شبكة النبأ: الحاضر سيء، والمستقبل
اسوأ، لسان حال المسلمين في حياتهم، وكأن لاشيء يتغير فيها، هل فعلا ان
لاشيء يتغير ام اننا لانعرف ان نستفيد من التغيير؟
وهل ان الحياة ساكنة، جامدة، لاتتحرك، ام ان مانراه هو جمودنا
وسكوننا الذي لانحركه ولايتحرك بنا؟
وهؤلاء الاخرون، دائما هؤلاء، لماذا يتغيرون، وحياتهم كل يوم في
جديد لايشابه امسهم، هل انهم قد عرفوا ان من تساوى يوماه فهو مغبون،
وصاحب اليومان منا وليس منهم، لكنهم عملوا بقوله، فما عاد يتشابه امسهم
مع يومهم، ولا هذان مع غدهم.
اترانا نسينا ما لدينا من عناصر قوة، اضعناها تارة مع مستبد صفقنا
له، ومع دكتاتور ارتضينا ان يقودنا الى حتوفنا، ومع طاغية احرق اخضرنا
قبل يابسنا، ورغم ذلك كنا نسبّح بحمده وهو يسلب منا اخر نبضة للقوة
والصبر.
ضياعنا هذا متواصل في جميع الايام والشهور، ياتي شهر رمضان ونطمح ان
يتوقف مثل هذا الضياع، وان نعيد تنصيب بوصلتنا الهادية نحو افاق جديدة
للتغيير.. لكننا نكتشف ان تلك البوصلة قد فقدت قدرتها على تعيين
الاتجاهات الصحيحة، ويبدأ ضياع من نوع اخر، وهو هذه المرة تحت الشعار
الفضائي(رمضان يجمعنا) حيث الخدر المتولد من دسم الطعام الكامل، وتتقلب
بنا اعيننا مطاردة وجوه المسلسلات حتى الخيط الابيض من الفجر ومابعده
بكثير، ننام ونصحو على مجرد جوع وعطش، يصيح منه بيت الداء، وتبقى
ارواحنا ومشاعرنا وقلوبنا تئن من جوع وعطش لاتملؤه كل شعارات الفضائيات.
لم يمر رمضان منذ سنوات طويلة والمسلمون بخير، في السياسة او
الاقتصاد او الثقافة او الاجتماع او اي شان من شؤون الدنيا، وكل رمضان
نطمح ان يتغير فينا شيء من اشياء، لما لهذا الشهر من قدرة على التغيير،
لو اننا قرأنا مقدماتها بصورة صحيحة.
الهدف الاخلاقي الاعلى، وهو هدف عبادي في نفس الوقت، في هذا الشهر
هو ، تلقي كلمات الانابة و التوبة الصادقة إلى الله سبحانه و تعالى،
كما يرشدنا الى ذلك الامام الشيرازي الراحل (قدس سره) في كتابه (شهر
رمضان شهر البناء والتقدم) حيث (يبعث الارتياح والطمأنينة إلى النفوس
المعذّبة والقلوب المنكسرة والأجساد المنهكة).
وغير هذا الهف الاخلاقي والعبادي، الجديد الذي يحمله الشهر الفضيل
في كل يوم من ايامه، وهو جديد ليس ماديا كما انتهت اليه افهامنا
وممارساتنا في هذا الشهر، جديد (لا بملبسه.. حيث اعتاد البعض ان يرتدوا
أجمل ما عندهم من الملابس. ولا بمأكله.. حيث اعتاد بعض الناس ان يأكلوا
في هذا الشهر كل شيء جديد. فكل ما لم يعتادوا على أكله.. يبتاعونه في
هذا الشهر ليتناولوه وكأنه ليس شهر الصيام بل شهر الطعام. وكأن الهدف
ليس هو التدريب على الجوع و العطش ليتذكّر الإنسان المؤمن جوع وعطش
الفقراء والمساكين ليواسيهم، وليتذكّر جوع وعطش يوم القيامة بل الهدف
هو التعود على تناول ألذّ الأطعمة).
هذا الجديد القادم كل عام الينا، يحمل في طياته دعوة للمؤمنين ان
يصمموا في هذا الشهر ان يكونوا افضل مما كانوا عليه قبله، وهذا التصميم
يحتاج الى وقفة مع النفس ومع الحياة، كما يسترسل في ذلك الامام الراحل
(قدس سره) لأنّ غبار الحياة قد يتراكم على قلبه فيجرّده عن رؤية
الحقيقة وتحول بينه وبين طريق التقدم. فلابدّ من غربلة تمهد الطريق إلى
الدخول في شهر رمضان، لابدّ من نقضٍ لما علق بالإنسان من غبار الجهل و
اليأس و التخلف، والأخذ بشآبيب الأمل و التقدم للمضي في طريق راسخ نحو
تجديد الحياة الفردية ليكون هذا التجديد هو السبيل لتقدم حياة الجماعة
نحو الامام).
شهر رمضان هو خلاصة جامعة لرسالة الاسلام، التي (هي التأكيد على
هذين الأمرين الحيويين، كما قال سبحانه في كتاب الكريم: (يا أيها الذين
آمنوا استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم لما يُحييكُم...)، وقال أيضاً
(فَلَنُحييَنّه حياةً طيّبةً...)فالبشر قد يتراجعون إلى الوراء.. وقد
يقفون في مواقعهم دون حِراك. اما المؤمن: إذا (تساوى يوماه فهو مغبون)،
فهو في تقدم متواصل ـ في كل أبعاد الحياة ـ لا يعرف التراجع ولا يعرف
التوقف ولا يعرف الكلل والملل، هكذا أراد الإسلام له). يقودنا هذا الى
الفوز الأكبر في شهر الصيام وهو اصلاح النفس والغير وتطوير الحياة إلى
الأفضل.
يركز الامام الراحل (قدس سره) على اصلاح النفس وعلى التغيير كمقدمة
لتغيير المجتمع وتجد ذلك التاكيد في معظم كتبه تقريبا، واصلاح النفس
المطلوب لها، ليس اصلاحا مظهريا يتعلق بالافعال الظاهرة فقط والتي
تنعكس على تعامل المسلمين في مابينهم، بل هو ابعد من ذلك واعمق، انه
اصلاح يقود الى ايجاد نوع من الصفاء الداخلي، والشهر الفضيل يعين على
ذلك، وهذا الصفاء مقدمة لخلق نوع من الشفافية في النفوس ، يرى الامام
الراحل (قدس سره) انه (من خلالها يصل الإنسان المؤمن إلى معين العقيدة،
التي كلما تأصّلت في النفس الإنسانية طفحت في السلوك وانعكست في
الاخلاق. وكل اناء بالذي فيه ينضحُ).
العقيدة والسلوك، متلازمتان تلازم الضوء وظله، وهما جناحان لايمكن
للانسان ان يطير بواحد منهما دون الاخر، وهما كفيلان بضمان استقامة
الانسان واستمراره على الطريق الصحيح، وهما يكتنفان في داخلهما، شعورا
مزدوجا بالرجاء والخوف، (فالرجاء بلا خوف يدفع الإنسان إلى الغرور،
والخوف بلا رجاء يدفع الإنسان إلى اليأس، وكل خطوة يخطوها الانسان في
هذه الحياة هي بحاجة إلى الرجاء والخوف).
يرى الامام الراحل (قدس سره) ان (شهر رمضان هو أفضل موسم لتركيز هذه
الفكرة، حيث ينسلخ الإنسان ـ إلى حدّ ماـ من عالم الماديات ويزداد
تحليقاً في سماء المعنويات فيقترب إلى فكرة الآخرة وما فيها من نعيم
جعله الله للمتقين وللمؤمنين وما فيها من عذاب أعدّه الله للعاصين
والمذنبين، وتكون حصيلة ترسّخ هذه الفكرة هي الاستقامة الدائمة في
مختلف مناحي الحياة، فمن أعمال شهر رمضان طلب الغفران والجنة، والتعوّذ
من نار جهنم؛ والباعث لهذا الدعاء هو الشوق الكبير إلى رياض الجنة
والفرار من نار جهنم). |