هل النجاح يطلب من قائمة المقهى؟

السيد محمود الموسوي

 

كيف يمكننا أن ننجح في الحياة ونحقق الإنجازات المختلفة في مجال تعليمنا وأعمالنا وتفكيرنا؟؟

وماهو السبيل للوصول للنجاح بشكل عام، أي كيف ندخل ونفكر في مسيرة النجاح وإلإنجاز، لكي يكون مدخلنا صحيحاً وسليماً؟

عندما تتصفح الصحف أو مواقع الإنترنت أو مجلات الدعاية والإعلان، أو تتجوّل في المكتبات ومعارض الكتاب، فإنك ستشعر أن الجميع يريد أن يجذبك إليه، ويعلّمك النجاح في ساعات معدودة أو في دورة استماع سريعة، أو من خلال بيعك كتاب يحقق النجاح لك في الحياة، ونحن هنا لا نلغي كل عطاء في هذا الطريق، ولا نقول بأن كل ما يقومون به خطأ، ولكن النجاح له أسس، وله مبادئ ينبغي أن يعيها الإنسان قبل أن يدخل المضمار، وسوف نضع في هذا الفصل بعض تلك المبادئ. لتجعلك تدخل ميدان طلب النجاح بشكل سليم.

النجاح لا يقدّم على طبق من ذهب

هنالك فرق بين النجاح الحقيقي وبين الشعور بالنجاح، فيمكن لأي إنسان أن يشتري شعوراً بالنجاح في أي قائمة لأي دورة في المراكز التدريبية المنتشرة هنا أو هناك، ولعل البعض يعتقد أنه يحصل عليه في قائمة المقهى أو مطاعم الوجبات السريعة، إلا أن النجاح الحقيقي شيئاً آخر، فهو يحتاج إلى بذل جهد وتراكم في العمل والخبرة و المعرفة.

إن النجاح متاح لكافة الناس ولا شك أن أي واحد منّا يمكنه أن ينجح ويقدّم إنجازات عظيمة، إلا أن النجاح لا يقدّم إلى أحد على طبق من ذهب، وإن حصل أحد منّا على نجاح ما في مكان ما بسهولة، فهو هبة وعطية، وليس نجاحاً وانجازاً يحسب لشخصيته، هذه حقيقة مهمة ينبغي أن نتعرّف عليها، لكي نكون على استعداد لبدء طريق النجاح الحقيقي.

لا تنسى مصدر النجاح

معرفة مصدر النجاح الحقيقي يجعل الإنسان متصلاً بذلك المصدر ليستمد منه القوّة ويستعين به في مسيرة النجاح، فأنت من يقوم بالتغيير وأنت من يحقق الإنجاز، كل هذا صحيح، إلا أنك لست مصدر ذلك النجاح والإنجاز، وواهم من يقول عكس ذلك، فإن النجاح من الله تعالى، وهو الذي يغيّر واقع الإنسان، وبفضله تهطل البركات، وما نقوم به نحن إنما هو تهيئة القابلية والعمل بالأسباب لكي نستوعب تلك القوّة الربانية عبر التوفيق في أعمالنا، كما يقول الإمام الجواد (ع): (المؤمن يحتاج إلى توفيق من الله، و واعظ من نفسه، وقبولٍ ممن ينصحه)[1].

أهمية معرفة هذه الحقيقة هي لكي لا ننسى فضل الله علينا ولكي نتصل به بالدعاء والتوكل والإستعانة بشكل دائم، ولكي لا نضخّم ذواتنا إلى حد التأليه، فبعض الفرق والمناهج بالغت في الأنا حتى أصبحت تؤلّه الذات، حتى يشعر الإنسان كأنه هو المتصرّف الأول والأخير في نفسه وفي الكون ليأخذ شعوراً وهمياً بالإنجاز وما هو بإنجاز، وما هذا إلا انحراف عن النهج القويم.

يقول الإمام زين العابدين(ع) في دعائه: (ومن توجّه بحاجته إلى أحدٍ من خلقِك أو جعله سببَ نُجحِها دونَك، فقد تعرّض للحرمان واستحق من عندِك فوتَ الإحسان).

انتبه إلى مصنع المفاهيم

مسيرة النجاح بطبيعتها تحتاج إلى الإيمان بمجموعة من القواعد ومن ثم إنزالها إلى الواقع التطبيقي والإستمرار عليها، وكل طالب للنجاح أو لإنجاز تغيير ما، في واقع ما، يحتاج إلى تلك القواعد التي تشكل مفاهيمه، وهذه الخطوة الهامة تحتاج إلى معرفة وإطلاع على المفاهيم الدينية التي نؤمن بها، لكي لا تدخل بعض المفاهيم المغايرة والمناقضة لمقاصد الدين في وسط الطريق، كما هو الحاصل في كثير من المناهج والدورات المهتمة بشأن النجاح وصياغة الإنسان وما شابه ذلك، فقد يعتقد الإنسان بمفهوم مخالف للحق، بينما الحق هو الميزان وليس الواقع، فقد يكون الواقع سقيم حتى لو كان له تأثيراً على مستوى من المستويات، وهذا قد يجعل الإنسان ينحرف في تفكيره وفي فهمه للنصوص الدينية، بحيث يفهمها من خلال تلك القاعدة وذلك المفهوم الذي تعلّمه، وهذا من مصاديق التفسير بالرأي والتأويل الخاطئ.

 سئل الإمام الصادق (ع) عن قوله تعالى: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ)، ما طعامه؟، فقال: (علمه الذي يأخذه عمّن يأخذه)[2].

 لقد اعتقد الكثير من الذين عملوا ونظّروا للنجاح والإنجاز أن الإيمان هو القوة الكبرى في توجيه الإنسان، وأن "التاريخ البشري هو تاريخ الإيمان عند الإنسان، فألئك الذين غيّروا مجرى التاريخ هم أنفسهم الذين غيروا من معتقداتنا وسلوكنا، لذلك علينا أولاً أن نبدأ بتغير معتقداتنا"[3]، إلا أنهم لم يعوا بالضرورة مصدر تلك المعتقدات والمفاهيم التي تسكن عقل الإنسان وترسم له نجاحه الحقيقي، فقد حددوا مصادرها بالبيئة، والأحداث، والمعرفة التجريبية، ونتائج الإنسان السابقة، وخلق التجربة في العقل كما يريديها الإنسان نفسه. وهذه المصادر كما نرى خالية من المصدر الأساس، وهو الدين الذي يصيغ شخصية الإنسان ويرفدها بمفاهيم الإنجاز الحقيقي.

يسألونك عن النجاح

هل أن كل ما يحقّقه الانسان يمكننا أن نسميه نجاحاً؟

 بالطبع ليس الناجح هو كل من ينجز شيئاً بغض النظر عن ماهية ذلك الشيء، وإلا كان السارق المحترف ناجحاً، فالبعض ينبهر بالمنجزات أو بالأشخاص ذوي الشهرة الاجتماعية أو السياسية أو العلمية، ويقيس بعد ذلك أعمال كل الناس من خلال منجزاتهم، بينما ينبغي أن نحقق في مفهوم النجاح الحقيقي والمطلوب، كأن ينجح الإنسان في الخير وأن ينجز شيئاً بالوسائل السليمة ومن دون التخلّي عن القيم الربانية التي يؤمن بها، فلذلك أنت عندما تحاول أن تنجز ويكون العائق لبلوغك ذلك الإنجاز هو عدم تخليك عن القيم، فأنت هنا قد حققت نجاحاً، حتى لو لم يعتبره الناس كذلك، لأنك حافظت على قيمك، وهذا يكفي في زمن يراد أن تسلب منك كل قيمة إلهية.

النجاح الأكبر

قد يؤسس شركة ضخمة أو يمتلك عشر شهادات عليا، إلا أنه لم يربِ نفسه تربية صحيحة، فإنه سيد الفاشلين، لأن الإنسان وتربيته هو المحور وهو الأساس فما الذي ستربحه إذا خسرت نفسك، فالنجاح لا يقاس بالمقاييس المادية وحسب، وإنما النجاح الأكبر أن يصيغ الإنسان شخصيته ويربي نفسه ويكون إشعاعاً للخير والفضيلة، ولن يكون ذلك إلا من خلال مصدر الفضيلة ومصدر الخير وهو الله تعالى من خلال بصائر القرآن الكريم، وهدي الرسول (ص) وأهل بيته الطاهرين(ع).

بعد معرفة هذه الأساسيات المهمة يمكنك أن تنطلق في مشروعك وتشق طريق النجاح.

من أجل اكتشاف قواعد عامّة للبرنامج المثالي الناجح

إن شهر رمضان المبارك يمثل عملاً مبرمجاً له مقاصده وغاياته، وأهم أهدافه الوصول لحالة التقوى، وهو بلا شك برنامج دقيق، فإذا التزم به الإنسان سيوصله إلى الهدف المحدّد سلفاً.. وعبر التفكّر في جوانب هذا البرنامج الإلهي، يمكننا أن نستخرج بصائر مهمّة لنستفيد منها في برامجنا الأخرى، حتى لو كانت تلك البرامج لتحقيق مكتسبات ماديّة. 

كيف ذلك؟

عندما نتفكّر في شهر رمضان وأحكامه، وكيف تكلّم القرآن الكريم عنه، ونتدبّر في آياته، فإننا سنتعرّف على كيفية التعامل الإلهي مع هذا البرنامج، كيف شرّع الله تعالى الصيام، وكيف نستفيد من الصيام في الحياة الاجتماعية والشخصية، كيف حدّد الهدف، وهو التقوى، وكيف أن جميع الأفعال تصبّ في طريق الوصول إليه، وما هو العمل عندما لا يستطيع الإنسان أن يبلغ الصيام، ماهي البدائل لكي يصل إلى نفس الهدف؟.. وهكذا هي أسئلة كثيرة، يكتشفها المتفكّرون، ويعتبر بها أولي الأبصار.

وسوف نقوم في الخطوات القادمة بتدبّر قرآني في آية الصوم التي رسمت برنامج الصيام في شهر رمضان المبارك، وهذه الآية تعتبر الخارطة التي يمكن أن ننطلق منها إلى رحاب واسعة في مجالات أخرى..

ما هي المكتسبات التي سوف أحصل عليها؟

هل تودّ أن تتعرّف على خصائص البرنامج الرمضاني، وكيف يقوم بالتأثير في الانسان؟

هل تودّ معرفة القواعد الذهبية التي قام عليها برنامج الصيام؟

إذا تعرفت على كل ذلك فسوف يعينك ذلك على أمرين مهمين:

الأول: أنك سوف تمتلك خارطة واضحة عن برنامج شهر رمضان المبارك، وفائدة ذلك تكمن في أنك سوف تدخل هذا الشهر الفضيل من كل عام وأنت واع ومستبصر بمقاصده، الأمر الذي سيجعلك تستفيد بشكل أكبر من فيوضات الله تعالى في هذا الشهر، وستستوعب بشكل أكبر تلك البركة وتلك الخيرات التي لا يمكن لإنسان أن يتصورها.

الثاني: أنك ستمتلك في وعيك قواعد عامّة، ستستفيدها من هذا البرنامج الذي أعدّه الله تعالى للإنسان المسلم ليحقق هدف التقوى، حيث سيمكّنك تطبيقها في الكثير من البرامج والكثير من المقاصد التي تريد الوصول إليها في حياتك، وسوف نشير إلى تلك القواعد الهامّة.

إنك قد تكون سمعت عن بعض هذه القواعد، ولكن يمكن أن تكون سمعتها أو قرأت عنها بشكل مبعثر، وكل قاعدة في واد.. الآن سترى الإتصال بين تلك القواعد في سلسلة دقيقة تمكّنك من تكوين برنامج متكامل ورؤية أشمل من ذي قبل، لتعطيك نتائج أفضل.

* قسم من كتاب: شهر رمضان شهر الإنجاز-8 قواعد لتكون من المنجزين

http://www.annabaa.org/news/maqalat/writeres/mhamod%20almosiwy.htm

...................................................

 [1] / تحف العقول، ص458

[2] / الكافي، ج1، ص51

[3] / قدرات غير محدودة، أنتوني روبينز، ص 76

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 24/تموز/2013 - 15/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م