الأمن في الصومال... الرهان الاكثر صعوبة

 

شبكة النبأ: يعتبر الملف الأمني من اهم واكبر التحديات التي تواجهها الحكومة الصومالية، خصوصا مع انتشار الأسلحة وفرار آلاف السجناء في أثناء ثورة 2011 يضاف الى ذلك ان القوات الحكومية لم يتم تشكيلها بشكل جيد مما يجعلهم غير قادرين على تسلم ملف الأمن، الأمر الذي يجبر الحكومة على الاستمرار في الاعتماد على قوات الاتحاد الأفريقي في حربها ضد حركة الشباب الاسلامية المتشددة المرتبطة بالقاعدة، لاستتباب الأمنكما يقول بعض المراقبين، وعانت هذه الدولة الافريقية من حرب اهلية ومعارك مزمنة بين امراء الحرب منذ سقوط نظام محمد سياد بري في 1991. وفي هذا الشأن هدد مقاتلو حركة الشباب الاسلامية الصومالية الامم المتحدة بانها "لن تجد ملجآ آمنا" في الصومال وذلك غداة اعتداء انتحاري عنيف استهدف مقر المنظمة في مقديشو واسفر عن سقوط 18 قتيلا لكن الرئيس الصومالي وعد بالمضي قدما نحو السلام رغم ذلك.

وتمكنت مجموعة من مقاتلي حركة الشباب من التسلل الى مجمع الامم المتحدة القائم على محور يربط بين المطار ووسط المدينة بعد ان فتحوا الطريق بانفجار سيارة مفخخة وتفجير انتحاري. وواجه المهاجمون بعد ذلك القوات الصومالية والافريقية في الصومال (اميصوم) تسعين دقيقة قبل ان يقتلوا او يفجروا انفسهم.

وتشمل حصيلة القتلى ال18، المهاجمين السبعة وثمانية من موظفي الامم المتحدة هم خمسة صوماليين واثنان من جنوب افريقيا وكينية. كما قتل ثلاثة مدنيين صوماليين خلال تبادل اطلاق النار الكثيف بين عناصر الشباب والقوات الصومالية والافريقية على ما افادت الشرطة الصومالية. وصرح الناطق باسم حركة الشباب علي محمد راج المدعو "علي الدهيري" لاذاعة الاندلس التي تمثل الحركة رسميا ان "العملية كانت تهدف لان نثبت للامم المتحدة انها لن تكون بمأمن في الصومال".

واضاف "انه تنبيه للكفار الذي يحلمون بانتهاك حقوق الشعب الصومالي في المستقبل" متهما الامم المتحدة "بتجنيد عناصر لمكافحة الاسلام" ومؤكدا ان "استعراض القوة الواضح هذا يدل على ان الدبابات والترسانة العسكرية الكبيرة لن تمنع مجاهدينا من الدفاع عن قيم دينهم". غير ان الرئيس الصومالي حسن شيخ محمد اعلن في بيان ان حركة الشباب وصمة "عار" في وجه الصومال مؤكدا ان "العنف والارهاب لن يبطلا" العملية الجارية من اجل بسط الامن في العاصمة الصومالية.

وقال ان "خلال السنة الماضية طوت الصومال الصفحة" مضيفا "اننا الان على الطريق الثابت لإعادة الاعمار والمصالحة". وقبل ذلك ندد الامين العام للامم المتحدة بان كي مون بهجوم "مشين" مؤكدا للرئيس الصومالي ان الامم المتحدة ستستمر في ضمان مهمتها ودعم سلطات البلاد الفتية. وفي مقديشو اعلن مسؤول مستشفى المدينة محمد يوسف ان 18 شخصا كانوا يتلقون العلاج في مستشفاه وهو الاكبر في العاصمة، وان اربعة منهم في حالة خطيرة.

واعلن عبدي محمد الضابط في الشرطة ان "الوضع هادئ وقوات الامن تقوم بعمليات". وبعد الهجوم نقل موظفو الامم المتحدة الى مقر اكثر امانا تابع لقوات الاتحاد الافريقي في محيط مطار مقديشو وافاد مصدر انساني طلب عدم ذكر اسمه ان بعضهم ارسلوا موقتا الى نيروبي، عاصمة كينيا المجاورة. وقال علي مختار احد سكان مقديشو ان "الهجوم احدث صدمة فينا لم نكن نتوقع ان يتمكن الشباب من الهجوم على منطقة محاطة بتدابير امنية مشددة الى هذا الحد". وحذر الرئيس الصومالي من خطر تكرار هذه الهجمات ودعا السكان الى مساعدة السلطات على "القبض على المجرمين الجبناء وردعهم".

على صعيد متصل قال قائد عسكري ان خمسة اشخاص قتلوا في معارك استمرت يومين بمدينة كيسمايو الساحلية الصومالية الاستراتيجية رغم محادثات لانهاء نزاع على القيادة يهدف الى منع العودة الى الحرب القبلية. وخيم خطر اندلاع قتال قبلي مزق الصومال على مدى عشرين عاما على مدينة كيسمايو منذ اختيار جمعية محلية أحمد مادوبي زعيم ميليشيا راس كامبوني في مايو ايار زعيما لجوبالاند ومينائها.

وقتل عشرات الاشخاص في قتال متقطع منذ ذلك الحين بين مؤيدي مادوبي ومؤيدي خصمه على القيادة باري هيرالي الذي ينظر اليه على نطاق واسع على انه يتمتع بتأييد الحكومة الاتحادية في مقديشو. وقال ابراهيم سعيد قائد ميليشيا تدعم هيرالي "من جانبنا قتل خمسة وأصيب 20 شخصا آخرين" مضيفا ان ميليشيا راس كامبوني التي تؤيد مادوبي منيت باصابات غير معروف عددها.

وخوفا من امكانية انتشار القتال وتقويض المكاسب الامنية الهشة التي حققتها قوات حفظ السلام الافريقية في البلاد التي مزقتها الحرب دعت الامم المتحدة الى وقف القتال فورا وقالت ان المحادثات يجب ان تحل النزاع. وقال أكبر دبلوماسي للامم المتحدة في الصومال نيكولاس كاي في بيان "في نفس الوقت الذي اندلع فيه هذا القتال تجري اتصالات لاعداد عملية شاملة لتهدئة التوتر" مضيفا ان القتال "سيجعل الامر أكثر صعوبة بشأن تحقيق تسوية". بحسب رويترز.

وقال شهود ان قوات كينية ضمن قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الافريقي نشرت على طريق حيوي في كيسمايو في مهمة فيما يبدو لوقف القتال. وكان دبلوماسيون بارزون قالوا في وقت سابق انه يتوقع ان تقبل حكومة مقديشو مادوبي زعيما اقليميا بصفة مؤقتة. وقالت الحكومة انها مستعدة للتوصل الى حل وسط لكنها لم تذكر من الذي ستؤيده لشغل المنصب. وينظر الي ما يحدث في كيسمايو على انه اختبار لحنكة الحكومة الجديدة في مقديشو التي تسلمت السلطة منذ اقل من عام لبناء اتحاد في بلد تمزقه الحرب والنزاعات القبلية والنزعة الانفصالية في بعض المناطق.

توقيف الشيخ عويس

الى جانب ذلك تم توقيف الشيخ حسن عويس الزعيم التاريخي لحركة شباب المجاهدين الصومالية حين كان يحاول التفاوض على عودته الى مقديشو ما شكل حلقة جديدة من تلاشي قيادة هذه المجموعة الاسلامية المتطرفة. وتم توقيف الشيخ عويس من قبل قوات الامن الحكومية عند نزوله من الطائرة في مطار العاصمة الصومالية. وقال ضابط شرطة وقعت مشادة حامية وتحول الامر الى عراك بين افراد قوات الامن ووفد الشيخ عويس الذي تم توقيفه. وحطت طائرة عويس قادمة من ادادو كبرى مدن منطقة هيمان وهيب الذاتية الحكم. وكان الزعيم الاسلامي لجأ اليها بعد مواجهات مع فصيل منافس من الشباب في ميناء براوي.

وبحسب احد المقربين منه فقد قبل عويس القدوم الى مقديشو بعد وعد بمفاوضات مع الحكومة. وتم ارسال طائرة خاصة من العاصمة الصومالية لجلبه مع عدد كبير من افراد قبيلته النافدة الهوية. واتهم يوسف محمد سياد الجنرال ووزير الدفاع السابق قبل انشقاقه في 2010، وهو ايضا من قبيلة الهوية ، الحكومة بعدم الوفاء بالتزاماتها. وقال سياد ان الحكومة لم تحترم وعودها من خلال توقيف الشيخ عويس. لقد اهانوا ايضا النواب الذين اقنعوه بالقدوم الى مقديشو.

وعويس السبعيني او الثمانيني بحسب المصادر والملاحق بعقوبات اميركية ودولية بسبب علاقته بالارهاب، يعتبر زعيما تاريخيا للحركة الاسلامية الصومالية. وكان هذا القيادي الداهية المحنك احد ابرز قادة حركة “شباب المجاهدين” الاسلامية المتطرفة الى جانب قائدها الاعلى احمد عبدي غودان. وتمرد عويس على سلطة غودان منذ نحو سنة. وكان عويس رئيس اتحاد المحاكم الاسلامية التي سيطرت على معظم مناطق البلاد وضمنها مقديشو في النصف الثاني من 2006 قبل هزمها في كانون الاول/ديسمبر 2006 بايدي قوات اثيوبية دخلت الصومال.

وبعد ان لجأ الى اريتريا العدو اللدود لاثيوبيا، تزعم عويس حركة حزب الاسلام التي اندمجت لاحقا في 2010 مع حركة الشباب التي مثلت الشق الاشد تطرفا في اتحاد المحاكم الاسلامية. وبعد ان سيطرت حركة الشباب على معظم مناطق جنوب الصومال ووسطه وعلى 80 بالمئة من العاصمة، تم طردهم من مقديشو في آب/اغسطس 2011 بايدي قوة افريقية. وفقدت الحركة المهزومة كافة معاقلها في جنوب البلاد ووسطها لكنها لا تزال تسيطر على مناطق واسعة من ارياف الجنوب والوسط التي تنطلق منها لتنفيذ عمليات دامية.

ومع الهزائم العسكرية برزت تدريجيا وعلنا انقسامات في قيادة الحركة. وهي اليوم مقسمة الى عدة فصائل مختلفة على اسس دينية وايديولوجية وقبلية. وتتمحور هذه الخلافات اساسا حول مسالة الجهاد العالمي وهو ما يؤيده غودان بدعم من مقاتلين اجانب في مواجهة دعاة اجندا وطنية للاسلاميين المتطرفين.

واعلن الفصيل الرئيسي للحركة الذي يتزعمه غودان مقتل اثنين من قادة المجموعة هما ابراهيم حاجي جامع ميد المعروف اكثر بالافغاني وعبد الحميد حاجي اولهاي. وبحسب متحدث باسم الشباب فقد قتلا وهما يقاومان توقيفهما من قبل مقاتلين اسلاميين. وبحسب اسرهم فقد قتلا بايدي رجال غودان. والافغاني الذي كان على راس حركة الشباب في منطقة جوبا (جنوب) قد يكون وراء رسالة وجهت الى ايمن الظواهري زعيم القاعدة ينتقد فيها قيادة غودان.

وللتصدي لمعارضيه امر غودان الذي رصدت واشنطن مكافاة بقيمة سبعة ملايين دولار لراسه، قبل نحو شهر بتوقيف عشرة من قادة الشباب الذين يحتجون على سلطته. وفي 20 حزيران/ يونيو جرت مواجهات عنيفة بين انصار غودان وخصومه في ميناء براوي (جنوب) احد المواقع القليلة الهامة التي لا تزال بيد الاسلاميين. بحسب فرانس برس.

وبحسب مصادر امنية صومالية فان هذه المعارك التي قتل فيها الافغاني، انتهت بهزيمة التيار الوطني او المعتدل. وفر الشيخ عويس عندها الى ادادو في حين لجأ مختار روبوي القيادي الشهير الاخر للشباب الى منطقة باكول الجنوبية حيث معقل قبيلته الرهانوين. غير ان محللين قالوا ان تفتت قيادة الشباب لا تعني ضرورة نهاية هذه المليشيا الاسلامية المتطرفة. ويقول معهد الدراسات الامنية بجنوب افريقيا ان اعادة التشكل هذه تمثل تطورا جديدا حيث ان الحركة التي لم تعد تسيطر على معظم البلاد تعيد تمركزها في وضع قتالي “لجعل الصومال بلدا لا يمكن حكمه”.

حوار بعد انقطاع

في السياق ذاته اعلن صندوق النقد الدولي انه استأنف الحوار مع الصومال بعد توقف دام 22 عاما بسبب اعمال العنف وانعدام الاستقرار السياسي في هذا البلد، مؤكدا استعداده لتقديم "مساعدة فنية" الى مقديشو. وفي ختام اجتماع ضم بعثة لصندوق النقد الدولي ومسؤولين صوماليين في العاصمة الكينية نيروبي اعلن الصندوق في بيان صدر في مقره بواشنطن ان البعثة "اعربت عن رغبة صندوق النقد في البدء بمفاوضات سياسية وتقديم مساعدة فنية بغية تلبية الحاجات الهائلة للبلد".

واضاف البيان ان استئناف الحوار سيتيح للصندوق اولا، بالتعاون مع السلطات الصومالية، العمل على آلية تتيح "توجيه" و"تنسيق" المساعدة الدولية المرسلة للصومال. كما اعلن الصندوق استعداده لمساعدة مقديشو في مواجهة "تحدي" اعتماد عملة جديدة بدلا من العملات المتعددة الرسمية وغير الرسمية المتداولة حاليا في الصومال. بحسب فرانس برس.

وكان الصندوق اعلن في مطلع نيسان/ابريل انه خطا خطوة اولى نحو استئناف علاقاته مع مقديشو باعترافه رسميا بحكومة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمد. والصومال عضو في صندوق النقد الدولي منذ 1962 لكن العلاقات بينهما انقطعت بعد الحرب الاهلية التي اندلعت مطلع تسعينات القرن الماضي وتركت البلاد "بدون حكومة يمكن للصندوق التعامل معها"، بحسب الصندوق. ولا تزال مقديشو تدين للصندوق بنحو 352 مليون دولار ولذا فانها ليس مؤهلة للحصول على تمويل جديد..

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 7/تموز/2013 - 27/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م