تهاوي الاسلام السياسي... درس من مصر

 

شبكة النبأ: حين فازت جماعة الاخوان المسلمين بالسلطة بدا ان الديمقراطية الوليدة في مصر ستسمح للجماعة بتحقيق حلمها في جعل الاسلام المبدأ المرشد في السياسة.

وفتحت انتفاضات الربيع العربي الباب لمشاركة كاملة من الاسلاميين على الساحة السياسية بعد عقود من القمع او النفي. لكن بعد عام اطيح بأول رئيس اسلامي لمصر محمد مرسي مما كشف مأزق الاسلاميين في دفاعهم عن العقيدة في حين ان مواطنيهم الذين اكتسبوا قوة جديدة يتطلعون بدرجة اكبر الى حكم تعددي فعال.

وقال حسين حقاني سفير باكستان السابق لدى الولايات المتحدة "التيار الاسلامي كان دائما عاطفة اكثر منه ايديولوجية سياسية متماسكة." واضاف ان "التيار الاسلامي من الاساس ليس شاملا للجميع لكن عليهم الان ان يشملوا الآخرين."

وقال خبير الاسلام الفرنسي اوليفييه روي ان الانقسام السياسي الرئيسي الذي يواجهه الاسلاميون المنتخبون هو في الغالب ليس بشأن الدين. واضاف "انظر للنساء المحجبات اللواتي تظاهرن ضد مرسي. انهن لسن ضد الشريعة. انهن ضد عدم الكفاءة والمحسوبية."

وظهر الاسلام السياسي في مصر عام 1928 حين اسس حسن البنا جماعة الاخوان المسلمين سعيا لاقامة دولة اسلامية. وكان شعارها "الاسلام هو الحل".

وحظرت السلطات الجماعة لعقود مما دفعها لتنظيم شبكات في انحاء البلاد وخاصة لتقديم خدمات اجتماعية اكسبتهم احتراما لدى القاعدة الشعبية. وحين اطاحت الانتفاضة الشعبية بالرئيس السابق حسني مبارك عام 2011 ظهر الاخوان المسلمون باعتبارهم القوة الوحيدة المنظمة في البلاد الى جانب الجيش.

لكن الاسلاميين لم يكونوا مجهزين للتعامل مع المشاكل الاقتصادية الصعبة او ترويض جهاز بيروقراطي معاد. ومع تزايد الغضب العام بسبب تلك الامور منح مرسي نفسه سلطات خاصة للمساعدة في فرض دستور ذي صبغة اسلامية.

وقال جون اسبوزيتو استاذ الاديان والشؤون الدولية في جامعة جورجتاون في واشنطن ان رد فعل الاخوان المسلمين على الانتقاد يكشف نماذج من ماضيهم السري. واضاف "الحكم الجيد يحتاج للاقدام على مخاطرات والتواصل مع الناس الذين لا يمكنك السيطرة عليهم لكنهم لم يمكنهم عمل ذلك."

وفي اواخر يونيو حزيران قال مرسي انه مد يده الى منتقديه لكنهم رفضوا العمل معه. واضاف انه تولى مسؤولية دولة غارقة في الفساد وواجه حربا لجعله يفشل.

وفي تونس مهد الربيع العربي تواجه الحكومة التي يقودها الاسلاميون ضغطا ايضا مع تشاحن السياسيين بشأن دستور جديد ويهاجم السلفيون المتشددون العلمانيين وترتفع البطالة والتضخم. بحسب رويترز.

وكانت حركة النهضة الحاكمة وهي فرع للاخوان المسلمين وبنت شبكتها الشعبية في ظل دكتاتورية سابقة قد حصلت على 42 في المئة في انتخابات 2011 .

وعلى النقيض من الاسلاميين الذين سجنوا في الغالب اثناء الحكم المستبد في مصر امضى مؤسس النهضة راشد الغنوشي 22 عاما في المنفى في بريطانيا حيث يقول انه رأى كيف يمكن للاديان ان تعمل في نظام سياسي تعددي.

وشكلت حركة النهضة حكومة مع حزبين علمانيين ولا تصر على الاشارة للشريعة في الدستور. لكن رد فعلها الضعيف على هجمات متطرفين سلفيين على دور سينما وحفلات غنائية واضرحة صوفية جعل منتقديها يشكون في انها تتعاطف سرا معهم. وتنفي الحركة هذا الاتهام.

واثار اغتيال الزعيم العلماني المعارض شكري بلعيد في فبراير شباط ازمة وانهارت الحكومة. وشكلت النهضة حكومة ثانية مع نفس الشريكين لكن عين رئيس وزراء جديد اختار شخصيات مستقلة لتولي وزارات الداخلية والدفاع والعدل والخارجية المهمة. وشنت الحكومة ايضا حملة على السلفيين المتشددين.

ولم يكن ذلك كافيا بالنسبة لمجموعة صغيرة من النشطاء التونسيين الذين بدأوا حملة لجمع التوقيعات على عريضة مماثلة لتلك التي ادت الى الاحتجاجات الحاشدة على حكم مرسي في مصر. وتطلب العريضة تشكيل حكومة انتقالية تتولى كبح الاسلاميين واصلاح الاقتصاد المتداعي. وقال رئيس الوزراء الجديد علي العريض "أستبعد سيناريو مشابها لما يحدث في مصر لثقتي الكبيرة في وعي التونسيين وقدرتهم على قياس امكانيات البلاد."

ومع بزوغ شمس الربيع العربي تطلع كثيرون من الاسلاميين العرب الى حزب العدالة والتنمية التركي كنموذج احترم العقيدة واستمر يفوز بالانتخابات ثلاث مرات متتالية.

لكن حزب العدالة والتنمية كان لديه براعة سياسية أكبر ويعمل من أجل اقتصاد أكثر تطورا. لقد تخلى الحزب قبل نحو عشر سنوات عن تحقيق هدف إقامة دولة اسلامية وركز بدلا من ذلك على تحقيق معدلات نمو أسرع.

ولم يتخل حزب العدالة والتنمية رسميا عن العلمانية التي فرضها الحكام العسكريون السابقون في تركيا. وهاجمت جماعة الاخوان المسلمين رئيس الوزراء طيب اردوغان لدفاعه عن الدولة العلمانية أثناء زيارته لمصر عام 2011.

وبدأ اردوغان وحلفاؤه على الساحة السياسية المحلية وتعلموا المهارات التي تحقق مكاسب انتخابية في صناديق الاقتراع. وقال روي "لا تملك الاخوان المسلمون ولا النهضة مثل هذا النوع من الخبرة."

ومع ذلك فإن حزب العدالة والتنمية أغضب العلمانيين لاتخاذه خطوات ذات مظهر إسلامي واضح مثل المساعدة في بناء المساجد وتقييد بيع الخمور.

وشهد ميدان تقسيم في اسطنبول وأماكن أخرى مظاهرات هذا العام احتجاجا على العديد من القضايا التي تبدأ من البيئة وحتى تخطيط المدن. وكانت الشكوى الرئيسية للمحتجين مما يرونه نهجا استبداديا متزايدا من جانب اردوغان بعد عشر سنوات في السلطة دون معارضة فعالة تكبح جماحه. وقال كاتب العمود في اسطنبول مصطفى أكيول "هذه ليست قضية اسلامية".

وهاجم اردوغان -الذي صدمته الاحتجاجات وإن كانت لم تفت في عضده- المحتجين ووصفهم "بالرعاع" وأطلق العنان لنفسه لمهاجمتهم في تجمع شعبي حاشد في قيسرية بالأناضول معقل مؤيديه.

ووصف الرئيس السوري بشار الأسد الذي يقاتل تمردا يضم فرع الاخوان المسلمين في سوريا فشل مرسي بأنه "سقوط لما يسمى بالاسلام السياسي". انها انتكاسة لكنها ليست على الأرجح نهاية لجهود الاسلاميين على مدى عقود لربط قوة الدين بالسياسة.

وقال روي ان كلا من جماعة الاخوان المسلمين وحركة النهضة قد تنقسم الى جماعتين إحداها تحافظ على النهج التقليدي للجماعة في حين تجذب الأخرى النشطاء الأكثر اعتدالا.

وقد يدفع الانقلاب الاسلاميين المحبطين الى العنف. وقال عصام الحداد مساعد الرئيس المعزول للسياسة الخارجية في رسالة وداع على صفحته على فيسبوك ان الرسالة التي سيتردد صداها في أنحاء العالم الإسلامي قوية وواضحة هي ان الديمقراطية ليست للمسلمين.

وقال المحلل السياسي الأردني محمد أبو رمان في عمان انه سيكون هناك شعور كبير بأن الاسلام مستهدف وهذا يمكن أن يؤدي الى عمليات اندماج مستقبلا بين بعض الفصائل داخل الاخوان المسلمين والسلفيين التي تتطابق في رؤاها.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 13/تموز/2013 - 4/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م