة العثمانية المترافق مع هزيمتها في الحرب العالمية الأولى استطاع مصطفى كمال (أتاتورك) النجاح في لم شمل تركيا وتأسيس الجمهورية التركية الحالية من خلال تأكيده على الجانب القومي كقاعدة للوحدة وعلى الجانب العلماني كقاعدة ثانية للخروج من التخلف الديني المنسوب للحقبة العثمانية وعلى الارتباط بالغرب المتطور كقاعدة ثالثة لبناء تركيا الحديثة.

والحق يقال أن تركيا على الرغم من كونها قاعدة استعمارية لإمبراطورية واسعة المساحة خرجت (نتيجة الاستبداد العثماني وتخلف سلاطينه وانغماسهم في حياة الثراء الفاحش مادياً وأخلاقياً) متخلفة عن التطور الصناعي والعلمي والفكري الغربي بأشواط زمنية بعيدة، ديدنها في ذلك ديدن مستعمراتها من الدول العربية على عكس الدول الأوروبية الاستعمارية التي بنت انتعاشها الاقتصادي وقوتها وتفوقها على نهضتها الخاصة أولاً وعلى نهبها لخيرات الشعوب التي استعمرتها ثانياً.

وهذه المفارقة تعود برأينا إلى الاختراق اليهودي (الدونما) للأسرة العثمانية منذ عصر سليم الثاني والذي كرس فيها الفساد إلى درجة مريبة كانت ممنهجة لمصلحة الهدف الصهيوني لتحقيق كيانه الاستيطاني على أرض فلسطين.

تركيا بعد الحرب العالمية الثانية:

هي التي تبرأت من شرقيتها وارتبطت بالمخططات الاستعمارية وتحالفت مع الغرب ضد الاتحاد السوفيتي وأقامت علاقات مميزة مع الكيان الصهيوني استطاعت أن تحقق بعض التطور الاقتصادي على النموذج الرأسمالي وقدرة عسكرية هامة انضوت تحت لواء الحلف الأطلسي وجزءاً فاعلاً منه ورسخت نظاماً ديمقراطياً على النموذج الليبرالي تحت وصاية العسكر الذي لم يكن بعيداً عن القرار السياسي بل كان فاعلاً من خلال فاعليته في مجلس الأمن القومي التركي الذي كان يدير فيها الحقيقة الاستراتيجية السياسية بل وتتدخل عند الحاجة التي تراها الولايات المتحدة الأمريكية مناسبة.

 وهذا الوضع السياسي قًسمَ المجتمع التركي إلى قسمين:

 الأول علماني غربي تجاري صناعي وسياحي ثري يعيش في غرب تركيا.

والثاني زراعي فقير متخلف يحن إلى المشرقية وتتنامى فيه الحالة الدينية (حيث من المعروف أن المجتمعات الفقيرة تكون أكثر تديناً وخاصة عند إحساسها بالظلم...) وكان يمثل في الحقيقة أغلبية معقولة من الشعب التركي على كل حال.

التدخل الامريكي في العالم تحت شعار مكافحة الإرهاب:

بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بزعامة العالم ومن خلفها الصهيونية التي أحكمت أذرع أخطبوطها على مفاصل الغرب كاملة كان لا بد لواشنطن من اختراع عدو افتراضي يسهل عليها إحكام هيمنتها على العالم من خلال سياسة الترهيب والترغيب فعملت في الجانب الإسلامي على محورين متوازيين لتحقيق مبتغاها سابق الذكر:

في المحور الأول ومن خلال الاعتماد على المشورة البريطانية الخبيرة في هذا المجال تم تفعيل ودعم المنظمات التكفيرية واستخدامها في مجالين متناقضين تنضح خلالهما الطبيعة الخبيثة للصهيونية ففي المجال الأول تستخدم هذه التنظيمات لتهديد وضرب أعداء الولايات المتحدة كما حصل مسبقاً في مواجهة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان وكما حصل لاحقاً ومن خلال تواطؤ بعض الدول الإسلامية وخاصة الخليجية في ضرب وحدة يوغوسلافيا وتقسيمها وإحكام السيطرة على وسط أوروبا وفي المجال الثاني استخدام هذه التنظيمات كوسائل تهديد عالمي طائفي ديني سياسي كما حصل في اعتداءات (11 أيلول) وكذلك من اعتداءات في أوروبا الغربية وغيرها من الأماكن لمنح الولايات المتحدة شرعية التدخل في العالم تحت شعار مكافحة الإرهاب (احتلال أفغانستان، احتلال العراق...)

أما في المحور الثاني الموازي فلقد دعمت الولايات المتحدة ما يسمى الإسلام المعتدل أي تنظيم الإخوان المسلمين العالمي ليصل إلى مواقع القرار في المناطق التي تريد الولايات المتحدة تحقيق أهدافها فيها دون الحاجة للتدخل العسكري المباشر.

الإسلام السياسي الإخواني الأردوغاني:

لقد استفاد الإسلام السياسي في تركيا من هذا التطور العالمي فنجح في إحكام قبضته ديمقراطياً ليس اعتماداً على الحاجة الداخلية للمجتمع التركي الرافض للعلمانية وخاصة في المناطق الفقيرة بل لأن المساعدة الأمريكية له قد حجّمت الأحزاب العلمانية وكبلت القيادة العسكرية خاصة وأن الإسلام السياسي الإخواني (حزب العدالة والتنمية تحديداً) كان له دور هام في توزيع مشاريع الفتنة في الوطن العربي وهذا ما يهم الولايات المتحدة والصهيونية لحسابات التحكم في المنطقة وثرواتها ولتعطيل النمو الصيني والروسي الذي بدأت ملامح خطره تتبدى من جديد وخاصة بعد أن استعادت روسيا توازنها بعد أقل من عقد على سقوط الاتحاد السوفيتي. كما أن المصلحة الإسرائيلية في كبح الخط القومي العربي المقاوم المتحالف مع إيران قد بدأ يهدد الوجود الصهيوني في فلسطين من جانب آخر.

في الوضع الداخلي التركي استسلمت العلمانية لعدة أسباب:

 أولاً ـ نتيجة خضوعها للقرار الأمريكي وهو سيد الطرفين على كل حال. وثانياً ـ نتيجة المد الشعبي الذي أراد إبراز هوية تركيا المشرقية مقابل تغريبها المفتعل والذي دام لعقود وثالثاً للإنجازات الاقتصادية التي تحققت وخاصة نتيجة التقارب التركي/السوري والتركي/الإيراني والذي منح تركيا دوراً فاعلاً ووسيطاً على المستوى العالمي وخاصة بين الشرق والغرب. وهذا ما أحرج العلمانية (وكانت ترى مصلحة لتركيا فيما يجري). خاصة عندما طرح حزب العدالة والتنمية نظرية صفر مشاكل مع الجوار وبدأت ملامح التشبيك مع سوريا وإيران تؤشر لمستقبل واعد حتى ظن البعض أن هنالك محوراً ثلاثياً قيد الترسيخ سيصبح ذا شأن في المنطقة والعالم.

إلا أنه في الحقيقة تبين للجميع الصورة الحقيقة لأردوغان رئيس الوزراء التركي ووزير خارجيته (داوود أوغلو) ولحزبه عموماً. فقد كانت سياسة صفر مشاكل مدخلاً للتسلل إلى سوريا تمهيداً للانقضاض عليها خاصة. وكان الاعتزاز بديمقراطية أتاتورك حجاباً تختفي وراءه نوايا ديكتاتورية إخوانية تسعى لنسف التراث العلماني بشكل كامل وكانت تمثيلية دعم الشعب الفلسطيني وقضيته خماراً تتستر خلفه مؤامرة صهيونية إخوانية لتقسيم الأقطار العربية على أسس طائفية ومذهبية الخ... وجاءت مؤامرة الربيع العربي لتكشف المستور وتؤكد طبيعة الغدر الإخوانية لدى أردوغان وحزبه وهي تتكئ على حلم امبراطوري عثماني على قياس الأحلام الصهيونية الأسطورية.

التفاعلات الدولية والتركية إزاء مايسمى بالربيع العربي في البلدان العربية:

خرجت الحكومة التركية من انتفاضتي تونس ومصر بأقل الخسائر والأضرار بعدما كشفت عن موقفها منذ البداية في رفض بقاء الرئيسين التونسي والمصري في السلطة، لكنها لم تحسم موقفها من الانتفاضة الليبية إلا بعد مطالبتها القذافي بالرحيل. أما في الحالة السورية فإنها فوجئت بالانتفاضة بعدما كان الرئيس بشار الأسد يطمئنها أن سورية محصنة ووضعها في مأزق بسبب تصاعد الاحتجاجات مع تعنت الاستجابة للمطالب الشعبية.(1) وعلى عكس تعاملها مع الحالة التونسية والمصرية، وبما يقترب من الحالة الليبية قليلا، تعتقد أنقرة، بما لها من معطيات موضوعية وجيوسياسية، وبما لها من ثقل ومن علاقات مع سورية، (2) أنها قد تكون قادرة على اقناع الأسد باستخدام النصيحة أو بالضغط كي يقود عملية تحول سياسية حتى لا تدخل سوريا’ والمنطقة، في حالة من الفوضى فتتكبد تركيا خسائر كبيرة لما لهذا السيناريو من انعكاسات سلبية عليها، ولذلك فإن موقفها من الأزمة السورية أتسم بالتدرج.(3) حيث بدأ من مرحلة النصح والإرشاد والتي كانت من أبرز سماتها المطالبة بتشكيل حكومة جديدة تضم الأحزاب والتيارات السياسية والاجتماعية الفاعلة كافة، ووقف العنف ضد المدنيين والتراجع عن خيار الحسم الأمني والعسكري، كذلك العمل على تسريع الإصلاحات الدستورية والسياسية والاجتماعية والتعامل بجدية مع مطالب الأكراد.

أما المرحلة الثانية فقد كانت مرحلة إعادة تقييم الوضع، وأبرز سماتها سلسلة من التصريحات السياسية تحذر من الحل الأمني والتهديد بعواقب وإجراءات ضدها، انتهاء بمرحلة التحول والضغط التي تجسد فشل أنقرة في إقناع دمشق بأخذ نصائحها وتوصياتها، واختيار أنقره دعم المعارضة بفصائلها وأطيافها كافة لعقد اجتماعات لها في تركيا. ولمزيد من الضغط على السلطة السورية أعلن في إسطنبول في 2 تشرين الأول أكتوبر 2011، تأسيس المجلس الوطني السوري. ودعا رئيس الوزراء التركي أردوغان في نفس الشهر الأسد للتنحي عن السلطة، وفرضت تركيا عقوبات اقتصادية ومالية على سورية. وأعلن أن تركيا ستواصل فرض العقوبات وتزيدها تدريجيا.(4)

يمكن تلخيص دوافع الموقف التركي بما يلي:

 الحفاظ على الصيغة التوافقية بين المبادئ وتحقيق المصالح والمحافظة على الرصيد الشعبي لحزب العدالة والتنمية الذي أيد بقوة الانتفاضة السورية. وعدم تجاوب الرئيس السوري مع النصائح التركية. ومخاوف انهيار السلطة وما يعقبه من فوضى وتداعيات ذلك على الصعيد الإقليمي من الناحية الأمنية والسياسية والاقتصادية. وخشية تعزيز وجود حزب العمال الكردستاني وعملياته انطلاقا من سوريا. والخوف من تقسيم سوريا وانفصال الأكراد. وتدفق اللاجئين السوريين إلى تركيا وما يشكله من تداعيات اقتصادية واجتماعية وأمنية.(5) ثم أن موقف تركيا هذا يسير في تجاه موقف الدول الغربية ولا يتقاطع معه. وهي غير مستعدة للتضحية بمصالحها الاستراتيجية مع الدول الغربية التي هي أكثر أهمية وديمومة مقارنة بمصالحها مع نظام مستبد لابد أن يتغير. وهي تسعى جاهدة منذ سنوات للدخول في الإتحاد الأوروبي. وما زالت عضوا في حلف الناتو الذي دخلته عام 1952. وما زالت حريصة على البقاء فيه رغم صعود حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية للحكم الذي اعتمد سياسة يمكنه أن يختلف مع الغرب في أمور معينة دون المساس بالتحالف الاستراتيجي.

وكان وزير خارجية تركيا أحمد داوود أغلو قد صاغ خطوط فكر الحكومة الاستراتيجي مستندا على موقع تركيا الاستراتيجي ودورها في السياسة الدولية، والذي يعتمد مقاربة جيوبوليتيكية ترى أن السياسية الخارجية للدولة هي محصلة لتفاعل ثلاثة أبعاد هي:

التاريخ السياسي والهوية الثقافية، الجغرافية السياسية والإستراتيجية للدولة والإقليم المجاور.

وكان هناك تردد في موقف تركيا من الرئيس الليبي، إذ كانت العلاقات معه طيبة لأنه سمح باستثمارات تركية في ليبيا بلغت ثلاثين مليار دولار في سوق التشييد والبناء والعقارات. ولكن إزاء تدهور الأوضاع بدأت أنقرة تدعو القذافي للتنحي عن الحكم. وفي شهر مايس| مايو أغلقت تركيا سفارتها في طرابلس واعترفت بالمجلس الانتقالي في ليبيا. وكان هذا الاعتراف الذي تأخر بعض الوقت ضرورة حيوية لساسة تركيا في الشرق الأوسط. وقد سارع وزير خارجية تركيا بحسم الموقف بزيارة بنغازي وتقديم الدعم المالي الفوري لتوفير السيولة النقدية لدفع رواتب وأجور العاملين.(6)

من هنا يتبن لنا أن السياسة التي تبنتها تركيا جعلت منها لاعبا إقليميا ودوليا رئيسيا لا يمكن تجاوزه في المنطقة بخلاف الدور الذي كان تلعبه قبل مجيء حزب العدالة والتنمية للحكم حيث كانت القرارات الاستراتيجية يتم البت بها من قبل العسكر الذي تم أضعاف دوره وباتت القرارات المهمة يبت فيها مجلس الوزراء.

إيران:

اسهمت الانتفاضات في زيادة الاشتباك بين دول الخليج العربي وإيران وانتقل بعد الانتفاضة السورية إلى توتر عربي - إيراني نتيجة دعم إيران للنظام السوري، بشكل افقدها جزءا كبيرا من شعبية تمتعت بها سابقا ضمن اتجاهات الرأي العام العربي. حيث انتقلت إيران من الهجوم الاستراتيجي إلى مرحلة الدفاع عن مواقعها، ليس ضد أمريكا وإسرائيل بل ضد انتفاضة شعبية تهدد مواقعها ونفوذها.

تشعر إيران بأن التغيير في سوريا يستهدفها جيوستراتيجيا إذ يكسب اللاعبون الآخرون نقاط قوة، في حين تعجز هي –بسبب طبيعة نظامها- عن تجيير هذا التغيير لصالحها أو على الأقل الحد من الخسائر.

وتؤشر جميع المعطيات إلى أن الدور الإيراني سيتقوقع في المنطقة، وسيعتاش على حكومات قريبة منه مذهبيا، دون أن يعني استدامة هذا الدور، خاصة في ظل الاختلالات البنيوية التي تعيشها إيران داخليا، وتأثير انحسارها الخارجي على قوة النظام في مواجهة المعارضة الداخلية التي يفترض أنها سوف تتعزز نتيجة لتأثير الانتفاضات العربية وفشل السياسة الخارجية الإيرانية.(7)

إن محددات الموقت الإيراني من الانتفاضة السورية تمليها اعتبارات المصالح الاستراتيجية والأمن القومي والتنافس والصراع الإقليمي على النفوذ في المنطقة بالأخص مع السعودية واعتبارات الصراع مع الدول الغربية وبالأخص مع الولايات المتحدة (8) والمرجعية المذهبية ومقدار توظيفها لصالح الاعتبارات أعلاه وليست لها أي علاقة بما يسمى بالمبادئ الإسلامية في نصرة الشعوب المستضعفة والمظلومة؛ وأوضح دليل موقفها من النظام السوري الذي يضطهد شعبه في الوقت الذي أيدت فيه الانتفاضات في البلدان العربية الأخرى.

موقف الأحزاب العلمانية التركية في الأزمة السورية:

لقد أخذت الأحزاب العلمانية التركية وكل التيارات السياسية غير الإخوانية منذ بداية الحرب على سورية موقفاً مخالفاً لسياسة أردوغان وهي وإن لا ننكر عليها الموقف الأخلاقي والوجداني في رفضها الحرب التدميرية على سورية إلا أنها أيضاً ولأسبابها التركية أحست بخطر الانزلاق نحو الفتنة الذي سينعكس سلباً على تركيا خاصة وأن تركيبتها الاجتماعية مماثلة إلى حد ما لمثيلاتها في سورية وبلاد الشام والعراق عموماً كما أنها كانت تدرك أن أردوغان في حال نصره سيقتلع العلمانية من جذورها وفي حال فشله سيترك البلاد نحو المجهول. إلا أن هذه الأحزاب لم تستطع منذ البداية التحرك خاصة وأن الماكينة الإعلامية المغرضة والمظللة قامت بتشويه الحقائق على الأرض وهذا قد أربك الجميع ومن بينهم القاعدة الشعبية في تركيا.

ولكنه وبعد سنتين من الحرب الإجرامية على سوريا وغلو أردوغان في عدوانه الدموي على الشعب السوري وانتشار مجرمي القاعدة والتكفيريين في الساحة التركية دون قيود وغزل أردوغان مع حزب العمال الكردستاني حيث لم يكسب ثقة المتودد إليهم وخسر بالمقابل ثقة الكثيرين من أبناء شعبه وتماديه في عجرفته المريضة واستبداده مع معارضيه كلها كانت عوامل مبدئية اكتملت نضوجاً مع وقع انتصار سوريا على المؤامرة خاصة وأن بشائرها ازدانت بها سماء الحقيقة رغم مكابرة المهزومين. ورضوخ الولايات المتحدة للأمر الواقع وانسلالها إلى خيار المفاوضات مع روسيا/وسوريا في وقت واحد حرّض العلمانيين في تركيا أحزاباً وسياسيين ونخباً وقاعدة شعبية (خاصة وأن التململ قد بدأت ملامحه تطفو على السطح حتى بين أنصار حزب العدالة وقد أخذت مخاطر الفتنة تلامس الواقع التركي) على التحرك بسرعة لأخذ زمام المبادرة قبل سقوط أردوغان على وقع الهزيمة (بقي في السلطة أم لم يبق) لإنقاذ تركيا من تداعيات هذا السقوط. خاصة وأنهم يعرفون أكثر من غيرهم بأن الأمريكي لا يراعي من أجل مصالحه لا أصدقاء ولا حلفاء فكيف الأدوات؟

ونحن في سوريا وإن كنا ننتصر للشعوب ضد الاستبداديين والقتلة. ولهذا نؤيد الشعب التركي في حراكه.

ونحن في سوريا وإن كنا نتطلع لاستعادة الشعب التركي لبوصلة علاقات صحيحة وشريفة مع سوريا ومع كل بلاد الجوار. خاصة وأننا حقاً نتمنى أن لا يدفع الشعب التركي ثمن إجرام حزب العدالة وأردوغان.

إلا أننا كما قال السيد الرئيس بشار الأسد (لن ننسى) ولا يمكن أن نصنف كل من اعتدى على سوريا وخاصة أردوغان وأركان حزبه وحكومته إلا في خانة مجرمي الحرب بامتياز.

منذ انشقاقه عن حزب الفضيلة في تركيا ونجاحه في تأسيس حزب العدالة والتنمية عام 2001 بدأ رجب طيب أردوغان في مد خيوط التعاون والعلاقات مع الغرب وبشكل خاص مع الولايات المتحدة، عارضا خدماته وحزبه على واشنطن، وعلى عكس ما كان يتمناه الزعماء الاتراك في تفضيل الوجهة الاوروبية وتطوير العلاقات في محاولة لدفع مساعي وجهود المفاوضات من أجل الانضمام الى الاتحاد الاوروبي، فقد فضل أردوغان وحزبه مزاحمة تركيا والعسكر في علاقاتها المميزة مع أمريكا. فحزب التنمية والعدالة كان يسعى الى تسلم السلطة وتحقيق الانقلاب عبر صناديق الاقتراع والفوز على المؤسسة العسكرية، وهذا ما تم تحقيقه، وبدأ أردوغان مشوار التطمينات للغرب وأمريكا وتسويق الاسلام السياسي التركي مبكرا، واتخذ من داود اوغلو مستشارا له، في مفاصل مختلفة، والبعض يعتبر اوغلو مهندس العلاقة بين أنقرة وواشنطن وأنه محسوب منذ سنوات طويلة على أجهزة الأمن الأمريكية.

واستنادا الى تقارير خاصة، فان مشوار التطمينات التركي لم ينحصر فقط في الاتجاه الامريكي، ولكن تم فتح خط مع اسرائيل، يؤكد ضرورة الابقاء على التعاون والتنسيق الأمني معها، وذلك مقابل عدم محاربة امريكا لحكم الاخوان في تركيا. وفي المقابل تعهد أردوغان بالتعاون من أجل تحقيق عملية تسوية واسعة بين العرب واسرائيل، وفي اعقاب التغييرات في المنطقة، كان هناك دور مهم وكبير لتركيا، وتعاونت في نشر رياح الربيع الأطلسي، في نفس الوقت بدأ أردوغان باحتضان الاسلام السياسي المعتدل الباحث عن الحكم في المنطقة العربية.

وتؤكد التقارير التي حصلت عليها (المنـــار) أن الاراضي التركية كانت المحطة الأهم من بين المحطات التي شهدت لقاءات بين الاسلام السياسي والادارات الامريكية المتعاقبة، وأيضا شكل حكم أردوغان أحد أهم ركائز هذا المشوار التطميني الذي اتبعته ايضا قوى الاسلام السياسي الصاعدة في المنطقة العربية في اللقاءات مع الادارة الأمريكية، ورفعت هذه القوى شعار عدم التعرض لاسرائيل، وحكومة أردوغان تلعب اليوم لعبة مهمة في مشوار الولايات المتحدة لإعادة ترتيب المنطقة، وهو ترتيب يهدف الى ضمان عدم حدوث أية هزات أمنية قد تنعكس سلبا على مصالح نظام أردوغان ومصالح اسرائيل. ووضع أردوغان نفسه في تصرف الولايات المتحدة للفوز بدور شرطي المنطقة الى جانب اسرائيل في ظل بيات أمريكي قادم.

لكن، التقارير ترى أن هذه اللعبة التي تقوم بها أنقرة لا تعني أن تركيا باتت في هامش الأمان، فالاوضاع في تركيا بسبب سياسة أردوغان باتت مرشحة للانفجار، فمن يختار أن يلعب بالنار قد يتعرض للحرق والكي، فتركيا انقلبت فجأة وبترتيب مع واشنطن وتل أبيب من ضمان الاستقرار على حدود تركيا مع جيرانها، انقلبت الى حالة من التوتر مع هؤلاء الجيران بسبب مشاركتها الكاملة في التآمر على الدول المجاورة بهدف الدور الذي ينشده اردوغان في الشرق الاوسط الجديد بمفاهيم امريكية.

وتخلص هذه التقارير الى القول: ان هناك من يتحدث عنى قرب اسدال الستار على هذا الحلم الاردوغاني، واستبعاد جميع الاطراف الاقليمية التي شاركت في دعم العصابات الارهابية ضد الشعب السوري ودولته وقيادته لصالح حل سياسي يمنع انزلاق الاوضاع الى مستويات عنيفة اقليمية، لا ترغب بها واشنطن ولا تتمناها روسيا.

رأت الإدارة الأمريكية أنه على تركيا أن تكون جزءا أساسيا من مشروعها لإقامة نظام عالمي جديد وذلك في إطار الرؤية الأمريكية لأهمية تركيا في مرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وذلك من خلال الامتثال للمطالب الأمريكية وهي:

بعد أحداث الحادي عشر من أيلول كان على تركيا أن تمتثل لمشروع ((النظام العالمي الجديد)) الأمريكي والمساعدة على تحقيقه.(9)

الدور التركي حسب الرؤية الأمريكية:

1ـ على تركيا دعم الولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد الإرهاب

2ـ على تركيا دعم مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يهدف إلى إعادة تشكيل دول المنطقة في الشرق الأوسط بما فيها تركيا.

3ـ على تركيا إرسال قواتها إلى أفغانستان لمساعدة الناتو.

4ـ على تركيا فتح مجالها الجوي والبري لعبور القوات الأمريكية خلال غزو العراق.

5ـ على تركيا أن تساهم في مشاريع نفط وغاز القوقاز (خط أنابيب: باكو، تبليسي، جيهان).

6ـ على تركيا الانفتاح على ارمينيا دون شروط.

7ـ على تركيا أن تساهم بشكل إيجابي في حل قبرص (انسحاب القوات التركية من الجزيرة القبرصية).

8ـ على تركيا أن تساهم بشكل إيجابي في حل المشكلة الكردية في العراق، وأن لا تعارض في قيام الدولة الكردية في شمال العراق.

9ـ على تركيا إقامة علاقات قوية مع جورجيا وتدريب القوات العسكرية والأمن في جورجيا.

10ـ على تركيا إبعاد سورية عن إيران وإعادة تشكيل سورية.

11ـ على تركيا إقامة علاقات قريبة مع حماس (السنية)، والسعي لتحجيم القبضة السورية على حماس.

12ـ على تركيا الانتقال إلى الخصصة بسرعة وبيع القطاع العام لرأس مال الخاص وتشجيع الاستثمارات الأجنبية.

13ـ على تركيا إعادة هيكلة قواتها العسكرية، وإبعاد الجيش عن التدخل في السياسة (خاصة بعد إظهار الجيش التركي عدم رغبته بالتعاون مع الأهداف الأمريكية في العراق).

14ـ على تركيا استخدام كل الوسائل الضرورية لوقف موجة العداء لأمريكا بين مواطنيها (لقاء بوش ـ أردوغان في واشنطن في 5/تشرين الثاني / 2007م).

15ـ يمكن لتركيا العمل على التقريب بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.

 16ـ على تركيا تزويد باكستان وأفغانستان بالمساعدة الأمنية والتدريبات اللازمة.

17ـ على تركيا الاستمرار في العمل بشكل مكثف مع صندوق النقد الدولي.

بعد فشل أردوغان وغول الذي كان وزير خارجيته بالحصول على موافقة البرلمان التركي للسماح للقوات الأمريكية باستخدام الأراضي التركية ضد العراق، فما كان من إدارة بوش إلا الطلب من عبد الله غول وزير الخارجية التركي آنذاك توقيع مذكرو تفاهم من تسع نقاط مع وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية (كولن بول) في البحرين عام 2004م.

من وثم أعترف غول للصحفي التركي سيردار تورغوت أن أردوغان وِعدَ بأن يصبح الوكيل الرئيسي لمشروع الشرق الأوسط الجديد الأمريكي في عام 2005 م ((وقد اعترف بذلك في أحدى عشر مكان مختلف بما فيها مقابلة مع لاري كينغ على CAN بأن الوكيل الرئيسي لهذا المشروع.

أحداث سوريا تكشف حقيقة تركيا:

يتوازى التشدد التركي نحو الدولة السورية مع التشدد (الإسرائيلي) والأميركي وإن كان التشدد التركي والأميركي أوضح في التركيز على بشار واعتباره مع أركان قيادته أساس البلاء الحالي في سوريا، والمنطقي في نظرهما أنه لا زوال لهذا البلاء إلا بزوال بشار وقيادته.

وأكثر أردوغان رئيس الوزراء التركي من هجماته اللسانية الحادة على بشار شخصيا يتوعده بخسران العاقبة دنيويا والعذاب الرباني أخرويا.

ومن بداية الأحداث كان الموقف التركي لافتا جدا في غرابته من تلك الأحداث في الأقل قياسا بقوة العلاقة مع سوريا في مختلف الجوانب وأبينها الجانب الاقتصادي الذي توليه تركيا اهتماما كبيرا، وكان السمة المسيطرة على ما سمي العودة التركية للمنطقة العربية، فاتسع تصدير البضائع التركية لكل الدول العربية وزاد عدد العمالة التركية في تلك الدول.

قلنا إن غرابة الموقف التركي من أحداث سوريا وضحت من بداية تلك الأحداث. وكان من ظواهر غرابته الفاضحة التظاهر بأن خطرا عسكريا سوريا يهدد تركيا، وأنها (تركيا) في حاجة إلى حماية من الناتو بمقتضيات حقوق عضويتها فيه.

كان ذلك التظاهر ابتزازا فجا أرعن؛ فأقل الناس صلة بقضايا السياسة والحرب يعلم أن تركيا أقوى كثيرا من سوريا في كل شيء، وأن سوريا في محنتها الداخلية أبعد ما تكون عن فعل ما من شأنه أن يجر عليها أخطارا خارجية من وراء الحدود أ وأن بلاءها الحقيقي مصدره ما يأتي من وراء تلك الحدود.

وبعد اتفاق روسيا وأميركا على عقد مؤتمر دولي يجمع الدولة السورية والمعارضة لإيجاد حل سياسي بادر أردوغان ووزير خارجيته أوغلو يقولان إن لدي تركيا أدلة قاطعة على استعمال القيادة السورية للسلاح الكيماوي في قتالها مع المتمردين.

ويرى بعض المتابعين أن المبادرة التركية لهذا القول ما تمت إلا بالتنسيق مع أمريكا لزيادة أوراق الضغط الأميركية على روسيا في المؤتمر، وقد يعزز صدقية هذا الرأي انضمام جون كيري فورا للقول إن أمريكا لديها أيضا أدلتها الحاسمة في هذه المسألة.

وإذا كان الاتفاق الروسي الأميركي لم يشر إلى قضية بقاء بشار أو ذهابه -وإن كانت أمريكا عادت بعد الاتفاق للحديث عن ضرورة ذهاب بشار- فإن أوغلو وزير الخارجية التركية يصر في قوة على أن أنقرة لن ترضى بأن يكون أي من أعضاء النظام الحالي في سوريا جزءا من المرحلة المقبلة.

يتكلم الرجل كأن سوريا ولاية عثمانية. لماذا التشدد التركي ضد الدولة السورية؟ حرصا على الشعب السوري؟ بالتأكيد الراسخ لا. إنه حرص على الأطماع التركية في المنطقة العربية وتوافق مع الأطماع الغربية و(الإسرائيلية) فيها.

وكان التخلص من الخلاف التركي الظاهري في قضية الاعتذار مدخلا ساعد في إظهار ذلك التوافق للعلن وقواه. كان في قدرة تركيا لو كانت حسنة النية نحو سوريا وكل المنطقة العربية أن تكون عامل إخماد لمحنة سوريا وليس عامل إيقاد وتوسيع وتطويل لها مثلما فعلت.

إنها مثل (إسرائيل) والغرب لا ترى في مصلحتها ولادة أي قوة عربية في المنطقة. تخيفها سوريا قوية قد تفكر في المستقبل بالمطالبة بالاسكندرونة، ويخيفها عراق قوي يمنع تحقيق أطماعها في الموصل، وغير ذلك من الارتدادات التي تراها سيئة لها في حال ظهور قوة عربية في الإقليم.

حقيقة توهمنا بعض الوقت أن حزب العدالة والتنمية رغب صادقا في فتح صفحة تركية جديدة مع العالم العرب، وقوى توهمنا ما سمعناه من كلام أردوغان عن حق الشعب الفلسطيني، وما رأيناه من غضبه على (إسرائيل) لاهتضامها ذلك الحق وقسوتها المفرطة في معاملة الفلسطينيين.

استبشرنا بظهور زعيم إسلامي كبير، وبعضنا سماه أردوغان العربي، وسُمي بعض المواليد العرب باسمه، واختارته بعض المحلات اسما تجاريا لها. الأحداث السورية كشفت حقيقة تركيا الحالية، وأنها طبعة عثمانية جديدة وليس أكثر.

ومن بين ما دلت عليه تصريحات أوباما، أن السياسات الأميركية السابقة القائمة على التدخل المباشر غالبا ما كانت تؤدي إلى مفاقمة الأوضاع في الشرق الأوسط بدلا من تهيئة الأرضية لحلها. نتائج استراتيجية أوباما وفريقه السياسي على تركيا أتت سريعا مخيبة لآمال المراهنين على قدرة تركيا ممارسة النفوذ القديم للإمبراطورية العثمانية في الإقليم؛ بل جاءت أيضا كمؤشر على تنازل أميركا عن دورها لصالح تركيا لاتخاذ دور المبادر في السياسة الجديدة. للدلالة، تطورت أزمة السياسة الأميركية نحو سوريا حيث أضحى أوباما يراوح في حاجة ماسة لأي كان اتخاذ زمام المبادرة كي يتلقفها ويبني عليها.

المؤتمر الصحفي المشترك لأوباما وأردوغان حمل رسائل واضحة موجهة للأخير سيما لعدم حسم الرئيس أوباما مسألة استخدام الأسلحة الكيميائية، واستطرادا عدم تجاوز “الخط الأحمر” المرسوم لسوريا، على مسمع أردوغان. بل ذهب في مزيد من التوضيح بالقول “نحن بحاجة إلى مزيد من التعاون والعمل المشترك لجمع مزيد من الأدلة والمعلومات الموثقة”.

وقارب القول إن دور تركيا المرسوم شارف على النهاية عند تأكيده على “ممارسة ثابتة للضغوط من الأطراف الدولية” على الحكومة السورية، بخلاف توقعات أردوغان وفريقه الحاكم. (10)

وأرفق أوباما ترحيله الضمني لتركيا بالإشادة “بأولاد المسؤولين الأتراك الذين يتلقون تعليمهم العالي في الجامعات الأميركية”. من ضمنهم أنجال الرئيس عبد الله غول وأردوغان ووزير خارجيته داوود أوغلو، كأنه رمى للقول إن “أولادكم في حضننا، ” كما لخص الأمر بعض المراقبين.

أردوغان، من جانبه، لم يضمر مشاعر عدم ارتياحه لسير محادثاته مع الرئيس أوباما، عند إشارته إلى فعالية الدور الأميركي في سوريا ردا على أسئلة الصحفيين قائلا إنه “يفضل النظر إلى الجزء المملوء من الكوب، وليس إلى الجزء الفارغ”.

وفي لفتة تتسق مع تصريحات أوباما، أشار أردوغان إلى ضرورة العمل مع روسيا والصين في الشأن السوري. بعبارة أخرى، أضحى أردوغان يصرح عكس تصريحاته السابقة التي أشبعها تهديدا ووعيدا للرئيس السوري بالرحيل.

جعبة أردوغان التفاوضية كانت مثقلة بتداعيات الأزمة السورية على بلاده، وخشيته وفريقه الحاكم من ارتداد صداها داخل تركيا (تفجيرات الريحانية)، وحاجته الملحة للحصول على دعم أميركي في مستويات عدة.

وشنّ اردوغان حملة على الإعلام المرئي والمكتوب في تركيا قائلا انه «لم يقف ضد بشار بل انه وقف إلى جانبه». وأضاف «كان حريا بالإعلام أن يقف ضد زعيم المعارضة (كمال كيليتشدار اوغلو) الذي يصف رئيس الحكومة بأنه قاتل. لو لم نكن هنا، فما الذي كان سيجري؟ ألم تكن هذه المجازر لتحصل؟».

 واعتبر أردوغان أن «الشعب السوري يخوض معركة السيادة الوطنية، ونحن سندعمهم (المعارضين) لوجستياً بكل ما في وسعنا، وسنواصل ذلك، كما سنواصل سياسة الباب المفتوح. في تركيا اليوم 300 ألف لاجئ في المخيمات. لقد انحزنا إلى المعارضة وسنواصل ذلك، وسيكون النصر للديموقراطية، ولكننا لا نريد أن يدفع الشعب السوري الثمن. غير أن الشعب سيصل في النهاية إلى سيادته».

وعما ينتظره من مؤتمر «جنيف 2»، مثل انتخابات أو غيرها، قال اردوغان إن «هذا غير ممكن. الأسد يسيطر على بعض المناطق في دمشق وحمص، فهل يريد أن يجري انتخابات في قصره؟ انه يريد إحكام السيطرة على اللاذقية. هناك توجد عشائر تركمانية ومجزرة بانياس تأتي في هذا الإطار».

واعتبر اردوغان أن «النيات الحسنة لتركيا مثل وضع الحجر الأساس لسد على نهر العاصي لم يقابلها الأسد بالمثل. الوضع هنا مختلف عن العراق. هنا علاقات تاريخية وقرابة. إذا حصلنا على نتائج من جنيف فسيكون جيداً».

 وفي صلة بنتائج زيارة اردوغان إلى واشنطن ولقائه أوباما تكاد جميع التعليقات تشير إلى فشله في أن يغيّر موقف الرئيس الأميركي بالنسبة إلى تدخل عسكري في سوريا، بل إن أردوغان هو الذي تراجع عن موقفه المتشدد موافقا على المشاركة في مؤتمر «جنيف 2» المرتقب حول الأزمة السورية. وقد تذرع اردوغان بأن قرار الحظر الجوي والتدخل يحتاجان إلى قرار من مجلس الأمن.

 ويقول مليح عاشق، في صحيفة «ميللييت»، إن اردوغان أراد من حادثة الريحانية أن تكون (11 أيلول) تركيا، لإقناع الرأي العام بشن حرب على سوريا، لكنه عاد من واشنطن خالي الوفاض.

ويقول سامي كوهين في الصحيفة ذاتها انه في ظل كلام أوباما بأن لا صيغة سحرية لحل الأزمة السورية، فإنه ليس أمام تركيا وأميركا سوى تجريب مؤتمر «جنيف 2» من أجل التخلص من الأسد وتقوية المعارضة. ويضيف ان «تركيا مستعجلة على الانتهاء من الأزمة السورية، لأن المشاكل التي تواجهها مرتبطة بذلك، فهي تتأثر بما يجري هناك، لكن الواقع لتركيا أن المناخ الدولي ليس كذلك». وتكتب أصلي آيدين طاشباش ان تركيا قد غيرت موقفها المعارض لمؤتمر «جنيف 2» ورضخت لأوباما، ولكن ذلك كان بشرط ألا تستمر المحادثات أشهرا تكسب الأسد وقتا إضافيا.

أميركا تعاقب تركيا وقطر... وقريبا مصر والسعودية:

لقد فشل المشروع الأميركي لتدمير سورية وصناعة الشرق الأوسط الجديد، فبدأت أميركا بتأديب أدواتها التي فشلت في تنفيذ تعهدادتها بإسقاط النظام في سورية، وتفكيك الدولة السورية كما فعلوا في ليبيا وتونس ومصر. ولأن أميركا لا تتعامل مع حلفاء بل مع أدوات، ولا تتحمل الخسارة، فبدأت بعقاب هؤلاء، وبأضعفهم، وهي قطر، حيث سيتم استبدال “الحمدَيْن” بالأمير الصغير، ما يشابه الانقلاب الأبيض الذي نفذته أميركا عبر الأمير حمد ضد أبيه، وهو الآن يتجرّع الكأس المرة بانقلاب ولده عليه، في مسرحية ظاهرها التنازل، ومضمونها تنفيذ الأوامر الأميركية ثمناً للفشل في سورية، ولم يُسعفه كل الجهد الذي بذله والمال الذي أنفقه والنجاحات في بلاد ما يسمى “الربيع العربي”، ونجاحه الباهر في شراء قرار “حماس” الخارج.

من يتعامل مع أميركا عليه أن يعرف لعبة القمار السياسي، وأن أميركا (11) ستتركه على قارعة الطريق إذا تهددت مصالحها، أو وجدت خادماً أفضل منه، ومع النفي السياسي “للحمديْن”، سيتم فرط “ائتلاف الدوحة” السوري، وإعادة تشكيل هيئة معارضة جديدة تواكب مرحلة التقهقر الميداني والسياسي لأميركا وحلفائها على الأرض، لكي تستطيع أميركا سوقهم إلى “جنيف” لإجراء المفاوضات التي ستقبل بها أميركا وفق منهجية تحديد الخسائر، لأن إطالة المعركة في سورية سيهدد المصالح الأميركية و”الإسرائيلية” بشكل جدي.

أهم الاستنتاجات:

- لم يكن المحيط الإقليمي والدولي مهيئا لتبني موقف واضح من الانتفاضات التي فاجأته لذلك اتسم رد فعله في البداية بالارتباك والتردد والانتظار.

- وفي النهاية موقف الخارج وتدخله املتهما مصالح الدول وخشيتها من أن تخرج الانتفاضات عن مسارات يصعب التحكم بها. وقد جارى موقفها مسيرة تطور الانتفاضات وأثر في مجراها ونتائجها بدرجات متفاوتة.

- تعتمد درجة تأثير الخارج في تشكيل النظم السياسية التي تعقب نجاح الانتفاضات على طبيعة المرحلة الانتقالية وتفاعلاتها وتوازن القوى السياسية والاجتماعية ودرجة تماسك النسيج الاجتماعي الداخلي.

- من السابق لأوانه الحديث عن ظهور تكتلات إقليمية جديدة بين الدول التي نجحت فيها الانتفاضات قبل اكتمال تحولات المرحلة الانتقالية.

- لم تحدث انعطافات مهمة في السياسة الخارجية للدول التي نجحت فيها الانتفاضات وفي معظمها تسير على وتيرة السياسة السابقة نفسها.

- مهما كانت درجة تأثير سياسة الولايات المتحدة والدول الأوروبية في مجرى ونتائج الانتفاضات فإنها لا يمكن أن تحتفظ بالنفوذ السابق نفسه في المنطقة بعد أن أصبح الرأي العام قوة مؤثرة في معادلة صنع القرار السياسي.

..........................................................

الهوامش:

1- معمر فيصل سليم خولي، مصدر سابق، ص 161- 163.

2- العلاقة المميزة بين تركيا وسوريا من أبرز إنجازات حزب العدالة والتنمية الخارجية. حيث تحولت العلاقة بين الدولتين إلى علاقة إستراتيجية، وتم حل العديد من المشكلات العالقة بينهما. وتم عام 2009 إنشاء مجلس تعاون إستراتيجي يضم 16 وزيرا من البلدين. وبلغ عدد الاتفاقات التي وقعتها سوريا مع تركيا في الجلسة الأولى للمجلس الإستراتيجي قرابة 56 اتفاقية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاستثمار والمياه والمصارف، وغيرها. وتم تنفيذ كل هذه الاتفاقيات في الوقت المحدد لها تماما، وهو ما يلفت لمدى أهمية الالتزام بين الدولتين وجدية العلاقة بينهما. راجع معمر فيصل سليم خولي، مصدر سابق، ص 159-161.

3- علي حسين باكير، محددات الموقف التركي من الأزمة السورية الأبعاد الآنية والانعكاسات المستقبلية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 2011، ص 7.

4- راجع معمر فيصل سليم خولي، مصدر سابق، ص 161- 163.

5- راجع خالد عبد العظيم، العثمانية الجديدة... السياسة الدولية، العدد 187، 2012، ص 23-26.

6- المصدر نفسه، ص 23-26.

7- المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، مصدر سابق، ص 20-31.

8- قال محسن رضائي أمين سر مصلحة تشخيص النظام في أيران إن سوريا والعراق وإيران وأفغانستان يشكلون حزاما من الذهب في الشرق الأوسط، والولايات المتحدة تسعى بجميع الوسائل إلى امتلاك القرار في دول هذا الحزام أنظر جريدة الشرق الأوسط عدد 19-8-2012.

9- ترجمة: بشار العلي الحسن عن مقال للدكتور محمد الوفا أستاذ التاريخ جامعة دمشق في صحيفة مللت التركية.

10- مركز الدراسات الأميركية والعربية

11- الأزمة في تركيا: رؤية تحليلية - كمال جميل طهبوب

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 1/آب/2013 - 23/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م