المدينة الفاضلة التي بالياقوت تدلت عناقيدها

قراءة في مجموعة الشاعر سلام محمد البناي

عبدالكريم العامري

 

شبكة النبأ: ابتداء، ماهي معايير المجتمع الذي يدور حوله النص؟ أي نوع من السلوك الحادث أو المستجد يتقبله؟ طالما نقول فاضل، فما حاجته الى التغيير؟. هناك شقان:أخلاقي، وآخر اجتماعي،هذا ينسحب على الفرد في سلوكه وتوجهاته.

إن المنظور السوسيولوجي مهم في توجيه الاهتمام نحو بعض الجوانب الحيوية في إنتاج الثقافة. هناك دور في بحث الدراسات الثقافية بشكل عام، والأدبية النصية بشكل خاص، أي يتحول فيه الى نص اجتماعي آخر من خلال قراءة جديدة. ففي الشعرية مثلا توجد ثقافات، علاقات بين الجنسين، طبقات، تاريخ يفرق، جغرافية تجمع..الخ نجد هذا عند سلام محمد البناي في (بالياقوت تدلت عناقيدها) بغداد/2012 (كان وجهه.. معبأ بالخرائط.. لم تدشنها الفوانيس/ أسراب شمع، تملأ الاتجاهات/ صار المكان محنة للتوهج 19).

موضوع المدينة الفاضلة تعرض للجدل، استخدم بشكل رمزي في الشعر، حتى الابتكار يعني نقيض عالم المثل، الذي يمثل كابوسا لإنسان العصر الحديث، سيطرت عليه التكنولوجيا بصورة بشعة وابتلعت القيم وأصبحت فيه الفضائل من ذكريات الماضي، فإذا بموضوع المدينة الفاضلة حلما، نسيا منسيا.

لكن، للأنظمة أعمار طبيعية كما للأشخاص، كذلك مجتمعاتها لها عمر افتراضي ولابد من التغير بانتهائه، كما تطرحه فرضية الشاعر في نصياته ورموزاته الرائعة (افترضتك سنبلة/ لعمري الذي ينحني أمام لغة المناجل 37).

أين ذهبت فكرة المجتمع الفاضل في ظل هذه الظروف؟ اعتقد، أصبحت في آخر قائمة اولويات الشعوب.. لكن، الشاعر البناي استطاع تشكيل مدينته بالحروف، الورود والياقوت.. بينما المجتمع يخدشها.

الرمزية، عند الشعوب البدوية كانت فعاليتها تمارس على عالم الحيوان المتحرك مثلها. أما الحضرية، المزارعين ومؤسسي المدن، استغلت العوالم النباتية والمعدنية والحجرية باستعمال رمزية من الحركات توجه الى النظر كالكتابة والفنون والهندسة.

الحضريون الثابتون طيلة الوقت عكفوا بصورة خاصة على الفنون التي تتوقف على العدد وعلى هندسة الفراغ..هذه الأشكال الحيزية كالحفر والنحت رمزية هي التي تشغل نصوص الشاعر..(يقف الصفصاف معدما/ القمر مطرودا/ أدنوا.. ويبعدني فراغي/ ونوارسي لا تطير/ لم تمنحيني جسرا 53).

العدل صفة أساسية من صفات المجتمع الصالح الذي يشكل حجر الزاوية في المدينة الفاضلة. ليس احترام الكائنات مطلوبا فقط لتحقيق العدالة، بل إن احترام الحياة هو تعبير عن الرحمة والاستقامة ونبذ الأنانية. هو تسبيح، فإذا خلت النفس من هذه الصفات، لا يمكن أن تكون نواة صالحة للمجتمع الفاضل، الذي ينشده الشاعر كما الكاتب أو الفنان. المجتمع الفاضل متصالح مع البيئة أولا، فلا يقطع شجرة، لا يلوث نبعا أو نهرا، لا يلقي بالنفايات العادية على قارعة الطريق فكيف بالنووية. لا يسهم في تلوث الهواء الذي يتنفسه الناس والعصافير والأبل، أو يكون طرفا في، أو سببا ل، أي أذى يلحق بالبيئة من قريب أو بعيد. متكيف مع الطبيعة، فلا يقتل الفرد الآخر، لا يحتقر من ما دونه من كائنات ومخلوقات مهما كان تكوينها بدائيا، مهما بلغت دقتها أو صغر حجمها أو بدت تافهة بالنسبة لتعقيدات حياة الإنسان وطموحاته ومعارفه، لأنها ارث الشعوب ومنبع عطاء كل الخيرات، فلماذا (يجلد ضياؤها ظهور الفقراء/لازال الفجر في العيون والفقراء يبتعدون 34).

أن تغيير العادات صعب، لكنه ليس مستحيلا، بل إن التغير من طبيعة المجتمعات، ديدنها عبر القرون، تبعا لتغير الخبرات والمعارف والظروف كافة بشكل عام، والثقافية بشكل خاص.

 يرى الشاعر التاريخ من خلال النص، مسألة وقت، والتغير حاصل لا محالة، أمامنا خياران:

الأول، إما أن نتبع الطريق الطويل ونترك المجتمع يتغير تدريجيا بخطواته البطيئة.

الثاني، أن نسرع هذا التغيير فنختصر الزمن لنضمن سلامة مدينة الشاعر المملوءة بالياقوت و.. يكون الهدف، هو صلاح عام وليس الوردة والنبع..، مما يعطي دفعة قوية تحول المجتمع الى واع يتبنى كل تجديد من شأنه أن يسهم في إصلاح المسالك والمفاهيم التي عليها تقوم مصالح المجتمعات الناجحة، ولا نضطر لإقحام السياسة في عملية الإصلاح الاجتماعي(وحده الصمت ألبسني رداء التحدي/ وأنا أرى الأسوار/ من اسماع السلاطين 49).

سوف تكون المسألة سلسة، لأنها مطلوبة من المجتمع ذاته، لا مفروضة عليه من فرد طامح أو فئة مستبدة أو جماعة لها أهداف اديولوجية. فكل فعل يتناغم مع قوانين التغير لا يعتبر مفروضا (أبوابك القديمة وعيناي/ طيور/ قناديل تخضر/ يا مدينة ما باغتها الجدب31 ).

انظر الى أوراق الشجر الذابلة كيف تسقط من تلقاء ذاتها في الخريف، إنها لحركة طبيعية أن تتساقط الأوراق الصفراء الذابلة.. كما تتساقط الأفكار البائسة.. كذلك تحت مظلة المجتمع الفاضل، تتساقط منه فضلات السلوك وما هو بال من التقاليد قد لا تحتاج الى جهد كبير، فضلا عن الجهد المضني الذي يبذله المصلحون في تغيير شبيهات تلك العادات في المجتمع التقليدي (وأنا أنظر..لورقة تدهسها عيناي/ لسنا أنا وأنت، من رسم بعثرة الأحلام41).

غزارة ذكرياتنا تجاربنا ترفع كلا منا الى مهمة شاعر خلاق لثقافة عيشت وغذيت بالمشاعر المختبرة والإشارات المقبولة المتحصلة من الأسلاف والمنقولة الى الأجيال المستقبلية الذي يترحم عليها الشاعر(تبقى السنابل متخمة، الآن تسألني الأمطار/ وسادة من عشب 23 ).

ما يميز النص، فكرة(تدلت)؛ تدور حول مركز مديني ترمز اليه، نقطة انطلاق لتوليف مجموعة من المواقف المأخوذة من امتدادها الشامل وهو ما يفترض تطابق المتناقضات، والتناقض نفسه ليس إلا أصغر المجموعات الممكنة المحولة الى ثنائية أثنين متكاملين، بما يشبه اقامة المعبد الديني في مركز المجتمع اللا ديني وان تجري النهر في مركز التصحر..

تمثيل المركز في المجموعة يبدو هندسيا هو النقطة التي أحدثت التغير في محيط الدائرة.. تمثيلها الجغرافي يعزو اليها مشاهد مذكرة لغرض التوالد هي: أرض مقدسة، أرض الخلود، نقية، أرض السعداء، الأحياء، إقامة المفضلين.. ويدور حولها المرسلين والزائرين.

بالاستناد الى الكنوز المخبأة والأحجار الكريمة النادرة هي مدخل عرين؛ الشاعر في حيز تتقاطع فيه الاستعارات، يقترب في سورة (النجم) ألفى نفسه (يدنو ويتدلى) كما لو أنه يجري باتجاه الاشتباه الضروري الذي تنبعث منه لغة الشعر. حيث تنبعث (مدينتي، تقف منتصف العالم/ تعج بالحزن/ بالحلم، والماء/ السائرون نحوها/ تعمده الأضرحة).

فالمدينة والمدني، الأولى صورة مبتذلة للثانية التي تعد أكثر حفاظا على صفة الولاء التي تربط المواطن بالأرض في ترمل التراب (عندما يورق الصباح/ تدلى عناقيدي بالياقوت ويخضر الحلم 14 ).

لكن، تدلت عناقيدها، بالحبل أو السلم أو الخيط..صورة أخرى رمزية للصعود، يتدخل مفهوم هندسي مختلف أكثر تعقيدا هو (العناقيد) التي تعني(العقد)تتصل بمختلف درجات السلم أو الحبل.. الذي ينطبق على تثبيت حالة مقبولة أم لا حيث تعتبر من المقدس زخرفة على شكل عقدي وجديلي وحلزوني أو تشبيكي تعويذات حافظة وواقية..بالفعل، حل عقدة هو البدء في تحرير شيء ! يظل تلغيز النص هكذا! نلحظ الاهداء... الى... الياقوت، تبدأ ب 5 نقاط ثم 3 ثم 3 هكذا بدون نهاية بدلالة التنقيط في(تتدلى عناقيدي/ أيتها المدينة التي لا تشيخ/ ما زالت الخناجر تطعن رئتك/ 14 )، (بالوقت والياقوت 58 ).

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 23/تموز/2013 - 14/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م