ليبيا... استفحال الميليشيات وضعف الحكومة

 

شبكة النبأ: تدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا لايزال محط اهتمام الكثير من الأوساط الدولية والشعبية، التي تخشى من استفحال انتشار الجماعات المسلحة التي استفادت من انعدام النظام وضعف الحكومة الحالية العاجزة عن اتخاذ الكثير من القرارات المهمة التي تسهم بإعادة الأمن والاستقرار، وبحسب بعض المراقبين ان ليبيا اليوم هي خارج نطاق السيطرة الحكومية وتعيش فوضى حكم المليشيات المسلحة والجماعات المتشددة التابعة الى بعض التيارات الإسلامية التي تسلحت بأحدث الأسلحة والمعدات التي تفوق إمكانية الحكومة نفسها، وتشهد ليبيا موجة جديدة من اعمال العنف الدامية في ظل توتر بين ميليشيات مسلحة في حين تحاول الحكومة التي تجاوزتها الإحداث استعادة نفوذها على ارض ملغمة. واشتد التوتر في طرابلس غداة مواجهات عنيفة بين مجموعات مسلحة في حي ابو سليم قرب وسط العاصمة. وافادت وزارة الصحة في حصيلة جديدة عن سقوط خمسة قتلى و97 جريحا في تلك المواجهات.

وانفجرت ثلاث سيارات مفخخة في يوم واحد بفارق نصف ساعة في مدينة سبها على مسافة 700 كلم جنوب طرابلس مخلفة قتيلين و17 جريحا على ما افاد مصدر رسمي. وفي بنغازي مهد الثورة الليبية سنة 2011 قتل ضابط في الجيش في انفجار عبوة وضعت في سيارته، في اخر حادث من سلسة اغتيالات وهجمات على قوات الامن في هذه المدينة الواقعة شرق ليبيا. وقد شهدت بنغازي في وقت سابق معارك ضارية ضمن صراع على النفوذ بين مليشيات وقوات الامن.

من جانب اخر أعلن جهاز حرس المنشآت النفطية في ليبيا عن تعرض مقره في طرابلس لهجوم من قبل مجموعة مسلحة تتولى حراسة حقل كبير للنفط مما أدى إلى مقتل شخص واصابة خمسة اخرين. وقال الجهاز في بيان على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك إن المجموعة المسلحة من مدينة الزنتان الغربية وهم ضمن المكلفين بحراسة حقل الشرارة النفطي. وينتج الحقل حوالي 350 الف برميل من النفط يوميا.

وقال العقيد علي الأحرش من جهاز حرس المنشآت النفطية إن كل شيء أصبح تحت السيطرة الآن. وقال مصدر داخل الجهاز إن انباء أفادت بأن هؤلاء الاشخاص انتابهم السخط على ما يبدو بعد تكليف مجموعة اخرى بالاشراف على عملية تنقيب في المنطقة لكن لم يتم التأكد على الفور من هذه الانباء.

وقال بيان جهاز حرس المنشآت النفطية إن خمسة أشخاص اصيبوا في القتال بينهم ثلاثة من المارة واثنان من اعضاء قوة الجهاز. وقال الأحرش إن أحد المارة لقي حتفه جراء القتال الذي توقف بعد وصول تعزيزات من قوة حرس المنشآت النفطية لطرد المهاجمين من المقر الواقع في الضواحي الجنوبية للعاصمة. وقال البيان "صعدت المجموعة المسلحة إلى سطح العمارات المجاورة للموقع ...واستخدموا الأسلحة الثقيلة." وأضاف البيان انه جرت مفاوضات مع المهاجمين قبل الاشتباكات لكنه لم يذكر اي تفاصيل اخرى. بحسب روترز.

وقال الأحرش إن انباء افادت بفرار مجموعة الزنتان إلى بناية تجمع عندها حشد غاضب في وقت لاحق في اعقاب وفاة أحد المارة. واندلعت اشتباكات بعد ذلك بين الحشد المدعوم من ميليشيات مسلحة وبين مجموعة الزنتان. وقال الأحرش إن القتال كان عنيفا للغاية. ويعمل جهاز حرس المنشآت النفطية بموجب تكليف رسمي من وزارة الدفاع لكن 2000 فقط من أفراده البالغ عددهم 15 الفا هم الذين تلقوا تدريبات عسكرية. أما بقية الأفراد فهم من المسلحين السابقين الذين حاربوا للإطاحة بمعمر القذافي عام 2011.

الجيش سيسيطر

الى جانب ذلك قال متحدث باسم الجيش الليبي ان الجيش سيسيطر على قواعد ميليشيا في مدينة بنغازي في شرق البلاد بعد اشتباكات اسفرت عن مقتل 31 شخصا. واندلعت الاشتباكات عند مقر كتيبة درع ليبيا حين طالب محتجون بحل الميليشيا التي يتزايد الاستياء الشعبي من استمرار وجودها بعد حوالي عامين من الاطاحة بالدكتاتور الراحل معمر القذافي.

ولم يعد الهدوء الى ثاني اكبر المدن الليبية الا بعد ان سيطرت قوات الصاعقة على مجمع الميليشيا التي قالت انها تعمل بموافقة رسمية. وتضم درع ليبيا مجموعة كتائب لها قواعد في بنغازي وهي من الجماعات المسلحة التي اعتمدت السلطات على مساعدتها في حفظ النظام. وقال علي الشيخي المتحدث باسم رئيس اركان الجيش "الجيش الليبي سيتسلم المقرات الخاصة بقوات درع ليبيا." واضاف "هذا مطلب الناس التي خرجت."

وقال اسماعيل الصلابي وهو قائد في درع ليبيا "اي جيش سيستلم المقرات؟ لا يوجد في ليبيا جيش الا درع ليبيا." وقال المتحدث باسم الجيش ان ضباطا من الجيش سيتولون مسؤولية القواعد. واكد ذلك عبد الله الشعافي المتحدث باسم غرفة عمليات بنغازي. وقال المتحدث العسكري الشيخي ان اي قرار بحل الكتائب لا يمكن ان يتخذه الا المؤتمر الوطني العام الذي يتولى زمام الامور في ليبيا حاليا.

وذكر طبيب في مستشفى الجلاء ان 31 شخصا قتلوا واصيب اكثر من 100 في بنغازي ولم تعرف بعد هوية القتلى لكن مصدرا عسكريا قال ان خمسة جنود على الاقل قتلوا. وتزايد الاستياء من الميليشيات منذ حاصرت جماعات مسلحة وزارات في طرابلس لفرض مطالبها. وكان الغضب من الميليشيات في بنغازي تفاقم في سبتمبر ايلول الماضي بعد مقتل السفير الامريكي وثلاثة امريكيين آخرين في هجوم على القنصلية الامريكية بالمدينة.

على صعيد متصل قالت مصادر من المؤتمر الوطني العام في ليبيا ان رئيس الاركان يوسف المنقوش استقال بعد اشتباكات وقعت بين محتجين وميليشيا في مدينة بنغازي بشرق البلاد. وقال ثلاثة أعضاء بالمؤتمر الوطني الذي يتولى زمام الامور في ليبيا حاليا إن المنقوش ابلغ المؤتمر في جلسة مغلقة انه لن يستمر في منصبه وان المؤتمر قبل الاستقالة.

وقال احد الأعضاء "قدم المنقوش استقالته للمؤتمر الوطني الذي قبل الاستقالة". وأكد المصدران الآخران نبأ الاستقالة. وقال ان المؤتمر الوطني اختار سالم الجنيدي نائب المنقوش ليحل مكانه لحين اختيار رئيس جديد للأركان. وعلى مدى اشهر تزايدت التكهنات بشان مصير المنقوش وسط تزايد حدة العنف في البلاد. لكن الحكومة المركزية التي تعاني من ضعف قواتها ولا تستطيع حفظ الأمن في بلد يموج بالسلاح وجدت نفسها مضطرة للتعاون مع بعض الميليشيات القوية أو السماح لها بالعمل للحفاظ على قدر من النظام بينما حلت بعضها الآخر.

نقل مقرات

من جهة اخرى اعلنت الحكومة الليبية انها قررت نقل مقرات اربع شركات عامة، ابرزها المؤسسة الوطنية للنفط، من طرابلس العاصمة الى بنغازي كبرى مدن الشرق الليبي. وقالت الحكومة في مرسوم نشرته على صفحتها على موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي ونشرته الوكالة الرسمية انها قررت "نقل مقار أربع شركات من مدينة طرابلس إلى مدينة بنغازي، في خطوة نحو توزيع المؤسسات الحكومية على مختلف المدن الليبية لتحقيق اللامركزية".

وبحسب المرسوم فان "المكاتب الرئيسية الجديدة للخطوط الجوية الليبية، والشركة الليبية للتأمين، وشركة الاستثمار الوطني، وكذلك المؤسسة الوطنية للنفط التي يوجد مقرها في طرابلس، سوف تقام في بنغازي". وأكد المرسوم وجوب ان تأخذ وزارة النفط "الخطوات اللازمة لتنفيذ القرار". بحسب فرانس برس.

 ونقلت الوكالة عن رئيس الحكومة المؤقتة علي زيدان قوله في مؤتمر إن "نقل المؤسسة الوطنية للنفط إلى بنغازي لم يكن نتاج الضغط من أي جماعة، ولا يعني أن كل الادارات في طرابلس ستغلق". واضاف ان المؤسسة الوطنية للنفط "هي ملك لليبيين وتعمل من أجل ليبيا كلها، وسيكون لها فروع في مختلف المدن". وشدد زيدان على انه "بالنظر إلى كبر حجم ليبيا فإنه إذا لم تتوزع المنظمات والهيئات الحكومية في شتى أنحاء البلاد ، فإن الدولة لن تستقر".

مركز لعبور الارهاب

في السياق ذاته اعلن مسؤول في الاتحاد الافريقي على هامش اجتماع حول منطقة الساحل في وهران (غرب الجزائر) ان ليبيا اصبحت "مركزا كبيرا لعبور" الارهاب مؤكدا ان ذلك "خطير جدا". وقال فرانسيسكو كايتانو خوزيه ماديرا مدير مركز الاتحاد الافريقي لمكافحة الارهاب، لبعض الصحافيين "لدي العديد من التقارير تفيد ان ليبيا اصبحت مركزا كبيرا لعبور اكبر المجموعات الارهابية من بلد الى اخر".

واضاف "لدينا معلومات تفيد ان بعض الارهابيين الذين ينشطون في مالي يعتبرون ليبيا ملجأ ومكانا لإعادة التنظيم" مؤكدا ان "ذلك أصبح خطيرا جدا". وكان الوضع في ليبيا موضع مداخلات كثيرة في الاجتماع الذي يشارك فيه خبراء أفارقة وغربيون ونظم في اطار المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب. وقال ميشال ريفيراند دي مينتون ان "قضية ليبيا تشغل بال الجميع" مؤكدا "انها احد المفاتيح من اجل التوصل الى ارساء الاستقرار في بلدان الساحل". بحسب فرانس برس.

واقترح الاتحاد الاوروبي مشروع تعاون من اجل غلق حدود ليبيا لكن مصادر غربية افادت ان انعدام النظام في ذلك البلد منذ الاطاحة بنظام القذافي نهاية 2011، بلغ حدا "يجعل ذلك صعبا جدا". واكد المسؤول في الاتحاد الافريقي ان "قليلا من بلدان الساحل تستطيع حماية حدودها". واقترح الاتحاد الاوروبي ايضا من ضمن وسائل تفادي سهولة عبور الحدود، تطوير تلك المناطق.

الى جانب ذلك رسم الرئيس التشادي ادريس ديبي في مقابلة مع صحيفة لوفيغارو اليمينية الفرنسية صورة مفزعة عن الوضع في ليبياـ قائلا انها قد "تنفجر في وجوهنا" بسبب تحولها الى قاعدة "الاسلاميين المتطرفين كافة". وقال ديبي "ليبيا على وشك الانفجار. لا املك البتة الحل لكن لا يمكن مشاهدة هذا الوضع وتركه يتفاقم وينفجر في وجوهنا. على المجتمع الدولي ان يساعد السلطات الشرعية في ليبيا".

واضاف رئيس تشاد "جميع الاسلاميين المتطرفين هم اليوم في ليبيا"، مؤكدا ان ليس "لديه ادنى شك" في علاقة هؤلاء الاسلاميين بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي. وتابع ديبي "بالامس لم يكن لديهم (الاسلاميون المتطرفون) ارض، اليوم لديهم ليبيا كلها. بالامس لم تكن لديهم اسلحة اليوم لديهم جميع الاسلحة. لم يعودوا حتى بحاجة لتصنيع عبوات تقليدية. بالامس كانوا يختبئون اما اليوم فانهم يظهرون علنا ويقولون انهم سيفرضون الشريعة في افريقيا".

وقال ايضا "على المجتمع الدولي ان يستفيق لانقاذ ليبيا والا فان ما قمنا به في مالي سيذهب سدى". وتابع "ان الوضع يتفاقم باكثر ما يمكن من السلبية بالنسبة الى ليبيا ولكن ايضا بالنسبة الينا". وقال "للاسف لا ارى في افق السنوات الثلاث او الاربع القادمة استقرارا في ليبيا الا ان حدثت معجزة والارهاب يمكنه ان يضرب حين يريد حتى في تشاد". وكانت قوات تشادية تدخلت الى جانب الجيش الفرنسي وقوات بلدان افريقية اخرى لطرد مجموعات اسلامية متشددة مسلحة كانت سيطرت العام الماضي على شمال مالي.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 6/تموز/2013 - 26/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م