في العطاء وكسب الاصدقاء

مئة كلمة وكلمة في قواعد الحياة

 

شبكة النبأ: توجد في كتاب نهج البلاغة لأمير المؤمنين، الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، قواعد للفكر والسلوك، يمكنها، فيما لو التجأ إليها الفرد والمجتمع، أن تفتح مسارات صحيحة لهذا البناء، شريطة الالتزام بالتطبيق بعد الايمان بها، وهي من نوادر الحكم وجواهر الكلم، وكلنا نتفق على ان الانسان يحتاج الى قواعد صحيحة للبناء، لكي يبني حياته بالصورة الصحيحة، وطالما ان المجتمع يتكون من مجموع الافراد وتقاربهم مع بعض، فإن المجتمع برمته يحتاج الى تلك القواعد السليمة حتى يبني عليها حياته، وهذه القواعد موجودة في نهج البلاغة، إذ تهدف سلسة مقالات (مئة كلمة وكلمة)، أن تصل الى قواعد تساعد الانسان على البناء السليم، لاسيما اننا نعيش في عالم محتقن، تحكمه ضوابط ومصالح وأخلاقيات مادية بحتة.

إن الحياة بصورة عامة قائمة على الثنائيات في كل شيء، فالليل يقابله النهار، والضوء يقابله الظلام، والخير يقابله الشر، والأخذ يقابله العطاء، وهكذا في عموم مناحي الحياة، إذ لا يمكن معرفة قيمة الخير لولا وجود الشر، وهكذا بالنسبة لجوانب الحياة المتعددة، وثمة قاعدة لابد من الايمان بها والعمل بمضمونها، وهي ان نجاح الانسان في مسعاه أيا كان هدفه، لن يتحقق ما لم يكن متعاونا مع الآخرين، لهذا تطالب الاديان والفلاسفة الايجابيون والمصلحون عموما بأهمية كسب قلوب الناس من خلال التعاون معهم، وابداء التعامل الحسن وإياهم، اثناء العمل او الاحتكاك او حتى في تبادل الافكار، فليس هناك طريقا اقصر للنجاح من كسب الاصدقاء، وهذا يتحقق من خلال التمسك بالعطاء، بمعنى كلما كان الانسان اكثر عطاءً كلما كان اكثر نجاحا.

كيف نخالط الناس؟

يتميز التركيب النفسي للانسان بحالة من التعقيد، قد يصعب معها فهمه بصورة دقيقة، خاصة ان المزاج وطبيعة السلوك وحتى التفكير، ربما يتعرض للتغيير بسبب الظروف الخارجية المحيطة بالانسان، لذلك لابد أن تكون هناك ضوابط ومعايير تحكم سلوك الانسان وتوجهاته خلال علاقاته المتعددة مع الاخرين، والمعيار الاهم والانجح في ضبط هذه العلاقات وتعميقها هو المعيار الانساني، فكلما كنت تشعر بالاخرين وتقف الى جانبهم وتعاونهم في شتى ضروب الحياة، كلما كنت اقرب الى قلوبهم.

يقول الامام امير المؤمنين علي ابن ابي طالب عليه السلام في نهج البلاغة: (خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ وَ إِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ).

هكذا ينبغي ان نكسب قلوب الاخرين، ويتم هذا عندما يشعر الاخر فعليا انك معه لاسيما في الظروف العصيبة التي تمر به، وما اكثرها في خضم الحياة، وقد قيل كثيرا في تخلي الناس عمّن يواجه نائبة ما او مشكلة كبيرة تصل به الى حافة الفقر من بعد عز، او المرض الذي قد يجعله طريح الفراش، وغالبا ما يُقرَن الصديق الحقيقي بالنوائب والشدائد التي يواجهها صديقه او قريبه، او حتى ذويه، لهذا ينصح الامام عليه السلام، بكسب الناس من خلال التعاون معهم، ومساندتهم في الشدائد، لدرجة انهم يبكونك في الموت، ويحنون اليك في الفراق والابتعاد عنهم لاي سبب كان.

هكذا تكون مخالطة الناس من الاهمية بمكان، لدرجة انها قد تجعلك قريبا محبوبا، او بعيدا مذموما، يتعلق الامر بطريقة مخالطتك للناس ودرجة تعاونك معهم، والوقوف الى جانبهم في النوائب والويلات التي قد يتعرضون لها، وطالما اننا نعيش في معترك الحياة، فإننا جميعا معرضون للمحن والنوائب، لهذا علينا ان نحسن التعامل مع الناس حتى نكسب قلوبهم وتعاطفهم في الحالتين، أي اذا كنا معهم او بعيدين عنهم.

بين العطاء والحرمان

لذلك يصف الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة، الانسان الذي لا يتمكن من كسب الاخوان بأنه أعجز الناس، هكذا تقترن حالة العجز وهي من أسوأ الحالات والظواهر التي تدمر حياة الانسان، إذ ليس هناك اكثر تدمير للانسان من العجز، وقديما قيل (عجزهم قتلهم)، فعندما تكون عاجزا عن كسب الاصدقاء والاخوان، كأنك تسهم في تدمير نفسك، وهي نتيجة صحيحة ومتوقعة، لان الانسان لا يعيش بمفرده في هذا العالم الذي بات اشد تعقيدا من أي وقت مضى.

لذلك يصف الامام علي عليه السلام، الانسان العاجز عن كسب الاخوان كالتالي: (أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الْإِخْوَانِ وَ أَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ).

وهناك درجة اشد من العجز، فعندما تتعب من اجل كسب انسان، ثم تفقده لاي سبب كان، انما انت اشد عجزا من الانسان الذي لم يستطع كسب اخوانه اصلا، لذا على من يحصل على قلوب الاخوان ويكسبهم ان يبقى محتفظا بهم من خلال العلاقات الايجابية التي تديم علاقته معهم، وهي علاقات ذات طابع انساني تعاوني في الغالب.

وكل هذا يرتبط ارتباطا وثيقا بعطاء الانسان، فكلما كان مهيئا للعطاء وقادرا عليه، كلما كان ذا مكانة عالية، وعلى الانسان ان يعطي حسب قدرته، ولا يستحي من مقدار عطائه حتى لو كان قليلا، لان العطاء القليل افضل من الحرمان.

يقول الامام علي عليه السلام في هذا المجال: (لَا تَسْتَحِ مِنْ إِعْطَاءِ الْقَلِيلِ فَإِنَّ الْحِرْمَانَ أَقَلُّ مِنْهُ).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 25/تموز/2013 - 16/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م