لقد شاع توصيف عزل رئيس مصر الاخواني السابق بأنه إنقلاب على
الشرعية وعلى الديموقراطية. ذلك لأن هناك من يرى أن جماعة الإخوان في
مصر وصلت إلى الحكم عن طريق المسار الديموقراطي بفوزها بأغلبية الأصوات
في إنتخابات حرة ونزيهة.
وقد غلب هذا التوصيف الذي سهل ترسيخه الزخم الإعلامي المنكب على هذا
الموضوع والذي يركز أساساً على منطق الأغلبية، سواء تعلق الأمر بمؤيدي
الرئيس المخلوع الذين يصرون على أن جماعتهم جاءت بها الأغلبية، أو
الجهات المقابلة التي تحاول توظيف نفس المنطلق للقول أن الأغلبية خرجت
للشارع للمطالبة برحيل حكم الجماعة الإخوانية.
وبين هذا وذاك ضاع صوت يقول أن الإخوان لم يأتوا عن طريق
الديموقراطية. صوت سبق أن عبرت عنه في ورقة "مصر بين العسكر
والبزنسلاميين " وفي ورقة " الديكتاتورية العتيدة في مصر الجديدة"
موضحاً أن القضية لا تتجاوز تفاهماً بين العسكر وجماعة الاخوان بمباركة
أمريكية يتيح للإخوان الملهوفين على السلطة الدخول إلى عالمها مقابل
ثمن معلوم. إنه رأي مهمش حول حقيقة الأوضاع في مصر نناقشه على ضوء حديث
الديمقراطية والأغلبية والشرعية في مصر.
الإخوان كجزء من النظام الديكتاتوري القديم
من غريب الأمر أن يقول الإخوان اليوم أن الإنتخابات في عهد مبارك لم
تكن سوى تمثيلية كبرى وأن الإنتخابات الحقيقية هي التي حدثت بعد
الإطاحة بمبارك كي لا نقول النظام، ما دام العسكر ظل دائماً ماسكاً
بأركان الدولة ومؤسساتها. ولعل الكثيرين ينسون أن الإخوان شاركوا في
تلك الإنتخابات وحصلوا على سبيل المثال سنة 2005 على 88 مقعد. يحاول
الإخوان دفن مشاركتهم السياسية في هذه الحقبة ما استطاعوا، وذلك لأنهم
يواجهون حقيقة مشاركتهم في إنتخابات أقروا أنها من إملاء الرئيس
المخلوع مبارك والمقربين منه. مشاركتهم المتكررة زمن النظام السابق
دليل على دخولهم اللعبة القائمة التي يهيمن عليها الجيش والسعي إلى
تحقيق مصالحهم الفئوية.
وبالفعل، هذا ما حصل لما أوكل اليهم محمد طنطاوي فرصة ممارسة السلطة
مع قيود مرتبطة بالجيش. لقد إتضح أن الإخوان لم يلتزموا بقوانين لعبة
الجيش بعد عزل طنطاوي والتشويش على نطاقات خاضعة للجيش ترجمتها أحداث
سيناء، والدخول عن طريق التبعية لقطر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في
صراعات إقليمية مسلحة مثل سوريا ومالي، وكذا الدخول على خط صراعات
طائفية مستنزفة في الداخل ما جعل الجيش يستعيد زمام الأمور. ولو لم يكن
هناك تفاهم بين الإخوان والجيش لما حظي قادته بحصانة تامة لم تجر أيا
منهم لأي مساءلة قضائية أو حتى الإفادة بشهادة في محاكمة رأس نظام
كانوا فيه من كبار المسؤولين.
اليد الطولى في مصر
لقد جربت امريكا دخول الإخوان إلى بيت الطاعة من خلال أمور كثيرة
أهمها موقفهم من اتفاقية السلام مع إسرائيل. وجربت مدى إستعداد الإخوان
لخدمة مصالحها بالتنسيق مع الجيش من خلال أزمة التمويل الأجنبي لجمعيات
مصرية تمت مقاضاتها والتي اثبت الإخوان من خلالها أنهم الخادم المطيع
القادر على التواصل والتنسيق مع الجيش. فقد نقلت نيويورك تايمز وقتها
أن الإخوان ساعدوا الدبلوماسيين الأمريكيين في حل القضية، كما أشاد
السيناتور جون ماكين بموقف الإخوان من القضية وكذا تعهدهم بمراجعة
قانون المنظمات والسماح لها بالعمل بحرية وعدم تقييد مصادر تمويلها،
وقال ماكين ''إن موقف الإخوان ساهم في حل الأزمة''. والخلاصة هي تعبير
عن وجود يد طولى فوق القضاء وفوق الرأي العام المصري تتحكم في مجريات
الأمور بطريقة تخضع للعبة المساعدات الأمريكية لمصر ولا تتعارض مع
المصالح الأمريكية الإستراتيجية في المنطقة. فبعدما فهمنا وجود قوة في
مصر فوق القضاء خدم الإخوان الأمريكان من خلال قواعد لعبتها، وكانت هذه
القوة التي يجسدها الجيش قادرة على حلحلة ملف الجمعيات الكبير والمعقد،
فإنه سيكون من السهل جداً فهم تحكمها بالإنتخابات على الوجه الآتي ذكره.
الإنتخابات والتزوير والطعونات المهملة
نقلت المصري اليوم (29/11/2011) حالات تقديم رشاوي عرضها القاضي
ثروت أحمد حلمي عبد العظيم في الدائرة التاسعة على الجهات المختصة.
ولعل عدم توفر متابعات من طرف الهيئات المختصة يرفع عن مثل هذه الحالات
وصف الإستثناء. لأن الإستثناء أو الحالات المنعزلة في مثل هذه الأمور
تكون مطوقة وتتم متابعتها بكل دقة وشفافية. فلما تغيب المتابعة يكون
الأمر تعبيراً عن كون مثل الحالة المذكورة بمثابة جزء متصل بحلقة كبيرة
من الأحداث غير المنعزلة بحيث يستحيل التحكم فيها لذلك لا تتم متابعتها.
وعدا ما وثقه بعض القضاة من تجاوزات، نجد أيضاً ما نقلته وكالة رويترز
عن 500 حالة شكاية رفعها الحزب المصري الحر دون أن تلقى إهتمام
المسؤولين والموافقة على تقصي الحقائق. يمكن الأخذ بعين الإعتبار كذلك
ما أفاد به مقربون من الدكتور محمد البرادعي للبي بي سي، عن كونه إنسحب
من الإنتخابات الرئاسية نظرًا لشيوع جو من الصفقات بين القوى السياسية
المختلفة، ووجود حالة من الخلل الدستوري. كما أنه سبق أن أفاد بأن كل
شيء هو بيد المجلس العسكري. ولعل ما أشرنا إليه في البداية من تفاهمات
بين العسكر والإخوان هو مقصوده من مثل هذه الإفادات. إذن، في ظل هذه
المعطيات، لا يمكن الجزم بأن الإخوان جاؤوا عن طريق إنتخابات شفافة
ونزيهة.
من ملامح دولة القمع الإخوانية
عرفت أيام حكم الإخوان إطلاق العنان للإرهابيين والمتطرفين من أنصار
القاعدة والتنظيمات الشبيهة. فأصبحت عدد من القنوات مثل "لناس" تبث
فتاوي وآراء تكفيرية تدعو وتبرر للعنف الديني والطائفي. وفي عهد
الإخوان تم سجن الناس وطردهم من وظائفهم وقتلهم وسحلهم وإحراق منازلهم
لا لشيء سوى الهوية أو المعتقد، حتى كادت اعتداءات الجماعة الحاكمة
تطال كل ما هو ليس اخواني. فمما تناقلته وسائل الإعلام المصرية قتل
رجال دين مسيحيين بسيناء رميا بالرصاص وقطع رؤوس مواطنين مسيحيين
بالشيخ زويد وقتل اكثر من 10 في قرية الضبعية بالأقصر ونهب وحرق 235
شقة بالمدينة والاعتداء علي اكثر من كنيسة بالصعيد، وقتل وسحل العلامة
الأزهري حسن شحاتة وثلاثة من رفاقه، والحكم على شيعي دخل المسجد بالحبس
بسبب تدنيس المسجد كما هو الحال بالنسبة للمواطن محمد عصفور وطرده من
عمله بالمسجد بإعتباره نجس على أساس المذهب، وغير هذا الكثير مما لا
يسع ذكره في هذا المقال.
والخلاصة هي أن دولة مكتب الإرشاد الإخوانية خلقت جواً من الفوضى
وعدم الإستقرار فيما بدى أنه تجاوز صريح للخطوط الحمراء التي رسمها
الجيش بتوافق مع الحليف الإستراتيجي الأمريكي، والذي أصبح محرجاً بسبب
دعمه لإخوان أمام الرأي العام العالمي وتقارير المنظمات الحقوقية
الدولية. فحتى لو سلمنا تنزلاً بنزاهة الإنتخابات، فإنها لا تؤسس لأية
شرعية عندما تأتي بدولة عنصرية أو فاشية. وإلا كانت محاربة هيتلر في
ألمانيا النازية محل اللوم ما دام هيتلر حصل على عدد أكبر من الأصوات
مقارنة بمرسي.
عدم شرعية الحزب الاخواني وأمثاله
إن تكوين حزب الحرية والعدالة الاخواني مخالف أساساً للإعلان
الدستوري الذي تحظر مادته 60 قيام أحزاب سياسية على أسس دينية. وجماعة
الإخوان المسلمين تشبه تنظيم المافيا بحيث لا تتسم بصفة شرعية وكل
أموال الزكاة والتبرعات التي تأتيها من التجار المحليين والمنظمات
الخيرية المتعاطفة في الغرب وبعض أغنياء الخليج انما تأتيها على دفعات
تحول إلى حسابات أعضاء معينين في الجماعة.
فمن ناحية الوضعية القانونية الجماعة مجرد كيان لا أوراق له ولا
بيانات ولا مستندات. فكيف يمكن القبول بنزاهة منظمة عالمية سرية أصبحت
السياسة العمومية تصنع في مكتب ارشادها؟ لا بل أصبح المرشد نفسه يكتب
للرئيس ماذا يقول وماذا لا يقول في خطاباته كما إتضح من خلال الأشرطة
المتعلقة التي تم تسريبها وتداولتها المواقع الإجتماعية وبعض وكالات
الأنباء على نطاق واسع. هذا دون التفصيل في تورط مكتب إرشاد الجماعة في
الإطاحة بحكومة الجنزوري بإيحاء من قطر ما إستدل به مراقبون عن دور
الجماعة الدينية في السياسة العامة. أما الآن، فقد بات الدور واضحاً
بالصوت والصورة وعليه يبنى القول بعدم شرعية حكم الإخوان الذي تبين أنه
حكم تنظيم ديني عالمي، وكذا عدم شرعية الحزب الاخواني الذي تبين أنه
قائم على أساس ديني.
في الختام، يمكن القول أن الإخوان لم يدخلوا السياسة بطريقة شرعية.
فإذا سلمنا أنهم دخلوها بطريقة شرعية فإن انتخاباتهم انتابتها خروقات
وتلاعبات كبيرة كما أسلفنا الذكر. وعلى طول المدة التي حكموا فيها عرف
الإنسان المصري تجاوزات فيما يخص حقوقه الأساسية ما يبرهن على غياب
طابع الشرعية والديموقراطية الذي وسموا بهم أنفسهم.
http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/yasiralharaak.htm |