أمريكا في افريقيا... مكمن جديد من مكامن القوة

 

شبكة النبأ: الاستثمار في أفريقيا أصبح اليوم محط اهتمام الكثير من دول العالم ومنها الدول الكبرى، التي تسعى الى فرض وجودها الاقتصادي والعسكري في هذه في القارة السوداء الغنية والتي كانت حتى وقت قريب بعيدة عن اهتمام اغلب الدول، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى الى فتح صفحة جديدة في علاقاتها مع هذه القارة كما يقول بعض الخبراء، الذين اعتبروا ان الزيارة الأخيرة لرئيس الأمريكي باراك اوباما والدعم المعلن من قبل الحكومة الامريكية، هي دليل واضح واعتراف رسمي بالأهمية المتزايدة لهذه المنطقة على الساحة الدولية، حيث وعد الرئيس الاميركي باراك اوباما ببذل جهود عاجلة لإنارة قلب افريقيا الفقير بالكهرباء وذلك في اخر محطة من جولة افريقية استمرت أسبوعا اختتمها في تنزانيا. وانضم اليه سلفه الرئيس السابق جورج دبليو بوش لتكريم ضحايا تفجير السفارة الاميركية في دار السلام في 1998، بعد يوم على اشادته ببرنامج بوش لمكافحة فيروس نقص المناعة المكتسب (الايدز) ووصف هذا الأمر ب"تتويج للانجازات".

وزار الرئيس الاميركي منشأة توليد الكهرباء في اوبونغو التي خضعت لأعمال تصليح بأموال اميركية لمساعدة 70 بالمئة من الأفارقة الذين لا يحصلون على الكهرباء ولإطلاق مساعدات بقيمة سبعة مليارات دولار. وقال اوباما "علينا جميعا ان نشعر بالمطلب الملح. اذا اردنا ان نوفر الكهرباء لأفريقيا علينا القيام بذلك بسرعة اكبر". والخطة التي اطلق عليها "الطاقة لافريقيا" توفر ضمانات قروض وتمويلات للقطاع الخاص وتهدف الى مضاعفة عدد المستفيدين من الكهرباء في منطقة افريقيا جنوب الصحراء حيث يعيش اكثر من ثلثي عدد السكان في العتمة. وتركز الخطة اولا على اثيوبيا وغانا وكينيا وليبيريا ونيجيريا وتنزانيا.

وكان لاوباما ايضا بعض اللهو عندما قام بتجريب جهاز اطلق عليه اسم "سوكيت بول" (كرة المقبس) وهو كرة بداخلها مولد كهرباء يمكنه انارة مصباح او شحن هاتف خليوي باستخدام طاقة الحركة التي تخزن بعد ركل الكرة. وتلاعب اوباما بالكرة بقدمه ورأسه ثم عرض كيفية ربطها بهاتف خليوي. وابدى اوباما اعجابه بالفكرة وقال "يمكنكم تصور هذا في جميع القرى في انحاء القارة".

وفي وقت سابق وفي لقاء غير عادي لنادي الرؤساء الاميركيين خارج الولايات المتحدة، التقى اوباما بسلفه بوش، رائد خطة الطوارئ الرئاسية لإغاثة ضحايا الايدز التي انقذت ملايين الارواح وتقدم العلاج لمرضى السل والملاريا. وانحنى الديموقراطي اوباما والجمهوري بوش امام نصب من الحجر اقيم يخلد ذكرى 11 شخصا قتلوا في 1998 عندما قام تنظيم القاعدة بتفجير السفارة الاميركية في دار السلام.

ووقف الرئيسان جنبا الى جنب فيما كان عنصر من مشاة البحرية الاميركية يقوم بوضع اكليل بالوان العلم الاميركي (الابيض والاحمر والازرق) على منصة، ثم قاما بالقاء التحية على الضيوف الاميركيين والتنزانيين. وبوش الذي زار زامبيا ايضا، كان في تنزانيا لحضور منتدى اقليمي لزوجات الرؤساء، تستضيفه زوجته لورا وحضرته ايضا ميشال اوباما. وغادر اوباما وميشال وابنتاهما بعد ذلك على متن الطائرة الرئاسية عائدين الى واشنطن في ختام جولة شملت السنغال وجنوب افريقيا والقت بظلالها عليها صحة زعيم النضال ضد التمييز العنصري نلسون مانديلا.

ووجه نداء للافارقة منطلقا من ارث مانديلا، نحو التغيير السياسي في القارة التي عانت من سنوات من الحروب والحكم السيئ. واصطفت الحشود للترحيب باوباما لدى وصوله تنزانيا حيث وجه رسالة تعد بمساعدة "افريقيا على بناء افريقيا للافارقة". واضافة للكهرباء، قام اوباما بالدفع باتجاه مبادرات لتعزيز التجارة الاقليمية مع اميركا والغاء الجمارك والمعوقات الحدودية التي تؤخر الصادرات ولانقاذ الفيلة وحيوانات وحيد القرن المهددة بالانقراض في افريقيا.

وتنزانيا التي تحظى بمساعدة برامج اميركية للصحة والبنية التحتية، هي نموذج للديموقراطية الافريقية التي ترغب واشنطن في رؤيتها تتكرر في المنطقة. وفي جولته الافريقية قام اوباما بالترويج للاستثمارات والشراكة على الطراز الاميركي بوصفها افضل من جهود بكين في افريقيا وقال ان الشركات الاميركية تبذل مساعي اكبر لبناء القدرات الاقتصادية المحلية. بحسب فرانس برس

وغادر اوباما افريقيا وهو اكثر قناعة بان مستقبل المنطقة مشرق. وقال امام رجال اعمال في تنزانيا "حتى عندما تواجه هذه القارة تحديات كبيرة هناك لحظة تبشر بالخير لافريقيا". وجدد اوباما وعده بزيارة كينيا بعد ان استبعد ارض والده الراحل من جولته الافريقية، فيما رئيسها اوهورو كينياتا مطلوب للمثول امام محكمة الجنايات الدولية اثر اتهامات بتورطه في اعمال عنف في انتخابات 2007-2008.. وقال اوباما في لقاء في بلدية سويتو تم بثه في العديد من الدول الافريقية بما فيها كينيا "ساكون رئيسا لثلاث سنوات اخرى ونصف". واضاف "اذا لم آت الى كينيا في ثلاث سنوات وسبعة اشهر يمكنكم ان تعيبوا علي عدم الوفاء بوعدي".

حرب باردة

في السياق ذاته قلل الرئيس الاميركي باراك اوباما من اهمية التنافس بين الدول على الاستثمار في افريقيا، معتبرا ان لا "حرب باردة" تجري حاليا في القارة السمراء. وقال اوباما "جيد ان تقوم دول مثل الصين والهند وتركيا والبرازيل بالاهتمام اكثر فاكثر بافريقيا". وتابع الرئيس الاميركي "انها ليست حربا باردة هناك سوق عالمية واذا كانت الدول التي تتحول حاليا الى دول ذات مداخيل متوسطة تعتبر ان لديها فرصا في افريقيا، فهذا يمكن ان يساعد" هذه القارة الفقيرة.

وتابع اوباما "خلال محادثاتي اعرب الكثيرون امامي عن سرورهم بالدور الصيني في افريقيا، الا انهم يعرفون ان المصلحة الاساسية للصين هي في الوصول الى الموارد الطبيعية في افريقيا لتغذية صناعاتها". واضاف "وهكذا وجدت افريقيا نفسها في غالب الاحيان في موقع المصدر البسيط للمواد الاولية، الامر الذي لا يخلق الكثير من فرص العمل في افريقيا ولا يدعم قيام تنمية طويلة الامد". بحسب فرانس برس.

وتجاوزت المبادلات التجارية بين الصين والقارة الافريقية العام الماضي ال200 مليار دولار. واعتبر اوباما ان تهافت الدول الناشئة على افريقيا يكشف عن حيوية القارة، مشددا على ان الولايات المتحدة لن تبقى بعيدة عن هذه الحركة. وقال الرئيس الاميركي "نريد ان ترى الشركات الاميركية ان افريقيا مستعدة للقيام باعمال وان هناك قوة كبيرة تكمن هنا"، مضيفا ان "ما يتعين على الدول الافريقية القيام به هو ضمان الاستقرار والادارة الرشيدة".

الجيش الأمريكي

على صعيد متصل نفذ الجيش الأمريكي ضربات بطائرات بلا طيار استهدفت إسلاميين متشددين ودعم القوات الافريقية التي تسعى لإعادة الاستقرار إلى الصومال ومالي وبعث بعشرات من فرق التدريب بعد ان حول أنظاره إلى أفريقيا. ولا يزال وجوده غير ظاهر في الاغلب. ورغم ذلك فان وجود ما يتراوح بين 4000 و5000 فرد على الارض هو أكبر وجود عسكري للولايات المتحدة منذ التدخل في الصومال قبل 20 عاما والذي انتهى عام 1993 بالاذلال والانسحاب بعد اسقاط طائرتي هليكوبتر ومقتل 18 جنديا أمريكيا. وهناك سببان وراء العودة الأمريكية للقارة السوداء هما محاربة القاعدة وجماعات أخرى متشددة واستعادة النفوذ في قارة يمكن ان تصبح مقصدا هاما للتجارة والاستثمارات الأمريكية لمواجهة النفوذ المتنامي للصين.

وفي منطقة القرن الافريقي تتمركز معظم القوات الأمريكية في قاعدة عسكرية فرنسية في جيبوتي وهي دولة صغيرة واقعة بين شمال الصومال واثيوبيا واريتريا. ورغم أن المسؤولين الأمريكيين لا يعلقون بالتفصيل على ما يحدث في القاعدة يقول خبراء انها وفرت موقعا تنطلق منه القوات الخاصة وطائرات بلا طيار وغارات جوية على متشددين إسلاميين في الصومال.

ويقول ضباط أمريكيون إن مثل هذه المهام المحدودة ساهمت في تخفيف الشكوك الافريقية الاولية في قوة (افريكوم) المتمركزة في المانيا التي تشكلت عام 2008 لجعل كل الانشطة العسكرية الأمريكية في افريقيا تحت قيادة موحدة بدلا من تقسيم المسؤولية بين القادة العسكريين في أوروبا والشرق الاوسط وآسيا.

وفي انجولا وناميبيا وجمهورية الكونجو الديمقراطية ومناطق اخرى قام مهندسون أمريكيون بتدريب نظرائهم في تلك الدول على ازالة الالغام. وفي جنوب القارة الافريقية ساعد أطباء الجيش الأمريكي الجيوش المحلية على احتواء عدوى فيروس (اتش.آي.في) المسبب للايدز بينما كان التركيز في موريتانيا على تقديم المساعدة البيطرية للمزارع المحلية.

وزاد تردد السفن الحربية الأمريكية التي تكافح القرصنة قبالة السواحل الشرقية والغربية لافريقيا على الموانيء الافريقية. وتحاول الولايات المتحدة اقناع الجيوش الافريقية بأن مصالحها تصان من خلال المحاسبة الديمقراطية لا التدخل في السياسة. ويشكو منتقدون في افريقيا من ان تعامل واشنطن مع القارة السوداء أخذ طابعا عسكريا أكثر ويركز على مكافحة الإرهاب. ويخشى آخرون من استغلال النفوذ العسكري الأمريكي في نهاية الامر للسيطرة على موارد القارة.

ويختلف مسؤولو الحكومة الأمريكية مع هذا الرأي ويشيرون إلى زيارة أوباما للقارة هي مؤشر على النوايا الأمريكية. وقال بن رودس نائب مستشار الامن القومي الأمريكي "هذه الرحلة تفند الرأي القائل باننا بطريقة ما نحول علاقتنا مع افريقيا إلى علاقة أمنية. هذه الرحلة مكرسة تماما للتجارة والاستثمار وبناء المؤسسات الديمقراطية وللشباب واطلاق النمو الاقتصادي من خلال بعض أولوياتنا التنموية."

وبشكل عام تتمكن القوات الأمريكية من العمل حين تسمح لها بذلك الحكومات الافريقية وأحيانا فرنسا التي لها شبكة من القواعد العسكرية في مستعمراتها الافريقية السابقة. لكن يمكن لهذا التصريح ان يسحب بسرعة لاسباب سياسية. وفي ابريل نيسان الغى المغرب تدريباته السنوية (الاسد الافريقي) مع القوات الأمريكية بسبب ملف الصحراء الغربية المتنازع عليها وتلميحات واشنطن بضرورة تمديد التفويض الممنوح لمراقبي الامم المتحدة في الصحراء الغربية ليشمل حقوق الإنسان.

وتخطو الولايات المتحدة بحرص شديد في الصومال الذي شهد انتكاسة عام 1993 حين قتل رجال الميليشيات 18 جنديا أمريكيا اثناء مطاردة لاعتقال قائد ميليشيا صومالي في اطار مهمة للامم المتحدة. ولا يزال معظم الدعم الأمريكي لبعثة الاتحاد الافريقي في الصومال (اميسوم) يحدث من خارج البلاد مثل تدريب القوات في كينيا واوغندا ومناطق اخرى.

وهناك صورة مشابهة تقريبا في الجانب الاخر من القارة حيث يتحرك الجيش الأمريكي في الاساس لدعم الحكومات المحلية وفرنسا. وبعد الحرب في ليبيا عام 2011 انتشر السلاح والمتشددون في منطقة الساحل مما دعم صعود القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي التي سيطرت على اجزاء كبيرة من شمال مالي قبل ان تشن فرنسا حملة عسكرية هناك اوائل العام الحالي.

ووفر سلاح الجو الأمريكي معظم عمليات النقل للتعزيزات الفرنسية والافريقية في مالي كما قامت الطائرات الأمريكية للتزويد بالوقود برحلات طويلة من قاعدتها في انجلترا حتى الصحراء الكبرى لتزويد المقاتلات الفرنسية بالوقود في الجو. ويقول مسؤولون أمريكيون وافريقيون إن واشنطن تحجم منذ زمن بعيد عن نقل المعلومات المخابراتية الهامة إلى شركائها الافريقيين خوفا من ان تسقط في الايدي الخطأ. بحسب رويترز.

ويقول الضباط الافريقيون انهم لن ينجحوا في محاربة المسلحين المتشددين في بلادهم والمشاركة في مهام اوسع على غرار مهمة مالي لانهم يحتاجون لان يعرفوا كل ما يمكن عن تحركات المتمردين وأماكنهم وخططهم. وقال منصور سيك قائد الجيش السنغالي السابق وكان سفيرا لبلاده في واشنطن "الأمريكيون اصدقاؤنا لكنهم في الاغلب اصدقاء لا يتسمون بالصراحة. يسألونك عما عندك لكنهم لن يقولوا لك ما عندهم."

الرئيس الأسود

الى جانب ذلك وخلال رحلته في أفريقيا وزار خلالها السجن الذي مكث فيه بطله زعيم مكافحة الفصل العنصري نيلسون مانديلا 27 عاما كان في استقبال الرئيس الامريكي باراك أوباما زعيم أفريقي آخر يتمتع بالتقدير هو ديزموند توتو الذي رحب به قائلا "أهلا في بيتك." وعاد أول رئيس أمريكي أسود الذي يصف نفسه بأنه ابن رجل أسود من كينيا وامرأة أمريكية بيضاء من كنساس وهو على رأس أكبر قوة في العالم.

ورغم خيبة أمل الافريقيين في أنه قام بهذه الزيارة متأخرا رحبت القارة السوداء في معظمها بأوباما واعتبرته ابنا لها. واحتشد السكان في العاصمة التنزانية دار السلام حين بدأ أوباما زيارته للبلاد وحين اختتمها كما وقف الشبان في جنوب أفريقيا مصفقين لكلمته. وقال توتو الزعيم المناهض للفصل العنصري كبير الأساقفة السابق في كيب تاون لاوباما حين التقيا في مركز للشباب تديره مؤسسة توتو لمكافحة الأيدز "نجاحك نجاحنا. وفشلك.. سواء رضيت ام أبيت هو فشلنا. "نحن مرتبطون بك وأنت منا ونصرك هو نصرنا."

كانت هذه اللحظة تذكرة للرئيس الامريكي بالامال التي سادت في افريقيا عام انتخابه عام 2008 والتي توقعت علاقات أقوى بين أفريقيا والولايات المتحدة. ورغم ان أوباما حطم هذه الامال بدرجة كبيرة في فترة رئاسته الاولى بابتعاده عن القارة بخلاف زيارة قصيرة لغانا حاول الرئيس الامريكي تعويض الوقت الضائع في رحلته بسعيه لتعزيز الروابط التجارية.

وخلال الخطاب الذي القاه الرئيس الامريكي في كيب تاون تحدث أوباما عن والده الافريقي وهو شيء قلما يفعله وربط بين بداية نشاطه السياسي وحركة مناهضة الفصل العنصري التي قادها مانديلا الذي يرقد حاليا في المستشفى في حالة احتضار. وفي منزل سابق للعبيد بجزيرة جوري في السنغال قال أوباما الذي نادرا ما يشير الى أصوله العرقية ان كونه أمريكيا أسود زاد من اصراره على الدفاع عن حقوق الانسان في شتى أنحاء العالم. بحسب رويترز.

وخلال جولته التي شملت السنغال وجنوب افريقيا وتنزانيا لم يلق أوباما نفس الاستقبال الحار الذي لقيه حين زار غانا عام 2009 عندما تدفقت حشود ضخمة لرؤية أول رئيس أمريكي أسود منتخب. فقد واجه أوباما بعض الاحتجاجات في جنوب افريقيا مناهضة للسياسة الخارجية الامريكية بل ان توتو اشار الى فشل الرئيس الامريكي في الوفاء بوعده السابق باغلاق المعتقل الحربي الامريكي في جوانتانامو بكوبا. ومن شبه المؤكد ان يعود أوباما مرة اخرى لافريقيا في حالة وفاة مانديلا لحضور جنازته فهو يعلق في البيت الابيض صورة له مع أيقونة النضال ضد التفرقة العنصرية. ودعا أوباما الزعماء الافارقة الى قمة تعقد في واشنطن العام القادم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 8/تموز/2013 - 28/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م