المالكي والبرزاني... مصالحة مصالح

 

شبكة النبأ: بعد ثلاثة أعوام من أشد الصراعات السياسية تعقيدا في العراق، اي صراع الحكومة المركزية مع حكومة الاقليم، جاءت الزيارة النادرة المتبادلة بين نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي ومسعود البرزاني رئيس كردستان العراق في خطوة نحو حل النزاعات بين الجانبين، لتخفيف حدة التوتر بين الزعيمين اللذين تبادلا الاتهامات بانتهاك الدستور، وان كانت العقبات مازالت كثيرة امام التوصل الى تسوية لنزاع وعدم استقرار يعصف بهذا البلد منذ عقد تقريبا.

إذ يرى الكثير من المحللين ان هذه الزيارة النادرة بين الرئيسين تفرز العديد من العوامل والأسباب لتغير المواقف من هذا الصراع في الوقت الحالي، على الرغم من وصل حدة الصراع بينهما الى اقصى معدلاته منذ بداية العام.

ويعد أهم تلك الأسباب هو طموح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ونظيره الكردي لاستعادة الهيبة العراقية إقليميا ودوليا، خصوصا بعد خرج العراق من البند السابع وأصبح كامل السيادة، وكذلك توسيع نفوذهما محليا، كما يؤدي تحسين العلاقات مع الأكراد الى تخفيف الضغوط على القيادة الشيعية التي تعاني من تصاعد أعمال العنف من جانب من تقول انهم مسلحون سنة زاد نشاطهم مع احتدام الحرب في سوريا.

في حين شكلت تركيا ابرز حلقة في نزاع طويل الأمد بين الحكومة المركزية والإقليم الكردي بشأن  تنفيذ خطط لإنشاء خط أنابيب خاص بها لتصدير النفط الى تركيا برغم اعتراض الولايات المتحدة التي تخشى ان يؤدي المشروع الى تفكك العراق، لكن التطورات الاخيرة التي حدثت في تركيا والمتمثلة الاحتجاجات الشعبية الكبيرة دفعت الحكومة الكردية للشعور بخطر خسارة محلية وإقليمية، إلا أن الحكومة الكردية تداركت هذا الامر بعد ما اكدت رغبتها في تعزيز العلاقات مع حكومة بغداد، ففي ظل تواصل العنف مع استمرار الصراعات السياسية في العراق، وخطر عاصفة الطائفية والاقتتال التي تضرب المنطقة، يأتي تحسين العلاقات بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان خطوة هامة تكون لنتائجها انعكاسات إيجابية، لايجاد حلولا لكل المشاكل العالقة والنهوض بمشروع المصالحة الوطنية لمواجهة الاخطار المضطردة.

ويرى معظم المحللين إن التقارب بين الجانبين في مصلحة البرزاني والمالكي معا إذ يتعرضان لضعوط داخلية من المعارضة وتوابع عدم الاستقرار في سوريا، ومن الممكن ان يساعد تحسن العلاقات مع الاكراد في حماية المالكي من اثار الحرب الدائرة في سوريا التي اججت التوتر الطائفي وشجعت المسلحين السنة على تحدي الحكومة المركزية التي يقودها الشيعة.

لكن في الوقت نفسه يطرح هذا التقارب بين الزعيمين في التوقيت تحديدا الكثير من التكهنات والتساؤلات الهامة، مثل هل مازالت خريطة الطريق التي وضعها اتفاق إربيل صالحة للتطبيق؟، وما هي تنازلات التي يمكن ان للأكراد انتزاعها من المالكي مقابل التعاون؟.

وعليه ففي حال التواصل الى الاتفاقات بين الجانبين، قد تفتح بوابة سياسية واقتصادية جديدة أكثر إشراقا، ويمضي العراق ببطء في اعادة الإعمار بعد تسع سنوات من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، ويحاول اليوم قطاع الطاقة العراقي النهوض بعد ثلاثين سنة من النزاعات وانعدام الاستقرار لتحقيق نمو سريع في انتاجه من النفط والغاز، لكن مازالت هناك مشكلات تشكل عقبات أمام تطور البلاد سياسيا واقتصاديا مثل انعدام الثقة بين الإطراف السياسية وانتهاج السياسية البراغماتية والبيروقراطية في الاتفاقات والقرارات، والكثير الخلافات السياسية الاخرى، وعليه فان العراق ما زال يكافح العديد من التحديات لتصحيح مسار التحول الديمقراطي الوليد والنهوض من أجل مستقبل أفضل أكثر استقرارا.

المالكي وبارزاني يتفقان في بغداد على العمل لحل الخلافات

فقد اتفق رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مع رئيس اقليم كردستان العراق مسعود بارزاني الذي زار بغداد للمرة الاولى منذ نحو ثلاث سنوات، على العمل لحل الخلافات بين الجانبين، وقال المالكي في مؤتمر صحافي في المدينة الخضراء المحصنة وسط العاصمة العراقية "بحثنا الخلافات (...) واتفقنا على العمل لتمرير القوانين المعطلة في البرلمان وخصوصا قانون النفط والغاز"، بدوره قال بارزاني "اتفقنا على التعاون والعمل المشترك والتصدي لكل ما يهدد العراق والاقليم"، مضيفا "هذا امر نعتبره واجبا وطنيا".

وزيارة بارزاني الى بغداد، الاولى منذ نحو ثلاث سنوات، تاتي بعد زيارة مماثلة قام بها قبل اسابيع رئيس حكومة اقليم كردستان نيجيرفان بارزاني وجرى خلالها بحث الخلافات بين بغداد واربيل التي تدور خصوصا حول عائدات النفط والموازنة العامة.

وفي مؤتمرهما الصحافي المقتضب، تطرق المالكي وبارزاني الى الاحداث في سوريا، وقال رئيس الوزراء الذي يحكم البلاد منذ 2006 وسبق وان وصفه بارزاني بالديكتاتور داعيا الى اقالته، ان "الظروف التي تحيط بنا في المنطقة تحتاج منا لايجاد مناعات للتحديات"، ودعا الى "رص الجبهة الوطنية وحل المشاكل باخوية وواقعية ورغبة مشتركة من اجل ان نحصن بلدنا من (...) التحديات والتوترات".

من جهته، قال بارزاني "نعتقد ان هناك خلافا بين بغداد واربيل بخصوص الازمة السورية (...) لكننا ضد تسلط القوى الارهابية على الحدود المشتركة بيننا، ونتفق مع بغداد على ان مصير سوريا بيد شعبها"، وغالبا ما تؤكد الحكومة الاتحادية انها تعتمد موقفا محايدا من الاحداث في سوريا المجاورة، معلنة رفضها تسليح القوى المعارضة فيها، بينما يتبع اقليم كردستان موقفا مناهضا لنظام الرئيس السوري بشار الاسد، وسبق ان استقبل الاقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي واستقرار امني، جماعات سورية معارضة ناقشت مع المسؤولين في اربيل واقع ومستقبل اكراد سوريا، والتقى بارزاني خلال زيارته رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي ورؤساء الكتل النيابية، بحسب بيان نشر على موقع رئاسة البرلمان. بحسب فرانس برس.

وعبر النجيفي خلال اللقاء "عن امله ببدء صفحة جديدة من العلاقات المستقرة وبحث المشاكل ضمن اطر الاخوة وما ثبته الدستور بهدف تجاوز الحقبة الماضية وما فيها من تشنجات واختلاف في الرؤى"، واكد بارزاني ان الزيارة "تاتي لتعزيز التفاهمات الجديدة في العلاقة بين الاقليم وبغداد وخاصة بعد الزيارات المتبادلة التي جرت اخيرا ووجود ارادة حقيقية من مختلف الاطراف"، وتعليقا على زيارة بارزاني النادرة الى بغداد، راى ممثل الامين العام للامم المتحدة مارتن كوبلر ان خطوة رئيس اقليم كردستان "تدعو للتفاؤل"، واضاف "آمل ان تفضي هذه المباحثات الى تحسين العلاقات بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان وان تكون لنتائجها انعكاسات إيجابية على الشعب العراقي"، من جهتها، حثت السفارة الاميركية في بيان "جميع القادة العراقيين على التمسك بروح المصالحة والوحدة الوطنية من أجل التغلب على تهديدات الارهاب وتقوية المؤسسات الديموقراطية".

لكن البرزاني وصف نفسه والمالكي "بالاخوة" وقال إنهما اتفقا على "اعادة تفعيل" اللجان التي شكلت سابقا لحل النزاعات المستمرة منذ فترة طويلة بين الجانبين.

وقال البرزاني في مؤتمر صحفي مشترك مع المالكي انه بالفعل توجد مشكلات وتوجهات مختلفة لكن هناك دستورا يحتكم اليه كمرجع للاتفاق على حلول مناسبة، والدستور نفسه مصدر خلاف بين الطرفين لأن كلا منهما يفسره بطريقة مختلفة ويختلفان على اختصاصات الحكومة المركزية والاقاليم، وكانت اخر مرة زار فيها البرزاني بغداد في عام 2010 خلال مفاوضات مطولة أفضت إلى توقيع "اتفاق اربيل" الذي شكلت بموجبه حكومة للعراق تقوم على تقاسم السلطة بين الشيعة والسنة والاكراد.

ولم ينفذ الاتفاق تنفيذا كاملا مثله في ذلك مثل الاتفاقات اللاحقة وتدور الخلافات منذ ذلك الحين بين الحكومة المركزية والاكراد حول النفط وبعض المناطق الواقعة على الحدود الداخلية بين كردستان وبقية العراق.

ووقع الاكراد في السنوات الاخيرة عقودا مع شركات مثل اكسون موبيل وتوتال وشيفرون اثارت غضب بغداد التي تصر على انها الوحيدة صاحبة الحق في السيطرة على التنقيب عن النفط في العراق كله وتصديره، ولم يتوصل البرلمان العراقي الى تشريع خاص بالثروة النفطية في البلاد التي تملك رابع اكبر احتياطي نفطي بالعالم رغم مرور عشر سنوات على الاطاحة بصدام حسين، لكن الاكراد أقروا خلال هذه المدة قانونهم الخاص بالنفط والغاز ويمدون الان الجزء الاخير من خط انابيب مستقل إلى تركيا للتصدير وهو ما قد يقلل اعتمادهم على بغداد في المساهمة بالميزانية المحلية للاقليم. بحسب رويترز.

وقال رمزي مارديني من معهد العراق للدراسات الاستراتيجية في بيروت "تحتاج اربيل الى بغداد وتحتاج بغداد الى اربيل. اذا كان البرزاني لا يستطيع التخلص من المالكي فالخيار الوحيد هو العمل معه"، واضاف "ما دامت اربيل تعتمد ماليا على بغداد فلا سبيل آخر. ولحسن حظ البرزاني يحتاج المالكي أيضا الى التعاون معه الان".

مسعى لتهدئة التوتر

في المقابل استقبل رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني رئيس الوزراء العراقي في مطار اربيل، وكانت آخر زيارة رسمية قام بها المالكي لكردستان عام 2010 حينما أبرم "اتفاق اربيل" الذي أتاح له تشكيل حكومة تقاسم سلطة بين الشيعة الذين يمثلون أغلبية السكان والسنة والأكراد بعد محاولات مضنية دامت شهورا، ولم ينفذ الاتفاق بشكل كامل ونشب خلاف بعد ذلك بين الحكومة المركزية في بغداد وإقليم كردستان على النفط والأراضي المتنازع عليها، ولن يكون لهذ الزيارة النادرة تأثير يذكر على هذه القضايا غير أن الجانبين قالا إن هناك أجواء إيجابية حاليا تتيح فرصة لإجراء المزيد من المحادثات.

وقال المالكي في مؤتمر صحفي عقب جلسة موسعة واجتماع ثنائي بين الزعيمين إنه والبرزاني لا يملكان "عصا سحرية" مؤكدا أن المهم هو رغبتهما المشتركة في إيجاد حلول، وأضاف المالكي "هذه ستكون خطوة على طريق إيحاد حلول لكل المشاكل العالقة التي أحيانا تضخم والتي أحيانا تخرج عن إطار السيطرة ولكن الإرادة حازمة في أننا يجب أن نجد حلولا لكل المشكلات العالقة إن شاء الله"، وحذر البرزاني من أن الإقليم شبه المستقل سيضطر للبحث عن "شكل جديد للعلاقات" مع بغداد ما لم تنجح المحادثات الحالية.

وفي الأعوام الأخيرة وقع الأكراد عقودا مع شركات مثل اكسون موبيل وتوتال وشيفرون مما أثار غضب بغداد التي تصر على أنها وحدها صاحبة الحق في التحكم في عمليات التنقيب عن النفط في البلاد.

وكان إقليم كردستان ينقل الخام عبر شبكة خطوط أنابيب تديرها بغداد ولكن ضخ النفط عبر هذه الشبكة توقف في ديسمبر كانون الأول بسبب خلاف على مستحقات شركات النفط العاملة في الإقليم، ويقول الإقليم إن الدستور يتيح له استغلال احتياطيات النفط في أراضيه وإنه يمد المرحلة الأخيرة من خط أنابيب مستقل لتصدير النفط قد يسمح له بالتخلي عن اعتماده على نصيبه في الميزانية الاتحادية، وتعارض الولايات المتحدة المشروع خشية أن يعجل بتفكك العراق، ورحبت السفارة الأمريكية في بغداد في بيان لها باجتماع ووصفته بأنه "مؤشر آخر على التزام القادة العراقيين بتدعيم دولتهم تحت مظلة الدستور العراقي وعزل الإرهابيين والجماعات الإجرامية التي تسعى إلى بث الفتنة الطائفية"، وتمثل الأراضي إحدى القضايا العالقة بين بغداد والأكراد. ففي العام الماضي نشر الجيش العراقي وقوات "البشمركة" الكردية جنودا في منطقة غنية بالنفط يتنازع عليها الطرفان.

وقال رمزي مارديني من معهد العراق للدراسات الاستراتيجية ومقره بيروت "يقدم المالكي تنازلات عندما يشعر بالضعف ولا يقدمها في وقت قوته. ويدرك الأكراد منذ فترة أن هناك فرصة سانحة لإقناع المالكي بالتعاون"، وأضاف "وبما أن التهديد المحلي والإقليمي قادم من الجانب السني يمكن للأكراد السعي لانتزاع تنازلات من المالكي مقابل التعاون".

عاصفة طائفية تهدد المنطقة

الى ذلك حذر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من اقليم كردستان من "العاصفة الطائفية" والاقتتال اللذين يضربان المنطقة داعيا الى النهوض بمشروع للمصالحة الوطنية لمواجهة هذا الخطر، وقال المالكي في كلمة لدى افتتاح جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في مدينة اربيل كبرى مدن اقليم كردستان العراق، ان "المنطقة تمر بعاصفة جديدة هوجاء طائفية تسببت بارتباك في الكثير من دول المنطقة على خلفيات مختلفة"، واضاف ان "اخطرها عودة بروز التنظيمات المتطرفة مثل القاعدة و(جبهة) النصرة من دعاة التطرف والطائفية مدعومة للاسف احيانا بفتاوى مما اعاد شبح خوف عودة الاقتتال، ليس في العراق فقط انما في المنطقة"، وتابع "لذلك يقتضي منا جميعا (...) ان ننهض مرة اخرى في مشروع البنية الوطنية والمصالحة لمواجهة الخطر (...) حتى لا نتاثر بما يجري ونتوزع الى فريق يؤيد هذه الدولة وفريق يعارض"، واكد رئيس الوزراء العراقي "نحن كبلد لنا خصوصيتنا وشاننا وعلاقتنا ومكوناتنا. نحترم الاخرين نتفاعل معهم في بلدانهم، نتمنى ان يكون بيننا وبينهم افضل انواع الصداقة والتعاون لكن يجب ان يبقى الشأن العراقي بعيدا كل البعد عن خلفيات هذا التاثر".

وجاء انعقاد جلسة اليوم بعد زيارة قام بها وفد من اقليم كردستان برئاسة رئيس وزراء الاقليم نيجيرفان بارزاني لبغداد، بعد قطيعة استمرت اشهرا، واكد المالكي خلال الجلسة التي عقدت بمشاركة رئيس حكومة اقليم كردستان نيجيرفان بارزاني ونائبه عماد احمد، "انا سعيد ان نعقد جلسة مجلس الوزراء في محافظة عزيزة في اقليم كردستان وهي محافظة اربيل"، واضاف ان "هذه (الجلسة) ستكون خطوة على طريق لحل المشاكل العالقة التي احيانا تضخم واحيانا تخرج عن اطار السيطرة". واكد ان هناك "ارادة حازمة باننا يجب ان نجد حلولا لكل المشاكل العالقة"، كما حذر في كلمته من "عاصفة الطائفية والاقتتال" التي تضرب المنطقة، داعيا الى مصالحة وطنية. بحسب فرانس برس.

وعقد المالكي اجتماعا مع رئيس الاقليم ناقشا فيه القضايا السياسية، بحسب المستشار الاعلامي لرئيس الوزراء، وقال علي الموسوي ان "اللقاء كان ايجابيا وهناك رغبة جادة لحل كل المشاكل وهناك احساس بالتحديات التي تضرب المنطقة"، واضاف "اعتقد ان نتائج هذا اللقاء ستكون مثالا على قدرة العراقيين على حل خلافاتهم في ما بينهم"، واوضح الموسوي ان "هذه الاجتماعات سوف تتكرر في جميع المحافظات" مشيرا الى ان "اجتماعا مماثلا سيجري في محافظة الانبار وغيرها"، ويواصل الاف من من اهالي محافظة الانبار الاعتصامات والتظاهرات منذ اكثر من خمسة اشهر، احتجاجا على سياسة رئيس الوزراء متهمين اياه ب"تهميش" السنة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 11/تموز/2013 - 2/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م