قررت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في المغرب إغلاق أماكن لتحفيظ
القرآن تابعة لجمعية الدعوة إلى القرآن الكريم والسنة التي يتزعمها
الشيخ المغراوي. ذلك بعد رفض المسؤولين في "دور القرآن" الإستجابة إلى
شروط السلطات الوصية على التعليم العتيق وكذا رفضهم الخضوع لبرامج
ومراقبة الجهات المعنية. وفي المقابل يحتج المسؤولون على "دور القرآن"
المغراوية على وزارة الأوقاف بكونهم يقدمون خدمة تحفيظ القرآن محاولين
خلق صورة غير حقيقية حول محاربة الدولة لتحفيظ القرآن؛ الشيء الذي
تكذبه معطيات على أرض الواقع حيث يوجد عدد كبير من مراكز تعليم القرآن
التابعة للوزارة والتي بلغ عددها في مدينة مراكش فقط 346 مركزا يستفيد
منها أكثر من 20 ألف طالب وطالبة.
هناك نماذج يمكن استعراضها تعكس عدم إلتزام "دور القرآن" بتحفيظ
القرآن وتمادي التنظيم المغراوي في نشر خطاب التطرف بين طلبة القرآن
الكريم. الشيء الذي يبرهن على أهمية غلق "دور القرآن" لكونها تجاوزت
موضوع المخالفات الإدارية إلى موضوع أهم وهو موضوع الأمن القومي في
المغرب. في ما يلي عرض لبعض هذه النماذج.
تطبيع الجمهور مع الفكر العنيف
ضمن مساعي مسؤولي جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة لتطبيع الجمهور مع
الفكر المتطرف، يقوم مدرسون وكتاب وشيوخ في هذا التنظيم بالتأصيل للفكر
المتطرف ونشر المبررات التي غالباً ما تكون أدلة نقلية ومراسيل من
الفقه القديم المتجاوز في زمننا وفي بلدنا. وكمثال من عدة يمكن الأخذ
بعين الإعتبار إبراهيم الطالب مدير جريدة السبيل الناطقة بلسان الجمعية
المذكورة، وورقته التضليلية التي عنونها: "علماء المالكية وملوك
العلويين متطرفون وتكفيريون.. فما رأيكم؟" (هسبريس 18 سبتمبر 2012).
ورقة فيها دعوة صريحة إلى ما سماه سنة السلف الصالح في عدة أمور ومنها
قتل تارك الصلاة. وقال أن هذا هوالصواب مستشهداً بنصوص قديمة تتضمن
تكفير تارك الصلاة وإحلال دمه حيث قال : "ومن ترك فرضا أخّر لبقاء ركعة
بسجدتيها من الضروري قُتل بالسيف حدا". وقال كذلك: " وهذا ابن بطال
المالكي يقول في شرح صحيح البخاري: وأجمع العلماء أن من نصب الحرب في
منع فريضة أومنع حق يجب عليه لآدمي أنه يجب قتاله، فإن أبى القتل على
نفسه فدمه هدر. قال ابن القصار: وأما الصلاة فإن مذهب الجماعة أن من
تركها عامدا جاحدا لها فحكمه حكم المرتد يستتاب، فإن تاب وإلا قتل،
وكذلك جحد سائر الفرائض".
وكلام مثل هذا يفهم منه الدور المخملي النشط الذي تقوم به هذه
الجمعية لأجل تطبيع المجتمع مع الفكر المتطرف كتكتيك من الواضح أن هدفه
الإستراتيجي هو إنشاء دولة الخلافة وتطبيق الشريعة بمفهومها الضيق
والمضلل. وكنموذج لتأثير هذا الخطاب على الحياة العامة، يمكن الإعتماد
على ما صدر بعد أقل من شهر واحد من ترويجهم لهذه الورقة عن المحامي
العضو بهيئة القنيطرة عثمان المريني، والذي نقلت عنه جريدة المساء
مطالبته في ندوة نظمتها استئنافية القنيطرة بتبني الشريعة الإسلامية
كخيار استراتيجي لإصلاح القضاء. هذا بالرغم من كون سن القوانين هي
مسألة بيد الجهاز التشريعي وليس القضائي ما يوحي بحالة من الفوضى
والتشويش على دور المؤسسات التي يسببها انحشار الجماعات الدعوية في
أمور بعيدة عن اختصاصها.
وليس بعيداً عن ذلك وفي نفس الفترة الزمنية التي تلت حملة دور
القرآن حول الرجوع إلى الفقه القديم وبموازاة مع حملة الجماعة الخيرية
في القرى النائية نقلت وسائل إعلام محلية نقلاً عن بوبكر أنغير، المنسق
الوطني للعصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان، أن سلفيين دمروا مآثر تاريخية
في إحدى مناطق الأطلس الكبير بوصفها وثنية يجب التخلص منها. فلا يعقل
أن يحدث كل هذا في نفس الظرف الزمني دون قراءته على نحو سعي جماعة
المغراوي بعد إقرار الدستور الجديد وإعادة فتح المقرات إلى البدء في
مشروعها المتطرف.
تكفير المجتمع وشيطنة الدولة
تشتمل المكتبة المسموعة في موقع "دور القرآن" على محاضرات يلقيها
شيوخ على حفظة القرآن الكريم لتسجل وتنشر على الشبكة العنكبوتية. إذا
ما قرأنا تحليلياً مضامين المحاضرات فإننا نجد إنحرافاً خطيراً عما
يدعيه المشرفون على "دور القرآن" من كونهم يحفظون كتاب الله وينشرون
ثقافة المواطنة والسلم الأهلي. وكمثال على ذلك، يمكن الإعتماد على
محاضرة من مكتبة الموقع المسموعة جاءت تحت عنوان "قتل الغيرة على دين
الله" القاها الشيخ يوسف الصولي، صنفت تحت "دروس متنوعة" من سلسلة
الدروس والمحاضرات المفردة. نقتبس من هذه المحاضرة بعض التعبيرات
الخطيرة الصادرة عن الشيخ الصولي كما يلي، مع ملاحظة تعريب بعض مقاطع
الدارجة المغربية وتجاوز التكرار:
الدقيقة 10: " نحن فينا ومنا وفي نفس البيت قد تجد من يصلي ومن لا
يصلي. قد تجد معه (أي مع الواحد منا) أخت أوأم أو بنت متبرجة.. ربما
تبيع وتشتري في جسدها -أعز الله الحاضرات الطيبات- (..) هل الناس لما
تلتقي اليوم وغداً بالليل والنهار هل هذا لا يؤثر على الإنسان؟ الإنسان
يتأثر والبيئة التي كبر فيها لا شك أنها تترك بصمات راسخة.. المجتمع
يفرض علينا النفاق الذي ليس وليد اليوم.. لوكانت بلد الإسلام، مستحيل
أن تجد فيها حاناً أو مرقصاً.. لا شك أن الذي وراء هذا هي أيادي الكفر
الخبيثة.. ".
الدقيقة 12: "لا يمكن للكفار أن يأتوا لينتزعوا من المسلمين
الإسلام، انهم ينتزعونه عن طريق إنتزاع الغيرة منهم وهناك مليون ألف
طريقة لذهاب الغيرة عن اصحابها. انها تذهب بالتلفزة، انها تذهب
بالتعليم، انها تذهب بالإعلام (..) لما نرى اليوم منكراً في الشارع
هناك من ينكره بفمه، في المستقبل سنألفه ولن نقول شيئاً وننتقل من موقع
الهجوم إلى موقع الدفاع حتى يصبح الشر يهاجمك في شخصك.. في زوجك.. في
أولادك.. في محلك لأنه قادم من المدرسة (..)".
إن الذي يستنتج من كلام الشيخ الصولي هو حرصه على تنفير الشباب
والشابات من الحياة المجتمعية الطبيعية. فتجده يهول من واقع التفاعل
حتى مع الأهل ناهيك عن المجتمع، بحكم وجود متبرجات أو كفرة مثل تاركي
الصلاة كما هو معلوم لدى أدبيات الجماعة. فعوض نشر ثقافة إحترام قناعات
وظروف الآخر تجده يحرض على مقاطعة الآخر بما يهدد تفكيك الأسرة التي هي
نواة المجتمع وتقسيمها. كما أن كلامه عن استهداف السياسة التعليمية في
المغرب والسياسة الإعلامية لقتل غيرة المسلم يعد تهديداً لروح المواطنة
وتشكيكاً في دولة المؤسسات التي اتهمها بكونها تحركها أيادي الكفر
الخبيثة. ولعل نشر مؤسسة تعليمية من جنس "دور القرآن" لثقافة شيطنة
السياسة التعليمية في المغرب هو بمثابة محاولة فاشلة من جمعية الدعوة
إلى القرآن والسنة لخلق مدارس على النحو الطالباني يتدفق عليها
الهاربون من الظلمات إلى النور فيكبر دورها في المستقبل على أمل أن
تلعب دوراً سياسياً عن طريق فرض الأمر الواقع. أما تخويف الناس من مغبة
عدم تغيير المنكر وتحولهم إلى ضحايا لشر يقتحمهم في البيت والمحل ويطال
الزوجة والأطفال فإن فيه محاولة للتقليل من شأن المؤسسات والقوانين
المنظمة، ودعوة إلى العامة إلى الدخول في سلوكيات من شأنها زعزعة
الإستقرار والمساس بالسلم الأهلي.
إستغلال الدين لأهداف سياسية
إعترف حماد القباج الناطق الرسمي بإسم "دور القرآن " في تسجيل مصور
نشره موقع "لكم" الإخباري (1 يوليوز 2013) بإرساله مذكرةً لأجل فتح باب
الجهاد في سوريا إلى رئيس الحكومة عبد الإلاه بن كيران، وذلك بعدما دعت
مجموعة من رجال الدين الأجانب إلى ذلك في ما بات يعرف ب"مؤتمر
القاهرة". ومعلوم أن كل ما يتعلق بالسياسة الخارجية للدولة المغربية
هومن إختصاص الجهات السياسية المعنية بتشخيص المصلحة القومية للمغرب،
وتسهر على تنفيذها الديبلوماسية المغربية في منأً عن السجالات الدينية
والعرقية والمذهبية. ومعلوم كذلك أنه في المغرب لا يسمح لأي جهة سواء
كانت حزباً أو جمعية أو إتحاداً بأن يتم بها أومن خلالها إستغلال الدين
من أجل أهداف سياسية. فهاهو الشخص الثاني من مسؤولي جماعة دور القرآن
والمتحدث الرسمي بإسمها يستورد فتاوي دينية أجنبية ويحاول توظيفها في
حقل السياسة الخارجية للمغرب. ولولا إجتهاد السلطات المعنية لجعلت مثل
هذه الجمعيات عدداً كبيراً من الشباب المغربي قوافل جهادية تصدر إلى
مختلف مناطق العالم. ولم يكتف الشيخ القباج بهذا بل طالب من منطلقه
الديني ووظيفته الدينية الموسومة بالعناية بالكتاب والسنة حزب العدالة
والتنمية لكي ينسحب من الحكومة. فالأمر لا يتعلق بمواطن عادي يعبر عن
امله في إنسحاب حزب ما بناء على اداء الحكومة، ولا يتعلق بصحفي أو ناقد
أو رجل دين يعبر عن رأيه، انما الأمر هنا يعكس إستغلال جمعية دينية
تقول أنها تقوم بتحفيظ كتاب الله للدين من أجل التأثير في السياسة
الخارجية والداخلية.
في الختام
لقد اقتصرت في هذه الورقة على ثلاث نماذج من مسؤولي دور القرآن وهم
مدير الجريدة الناطقة بإسم الجماعة والناطق الرسمي وأحد كبار الشيوخ
المدرسين. لقد تجنبت ذكر ما تحتويه منتديات دور القرآن على الصفحات
الإلكترونية من تحريض صريح على الإرهاب وتمجيد له. كما انني تجنبت
الحديث عن زعيم الجماعة الشيخ المغراوي وتحريضه على هدم الآثار
الإنسانية في المغرب وتكفير جل المغاربة بسبب قدم المواد الموجودة. لكن
ما عرضناه من دعوات حديثة من مسؤولي "دور القرآن" لتبني الفكر العنيف
وتكفير المغاربة وشيطنة الدولة وإستغلال الدين لمآرب سياسية كاف لتبرير
ضرورة إنهاء وجود مثل هذه الدور في المغرب. |