مصر بين مطرقة الاخوان وسندان العسكر

حاتم حميد محسن

 

نشرت مجلة الايكونومست البريطانية تحقيقاً عن الاحداث في مصر وذلك في عددها ليوم 6 تموز الحالي 2013. ذكرت فيه انها كانت تشعر بالتوجس حينما انتُخب محمد مرسي كرئيس لمصر قبل سنة. ذلك بسبب ان قطاع واسع من الجماهير بما في ذلك النخب المثقفة والعلمانيين والاكاديميين ومنظمات المجتمع المدني كانت تقف دائماً وبحماس مع الديمقراطية الليبرالية.

لم يكن هناك شعور بالارتياح من عقيدة الاخوان المسلمين الذين يعتبرون السياسة فرعاً ملحقاً وتابعاً للدين، حيث انهم أعلنوا صراحةً مواقفهم المضادة لحرية المرأة وللاقليات الاخرى. ويضيف المحرر انه يفضّل لو كان العلمانييون الذين قادوا الثورة المصرية هم الرابحين في الانتخابات. لكن الكاتب يعترف بان الـ 52% من الاصوات التي حازها مرسي – وهو قبول يفوق ما ناله باراك اوباما بعد خمسة شهور- منحتهُ الحق في الحكم. والأهم من ذلك كله، هو شعور المرء بالغبطة حين يرى مصر بعد ثلاثين سنة من الدكتاتورية تجد طريقها لتصبح ديمقراطية.

ذلك يجعلنا ننظر بشيء من الريبة الى الاحداث التي وقعت في الايام القليلة الماضية. الاطاحة بمرسي تحت ضغط الشارع وبمؤازرة الجيش يضع سابقة خطيرة في المنطقة. الجيش، الذي هو مسؤول جزئيا عن الموقف، يجب ان يضع مصر على المسار نحو انتخابات جديدة باسرع ما يمكن، والاّ فان مستقبل البلاد سيكون قاتماً.

مرحلة ما بعد مرسي

ان نظام الرئيس مرسي بدأ يتفكك عندما احتشدت الجماهير في شوارع المدن المصرية في 30 حزيران الماضي، الذكرى السنوية الاولى لحكومة مرسي. المحتجون تحولوا الى العنف، حيث تم إحراق مقرات الاخوان المسلمين وقُتل 48 شخص. وفي الاول من تموز اعطى الجيش مهلة لمرسي 48 ساعة لحل المشاكل مع خصومه. رفض مرسي ذلك مدافعاً عن الشرعية. في 3 تموز أعلن الرئيس الاعلى للجيش الجنرال عبد الفتاح السيسي عن تعليق الدستور. وتم نقل مرسي الى سجن عسكري.

ان معظم اسباب الكارثة التي حلت بالديمقراطية المصرية تقع على عاتق السيد مرسي. الحجم الكبير للمحتجين – قدّرهُ البعض بـ 14 مليون شخص – اثبت ان معارضي مرسي ليسوا مجرد حفنة صغيرة من الساخطين. معظم البلاد يبدو اصبحت ضده. احد الاسباب لهذا هو عدم كفائته. هو لم يفعل اي شيء لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار الوشيك. الجنيه المصري واحتياطات الصرف الاجنبي بدءا بالانكماش، التضخم يتصاعد والبطالة بين من هم في سن الـ 24 هي أعلى من 40%. صندوق النقد الدولي رفض منح قرض كبير لمصر كما فعل ذلك للاخرين. في حرارة الصيف الحارقة، يتكرر انقطاع الكهرباء باستمرار. طوابير الناس تصطف على محطات البترول. الفلاحون عادة لا تُدفع لهم قيمة محاصيلهم. نسبة الجرائم تصاعدت – ثلاثة أضعاف منذ الثورة.

لقد فشل الاخوان في ضم نطاق واسع من الطيف السياسي في حكومتهم الاولى فكان ذلك يشكل اكبر الحماقات لهم. كانت مصر في احسن اوقاتها يصعب حكمها بسبب حالة الاستقطاب في مجتمعها. العلمانيون والمثقفون من المصريين يريدون نقل البلاد الى عالم حديث وتعددي يتطلع الى العالم. الطبقة الدينية والمحافظة تنظر الى الاسلام السياسي بدلاً من الاشتراكية او الرأسمالية كجواب لقرون من عدم المساواة والتباين والفساد. كذلك، مصر فيها اقلية قلقة من المسيحيين، ربما عشر السكان الـ 84 مليون الى جانب اقليات اصغر كالشيعة المسلمين، كلاهما جرى تجاهلهما من جانب الحكومة الاسلامية.

وبدلاً من محاولة بناء مؤسسات مستقلة – المحاكم، الميديا، الخدمة المدنية المحايدة، الجيش والشرطة – التي تراقب سلطة الحكومة في الديمقراطيات الناضجة، عمل مرسي بكل جهده لتجاهلها. هو شرع من خلال مجلس شورى انتُخب فقط من 10% من المصوتين. حيث اتخذ الأعضاء في كل جلسة خيارات زائفة وغبية، يخادعون في القضايا الدستورية، دافعين العناصر الهامة من الاخوان الى المواقع الرئيسية يغذون بذلك مخاوف العلمانيين بان اخوانهم في الدين مصممون بكل الوسائل لأسلمة كل مظاهر المجتمع. الرئيس مرسي بقي صامتا حين هاجم المتعصبون الاقليات الدينية. هو سمح بطرد الاجانب العاملين من اجل تعزيز حقوق الانسان والديمقراطية ليُلاحقوا ويُتهموا – معظمهم غيابيا- بتهم زائفة.

ذلك جعل معظم المصريين يرغبون بالتخلص من حكم مرسي وهو امر معقول تماماً. غير ان نجاح المصريين في ذلك ربما ايضا يتحول الى كارثة ليست فقط للمصريين.

ان السابقة التي اسسها معارضو مرسي للديمقراطيات الهشة الاخرى هي سابقة رهيبة. انها سوف تشجع الساخطين على اسقاط الحكومات ليس بالتصويت وانما بوضع العراقيل امام حكمهم. انه سوف يخلق حوافز للمعارضات في كل العالم العربي لتنفيذ اجندتها في الشوارع وليس في البرلمانات. وبهذا سوف تقلل من فرص السلام والرقي في عموم المنطقة.

العملية ايضا ترسل اشارة مرعبة للاسلاميين في كل مكان. الاستنتاج الذي يصلون اليه من الأحداث في مصر هو، لو انهم ربحوا السلطة عبر الانتخابات فان معارضيهم سوف يستخدمون وسائل غير ديمقراطية للاطاحة بهم. ولذا فهم لو سُمح لهم بالمجيء للحكم، سوف يبذلون اقصى جهدهم لتعزيز سلطتهم بوسائل نزيهة او غير نزيهة. سيكون شعارهم اسحق معارضيك.

كيف يمكن جعل الامور اقل سوءاً

مع ان الضرر قد حدث، ولا يمكن ابطاله. لكن هناك احتمالات جيدة وسيئة لفهم القصة. لو تمسك الجيش بالسلطة، عندئذ فان مصر ستعود مجدداً الى ما كانت عليه ايام حسني مبارك- ولكن بدون الامل الذي ساد قبل محاولة الثورة وفشلها لاحقا. اما اذا أعلن الجيش جدولاً زمنياً للانتخابات وثبت عليه، عندئذ ستكون هناك فرصة جيدة امام مصر. الجنود يحتاجون لعمل وعود صادقة للاسلاميين بانهم لو ربحوا (وهو امر مستبعد في ضوء ادائهم في السنة الماضية) فسوف يُسمح لهم لاستلام الحكم. إقناعهم بذلك سيكون صعباً لكن اجراء الانتخابات بسرعة سيكون مفيداً.

لا شك ان الجيش المصري لعب دوراً محورياً في الثورة، حين وقف على مسافة بينما قوة الشعب دفعت مبارك خارج الحلبة. الجيش لا يزال يحظى بثقة العديد من المصريين الذين يميلون للجوء اليه عند الشدائد. يجب على الضباط ان يعيدوا الثقة للشعب، وان يضعوا البلاد مجدداً على مسار الديمقراطية بأسرع ما يمكن.

http://www.annabaa.org/news/maqalat/writeres/hatimhameed.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 17/تموز/2013 - 8/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م