تدريب الشباب على مهمات الربيع العربي

صالح الطائي

 

لا أغالي إذا ما قلت أن مخطط ما يعرف بـ(الربيع العربي) المشبوه؛ كان قد بدأ في أفغانستان بالتعاون بين أمريكا والدول الرجعية العربية بحجة إخراج قوات الاتحاد السوفيتي الغازية (الكافرة) من هذا البلد، حيث وضعت أمريكا الأفكار والخطط وآليات العمل لتمكين حكومة (العصبة السرية) البدء بمرحلة جديدة من مراحل الهيمنة على العالم، وقد أوكلت مهمة التنفيذ والتجهيز والتمويل إلى السعودية ممثلة بحركة السلفيين والوهابيين، حيث كانت الفكرة تقوم على تفويج مجاميع من الشباب العربي من السعودية والإمارات والكويت وتدريبهم على حرب العصابات واستخدام الأسلحة والصبر على شظف العيش والمطاولة ورؤية الدماء والموت من خلال الممارسة العملية الميدانية؛ بمباركة تامة ودعم لوجستي وفكري من الإدارة الأمريكية ليس دفاعا عن الإسلام في أفغانستان ولا عداء للسوفيت وإنما خدمة لمشروعها المستقبلي في قيادة العالم.

وفعلا قام المال والإعلام والإفتاء السعودي الوهابي بتجنيد مجاميع كبيرة من الشباب العربي المسلم من اغلب البلدان العربية تحت يافطة (الجهاد) وأرسلهم إلى كابول وهم الذين عرفوا باسم (المجاهدين الأفغان)، قامت بذلك من خلال تجييش المشاعر الدينية عبر مختلف الوسائل الإعلامية وإصدار المنشورات والتسجيلات الدينية، لغسل عقول الشباب، وقد بلغ عددهم في أوائل ثمانينات القرن الماضي أكثر من (40) ألف شاب بعضهم لم يتجاوز السادسة عشر من العمر.

والغريب أن هؤلاء الشباب المغرر بهم شكلوا عبئا كبيرا على الثوار الأفغان الذين لم يكونوا يشكون قلة في العدد؛ وإنما كانوا يشكون الفقر وقلة الموارد المالية، وقد اعترف القادة الأفغان بهذه الحقيقة المرة، فمن خلال سؤال طرحة الكاتب الإماراتي الدكتور سالم حميد في مؤتمر صحفي على الرئيس الأفغاني الأسبق برهان الدين رباني خلال زيارته لدولة الإمارات عام 2003 عن مدى حاجة أفغانستان الفعلية للأفغان العرب، قال رباني: "كنا نفضل الحصول على قيمة تذكرة السفر التي أتى بها المقاتل العربي بدلاً من حضوره الشخصي، نحن لم نكن نعاني على الإطلاق من أي نقص عددي أو بشري من المقاتلين الأفغانيين، كان ينقصنا الدعم المادي والأسلحة".

وقد اعترف بعض المجاهدين الأفغان الذين عادوا إلى بلدانهم بأن الثوار الأفغان أنفسهم كانوا يسألونهم: "إن كانت لديكم رغبة في الجهاد فلماذا لا تذهبون لتحرير فلسطين بدلاً من السفر آلاف الكيلومترات لتحرير بلاد لا يربطكم بها سوى التشابه في الدين؟" ومن سخرية القدر أن هذا السؤال صار يتكرر عليهم يوميا مع كل عمل مجرم يقومون به في العراق وسوريا وباقي البلدان العربية.

ولأن الفكر التكفيري السلفي هو الذي تبنى المشروع التخريبي الأمريكي فإن قائد المجاهدين الأفغان المدعو عبد الله عزام وبعد نشوب الحرب الأهلية الأفغانية التي تلت انسحاب السوفييت من الأراضي الأفغانية؛ قرر إعادة غالبية هؤلاء إلى بلدانهم الأصلية لرفع راية الجهاد ضد شعوبهم وحكوماتهم الكافرة، ولأن أغلبهم من جنسيات سعودية فإن الحكومة السعودية ـ لكي تنقذ نفسها من هذه الورطة ـ سعت إلى إعادة تصديرهم إلى بلدان أخرى مدعومين بالمال والسلاح ومنظومة فتاوى لا تعد ولا تحصى، ولذا قاموا بصورة مباشرة وغير مباشرة بتشجيع صدام لغزو الكويت، ثم استعانوا بـ(الكافر) الغربي ممثلا بأمريكا ودول التحالف الدولي لإخراج صدام من الكويت مع ثقتهم أن هذه القوات لن تخرج من المنطقة بسهولة وأن بقائها سوف يشحذ همم المجاهدين الأفغان فيخرجون من السعودية لمحاربة أمريكا وجهادها وبذلك تتخلص حكومة السعودية من إزعاج الكويت ومخاطر الشباب المسلح.

ثم في مرحلة الهدوء النسبي قامت السعودية منفردة بالبحث عن عدو محتمل تضعه قبالة هؤلاء الشباب المتمرد، فقامت بإطلاق ما يعرف بـ(الصحوة الدينية) لكي تشغلهم بأمور ثانوية، فقامت بإنفاق أكثر من (16) مليار دولار للترويج للخطاب الديني المتشدد وبث روح الكراهية والحقد على كل الفئات الإسلامية الأخرى ولاسيما الشيعة والصوفية عبر الكتب والكتيبات والكراسات والصحف والمجلات والمطويات والـ(CD) والمواقع الالكترونية والفضائيات وكل السمعيات والبصريات، وهو التحشيد الذي تسبب فيما بعد بكل المجازر التي وقعت ضد هاتين الجماعتين.

ولكن السعودية الخائفة كانت تعيش قلقا حقيقيا متزايدا من المخاطر التي يسببها بقاء الشباب المتطرف بدون جهاد وسفك دم، وهي مرحلة القلق التي أرادت أمريكا وضع الشباب المسلم وحكوماتهم فيها لكي تجعل الحكومات تشكر سعيها إذا من أنقذتها من تلك المخاطر بإشغال الشباب في أماكن بعيدة لا يؤثر ما يحدث فيها على باقي البلدان مع تطمين كامل للحكومات (الصديقة) أن 90% من هؤلاء الشباب لن يعودوا إلى بلدانهم لأنهم سيواجهون حكومات مستقرة وليس بلدا منفلتا مثل أفغانستان.

وحينما صدرت الأوامر للخلايا التابعة للمشروع الأمريكي بإشعال نار الفتنة التونسية تحت مسمى (الربيع العربي) أصدرت أمريكا أوامرها للحكومات العربية ولاسيما السعودية والإمارات والكويت بتسهيل خروج الشباب لدعم (ربيع تونس) ومن تونس انتقلت مجاميعهم إلى اليمن وليبيا ومصر وها هي اليوم تصول وتجول قتلا وتنكيلا بالشعب السوري والشعب العراقي، ويقتل منهم الألوف.

الحقيقة التي يجب أن يدركها الحكام العملاء والنظم العربية العميلة أن الأسباب التي جعلت المجاهدين الأفغان ينهزمون في أفغانستان هي نفسها التي ستتسبب بهزيمتهم في كل البلدان التي حلوا فيها، وبالتالي سوف يعود من يبقى منهم على قيد الحياة إلى بلده الأم محملا بروح الكراهية والحقد والتوحش واستساغة رؤية حز الرقاب وحرق الأحياء وجهاد المناكحة فتحل المصيبة على رؤوس الحكام الجهلة الذين كانوا ألعوبة بيد أمريكا التي جندتهم لتنفيذ برامجها الأكثر عدوانية على مر التاريخ. فالمؤشرات كلها تثبت أن هرج الربيع العربي سوف يمر على دول الخليج البترولية حالها حال كل الدول التي أسهمت في تدميرها لكي تدفع ضريبة الخنوع لمشروع الحكومة العالمية الواحدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 1/تموز/2013 - 21/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م