علاقة الابن والاب... استقلالية الذات

 

شبكة النبأ: لا يعترض احد على دور الاب في بناء شخصية الابن، بل هناك اهمية كبيرة لهذا الدور، لاسيما في المراحل الاولى من حياة الانسان، حتى علماء التربية والاجتماع الذين يؤكدون على اهمية استقلالية الذات، يرون اهمية قصوى في بدايات النشوء لتدخل الاب والمحيط العائلي في بناء شخصية الطفل، بيد أن هذا التدخل ينبغي أن يقل بالتدريج مع نمو الانسان، وينبغي أن يؤول الى الزوال مع وصول الانسان الى مرحلة عمرية، تتطلب منه ان يكون ذا شخصية مستقلة، لها صفاتها وسماتها وملكاتها التي لا علاقة لها بالاب او غيره.

ما نلاحظه في مجتمعنا العراقي والمجتمعات العربية وحتى الاسلامية، أن الابن يبقى رهين الاب، وغالبا ما يعتمد عليه في تسيير شؤونه واتخاذ قراراته، وبناء حياته، ويبقى هذا الاعتماد قائما حتى بلوغ الانسان الى مراحل عمرية متقدمة، وهذا خلل كبير في بنائ الذات بطبيعة الحال، يلغي قدرات الشخص ويجعله اسيرا لابيه ونظرته وافكاره وخيارته، وتختفي القدرات والمواهب التي يتمتع بها الابن، وقد يشترك الاب في قتل مواهب الاب وتدمير قدراته من دون ان يعرف او يقصد ذلك.

يحدث هذا عندما يجعل الاب ابنه معتمدا عليه في كل شيء، وفي اصغر الامور واكبرها، فيبدأ الابن يطير بجناحيّ والده، وليس بجناحيه، ويبقى مستمرا على هذا الحال حتى لو بلغ ما يكفي من القوة كي يستقل بحياته وقراراته وافكاره، فيشترك الاثنان الاب والابن في تدمير حياة الاخير، من دون ان يقصدا ذلك بطبيعة الحال، يحدث هذا عندما يعتمد الابن بصورة كلية او شبه كلية على ابيه في تسيير حياته وما يتعلق منها، وقد يشجعه الاب على هذا الخطأ الفادح، عندما يكون بديلا لابنه في اتخاذ القرار والخيارات، وبذلك يحدث الالغاء الكلي للذات، وتبقى الشخصية الفردية عاجزة عن القيام بدور ايجابي مستقل.

في مجتمعنا نلاحظ ان الاب يتدخل في ادق تفاصيل حياة الابن، منذ نعومة اظفاره وحتى يبلع اشدّه، هذا امر قد يكون مناسبا بحدود معينة لتقويم الاخطاء وما شابه في الفكر والسلوك ايضا، لك الخطير يكمن في بقاء هذه الهيمنة الابوية على الابن حتى عندما يستد عوده جسدا وعقلا، هنا تصبح عملية التدخل الابوية في حياة الابن ذات نتائج عكسية تماما اذا كان بمثابة الالغاء الكلي لشخصية الابن وتغييب دوره وقراراته واستقلاليته، لذلك يحذر العلماء المختصون في الشأن التربوي من خطورة الهيمنة الابوية المستمرة، والتي تترافق معها حالة من الضعف العام للابن، والتي تؤدي بدورها الى صنع شخصية استسلامية خاملة، غير قادرة على المبادرة باتخاذ اي قرار يتعلق بحياته مهما كان هذا القرار ذا صبغة فردية، او مهما كان مصيريا، حيث يبقى الابن مرتبطا مع ابيه ومعتمدا عليه في صنع قراراته وخياراته معا، وهو امر يدل بصورة قاطعة على عيوب في بناء الذات وضعف كبير في الاستقلالية.

وثمة مخاطر اخرى تنتج عن تبعية الابن لابيه، إذ تصبح شخصيته ضعيفة متملقة، غير قادرة على مجاراة العلاقات الاجتماعية والعملية المتوازنة، والسبب ان شخصية الاب تبقى مهيمنة على شخصية الابن وتسلبها حرية التصرف واتخاذ القرار الصحيح، لذلك من الاهمية بمكان ان يتنبّه الاباء اولا ثم الابناء الى طبيعة العلاقة بينهما من حيث اعتماد الابن على الاب، اذ يلاحظ لدينا مثلا ان الاب غالبا ما يجعل الابن شبيها له او يعمل كثيرا من اجل هذا الهدف، حتى في الجانب العملي، فاذا كان الاب معلما نجد ان ابنه يكون معلما ايضا واذا كان الاب نجارا سيكون الابن نجارا وهكذا.. لكن الصحيح ان تبقى خيارات الابن مستقلة، خاصة بعد ان يبلغ المرحلة العمرية التي تؤهله للاستقلال الفكري والعملي، عند ذاك يجب ان تتحول علاقة الاب والابن الى الصداقة والرعاية المتبادلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 10/تموز/2013 - 1/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م