عصر الإنترنت بما إنطوى عليه من تدفق سريع للمعلومات، وبما أسهم فيه
من إرتقاء بمستوى وعي الشعوب، وتعزيز الاستقلال الفكري للفرد داخل
المجتمعات، خلق مزاجا عاما أكثر ميلاً للتجديد، وأشدّ عزوفا عن
التقليد، سواء الأمور المتعلقة بطبيعة النظم السياسية والإجتماعية أو
الأخرى المتعلّقة بالجوانب العقائدية في بعض الأحيان.
وحتى الدول الكبرى التي رفدت هذه الثورة المعلوماتية بأسباب الحياة،
تحث الخطى جاهدة اليوم للإيفاء باستحقاقات هذه الثورة، ومع ذلك تجد
نفسها أمام تحديّات ومستجدّات لم تكن قد كيّفت نفسها لها بالشكل
المطلوب على أكثر من صعيد.
في قبال هذا الحراك، نجد بعض الحكومات أو القوى ذات الثقل الإجتماعي
والديني في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم، ما زالت تدفن رأسها في
الرمال تجاه استحقاقات المرحلة التي فرضتها هذه الثورة المعلوماتية
التاريخية، ويسعى البعض الآخر منها الى مجابهة النهوض الفكري والحراك
الثوري بالأساليب النمطية والطرق التقليدية والدفع بالمواجهة نحو العنف
والتصعيد في محاولة للإلتفاف على ثورة الإستحقاق بطرق آنية عبر
المواجهة أو بطرق استباقية تهدف لتعطيل المسار أو تغيير الإتجاه نحو
أماكن أخرى.
في العصر الحاضر الذي بلغت فيه المعارف الإنسانية أوجهاً متعددة
باتت في متناول الجميع، من البديهي أن تترك أثرا واضحاً على العقل
البشري تجعله أكثر تحررا من القوالب الموروثة وتحفزّه الى تجريب زوايا
جديدة يلقي من خلالها بنظره تجاه ما حوله ليختار بالنتيجة ما يطمئن الى
صحّته أو يتدرّج حد الرفض للنهج المفتقر للصواب.
ومع التدرج في مستوى الوعي تزداد حاجة الفرد الى الحرية، وبما يجعل
منها قيمة أساسية في الحياة اليومية يضطر للدفاع عنها ليس من خلال
الوقوف بوجه الحاكم السياسي وحسب، بل قد يجد نفسه في مواجهة روابط
إجتماعية ودينية كانت وحتى وقت قريب خطّا أحمر. وعلى سبيل المثال
الرسالة التي جسّدت تخطئة عبد الرحمن القرضاوي لأبيه رجل الدين يوسف
القرضاوي والتي نشرتها العديد من وسائل الإعلام، فرغم ما بذله من جهد
واضح في انتقاء المفردات والمبالغة في اللياقة تحاشيا من وصم الآخرين
له بـ (العقوق) وتجنباً لإثارة المغفّلين من أتباع رجل الدين القرضاوي
الأب، وخاصة ممّن، لم يدركوا الى اليوم ما تنطوي عليه الحُرية من قيمة
أساسية للوجود أو أدركوا ذلك ولم يهتدوا الى الأساليب المثلى
لإكتسابها..
إدراك نجل القرضاوي لإستحقاق العصر وتطلعات الجيل المعاصر أدى به
الى القفز على الحاجز الإجتماعي الأسري والرمزية الدينية لأبيه، ومن ثم
مخاطبته بصيغة المواطن الذي يخاطب مواطناً مصريا آخر بطريقة مهذّبة
ولإفهامه بأن الفتاوى والمواقف التي تبنّاها تنُم عن عدم قدرته على
إستيعاب رؤية الجيل الحالي، والمقصود هنا الأب.
ومع أن مضمون الرسالة ينطوي على جانبين، الأول ما أشرنا إليه سلفاً،
والثاني هو أن الآثار الكارثية لفتاوى القرضاوي الأب والنتائج
التدميرية التي أسفرت عن تلك الفتاوى لم تكن مقصودة من قبله (هذا ما
حاول الإبن تصويره للأخرين)، بل تسبب إختلاف وجهات النظر بين جيلين
مختلفين بالتسبب فيما حصل، بالإضافة الى عدم بذل الأب الجهد الكافي
الذي يمكنه من إستيعاب الرؤية المعاصرة.
أي كان الحال قصورا أو تقصيراُ متعمّدا، جهلا أو تجاهلا، بالنتيجة
أن القرضاوي (مع ما تسببت به فتاواه من خراب وتدمير لبلدان المنطقة)،
ألا أنه كان مُباشرا في فتاواه وآرائه التي زعم بها دعم (حرية الشعوب).
ومروّجا بشكل مباشر أيضا، في استخفافه بما يشكله السلام من قيمة موازية
للحرية، تمثل ذلك بما صدر عنه من فتاوى دفعت شعوب المنطقة الى إعتماد
أساليب العُنف كطريق لنيل الحرية.
لم يكن خافيا على الجميع من ان القرضاوي في جميع حركاته وسكناته كان
قد جسّد توجه الأنظمة الخليجية المشرفة على برمجة هذا (الرمز الديني)
بما جعل منه (روبوت ناطق) يعكس رغباتهم ويجسّد طريقة التعاطي غير
المسؤول، بل المُغرض لتلك الأطراف مع الأحداث، والهادف الى حَرف الحراك
الثوري عن المسار السلمي الطبيعي.
فقد انطلقت الثورة المصرية الأولى 25 كانون الثاني 2011، من ميادين
الثورة المعلوماتية (الفيس بوك) لتنتقل بشكل سلمي منتظم الى أرض الواقع
في (ميدان التحرير) وبشكلٍ أدرك معه الشعب المصري بأن لا معنى للحرية
التي تنتجها هذه الميادين ان لم تكن مقترنة بالسلام، فإن السلام هو
الضمانة الوحيدة لإستمرارها وإستثمار أجواءها كما ينبغي، كما يشكّل
الحصانة المثلى لإستقلالية الثورة بما يجعل من النهوض الشعبي فيما بعد
خيارا قائما، وقرارا يمتلك الشعب وحده حق اتخاذه في أجواء السلام.
لكن الأنظمة الخليجية أدركت الأمر بشكل دفع بها الى فصل الحرية عن
السلام في ثورات شعبية مماثلة في المنطقة بطريقة تمكنت معها من مصادرة
خيار تلك الشعوب وفسح المجال للقوى الإرهابية للإلتحاق في ركب ثوراتها.
أما تركيا فهي الأخرى دخلت على خط تلك الأنظمة الداعمة للعنف وعلى
وجه الخصوص في الحالة السورية، فرغم أن دخولها لم يمنع من امتداد لهيب
الغضب الشعبي الى العمق التركي، ألا أن حكومة أردوغان تمكنت من استخدام
الملف السوري وسيلة لتعزيز نفوذها السياسي الداخلي وتحييد المؤسسة
العسكرية العسكرية تماماُ، بتصويرها للتدخل بأنه ضرورة تقتضيها مصلحة
الأمن القومي التركي، بل إنجازا لايمكن تحقيقه من قبل القوى العلمانية
التركية. بما يشكله هذا التدخل من حرب استباقية على حزب العمال
الكردستاني في عمق دول الجوار، ولا شك بأن مهمة من هذا النوع تهدف
لتحجيم نفوذ هذا الحزب وتقزيم طموحاته تستلزم تأشيرة دخول متمثلة في
العنوان الإسلامي للحزب الأردوغاني الحاكم وذلك ما تفتقر له القوى
العلمانية التركية.
ويمكننا القول: ان طريقة حُكم الرئيس المصري المخلوع مرسي لاتختلف
من حيث الجوهر مع النهج الأرودغاني في الحكم وإن اختلفت في الإسلوب.
فالجوهر يكاد يكون واحدا سواءً المتعلق منه في الأدوار التكاملية مع
الأنظمة الوراثية الهادفة لزعزعة أمن المنطقة أو في إبتزاز الفرقاء
السياسيين داخل العملية السياسية في البلد. الإسلوب كان مختلفاً،
فالتجربة الأردوغانية في الحكم، أتاحت له فرصة فهم طبيعة السلطة بشكل
أكبر، ومكّنته من إدراك حقيقة التحديّات التي تشكل أولوية في الواقع
السياسي التركي بشكل عام والتي تشكل قاسما مشتركا للقوى المؤثرة
القادرة على عرقلة الطموحات الأردوغانية.
وعلى العكس من الإسلوب الإخواني الميّال للسرعة والخشونة والضغط من
الداخل الى الخارج، بدا المطبخ الأردوغاني ميّالا لإستخدام النار
الهادئة واعتماد الضغط العكسي (من الخارج الى الداخل).. وكما أشرت
مسبقا الى الملفّ السوري والتأشيرة الإسلامية التي تفتقر لها القوى
العلمانية، والتي من خلالها استطاعت الحكومة الأردوغانية اختراق الملف
السوري واستقطاب قوى المعارضة وتجنيد أطرافها المهمة بما يضمن لها
تحقيق نتائج مماثلة لما تم انجازه في مناطق أخرى من المنطقة.
على سبيل المثال، أسفر التخادم بين أطراف مؤثرة في اقليم كردستان
العراق وحكومة أنقرة عن مظاهرة كردية أمام القنصلية التركية في اربيل
بتاريخ 17/6/2013، أعلنت تضامن الشعب الكردي مع حكومة اردوغان، وبما
يصح معه القول بأن تلك التظاهرة قد منحت موقع الريادة في انجاز تاريخي
غير مسبوق في نظر الشعب الكردي والقوى السياسية، تأكدت الريادة من خلال
الشعارات المرفوعة والقائلة:- (الشعب الكردي لن ينسى جميل أردوغان)
و(اردوغان هو صديق الشعب الكردي)..
ومن الطبيعي جدا لهذه المظاهرة وبما تضمنت من شعارات أن تُعد ورقة
ضغط بيد الحكومة لتحييد المؤسسة العسكرية بالكامل وحصر القوى العلمانية
في زاوية تجعل من دعوة أتباعها للإلتحاق بالتظاهرات الجارية في الشارع
التركي والمناهضة لحكومة أردوغان خطوة غير مضمونة النتائج بما تحمله من
تضاد مع المصلحة القومية لتركيا يتمثل فيما يمكن تفسيره إعاقة للمسار
الأردوغاني القومي الهادف لتقزيم العدو التقليدي (حزب العمال
الكردستاني).
أو يمكن اعتباره استهداف مع سبق الإصرار والترصد لخطط حكومة اردوغان
التي أثبتت فعاليتها في (ترويض الشعب الكردي)، ذلك بالطبع ما تتركه
شعارات التظاهرة من إنطباع في أذهان الساسة الترك.
وفي توظيف مماثل للتدخل الخارجي الهادف لتعزيز نفوذ حكومة اردوغان
في الواقع السياسي التركي، نشرت وسائل الإعلام تاريخ 5/7/2013 خبر قيام
(لواء التوحيد) التابع للجيش السوري الحر بإختطاف أربعين مواطنا كرديا
في مدينة حريتان التابعة الى ريف حلب، أظهرت الصور المنشورة آثار
التعذيب الجسدي فضلا عن الإهانات والتعذيب النفسي وفقا لما أشار له
إثنان ممن أطلق سراحهما فيما بعد، وهما المختطفان مسعود قوجو (27
عاماً) وشيار هورو (17 عاماً )، بأن الهدف من الإختطاف والتعذيب هو
السعي لإنتزاع معلومات عن أماكن تواجد حزب العمال الكردستاني بتكليف
مباشر لمقاتلي اللواء من الإستخبارات التركية. (حسبما يوضح الخبر أسفل
المقال). ولم يؤدي هذا الخبر الى أي رد فعل شعبي أو رسمي في حدود اقليم
كردستان العراق لإستنكار هذه الجريمة، وإذا ما أضفنا لها جريمة اغتيال
العالم الكردي الجليل فضيلة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي وبتحريض
مباشر من القرضاوي (العربي الأصل)، فمن غير المستبعد أيضا، أن يكون
لحكومة اردوغان يد في دفع القرضاوي للتحريض أو المساهمة في تخطيط
العملية أو التنفيذ المباشر.
ومع ما رافق هذه الجرائم من صمت شعبي ورسمي في اقليم كردستان
العراق يصح حينها القول بأن لأردوغان الحق في الإدعاء أمام الفرقاء
السياسيين (العلمانيين الأتراك) بعملية تطويعه للرأي العام الشعبي في
الإقليم. في الحقيقة أن انجازا كهذا يجعل من الخصوم السياسيين أقزاما
عند مقارنة المكتسبات السياسية والأمنية التي حصدتها حكومة أردوغان
للأمة التركية في ظل العباءة الإسلامية مع ما أنجزته الأحزاب الأخرى.
أما العامل الإقتصادي فحدّث ولا حرج، فلم تستطع أي حكومة تركية أخرى
في التاريخ الحديث تحقيق ما حققته حكومة اردوغان من مكاسب اقتصادية على
حساب العراق، سواء ما حصل عليه من كميات هائلة من النفط بأسعار رمزية،
أو على صعيد الأسواق العراقية التي أصبحت مكبّا للنفايات التركية.
ويعود الفضل للإختراق الكبير للواقع العراقي الذي حققته السياسة
الأردوغانية الى تدخلاتها في مختلف مجالات الحياة وفي كافة مناطق
العراق. وليس لغة الأرقام وحدها من تتحدث الى الخصوم السياسيين في
الداخل بالنيابة عن اردوغان، بل لغة الأشرطة التلفزيونية التي تٌظهر
الجماهير العراقية في ساحات التظاهر (شمال بغداد) حاملة لصور القائد
اردوغان هي الأخرى تُسهم في تعزيز النفوذ السياسي الداخلي للحكومة
الأردوغانية، ناهيك عمّن يطلقون على أنفسهم رموز المعارضة العراقية
القاطنين في الأجنحة الفاخرة لفنادق اسطنبول، والمنهمكين في رصد كل ما
هو سلبي عن العراق لتمريره الى وسائل الإعلام وإبرازه عبر المؤتمرات
المتلاحقة التي ترعاها الحكومة الأردوغانية.
أن الرجل يُؤكد وبالأدلة يوما بعد آخر للخصوم السياسيين في الداخل
التركي بأن مصلحة الأمة التركية تقتضي منهم مساندته، سواء من خلال
استهجان الممارسات الديمقراطية المناهضة لحكومته في الداخل التركي
والحد من رقعة الإحتجاجات، أومن خلال، مؤازرته في هدفه لتعطيل
الديمقراطية في دول الجوار مع الحفاظ على هامش من الفوضى يمكنّ تركيا
من اختراق تلك الدول.
يوما بعد آخر: يثبت اردوغان للقوى السياسية الأخرى وبالدليل القاطع
قدرته على الإنسياب الخفي وسط الأمواج المتلاطمة. بدليل ما تفتقت عنه
عبقريته وأثمرت عنه مساعيه من جعل اسطنبول واحة لصناعة القرار الإقليمي
وورشة لصناعة قادة المنطقة.. فقد جادت سماء اسطنبول على المنطقة ببزوغ
نجم سياسي جديد رئيسا للإئتلاف السوري المعارض، استقبلته العواصم
الخليجية بـ (الهلاهل) وهزّت عواصم الغرب رؤوسها استحساناُ للخيار..
فقد كان رئيس الإئتلاف مرشّحا بالأصل من قبل الدول الخليجية ليتمكن
أردوغان فيما بعد من تمريره.. الرئيس الجديد أحمد الجربا: شخصية قبلية
تنسجم مع مخططات التصعيد المستقبلي في المنطقة حيث يمتلك عقلية قبلية
بشعة ومشبعة حد اللعنة بالمفاهيم الصحراوية التي تنظر الى البقاء
استحقاقا للأقوى والغزو هو الآلية المثلى لنيل ذلك الإستحقاق. ويرى في
التحدث عن الأقلام والكتب وثورة المعلومات انفصاما خطيرا عن الواقع..
وقد جسّد ذلك في مقابلة له مع قناة العربية في كانون الثاني (يناير)
2013، قال فيها ("ان النظام السوري قوي بسلاحه متسائلا ‘هذه الترسانة
القوية كيف نجابهها؟ بالاقلام؟ علينا ان نأتي بالسلاح… وهذا ما نفعله").
ليس هذه العقلية وحدها من أوصلته الى رئاسة الإئتلاف بل بما يحمل من
إمتداد قبلي في العراق (قبيلة شـُمّر) وفي الدول الخليجية كذلك،
الإمتداد الذي يؤكد صلاحية الجربا للاستخدام في مرحلة ما وراء سورية أو
على الأقل ضمان استنفار الحس القبلي في العراق ودول الخليج، وإعلان
المشروع القبلي البديل خاصة بعد أن اصدرت الثورة المصرية شهادة وفاة
المشروع الطائفي في المنطقة.
ختاماً.. السيل الجارف للمعارف الإنسانية والتدفق الهائل للمعلومات
أضحى الفيصل في صياغة النُظم السياسية والإجتماعية وفي نمو عقيدة وضمور
أخرى. وأمسى البقاء إستحقاقاً للأصلح، وبات معه السلام توأماً للحرية
أيضا، فلا قيمة للحرية التي لا تعتمد سلاح العصر في حراكها الثوري، أي
لا تعتمد السلام سلاحا أوحد.
رمضان كريم وكل عام والجميع بخيــر
.........................................
عبد الرحمن يوسف القرضاوي يكتب رسالة لوالده ( عفوا
أبى الحبيب... مرسى لا شرعية له )
www.albidapress.net/press/news.php?action=view&id=29222
اربعون مختطفاً كردياً لدى لواء التوحيد لواء
التوحيد التابع للجيش الحر
http://www.kurdistan24.net/kurdistan-news/949-2013-07-06-01-04-36.html
احمد الجربا الرئيس الجديد للائتلاف السوري شيخ
عشيرة وساع نشيط لتسليح المعارضة
http://www.alquds.co.uk/?p=61096 |