الاقتصاد المصري... رهان في مرحلة الشك

 

شبكة النبأ: تمر مصر حاليا بحالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، لكن بعدما أطاح الجيش بالرئيس المعزول محمد مرسي وحكومته وتعيين حكومة مصرية جديدة من ذوي الخبرة ضمن مجلس وزراء سيختبر تماسكه اختبارا قاسيا في الأشهر القادمة، فعلى مدى الأيام القليلة الماضية وقع الاختيار على اقتصاديين محنكين وخبراء لتولي حقائب وزارية مهمة في الحكومة الجديدة، ويبدو أن هذه المجموعة الاقتصادية الجديدة تضم أفضل الخبرات رفيعة المستوى منذ انتفاضة فبراير شباط 2011 التي أعقبتها عدة حكومات غير مستقرة كان الاختيار فيها على أساس الانتماء الفكري أو السياسي أكثر من الخبرة.

فربما تبعث الحكومة المصرية الجديدة التي يدعمها الجيش على الرضا في نظر المستثمرين لضمها اقتصاديين يعملون بسياسية التكنوقراط، وتحلم الدولة الأكثر سكانا في العالم العربي بمرحلة اقتصادية مستقرة في المستقبل القريب.

لكن يرى بعض المحليين لن تضمن مؤهلات الوزراء الجدد بمفردها أن تتمكن مصر من التغلب على مشكلات مثل مالية عامة متداعية وعجز تجاري كبير وتضخم مرتفع لكن تشكيل الفريق ربما يسهم بحد ذاته في استعادة ثقة قطاع الأعمال.

كما يستبعد كثير من الخبراء الاقتصاديين إمكانية التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد قبل الانتخابات البرلمانية لأنه سيتضمن التزامات سياسية باصلاحات اقتصادية ستجد الحكومة الانتقالية صعوبة بالغة في تنفيذها.

ويرى هؤلاء المحللين انه سيكون على مجلس الوزراء الجديد اتخاذ قرارات سياسية صعبة في الأشهر القليلة القادمة مثل كيف سيبدأ في إصلاح نظام دعم الوقود والغذاء باهظ التكلفة والذي يقوض المالية العامة للدولة. وتحتاج مصر إلى خفض الإنفاق العام بدون الإضرار بالفئات الفقيرة.

كما أن هناك مشكلة أخرى تتمثل في سياسة العملة التي من المتوقع أن يناقشها مجلس الوزراء مع البنك المركزي، فبعدما فقد الجنيه المصري نحو 15 بالمئة من قيمته أمام الدولار ليصل سعر العملة الأمريكية إلى حوالي سبعة جنيهات في الثمانية عشر شهرا الأخيرة تدعم الجنيه قليلا مع تشكيل الحكومة الجديدة.

وبعدما أطاح الجيش بالرئيس محمد مرسي وعدت الإمارات العربية المتحدة والسعودية والكويت بمساعدات لمصر قيمتها الإجمالية 12 مليار دولار في صورة نقد وقروض وإمدادات وقود وهو ما يقول اقتصاديون إنه سيمنح القاهرة متنفسا لعدة أشهر لإصلاح الوضع المالي.

ومع تدفق المساعدات الخليجية فقد تتجه السلطات لإنفاق بعض تلك الأموال للحيلولة مزيد من الهبوط في قيمة العملة وتقليص التضخم ومحاولة استعادة ثقة المستثمرين من خلال تحقيق أداء أفضل للجنيه مقارنة بفترة حكم مرسي.

لكن سياسة كتلك ستستنزف احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي ويمكن أن تضر بالاقتصاد من خلال تقييم الجنيه بأكثر من قيمته الحقيقية.

في حين قد تساعد تصريحات ساويرس - أحد أكبر رجال الأعمال في مصر - على إعادة بناء الثقة في بلد عانى من اضطرابات سياسية على مدار عامين ونصف العام، وتجنبت البلاد الوقوع في هاوية الإفلاس بفضل مساعدات تعهدت دول خليجية بتقديمها بعد إطاحة الجيش بمرسي في الثالث من يوليو تموز استجابة لاحتجاجات الملايين من المصريين، وساور القلق المستثمرين وعزف السائحون عن زيارة مصر منذ الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك في فبراير شباط 2011 مما قوض اثنين من المصادر الرئيسية للعملة الصعبة في مصر.

بينما رأى خبراء اقتصاد آخرون ان مليارات الدولارات التي تعهدت دول خليجية بتقديمها لمصر في الايام الاخيرة للا توفر سوى جرعة انعاش لبلد على شفير الافلاس وحيث تضاف الازمة السياسية الحالية الى صعوبات اقتصادية كبيرة.

لكن ضخ اموال من الخليج ليس حلا على المدى الطويل بحسب كانينغهام: فالبلد تلقى خلال العام المنصرم مليارات الدولارات من قطر لم تسمح سوى بتأجيل مواعيد الاستحقاقات، وان الامر ليس سوى علاجات بسيطة، التحديات ضخمة وهي بنيوية، كون الاقتصاد المصري يشهد سوء ادارة منذ عقود ولم يعالج هذا الامر في عهد مرسي، لذا يرى معظم المحللين ان اقتصاد البلاد هش ويمر بموقف بالغ الصعوبة لكن الخروج من هذا المأزق يحتاج أولاً إلى رؤية، ثم سياسات وآليات تنفيذية، وأن هذه المرحلة من تاريخ مصر تحتاج إلى شخوص غير تقليديين لأننا في مرحلة غير تقليدية، ويمكن الحصول على استقرار اقتصادي طويل الأمد لمصر في المستقبل إذا تحسن الوضع السياسي بدرجة كبيرة.

حكومة مصرية تضم اقتصاديين محنكين تبدو مشجعة للمستثمرين

في سياق متصل قال محمد قطب مدير إدارة الأصول لدى النعيم للاستثمارات المالية في القاهرة متحدثا عن الوزراء الجدد "أعتقد أنهم أذكياء بدرجة كافية للتعامل مع النتائج الجديدة على أرض الواقع"، وتوقع قطب أن يركز مجلس الوزراء الجديد على استعادة الأمن العام وتعزيز السياحة وجذب الاستثمارات الأجنبية مجددا إلى مصر وهي مطالب أساسية لمجتمع رجال الأعمال الذين شعر كثير منهم بالتجاهل من جانب حكومة مرسي.

وتضم الحكومة الجديدة وزراء بأفكار ووجهات نظر متنوعة لتهدئة حالة الغضب إزاء الإطاحة بالرئيس المنتخب ديمقراطيا لكن هذا قد ينبئ بمتاعب عندما تتصدى الحكومة لمشكلات الدعم والعملة.

وكانت حكومة مرسي تفتقر إلى الخبرات. فعلى سبيل المثال كان اثنان من وزراء المالية أكاديميين درسا الاقتصاد الإسلامي بدون خبرة عملية تذكر في مجال الاقتصاد حيث مازال دور البنوك الإسلامية صغيرا للغاية بينما تواجه البلاد أزمة في ميزان المدفوعات.

وكان آخر وزير مالية في حكومة مرسي هو فياض عبد المنعم الذي تخصص في البحوث الاقتصادية الإسلامية وله دراسة بعنوان "الوظائف الاقتصادية للدولة الإسلامية في العهد النبوي والراشد"، وفشلت حكومات ما بعد الانتفاضة في مصر في جذب وزراء من ذوي الخبرة والكفاءة لأنهم كانوا يخشون أن يحسبوا على المجلس العسكري الحاكم حينئذ والذي كان لا يلقى قبولا شعبيا أو على فكر الإخوان المسلمين بعد ذلك.

ويبدو أن مجلس الوزراء الجديد تغلب على ذلك حيث سيضم وزراء يستطيعون التفاهم مع المستثمرين المحليين والأجانب وآخرين لديهم الخبرات الإدارية اللازمة لتنفيذ سياسات اقتصادية وسط أجواء من المعوقات الحكومية والبيروقراطية، وسيقود رئيس الوزراء المكلف حازم الببلاوي دفة الأمور لحين إجراء انتخابات برلمانية بعد نحو ستة أشهر وقد سبق له إدارة البنك المصري لتنمية الصادرات لمدة 12 عاما ثم عمل بعد ذلك في منظمات اقتصادية إقليمية بمنطقة الشرق الأوسط، وحسبما أعلن سيتولى حقيبة المالية أحمد جلال العضو المنتدب لمنتدى البحوث الاقتصادية في القاهرة منذ 2007 والباحث في البنك الدولي لمدة 18 عاما.

وتقرر تعيين زياد بهاء الدين نائبا لرئيس الوزراء وهو عضو الحزب الديمقراطي الاجتماعي المصري ذي التوجه اليساري وحاصل على درجة الدكتوراة من كلية لندن للاقتصاد وأدار هيئة الاستثمار في مصر بين 2004 و2007، وكان على الحكومة الإنتقالية المصرية ألا تتجاهل الجانب الايديولوجي والمواءمات السياسية في اختيار وزراء المجموعة الاقتصادية في إطار الجهود المبذولة لخفض التوترات السياسية حيث رشحت أشرف العربي وزيرا للتخطيط وهو المنصب نفسه الذي شغله بحكومة سابقة وهو خبير اقتصادي درس في الولايات المتحدة وتفاوض مع صندوق النقد الدولي بخصوص قرض قيمته 4.8 مليار دولار لكن لم يتوصل إلى اتفاق بشأنه حتى الآن، وقال قطب "كأفراد كل على حدة أعتقد أن الحكومة الانتقالية تستطيع التعامل مع القضايا ذات الأولوية لكن التحدي الأكبر يتمثل في كيفية التعامل مع التحديات كفريق"، فبعد دقائق من تعيينه بدا أن العربي يثير إمكانية حدوث خلافات داخل مجلس الوزراء بقوله للصحفيين إن الوقت ليس مناسبا لاستئناف المحادثات مع صندوق النقد الدولي نظرا لمساعدات خليجية حصلت عليها مصر بقيمة 12 مليار دولار ستدعم البلاد في الأشهر القادمة، ولم يتضح بعد ما إذا كان العربي يتحدث نيابة عن مجلس الوزراء بأكمله أو أن هذا هو رأيه الشخصي. ولم يصرح الببلاوي علانية بما إذا كان يريد تسريع اتفاق الصندوق الذي يمكن أن يساهم في عودة المستثمرين الأجانب إلى مصر. بحسب رويترز

وقال وليام جاكسون خبير الأسواق الناشئة لدى كابيتال إيكونومكس في لندن "سيكون من الصعب للغاية بأي حال إبرام اتفاق مع الصندوق قريبا" مضيفا أن تصريحات العربي كانت "مجرد تقييم واقعي"، وتقدر كابيتال إيكونومكس القيمة العادلة للعملة والتي تساعد على تعافي الصادرات المصرية عند نحو 7.50 جنيه للدولار، ورغم ذلك فإن كثيرا من رجال الأعمال مستعدون في الوقت الحاضر لمنح مجلس الوزراء الجديد فرصة، وقال أشرف أخنوخ كبير المتعاملين لدى التجاري الدولي للسمسرة في القاهرة "نحن متفائلون بمجلس الوزراء الجديد لاسيما وأن معظم أعضائه لديهم خبرات اقتصادية كبيرة، "المشكلة الرئيسية هي بناء توافق على السياسات وإظهار بعض النتائج للمواطنين. لا يملكون رفاهية إضاعة الوقت - مصر تحتاج لنتائج سريعة وأهداف بعيدة".

ستاندرد اند بورز تبقي تصنيف مصر "سي سي سي+" مع نظرة مستقبلية مستقرة

على الصعيد نفسه ابقت وكالة "ستاندرد اند بورز" للتصنيف الائتماني تصنيف الدين السيادي المصري عند درجة "سي سي سي+"، مع نظرة مستقبلية مستقرة، مشيرة الى ان مبعث هذه الطمأنينة هو المساعدات المالية الموعودة للقاهرة من قبل دول خليجية.

وكانت الوكالة خفضت في ايار/مايو الماضي تصنيف مصر درجة واحدة من "بي-" الى "سي سي سي+"، اي درجة استثمارات المضاربة، وذلك بسبب فشل الحكومة في حينه في اتخاذ الاجراءات اللازمة لخفض عجز الموازنة العامة، وتمنح الوكالة درجة "سي سي سي+" الى الدول والمؤسسات التي تواجه خطرا حقيقيا في عدم قدرتها على سداد ما عليها من مستحقات، واوضحت "ستاندرد اند بورز" في بيان ان "النظرة المستقبلة المستقرة" ترتكز الى واقع ان مصر ستحصل على مساعدات ثنائية بقيمة 12 مليار دولار، اي ما يعادل 4,4% من اجمالي الناتج المحلي المصري، وذلك بهدف "تجنب ازمة مالية خارجية". بحسب فرانس برس.

وكانت السعودية والكويت والامارات وعدت مؤخرا مصر بمساعدات مالية بقيمة 12 مليار دولار، موزعة على خمسة مليارات دولار من الرياض واربعة مليارات من الكويت وثلاثة مليارات من الامارات، وقالت الوكالة ان "هذه الاموال تخفض الضغوط على ميزان المدفوعات وتعطي بعض الوقت للمسؤولين كي يتصدوا للتحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها مصر والتي كانت السبب في خفض التصنيف في ايار/مايو الماضي"، واضاف البيان ان المساعدات التي ستقدمها الدول الخليجية الثلاث "نقدا، وعلى شكل قروض بدون فوائد، وعلى شكل نفط ومشتقات نفطية، .ستحد من خطر مواجهة مصر ازمة في ميزان مدفوعاتها"، ولفتت الوكالة الى ان "مبلغ ال3,7 مليارات دولار التي قدمتها سابقا دولة قطر تم تحويلها من جانب الحكومة الى سندات متوسطة الاجل"، مشيرة من جهة اخرى الى انها "تتوقع ان تبقى التوترات السياسية كبيرة في مصر" بعد عزل الجيش في 3 تموز/يوليو الجاري الرئيس الاسلامي محمد مرسي اثر احتجاجات شعبية عارمة.

ساويرس: سأضخ أنا وعائلتي استثمارات في مصر أكثر من أي وقت مضى

من جانبه قال رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس الذي تسيطر عائلته على امبراطورية شركات أوراسكوم إنه وأشقاءه يعتزمون "ضخ استثمارات في مصر أكثر من أي وقت مضى" بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي الذي اتهمه بالاستئساد على المعارضين لحكمه، وقال ساويرس - رجل الأعمال المسيحي البارز الذي وجه انتقادات صريحة للرئيس المعزول - لرويترز إن حكومة الرئيس الإسلامي سعت إما إلى استمالة كبار مسؤولي الشركات أو فرض ضرائب ثقيلة عليهم كما فعلت مع شركات عائلته نظرا لكونه في صفوف المعارضة.

وقضى ساويرس - الأكبر بين ثلاثة أشقاء أثرياء - معظم العام المنصرم في منفى اختياري وعاد إلى مصر في مايو أيار بعد التوصل إلى تسوية مع شركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة التي يديرها شقيقه ناصف ساويرس بشأن اتهامات بالتهرب الضريبي.

وتعد مجموعة شركات أوراسكوم واحدة من بين أكثر شركات القطاع الخاص توفيرا للعمالة في مصر إذ يقول ساويرس إنها توفر فرص عمل لما يزيد على مئة ألف مصري. ويدير ساويرس حاليا شركة استثمارية جديدة هي شركة أوراسكوم للاتصالات والإعلام والتكنولوجيا، وقال ساويرس "أنا وعائلتي سنضخ استثمارات في مصر أكثر من أي وقت مضى - في أي مشروعات جديدة يمكن أن نستثمر فيها وأي مصانع جديدة يمكننا افتتاحها وأي مبادرات جديدة توفر فرص عمل لشباب مصر." لكنه لم يكشف عن تفاصيل محددة، وأضاف رجل الأعمال المصري من يخت قبالة سواحل جزيرة ميكونوس اليونانية حيث يقضي عطلته الصيفية "إنني على يقين تام من أن مصر ستسترد عافيتها بقوة الآن"، وقال ساويرس "هناك رأيان أحدهما أن يعود الناس الذين خرجوا يوم 30 يونيو إلى الميادين وفي رأيي يجب علينا العودة إلى عملنا وبناء بلدنا"، وانضم ساويرس لملايين المصريين الذي وقعوا على استمارات حملة تمرد التي أطلقها شبان معارضون. وساعد الحزب السياسي الذي أسسه فضلا عن الصحيفة والقناة التلفزيونية في دعم الحملة بوسائل مثل إتاحة أفرع مكاتبها للاستخدام، وقال ساويرس "من الأمانة القول بأنني شجعت كل الجهات التابعة لي على دعم الحركة لكن لم يكن هناك تمويل لأنه لم تكن هناك حاجة لذلك." وأضاف أن الفضل في نزول الملايين إلى الشوارع احتجاجا "يرجع بالكامل للسيد مرسي."

وبعد الإطاحة بمرسي وتعثر الاقتصاد قال ساويرس إنه ضغط على مسؤولي الحكومة في الكويت والإمارات - اللتين أحجمتا عن مساعدة مصر في عهد مرسي - من أجل تقديم مساعدات سريعة على مدار الأشهر القليلة المقبلة.

وقال ساويرس الذي جنى ثروة طائلة من شركة أوراسكوم تليكوم التي باع أغلب أصولها إلى شركة فيمبلكوم في صفقة بلغت قيمتها ستة مليارات دولار في 2010 "لم أكن بحاجة كبيرة لإقناعهم فقد كانوا مقتنعين بالفعل"، وبعد تدخل الجيش مباشرة لعزل مرسي تعهدت الإمارات والكويت بتقديم مساعدات للحكومة المصرية بقيمة ثلاثة مليارات وأربعة مليارات دولار على الترتيب لعدة أهداف منها دعم احتياطياتها. وتعهدت السعودية بتقديم خمسة مليارات دولار،

وقال ساويرس "إذا سقطت مصر أو وقعت في براثن الاضطرابات سيسقط الشرق الأوسط بأكمله. لذا فإنهم يدافعون عن بلادهم أيضا بمساعدة مصر". بحسب رويترز.

وأضاف ساويرس الذي ساهم في تأسيس وتمويل حزب المصريين الأحرار الليبرالي المشارك في التحالف المعارض لمرسي إن حكومة الرئيس المعزول عرضت عليه منصب محافظ القاهرة في أوائل فترة الرئاسة ولكنه رفض العرض، وعلى عكس شقيقيه اللذين آثرا الابتعاد عن الساحة السياسية كان ساويرس يوجه انتقادات صريحة ويمتلك أسهما في قناة تلفزيونية وصحيفة مستقلة بارزة تنتقدان حكم مرسي.

وقال "دفعت عائلتي بالفعل ثمن معارضتي" مستشهدا بما وصفها بالضرائب "غير القانونية" التي فرضت على شركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة التي بصدد نقل إدراجها من بورصة مصر إلى بورصة هولندا، وأضاف "كانوا يستأسدون علينا. كانوا يستأسدون علي. كانوا يستأسدون على عائلتي وعلى ... أي رجل أعمال تجرأ ووقف في طريقهم"، وإلى جانب أوراسكوم للإنشاء والصناعة التي تمتلك مصنعين للأسمنت والأسمدة ولها نشاط دولي في مجال الإنشاء يدير سميح ساويرس الشقيق الثالث شركة أوراسكوم القابضة للتنمية التي تدير منتجعات سياحية ومشروعات عقارية في مصر وأوروبا.

الازمة الاقتصادية في مصر تتفاقم رغم مساعدة دول خليجية

فقد اشتكى ملايين المصريين الذين طالبوا برحيل الرئيس الاسلامي محمد مرسي، خصوصا من تركه الاقتصاد ينحرف عن مساره متسببا بارتفاع كبير في نسب التضخم والبطالة بالاضافة الى شح كبير في المحروقات، وعاد البنزين على اثر التهافت على محطات التوزيع في اجواء الهلع التي سبقت ازاحة محمد مرسي في الثالث من تموز/يوليو. وسارعت دول خليجية عدة الى الاعلان عن مساعدات بقيمة اجمالية من 12 مليار دولار.

لكن المناخ الذي فرضه الوضع الامني وعدم الاستقرار السياسي قلل من احتمال عودة السياح الذين يمثلون اول مصدر للمداخيل في البلد وكذلك الاستثمارات الاجنبية التي انهارت على اثر سقوط نظام حسني مبارك في بداية 2011، والمفاوضات التي تراوح مكانها منذ سنتين مع صندوق النقد الدولي من اجل الحصول على قرض بقيمة 4,8 مليارات دولار، قد لا تنتهي لان البلد لا يزال من دون حكومة ومن دون خطة اصلاحية.

واعتبر المحلل المالي اندرو كانينغهام انه "حتى ولو تم التوصل الى اتفاق بشان القرض (مع صندوق النقد الدولي)، فلا اعتقد ان ذلك سيترجم بتدفق الاستثمارات. البلد يعيش ضائقة منذ 2011، وقد شهد للتو انقلابا عسكريا وتطلق النيران على الناس في الشوارع. ويصعب الحديث عن وجود اطار يجذب" الاستثمارات، وتقدم المساعدة المالية التي اتت من الخليج -- 5 مليارات دولار من السعودية و4 مليارات من الكويت و3 مليارات من الامارات - جرعة اوكسجين على المدى القصير للبلد، وفي نهاية حزيران/يونيو، لم يكن لدى البنك المركزي المصري فعليا سوى 14,9 مليارات دولار من احتياطي العملات الاجنبية (مقابل 36 مليارا في بداية 2011)، اي ما يكفي لتغطية ثلاثة اشهر فقط من الواردات.

والاموال الخليجية قد تسمح للبلد بمواصلة استيراد منتجات اساسية جدا في الاشهر المقبلة، ولا سيما القمح الذي تعتبر مصر اول مستورد عالمي منه، او بعض انواع المحروقات مثل الديزل، ولفت سيباستيان بونسوليه المحلل في مؤسسة اغريتل الفرنسية "في هذا البلد البالغ عدد سكانه 84 مليون نسمة، يعيش شخص من اصل اربعة دون عتبة الفقر ولا يستمر على قيد الحياة الا بفضل القمح المدعوم" (من الدولة) والذي يتم شراء القسم الاكبر منه من الخارج.

وتشير الاحصاءات الاخيرة الى زيادة قوية في معدل البطالة الذي بلغ 13,2 بالمئة من عدد اليد العاملة الفعلية مقابل 8,9 بالمئة قبل ثلاثة اعوام. ويرى الكثيرون ان هذه الارقام الرسمية دون الواقع بكثير، ويضاف الى كل ذلك نظام تربوي وقطاع طبي في حالة انهيار وفساد مستشر وادارة مكتظة بالموظفين مع رواتب بائسة ونظام لدعم المنتجات الاساسية يزيد من ارتفاع العجز في الموازنة المقدر بنسبة 11,5 بالمئة من اجمالي الناتج الداخلي، وقال احمد جلال من منتدى الابحاث الاقتصادية في القاهرة "ينبغي مراجعة كل النظام".

ويبدو ان تعيين حازم الببلاوي وهو وزير مالية سابق بنى مسيرة طويلة في المؤسسات المالية، رئيسا للحكومة الانتقالية يدل على ارادة لجعل النهوض الاقتصادي في طليعة الاولويات، الا ان تشكيل حكومة ائتلافية واسعة التمثيل امر معقد بسبب رفض جماعة الاخوان المسلمين المطالبين بعودة مرسي، الانضمام اليها وبسبب تفكك المجموعات التي تدعم ازاحة الرئيس السابق، وتعتبر مؤسسة ستراتفور الاميركية في مذكرة حديثة ان صعوبات مصر تتجاوز المشاكل السياسية الراهنة وستلقي بثقلها على الحكومة المقبلة، وحذرت المؤسسة من ان "الضغط الديموغرافي والاقتصادي المتنامي" سيستمر في طرح تحديات "اكبر سنة بعد سنة".

بورصة مصر ستستأنف الصعود مدعومة بمليارات الخليج

من جهة أخرى قال محسن عادل من بايونيرز لادارة صناديق الاستثمار ان الأموال الخليجية ستجعل "المرحلة الانتقالية في مصر أخف وطأة اقتصاديا مما يتوقعه البعض"، وأعلنت الإمارات العربية المتحدة هذا الاسبوع أنها ستقدم لمصر منحة بقيمة مليار دولار وقرضا بقيمة ملياري دولار في صورة وديعة بدون فائدة لدى المركزي المصري. وقالت المملكة العربية السعودية إنها ستقدم حزمة مساعدات لمصر بخمسة مليارات دولار تشمل ملياري دولار وديعة نقدية بالبنك المركزي وملياري دولار أخرى منتجات نفطية وغاز ومليار دولار نقدا.

وتعهدت الكويت بتقديم مساعدات عاجلة لمصر قيمتها أربعة مليارات دولار تشمل ملياري دولار وديعة في البنك المركزي المصري ومليار دولار منحة لا ترد إضافة إلى نفط ومشتقات نفطية مجانية بقيمة مليار دولار، ومن المتوقع أن تعين المساعدات مصر على تفادي أزمة في ميزان المدفوعات والتصدي لنقص الوقود الذي ساهم في تأجيج الغضب الشعبي من الرئيس المعزول مرسي، وقال نادر إبراهيم من آرشر للاستشارات إن المساعدات الخليجية ستساعد "البورصة لاستئناف الصعود خاصة إذا تم الاعلان عن حكومة من الكفاءات قبل معاملات"، وتراجع المؤشر الرئيسي لبورصة مصر خلال الاسبوع الجاري بنحو واحد بالمئة، وقال إبراهيم النمر من نعيم للوساطة في الاوراق المالية "شهدنا صعودا قويا الاسبوع الماضي. السوق يواجه الان مقاومة قوية عند مستويات 5400-5470 نقطة. أسهم كثيرة تتداول عند مناطق مقاومة. قد تظهر القوة البيعية من جديد في السوق."

واتفق معه إيهاب سعيد من أصول للوساطة في الاوراق المالية في ان السوق قد تتراجع الاسبوع المقبل بعد الوصول لمستويات مقاومة قوية، وكانت البورصة ارتفعت الأسبوع الماضي 13.9 بالمئة بعد ان أطاح الجيش بمرسي اثر احتجاجات واسعة بالشوارع ضد الرئيس المنتخب، ولكن إبراهيم من آرشر وصف ما حدث في السوق هذا الاسبوع بانه حالة "جني أرباح سريعة بعد ارتفاعات، وأصبحت مصر منقسمة الآن اكثر من أي وقت مضى في تاريخها الحديث بعد مقتل زهاء 55 شخصا عندما اطلق جنود من الجيش النار على انصار الاخوان المسلمين أمام دار الحرس الجمهوري في العاصمة.

وتقول الجماعة ان الضحايا كانوا يؤدون الصلاة في سلام لكن الحكومة تلقي بالمسؤولية على الإسلاميين في محاولة اقتحام دار الحرس الجمهوري، وقال عادل "السوق مازال مرشحا لاستهداف مستوى 5500 نقطة في ظل الزخم الشرائي من قبل المصريين."

وعين الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور المدعوم من الجيش حازم الببلاوي الاقتصادي الليبرالي وزير المالية السابق رئيسا لوزراء الحكومة الانتقالية مع سعي السلطات لقيادة البلاد إلى انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة، ويعمل الببلاوي الآن على تشكيل الحكومة الجديدة للبلاد.

وقال عادل "السوق سيتأثر ايجابيا بالتشكيل الوزاري الجديد ومدى قدرة البلاد على الخروج من الأزمة السياسية"، وأضاف "إذا حدث تحول ديمقراطي ايجابي وهدوء أمني واستقرار سياسي ستكون مصر مرشحة لرفع تصنيفها الائتماني لأول مرة منذ 2011"، ويرى عيسى فتحي من غرفة الأوراق المالية باتحاد الغرف التجارية ان السوق سيصعد الاسبوع المقبل ولكن ليس بنفس قوة أول أسبوع بعد 30 يونيو. بحسب رويترز.

وخفضت مؤسسة فيتش تصنيفاتها الائتمانية لمصر متذرعة بالاضطرابات السياسية التي شهدت الإطاحة بأول رئيس للبلاد منتخب انتخابا ديمقراطيا، وقالت فيتش إنها خفضت تصنيفها لاحتمالية تخلف مصر عن سداد ديونها الطويلة الأجل بالعملة الصعبة والمحلية الى B-MINUS  من B وأضافت إن توقعاتها لمصر سلبية وهو ما يعني أنها قد تصدر مزيدا من التخفيض لتصنيفاتها في المستقبل، وقال إبراهيم "أموال وودائع الدول الخليجية لمصر قد تساعد في خلق حالة من الاستقرار بالبلد وقد تجذب الاستثمارات الاجنبية مرة أخرى لمصر"، وتقلصت عائدات السياحة والاستثمارات الأجنبية بشدة في مصر منذ الاطاحة بحسني مبارك في 2011 وأفلت زمام التضخم وشح البنزين والسولار ويتكرر انقطاع الكهرباء، وتوفر مساعدات السعودية والإمارات والكويت الاموال التي تحتاجها مصر بشدة لمواصلة تقديم امدادات الوقود والغذاء المدعومة لسكانها البالغ عددهم 84 مليون نسمة، ويرى فتحي ان "الاسهم المصرية ستكون قبلة للاستثمار الفترة المقبلة بدعم من الأموال الخليجية وفي ظل انخفاض أسعار الذهب. الوقت الحالي قد يكون فرصة جيدة للشراء".

الوضع المالي في مصر قد يكون أسوأ من المتوقع

الى ذلك ابتهجت أسواق الأسهم والسندات بعد إطاحة الجيش بالرئيس محمد مرسي وانخفضت تكلفة التأمين على ديون مصر لكن بيانات أظهرت أن المخاطر المالية تتجه للتصاعد، ولا يكفي صافي احتياطيات البنك المركزي من العملة الصعبة - التي تحتاجها البلاد لدفع ثمن الواردات - لسداد الالتزامات المقبلة قصيرة الأجل مما يشير إلى أزمة تمويل وشيكة ستشهدها مصر ما لم تتلق مساعدات خارجية سريعا.

وأنفق البنك المركزي ثلث احتياطياته النقدية لحماية الجنيه المصري منذ أوائل عام 2011 بعد أن نضبت الاستثمارات الأجنبية وتعثر الاقتصاد عقب الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك. ولم يستطع البنك دعم هذه الاحتياطيات إلا بمساعدات مالية قدمتها ليبيا وقطر، وأظهرت أحدث البيانات أن إجمالي الاحتياطات الأجنبية يبلغ حاليا أقل من 15 مليار دولار بما يكفي بصعوبة لتمويل واردات ثلاثة أشهر لكن هذا الرقم مضلل. فالمبلغ يتضمن الأصول غير السائلة مثل الذهب فضلا عن أن الالتزامات التعاقدية الوشيكة تتجاوز بكثير حجم احتياطيات البنك من النقد الأجنبي.

وتشير بيانات صندوق النقد الدولي وبنك أوف أمريكا ميريل لينش إلى أن عجز احتياطيات العملات التي يسهل تحويلها يبلغ أكثر من خمسة مليارات دولار إذا ما قورنت بحجم الالتزامات المستقبلية للبنك المركزي، وتتباين التقديرات لاحتياجات مصر المالية.

ويتوقع جان مايكل ساليبا خبير شؤون الشرق الأوسط لدى بنك أوف أمريكا ميريل لينش في لندن أن تصل هذه الاحتياجات إلى 33 مليار دولار في الثمانية عشر شهرا المقبلة من بينها 14.7 مليار دولار ستحتاجها مصر بنهاية عام 2013 بينما يقدر محللون في في.تي.بي كابيتال أن تصل احتياجات البلاد من التمويل الخارجي إلى 19.5 مليار دولار في عام حتى يونيو حزيران 2014، ورشد البنك المركزي استهلاك النقد الأجنبي من خلال نظام عطاءات غير أن الجنيه وصل إلى مستوى قياسي منخفض ليتجاوز حاجز السبعة جنيهات للدولار وتراهن الأسواق الآجلة على أن السلطات لن تستطيع الحفاظ على هذا السعر لفترة طويلة متوقعة انخفاض قيمته 20 بالمئة في العام المقبل. بحسب رويترز.

أما الجانب المضيء في وضع مصر فهو أن جزءا كبيرا من هذه الالتزامات يتكون من أذون خزانة مستحقة مقومة بالدولار تحمل معظمها بنوك محلية ومن ثم يسهل إطالة أجل استحقاقها، وقالت سهير عصبة الخبيرة الاستراتيجية في شؤون الأسواق الناشئة لدى سوسيتيه جنرال إن أحد عطاءات أذون الخزانة التي أقيمت في الآونة الأخيرة شهد طلبا جيدا، وأضافت "السوق مفرطة في تفاؤلها تجاه مصر ولكنهم (المصريون) لن يعجزوا عن السداد. سيتلقون كثيرا من المساعدات الخارجية إذا طلبوها"، ومن الممكن أن تشهد البنوك المركزية عجزا لفترة إذ أن بنك الاحتياطي الجنوب افريقي (البنك المركزي) على سبيل المثال شهد صافي احتياطيات سلبيا لسنوات وسجل عجزا بلغ نحو 30 مليار دولار في عام 1994، ورغم ذلك تشير أزمة التمويل المتفاقمة في مصر إلى أنه لن يكون أمام القاهرة خيارات تذكر سوى إتمام اتفاق قرض صندوق النقد الدولي الذي حاولت حكومات ما بعد الانتفاضة الشعبية تجنبه خشية أن يذكي خفض الدعم الذي يطالب به الصندوق اضطرابات اجتماعية في البلاد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 22/تموز/2013 - 13/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م