شبكة النبأ: هل يصوم السياسي العراقي؟
طبعا يصوم، خاصة واننا نعيش تجربة الاسلام السياسي منذ عشر سنوات، اي
ان القادة والسياسيين في الحكم او قريبا منه هم ينتمون الى هذا الاسلام
الحركي... هل نجح الاسلام السياسي في العراق؟
طبعا لم ينجح.. والادلة كثيرة.. الصوم توبة وانابة.. وهي عملية
مستمرة طيلة شهر رمضان، ويفترض ان تستمر لما بعده، بحكم انها في الحالة
الاولى تترافق مع جهد جسدي ومعنوي كبير، وفي الحالة الثانية لا يرافقها
غير الراحة والاسترخاء.
لامشكلة اذن، في استمرار تلك التوبة والانابة.. الصوم ليس تصفيرا
للذنوب، واعادة تراكمها في الايام اللاحقة.. وهو ليس كما يفعل اصحاب
الحج التجاري كل عام، تصفير واعادة تراكم ثم تصفير، وهكذا طالما
السيولة النقدية موجودة، والقوائم الخاصة والاستثناءات تكرر الاسماء كل
عام.
لكن من يضمن ان التراكم ياتي بالحج القادم، ولا ياتي بدلا منه
بالموت الزؤام؟ لا أحد يضمن ذلك.. لانه يدركنا في كل زمان ومكان..
لماذا اذن تصفير وتراكم؟ انه الامل او طوله، وهو استهانة بالاثنين،
الصوم والحج.
ماهو الصوم؟ ابتعاد وقرب.. الابتعاد عن كل اثم ودنس، مادي ومعنوي.
القرب من الله واليه، بدرجات اكبر من المعتاد.. وهل الله بعيد عن
عبده طيلة بقية العام؟
انها نفس المسافة الفاصلة بين التصفير والتراكم.. ماهو حدها؟ الصدق
والكذب.. هل يصوم السياسي العراقي؟
الظاهرة الملفتة للنظر في شهر رمضان يمكن ان اطلق عليها (الصمت
الرمضاني) الذي يتشارك فيه معظم السياسيين نوابا ووزراء ودرجات خاصة
واعلى وادنى من ذلك..
المركز الاعلامي في مجلس النواب ، يكاد يصيبه الخرس والشلل طيلة
ايام هذا الشهر..
هناك احتمالان لهذا الصمت: اما ان لايكون هناك شيء يستحق القول،
واما انه امتناع عن الكذب... الاحتمال الاول غير وارد، لان فعل
السياسية مستمر دون توقف، وكل فعل حركة، والحركة بطيئة او سريعة، وكل
حركة يرافقها تعثر او سقوط، ونحن يمكننا ان نسمع الحركة وان نلمسها
طيلة ايام هذا الشهر.
الاحتمال الثاني هو الارجح، ومايؤكد الترجيح ان نفس الاشخاص
موجودون، ونفس المشاكل التي بينهم قائمة، ماحدث هو الكف عن تبادل
الاتهامات، وهي ان كانت صحيحة فلايجب الصمت عنها، لان خير الجهاد كلمة
حق بوجه سلطان جائر، والصدق في هذا الموضع هو اعلى درجات الحق، وهو
مطلوب في كل وقت، وخاصة في شهر رمضان.. وهي ان كانت كاذبة، فالصمت عنها
اولى، لان الكذب في هذا الشهر هو من المفطرات.
الصمت الرمضاني يترافق مع خسارات تصيب جهات اخرى تتربح من كثرة
الكلام والاكاذيب.. الاعلام العراقي هو الخاسر الاكبر في شهر الصمت،
فلاشيء مثير في الصفحات الاولى، او على راس نشرات الاخبار، وتستعيض عن
ذلك باخبار خفيفة او ثقيلة من هنا وهناك، وقد وفرت احداث مصر الكثير من
ذلك، وفي الاعلام المرئي تستعيض القنوات عن ذلك بالمسلسلات والبرامج
التي تذكرنا اكثرها بما نريد ان ننساه، خاصة اذا كان انتاجها عراقيا،
وتبرع في ذلك قنوات معروفة، تتوقف عن نقل الكذب البواح بصيغه اللفظية
المجردة على السنة السياسيين طيلة العام، ليتحول الى شكل اخر من
الاكاذيب الدرامية، تارة عن طريق زقاق قديم، او سحور سياسي مع احدهم،
او ضيافة في بيت لرئيس سابق، وهكذا دواليك، او هلم جرا، وهي نفس
التعبيرات المرادفة لقولنا الخ .. الخ.. الخ، وتعني الى اخره.
هل يصوم السياسي العراقي؟ طبعا.. وعلى ماذا يفطر؟
موائد المفطرين تختلف من مكان الى اخر وتبعا لمكانة المفطرين، لكنها
تتشابه بوجود الابيض والاسود فيها.. الابيض هو اللبن، والاسود هو
التمر.. رغم تعدد الانواع واختلاف اثمانها.
يحيل اللونان الى معاني رمزية كثيرة لست في وارد الحديث عنها،
مايهمني هو هل يفطر السياسي العراقي كما نفطر نحن؟
ال (نحن) افطارنا مغمس بالدم قبل كل اطلاقة لمدفع الافطار، مابين
سيارة مفخخة او حزام ناسف او عبوة لاصقة او اطلاقة من مسدس كاتم
للصوت..
ال (نحن) قد لايتسنى لنا قدح لبن او تمرة واحدة ناخذها على عجل ونحن
نتسابق على حمل جثة جارنا، او احد ابنائنا او اخوتنا..
ال (هو) لايعاني مانعانيه، انه استراح من اطلاق الاكاذيب قبل هذا
الشهر، ونحن نحصد نتائجها في هذا الشهر..
الصمت الرمضاني للسياسي العراقي بليغ جدا، لكنها بلاغة الدم، وهل
ابلغ من ذلك؟ |