اسباب فشل استراتيجية الطائرات بلا طيار

حاتم حميد محسن

 

لم تتمكن الطائرات بلا طيار من هزيمة القاعدة وهي ربما تخلق اعداءاً لدودين يتدفقون من بحر من العصابات المحلية. إعتماد هذا النوع من الطائرات كاستراتيجية للولايات المتحدة في مكافحة الارهاب سيكون خطأ.

ان ادارة اوباما لديها الثقة بالطائرات بلا طيار لسبب بسيط: وهو انها تعمل بنجاح. ضربات هذه الطائرات حطمت القاعدة بتكاليف قليلة، وبلا مخاطرة للقوات الامريكية، وبأقل عدد ممكن من الضحايا المدنيين مقارنةً بما تسببهُ الطرق الهجومية الاخرى.

وكأي من الاسلحة الاخرى، يمكن للطائرات بلا طيار ان تكون مفيدة تكتيكياً. لكن هل انها تساعد في تطوير الاهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة الخاصة بمكافحة الارهاب؟ رغم ان الارهاب هو تكتيك، لكنه يمكن ان ينجح على المستوى الاستراتيجي فقط، في حالة إستغلال حدث مروع لهدف سياسي. ولكي تكون مكافحة الارهاب ذاتها فعّالة، يجب ان تستجيب باستراتيجية متماسكة. مشكلة واشنطن اليوم هي ان برنامج الطائرات بلا طيار قد تجاوز الاهداف التي وُضعت له، الى المدى الذي اصبحت به التكتيكات هي التي تقود الاستراتيجية بدلاً من العكس.

ان الاهداف الرئيسية للولايات المتحدة في مكافحة الارهاب هي ثلاثة: الهزيمة الاستراتيجية للقاعدة والجماعات المرتبطة بها، إحتواء الصراعات المحلية كي لا تغذي اعداءاً جدد، والمحافظة على أمن الشعب الامريكي. الطائرات بلا طيار لا تخدم اي من تلك الاهداف. ورغم انها يمكنها حماية الامريكيين من الهجمات في المدى القصير، الاّ انها لا تساعد في هزيمة القاعدة، ولا في تحقيق اي من الاهداف الاخرى.

ضربات الطائرات بلا طيار لم تؤد فقط الى استمرار بروبوغندا القاعدة دون انقطاع وانما هي ساهمت وبشكل كبير في تعزيزها.

مرونة القاعدة

منذ 11 سبتمبر 2001، سعت الولايات المتحدة الى إنهاء القاعدة- ليس فقط بإعاقة تقدمها تكتيكيا، وهو ما قامت به الطائرات بلا طيار، وانما ايضا الى إلحاق الهزيمة بها كليا. المنظمات الارهابية قد تواجه موتها بطرق مختلفة، وقتل قادتها هو بالتأكيد احد تلك الطرق.

 (ابو سياف) وهي جماعة اسلامية انفصالية في الفلبين فقدت مركزها السياسي، وانقسمت الى عدة أجنحة واصبحت منظمة اجرامية هامشية بعد ان قتل الجيش قادتها في عام 2006 و2007. وفي حالات اخرى، بما فيها جماعة الدرب المضيء في بيرو وجماعة الفعل المباشر في فرنسا، كان للاعتقال المذل للقائد اكثر فاعلية. عبر اعتقال القائد الارهابي يمكن للدول تجنّب خلق نموذج الشهيد البطل وستضع يدها على معلومات استخبارية قيمة بالاضافة الى تحطيم معنويات الخصم وتشويه قضيته الشعبية.

وبالرغم من الدعوات الاخيرة لإدارة اوباما للحد من هجمات الطائرات بلا طيار، الاّ ان واشنطن لا تزال تستخدمها في محاولة لهزيمة القاعدة عبر قتل قيادتها. لكن الجماعات الارهابية التي دُمرت بالقصف من الاعلى لا تشبه القاعدة: تلك الجماعات كانت منظّمة هيراركيا وتتميز بعبادة الشخصية وعمرها لا يزيد عن عشر سنوات وهي ليست لديها خطة واضحة لسد الفراغ في القيادة. اما القاعدة هي عكس ذلك، جماعة مرنة ومنظمة منذ 25 سنة وذات شبكة واسعة من نقاط التمركز. الجماعة لم تكن ابداً معتمدةً فرديا على قيادة اسامة بن لادن وهي اثبتت براعتها في استبدال من يسقط من قادتها في القتال.

لا ننكر ان الطائرات بلا طيار ألحقت أضراراً جسيمة في المنظمة، في باكستان ادّى ما يقارب 350 هجوم منذ عام 2004 الى خفض عدد القادة الميدانيين للقاعدة في المناطق الريفية بمقدار 75%، كرد فعّال لهجوم سبتمبر 2001 الذي خططت له القاعدة من هناك. وعندما انتقل مركز جاذبية القاعدة من باكستان الى اليمن وشمال افريقيا، فان هجمات الطائرات تلك لاحقت الارهابيين الى هناك. في سبتمبر 2011، قدّر (Michael Vickers) وكيل وزارة الدفاع الامريكية للاستخبارات بان هناك اربعة قادة كبار للقاعدة متمركزون في باكستان وحوالي 10 او 20 قائد يقيمون في باكستان والصومال واليمن.

الطائرات بلا طيار خفضت ايضا المستوى الكلي للعنف في المناطق التي ضربتها. العالمان السياسيان (باتريك جونستون) و (انوب سارباي) وجدا مؤخرا ان ضربات الطائرات بلا طيار في شمال غرب باكستان بين 2007 و2011 ادت الى انخفاض في عدد وشدة الهجمات العسكرية للمسلحين في المناطق الريفية التي جرت فيها تلك الضربات. مثل هذه الهجمات عادة تقود المسلحين للانتقال الى مكان آخر، لكن ذلك له قيمة بذاته.

 في الواقع، ان تهديد الطائرات بلا طيار أجبر نشطاء القاعدة والمرتبطين بها على تغيير سلوكهم، واصبحوا منشغلين بالبقاء وأضعف قدراتهم في الحركة والتخطيط للعمليات ونقلها للخارج. المقاتلون اثبتوا بشكل واضح قدرتهم على التكيف: في وثيقة عُثر عليها في شباط عام 2013 لدى مقاتل اسلامي هارب من مالي احتوت معلومات مفصلة لـ 22 نصيحة لتجنب هجمات الطائرات بلا طيار، تتضمن استخدام الاشجار كأغطية ووضع الدمى والتماثيل في الخارج للتشويش على استخبارات الطائرات وتغطية العربات بنسيج من القش. مع ذلك، فان التهديد بالموت الفوري من الاعلى جعل تجنيد المسلحين اكثر صعوبة ومنع النشطاء من تأسيس علاقات وثيقة مع السكان المحليين الذين هم ايضا يخشون من القتل.

لكن تلك الفوائد تنتهي عند هذا الحد، هناك عدة اسباب للاعتقاد ان هجمات الطائرات من بُعد تقوّض أهداف واشنطن في تحطيم القاعدة. القتل الهادف لم يُحبط مقدرة القاعدة على استبدال قادتها بآخرين. ولا هو أضعف جهودها الدعائية او مقدرتها على استقطاب مقاتلين جدد. وحتى لو اصبحت القاعدة اقل عنفاً وكفاءةً فان حملة علاقاتها العامة لا تزال تسمح لها بالوصول الى المناصرين المحتملين، والتخطيط واستهداف ضحايا جدد. اذا كانت مقدرة القاعدة في إدامة رسالتها مستمرة، فان قتل اعضائها سوف لن يساعد في تحقيق الهدف البعيد المدى بإنهاء المنظمة.

بروبوغندا القاعدة

(سحاب) وهو الفرع الدعائي للقاعدة كان قادراً على استقطاب الموارد والافراد عبر نقل لقطات من الهجمات الجوية، حيث يصف تلك الهجمات بالعنف العشوائي ضد المسلمين. القاعدة تستخدم الهجمات من فوق حتى تلك التي لم يسقط فيها ضحايا مدنيين لإتهام الامريكيين بعدم الاخلاقية حين يهتمون بالناس العاديين اقل مما تهتم بهم القاعدة. (سحاب) يطلق دائما على قتلى القاعدة بالشهداء. انه من السهل قتل ارهابي منفرد بهجوم من فوق، ولكن وجود المنظمة على الانترنيت بقي مستمراً.

ان الطريقة الأكثر فاعلية في هزيمة القاعدة هي في تحطيم سمعتها الشعبية باستراتيجية سياسية تهدف الى إحداث الانقسامات بين اتباعها. ان القاعدة ومختلف حلفائها لم يشكلوا منظمة قوية وموحدة. مختلف الفصائل ضمن الحركة لا يوافقون على الاهداف البعيدة المدى والتكتيكات القصيرة الاجل، بما فيها مدى مقبولية تنفيذ هجمات انتحارية او قتل مسلمين آخرين، وان زخم العنف الجهادي بلغ اسوأ حالاته في دول غالبيتها اسلامية. حوالي 85% من الذين قتلتهم القاعدة كانوا مسلمين، وهي الحقيقة التي تثير الاشمئزاز بين انصارها المحتملين.

ان الولايات المتحدة يجب ان تستثمر التناقضات هذه. في الواقع، لا توجد هناك مساواة بين عنف القاعدة وهجمات الولايات المتحدة من فوق. في ظل ادارة اوباما سعت الطائرات من الاعلى الى تجنّب ايقاع ضحايا بين المدنيين بينما القاعدة استهدفتهم خصيصا. لكن السرية السخيفة لبرنامج واشنطن في الطائرات الموجهة عن بُعد دعا النقاد للادّعاء بان الضربات هي فتاكة واقل تمييزاً بين المدنيين. ومهما كانت الحقيقة، فان الولايات المتحدة تخسر حرب التوقعات التي هي عنصر اساسي في اي حملة مضادة للارهاب.

ان واشنطن تجازف بتحويل الجهاديين المحليين غير المؤذين نسبيا الى منظمات اكثر قوةً وتلهفاً لإستقطاب مسلحين جدد. ومنذ عام 2010 فصاعداً وسّعت هجمات الطائرات الامريكية مجالها واصبحت تستهدف قادة القاعدة وانصارها بالاضافة الى عدد من أعضاء طالبان والعصابات في اليمن. ان واشنطن حين تستخدم هذه الضربات انما تستهدف اناساً لا تميز هوياتهم وانما فقط لأنهم يتصرفون كالمسلحين في المناطق الخاضعة للعصابات. الضربات تنتهي بقتل أعداء الجيش الباكستاني والصومالي واليمني الذين لا يهددون الولايات المتحدة اطلاقا. وما هو اسوأ، بما ان اهداف هذه الضربات شديدة المطاطية، فهي من المحتم ستقتل بعض المدنيين. في حزيران من عام 2011 ادّعى (جون برينان) احد كبار مستشاري اوباما لمكافحة الارهاب في ذلك الوقت بعدم حصول حالة موت واحدة من تلك الهجمات السابقة – وهي سذاجة متكلفة اضرّت كثيراً بمصداقية الولايات المتحدة.

ان حملة الطائرات تحولت نتيجة لذلك الى قمع من بُعد: التطبيق المباشر للقوة الغاشمة من قبل الدولة، بدلاً من ان تكون محاولة للتعامل مع هجوم مخطط للحركة الارهابية. القمع قضى على الجماعات الارهابية في الارجنتين والبرازيل وبيرو وروسيا القيصرية ولكن في جميع تلك الحالات، اضعفت تلك الهجمات بشدة من شرعية الحكومة. القمع مكلف ليس فقط للضحايا ويصعب على الديمقراطيات الابقاء عليه بمرور الزمن. انه يعمل جيداً في الاماكن التي يمكن فيها فصل أعضاء الجماعات بسهولة عن عامة السكان، وهو ما لم يحصل في معظم اهداف الغارات الامريكية. القمع العسكري عادة يؤدي الى نشر العنف للدول المجاورة وهو ما يفسر جزئيا تمدد القاعدة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا فضلا عن القوقاز.

الابقاء على الطابع المحلي للصراعات المحلية

ان الهزيمة التامة للقاعدة تتطلب ان يكون الهدف الاستراتيجي الأعلى للولايات المتحدة في مكافحة الارهاب هو منع المقاتلين في منطقة الصراع من التنسيق والتحالف مع الحركة الارهابية في الخارج واستهداف الولايات المتحدة وحلفائها. الاستراتيجيون العسكريون يشيرون الى هذا الهدف بـ "وقاية الاعداء"، او محاولة ابقاء عدد الخصوم في ادنى حد.

ان الجهادية العنفية وُجدت قبل 11 سبتمبر بوقت طويل وسوف تستمر بعد انتهاء حرب امريكا على الارهاب. ان أفضل طريقة للولايات المتحدة لمنع أحداث مستقبلية للارهاب الدولي على ترابها هي ان تتأكد من ان المقاتلين المحليين يبقون محليين، وتقلل من قدرتهم على التحالف وان تستخدم تدخلات قصيرة الاجل مثل الاستخدام المحدود للطائرات من بُعد، بانتقائية وبشفافية فقط ضد اولئك الذي يستهدفون فعلاً الولايات المتحدة.

ان المشكلة هي ان الولايات المتحدة يمكنها تبرير هجوم على اي فرد او مجموعة لها ارتباط واضح بالقاعدة. واشنطن تفضل شل اي شبكة عسكرية قوية محتملة، لكنها تجازف في تحويل الجماعات الجهادية المحلية غير المؤذية نسبيا الى منظمات قوية لها متطوعين متحمسين. لو ان القاعدة اصبحت تضم تجمعاً هائلاً من المسلحين المحليين والاقليميين، فان الولايات المتحدة يجب عليها ان تسمح لاولئك المنخرطين مباشرة في الصراعات ان يقرروا النتيجة، وتُبقي نفسها بعيداً، وتوفر المصادر فقط لتخلق توازن مع التمويل المعروض للخلايا الراديكالية وتركز على حماية ارض الوطن.

عقب 11 سبتمبر 2001، أعلنت امريكا الحرب على الارهاب بموجب تفويض الكونغرس باستخدام القوة رداً على الدول والمنظمات او الافراد المسؤولين عن الهجوم. اسم "القاعدة" الذي لم يظهر في التفويض، بقي منذ ذلك الوقت مصطلحاً سيء التعريف، استخدمهُ قادة الارهاب بمطاطية، وكذلك ضباط مكافحة الارهاب، والنقاد الغربيين ايضا في وصف تحول الحركة. الغموض في المصطلح الامريكي آنذاك كان متعمداً: التفويض صيغ بعبارات لتجنب المشكلة القديمة للجماعات الارهابية في تغيير اسمائها للتهرب من عقوبات الولايات المتحدة. لكن واشنطن الآن تجد نفسها في معركة دائمة مع عدو هلامي مبعثر جغرافيا، عدو له ارتباط هامشي متزايد مع متآمري 11 سبتمبر. في هذا الصراع اللا متناهي، تجازف الولايات المتحدة بمضاعفة أعدائها وزيادة حوافزهم لمهاجمة البلاد.

كون القاعدة خصماً متحولاً هو الذي جعل الطائرات بلا طيار عملاً مغرياً جدا. العولمة أعطت الارهابيين حيزاً عالميا للحركة وان واشنطن تريد تحطيم العناصر الجديدة في هذه الشبكات قبل ان تتمكن من التخطيط لمهاجمة امريكا. صناع السياسة يعتقدون كما يبدو ان قتل المقاتلين قبل ان يستهدفوا الارض الامريكية هو افضل من غزو بلد آخر بعد الهجوم. نشطاء القاعدة كانوا يحاولون الاستفادة من الاوضاع غير المستقرة في ليبيا ومالي واليمن وعلى الاخص في سوريا. استخدام الطائرات ربما يسمح لواشنطن بمنع الجهاديين من تغيير ميزان القوى في اماكن حساسة.

المسؤولون الامريكيون يدّعون ايضا ان الطائرات منعت او شلت هجمات ارهابية محددة عديدة ربما تتسبب بكوارث امريكية. هذه الادعاءات رغم انها بديهية لكنها يصعب اثبات صحتها. انظر الى قاعدة اليمن في الجزيرة العربية، وهي المصدر لعدة محاولات هجوم ضد الولايات المتحدة. في عام 2009، حاول ارهابي تفجير قنبلة مخفية في ملابسه في طائرة يوم اعياد المسيح كان مرتبطا بالقاعدة في الجزيرة العربية، وكذلك جرت في اكتوبر عام 2010 محاولة تفجير قنبلة مخفية في حبر طباعة على متن طائرتي شحن امركيتين. الطائرات بلا طيار في اليمن استجابت مباشرة لهذه الاخطار وقللت من احتمال خطر مشابه يظهر في المستقبل.

لكن التهديدات الاخرى للولايات المتحدة هي في الحقيقة انتشرت بفعل الغضب من هجمات الطائرات. (فيصل شاهزاد) وهو مواطن امريكي متجنس حاول ان يفجر ساحة التايمز في شهر مايو 2010 بتحميل سيارة بمواد متفجرة. شاهزاد وهو محلل مالي متزوج لم يكن ارهابيا محتملا. وعند حضوره في المحكمة كمذنب هو أفصح عن غضبه تجاه سياسة الولايات المتحدة نحو الدول الاسلامية خاصة هجمات الطائرات بلا طيار على بلده الاصل باكستان.

في الحقيقة، الموقف في باكستان يُظهر ان هجمات الطائرات هي السبب الواضح في العداء المتزايد للولايات المتحدة. وطبقا لاستبيان Pew Global عام 2012 وُجد فقط 17% من الباكستانيين المشتركين في الاستفتاء وافقوا على هجمات الطائرات الامريكية ضد قادة الجماعات المتطرفة، حتى لو جرت بالاشتراك مع الحكومة الباكستانية. الباكستانيون ليسوا وحدهم من رفض الهجمات: الغالبية الواسعة من الناس المستجوبين عالميا عام 2012 اشاروا الى معارضة قوية لغارات الطائرات الامريكية. المعارضة كانت اقوى في الدول ذات الغالبية المسلمة بما في ذلك الحلف التقليدي للولايات المتحدة حيث بلغت نسبة المعارضين في تركيا (81%)، وفي الأردن (85%)، وفي مصر (89%). الاوربيون معظمهم غير سعداء بتلك الحملات: من بين منْ استُفتوا عام 2012 كان 51% من البولنديين، 59% من المانيا، 63% من فرنسا، 76% من اسبانيا، 90% من اليونانيين اعلنوا معارضتهم الكاملة لقصف الطائرات. المسؤولون في واشنطن ادّعوا ان هذه المواقف الشعبية لا تهم طالما مسؤولو الحكومات في كل هذه الدول يحسدون سرا القدرات الامريكية. ولكن لا استراتيجية لمكافحة الارهاب يمكن ان تنجح دون دعم شعبي.

ذلك بسبب ان العنصر الحاسم في نجاح الولايات المتحدة في مكافحة الارهاب هو التعاون الوثيق مع حلفائها في قضايا تمويل الارهاب وتسليم الارهابيين المشكوك فيهم وما هو اهم تبادل المعلومات الاستخبارية الهامة.

في عام 2008 استلم اوباما الحكم بوعد الحفاظ على سمعة الولايات المتحدة في الخارج. لكن ادارته الاحادية ونقص الشفافية في استهداف القتل انما أضعف العلاقات التي بُنيت بعناء في العقد الماضي خاصة مع باكستان واليمن. هذا يقلل من احتمال تعاون الحلفاء مع واشنطن ويزيد فرص تنفيذ هجمات ارهابية ضد امريكا.

بالطبع، لو ان الهجمات اوقفت فعلا هجوماً آخر على غرار هجوم سبتمبر فهي ربما تزيل كل الغضب الدولي. ولكن الشيء المؤكد الوحيد الذي تقوم به واشنطن في هجماتها الآن هو خفض التعاون الدولي مع الولايات المتحدة وتنفير السكان المحليين. كل هذا في محاولة منع ما يستحيل منعه: خلية صغيرة من الجهاديين المتشددين تحاول تنفيذ هجوم ثانوي على تراب الولايات المتحدة. ذلك كان واضحا جدا بالتفجير المأساوي لساحة ماراثون في ابريل.

ان التأثير البعيد المدى لهجمات الطائرات بلا طيار هو ان تهديد القاعدة سيستمر بالانتشار. هناك عدد من الجماعات ذات التاريخ الطويل من التهميش وعدم المساواة تدّعي الآن ارتباطها بالقاعدة بضمنها القاعدة في الجزيرة العربية والقاعدة في المغرب الاسلامي والقاعدة في العراق والشباب في الصومال وبوكو حرام في نيجيريا. انتشار الجماعات الارهابية نتج عن حملات القمع والقصف. اغتيال روسيا لقادة الشيشان بين 2002 و 2006 غيّر الصراع في الشيشان من عصابات انفصالية الى حركة راديكالية واسعة في القوقاز. الروس قتلوا عمليا كل القادة الشيشانيين الكبار وحوّلوا كروزني الى ركام وأخضعوا الشيشان بقوة تحت القبضة الروسية. الحملة نجحت. لكن العنف انتشر الى المناطق المجاورة في داغستان وانغوشيا وشمال اوستيا. اولئك الذين ادّعوا ان الولايات المتحدة يجب ان تستمر في الهجمات هم ذاتهم حذّروا من انتشار القاعدة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا. هم بحاجة الى دراسة ما اذا كانت الهجمات تساهم في هذه الديناميكية.

باختصار، ان الهجمات تقتل النشطاء المتلهفين لمهاجمة امريكا اليوم او غدا. ولكنها ايضا تزيد احتمال الهجمات في المدى البعيد عبر الاستياء العميق لدى الناس المحليين واثارة الرغبة بالانتقام.

فقدان الأمن في ارض الوطن

بالرغم من انتهاء الحرب في العراق وافغانستان لا تزال واشنطن تريد نقل القتال الى العدو. هذا جعل الطائرات بلا طيار والقوات الخاصة هما الوسيلة المفضلة للولايات المتحدة في الوقت الحاضر. حماية الامريكيين من الارهاب ربما تتطلب عملا استباقيا مبكرا، والعمل الاستباقي يعني الضرب قبل التأكد من وجود تهديد وشيك.

وفي ضوء طبيعة الهجمات الارهابية المثيرة للصدمة، فان سياسة الولايات المتحدة في مكافحة الارهاب لا تعتمد فقط على مقاييس موضوعية للفاعلية وانما ايضا على الرأي العام. وان الجمهور الامريكي يطالب بصفر من المخاطرة خاصة من هجوم ارهابي في الداخل. بهذا المعنى، فان هجمات الطائرات تقدّم سياسة مثالية لمكافحة الارهاب، سياسة مستفتاة، رخيصة الكلفة، فعالة ظاهريا، وبعيدة المدى.

من الصعب جدا الجزم بمدى مساهمة الضربات في تحقيق الأمن، لكن المسؤولين الامريكيين الكبار لديهم كل الاسباب للاعتقاد ان الهجمات تعمل جيدا.

الاستطلاعات التي أجرتها الـ CNN عام 2010 اشارت الى ان خوف الامريكيين من وقوع هجوم ارهابي عاد الى مستويات عام 2002. 55% من الذين استُجوبوا قالوا ان هجوماً ارهابياً يحتمل حدوثه ضد امريكا في غضون اسابيع، بزيادة 21% عن شهر آب 2009. وفي 2011 اشار استبيان آخر الى ان 61% من الامريكيين شعروا بمقدرة الارهابيين على شن هجوم آخر كبير على امريكا بنفس حجم هجوم 2001 او أشد قوةً.

في مثل هذه البيئة يصبح من المعقول ان يختار الامريكيون والسياسيون الهجمات بالطائرات من بُعد. لكن تلك الهجمات تُضعف الاهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة بنفس المقدار الذي تطورها. السبب الاول، ان تخصيص نسبة كبيرة من الموارد العسكرية والاستخبارية الامريكية لحملة الطائرات الموجهة تحمل معها كلفة فرصة. القوة الجوية الامريكية دربت 350 كابتن طائرة بدون طيار عام 2011 مقارنة ب 250 كابتن للمقاتلات التقليدية والقاذفات في نفس السنة. هناك 16 طائرة بدون طيار تعمل وتدرب في مواقع عبر الولايات المتحدة، والطائرة السابعة عشرة يُخطط لها. وهناك ايضا 12 قاعدة امريكية للطائرات بدون طيار تتركز في الخارج، عادة في مناطق حساسة سياسيا. في عصر التقشف، وانفاق المزيد من الوقت والنقود على الطائرات يعني انفاق القليل على القدرات الاخرى- والطائرات بلا طيار لا تتلائم جيدا مع تهديدات محددة تبرز في ظروف معينة.

ونظرا لسهولة اسقاطها فهي تتطلب أجواءاً صافية تعمل فيها وستكون تقريبا بلا جدوى ضد بعض الخصوم مثل ايران وشمال كوريا. هي ايضا تعتمد كثيراً على اتصالات الانترنيت التي هي شديدة الحساسية دائماً. ولو اخذنا بالاعتبار نسبة ارتطامها العالية ومتطلبات الصيانة المكثفة فهي تبدو ليست اكثر فاعلية من حيث الكلفة مقارنة بالمقاتلات التقليدية.

المشكلة الاخرى ان الطائرات بلا طيار تدمر ادلة ثمينة يمكن ان تجعل مكافحة الارهاب انيقة واكثر فاعلية. حينما تقتل امريكا الارهابي فهي تخسر فرصة العثور على ما يخطط له، كيف ومع من. هجمات الطائرات تعيق امكانية اعتقال من تستهدفهم وبالتالي تحول دون أهم وسائل إضعاف الجماعات الارهابية.

يجب ملاحظة ان التطور الأهم في مكافحة الارهاب – قتل بن لادن- لم يكن نتيجة قصف الطائرات بلا طيار وانما كان بفعل انسان. وبالتالي فان الحصيلة الاهم لتلك العمليات ليست قتل بن لادن ذاته وانما الكنز الاستخباراتي الثمين الذي تركه. الطائرات لا تستطيع الامساك بأشرطة الكومبيوتر او بالهيكل التنظيمي او الخطط الاستراتيجية او المراسلات السرية، وان فعاليتها التكتيكية تعتمد كليا على مقدرة الانسان الاستخبارية على الارض. صحيح قتل الارهابيين يجعل امريكا آمنة لكن استجوابهم يحقق ذات الهدف، وقصف الطائرات يجعل ذلك الهدف مستحيلا.

اخيراً، الحملات التي تقودها الطائرات بلا طيار تخلق تحديا جوهريا لقانون الامن القومي الامريكي كما حصل بعد قتل اربعة امريكيين في هجوم في اليمن. سلطة الرئيس الامريكي في حماية امريكا لا تبطل الحماية الدستورية للفرد. هناك قوائم مستهدفة بالقتل بضمنها امريكيين وهو موقف ليس فقط ملتبس قانونا وانما ايضا غير حكيم استراتيجيا.

تجاوز البعيد

ان حالة التناقض الناجمة عن حاجة الامريكيين للحماية التامة في الداخل دون التورط بعمل عسكري باهض الثمن في الخارج دفع الى استخدام التكنلوجيا واعتماد اتجاها تكتيكيا في حرب الطائرات الموجهة. لكنه من غير الحكمة تبني اي من الخيارين في تقرير الاستراتيجية.

ان المشكلة ليست في استبدال الكابتن البشري بأجهزة التحكم عن بعد، بل ان السهولة التي استُعملت بها الطائرات سمحت للمكاسب القصيرة الاجل تطغي على المخاطر البعيدة المدى.

القصف من الاعلى يجب ان يكون مبرراً قانونا وشفافاً ونادر الحدوث. واشنطن تحتاج لتؤسس وتوضح امام الناس الاطار القانوني والاخلاقي لاستعمال تلك الطائرات وتتأكد انها جزء من ستراتيجية سياسية طويلة الامد في إضعاف أعداء الولايات المتحدة. حينما يصبح ميدان هذه الطائرات في باكستان والصومال واليمن فان الولايات المتحدة تخاطر في تشجيع خصومها كالصين وايران وروسيا بتسمية الولايات المتحدة كدولة ارهابية وسيتابعونها وراء الحدود. ولو حدث ذلك- لو ان مكافحة الارهاب بالطائرات الموجهة تنتهي الى حروب مزعزعة للاستقرار العالمي – عندئذ ستكون القاعدة اقل قلقاً من الولايات المتحدة.

.............................................

* نقلاً عن الشؤون الخارجية Foreign Affairs، العدد الحالي لشهري تموز/آب 2013.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 3/تموز/2013 - 23/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م