مصر... ثورة جديدة بعد اقل من عامين

 

شبكة النبأ: بعد مرور عام على تنصيب محمد مرسي رئيسا لمصر، مازالت الصراعات السياسية والأزمات الاقتصادية والحقوقية تلوح في الأفق، مما مهد وأحدث انتكاسات جديدة على المستويات كافة.

لتشهد مصر احتقانا واستقطابا سياسيا بين انصار الرئيس المصري المنتمي لجماعة الاخوان المسلمين والمعارضة قبل بدء تظاهرات المعارضة المقررة في 30 حزيران/يونيو الجاري، حيث يواجه مرسي حاليا غضبا شعبيا متصاعدا تبلور حول حملة تمرد الشبابية التي تجمع تواقيع للمطالبة بتنحيه واجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ليكشف هذا الصراع عن خطوط الصدع في المشهد السياسي الجديد في مصر بسبب ديمومة التنافر السياسي الحاد، والصدامات السياسية المتتالية نتيجة انعدام الثقة بين الإسلاميين ومعارضيهم في وقت يعتقد فيه كل طرف أن الآخر يستغل القواعد الديمقراطية للإطاحة به، مما يهدد التجربة الديمقراطية التي كانت ثمرة ثورة عام 2011،  وتدفع بلاد الفراعنة إلى حافة الانهيار.

حيث تترقب مصر مواجهة محتملة في الشوارع بعدما لم يلب الرئيس محمد مرسي في خطاب وجهه للشعب مطالب المعارضة له بالتنحي بعد عام على توليه السلطة.

ففي الاونة الأخيرة خلفت مصادمات بين مؤيدي الرئيس ومعارضيه عدة قتلى وعشرات الجرحى ويعتزم الجانبان تنظيم مظاهرات حاشدة، مما يزيد خطر اندلاع اشتباكات أوسع نطاقا حذر الجيش من أنها يمكن أن تدفعه إلى التدخل.

ويرى الكثير من المحللين أن التدخل العسكري هو الاحتمال الاكثر ترجيحا ولكنه اكثرها اثارة للقلق. فاذا اجبر الجيش مرسي على التنحي في انقلاب ناعم، فإن الاسلاميين سيشعرون إنهم تعرضوا للخيانة وقد يحملون السلاح، حيث يقول الجيش الذي ساعد المحتجين في الاطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك عام 2011 إنه سيتحرك اذا لم يتمكن الساسة من التوصل إلى توافق.

ويخشى مصريون اندلاع حرب شوارع بين الإسلاميين الذين قالوا إنهم لن يسمحوا بالإطاحة بمرسي ومعارضيهم الذين قالوا إنهم سينزلون بأعداد غفيرة إلى الشوارع خلال الاونة المقبلة.

وهذا يصفح عن وجود خلافات عميقة في مصر بين المعارضين الذين وصفهم الرئيس الاسلامي مرسي بأنهم أعداء ومخربون موالون للدكتاتور الذي تمت الإطاحة به والذي أسقطه الفساد الذي أدخل الاقتصاد في أزمة لكنه اعترف بارتكاب أخطاء ووعد بإصلاحات.

بدورهم يرون المعارضون إن مرسي يقدم هذه العروض بنية سيئة ويتهمونه باغتصاب الثورة من خلال ترسيخ سيطرة الاخوان على الدولة وأسلمة المجتمع على حساب العلمانيين والأقليات الدينية.

فكما يبدو أن جماعة الإخوان المسلمين عازمة على مواصلة الحكم دون اعتبار للمنتقدين، وهذا ما جسده خطاب الرئيسي مرسي مؤخرا، رأى بعض المحللين انه محاولة منه لاستمالة جموع الشعب المصري الغاضبة من سياساته الفئوية والحزبية التي أوقعت مصر في عقبات كبيرة وأزمات كثيرة.

وعليه يرى معظم المراقبين أن الاستقطاب السياسي الحاد والنمو الضعيف والتضخم مرتفع وتدهور مالي، فضلا عن التدهور الحريات والحقوق، تضع هذه الامور آنفة الذكر اكبر دول عربية من حيث السكان على حافة مواجهة سياسية شرسة، خاصة مع استمرار المعارضة المصرية بتعهداتها بشأن استمرار الاحتجاجات وتنديداتها المناوئة لحكومة الإخوان، والذي تمثل بما شهدته من احتجاجات غير مسبوقة مؤخرا.

لذا يرى اغلب محللين أن العلاقة بين السلطة والمعارضة في مصر وصلت مرحلة حساسة مع تمسك كل جهة بموقفها والسير في طريق المواجهة حتى النهاية، مما يمهد لمعركة سياسية طويلة الامد ومكلفة الخسائر.

وعليه فان صراع الإرادات المصرية يضع الشعب المصري بكافة مكونته في مأزق الازمات المستدامة، مما سيؤدى بالتبعية إلى الحد غليان الازمات وتكاثرها، ليصبح عدم الاستقرار عنوان لمستقبل مصر الذي ينتظر المجهول.

مصر تخطو إلى المجهول مرة أخرى

في سياق متصل يقول القائد العام للقوات المسلحة في مصر إن بلاده تنزلق إلى "نفق مظلم".. وقد تحدد طريقة تعامله مع مواجهة سياسية حاسمة مرتقبة في الشوارع مصير الديمقراطية الوليدة في البلاد، وجه وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي في بداية الأسبوع تحذيرا كان بمثابة جرس انذار لطرفي الصراع السياسي.. الرئيس محمد مرسي وحلفاؤه الاسلاميون من جانب وجبهة من الليبراليين وقطاع عريض من المصريين المحبطين جراء الركود الاقتصادي من جانب آخر.

لكن القفاز المخملي الذي غلف كلمات السيسي وهو يحث السياسيين على التوافق وحقن الدماء لم يخف قبضة حديدية يمكن أن تتدخل وقت اللزوم حتى رغم المصداقية الواسعة التي نالها حديثه وهو يؤكد أن قادة الجيش لا يرغبون في العودة لإدارة شؤون البلاد.

غير أن هناك شيئا شديد الوضوح.. ألا وهو غياب التوافق الذي دعا السيسي إلى الوصول إليه،  ولم تلق دعوة غير واضحة المعالم من مرسي للحوار صدى لدى المعارضة.

ومن ثم فإن تدخل الجيش -بقواته البالغ قوامها نصف مليون جندي وعتاده الذي تموله الولايات المتحدة وفي ضوء الدور الذي لعبه على الساحة السياسية خلال الستين عاما الماضية- يتوقف الآن على تطور الأحداث خلال الأيام القليلة المقبلة في المناطق الساخنة مثل ميدان التحرير وقصر الاتحادية الرئاسي بالقاهرة وفي شوارع عشرات المدن الرئيسية الأخرى في سائر أنحاء البلاد، وأعداد المتظاهرين مسألة لها ثقلها وكذلك وقوع عنف.

يقول كلا الجانبين إنهما يشعران بالارتياح لتعهد السيسي بالدفاع عن "إرادة الشعب". ويعني هذا للاسلاميين الرئيس الذي اختير بحرية إثر سلسلة انتخابات فازوا فيها على معارضة تفتقر لقيادة موحدة، لكن معارضي مرسي يعتقدون أن بوسعهم حشد الملايين للاحتجاج خاصة الذي يوافق ذكرى مرور عام على تنصيب مرسي لاظهار أن الارادة الشعبية تكمن في مكان آخر.. تماما كما فعلوا عندما تفجرت انتفاضتهم في أوائل عام 2011 وأقنعت الجيش بأن أيام الرئيس السابق حسني مبارك في السلطة قد ولت.

ولا يظن كثيرون أن السيسي وجيلا جديدا من القادة الذين عينهم مرسي يريديون الهيمنة على السلطة لفترة طويلة في انقلاب كامل للجيش الذي يكن له كافة المصريين تقريبا منتهى التقدير، لكن يبدو أن العديد من خصوم الاسلاميين مستعدون للترحيب بتدخل الجيش لفترة قصيرة لتغيير المسار الذي سلكته الانتفاضة ومنح فرصة ثانية للمساعي الرامية للتوصل لإطار عمل مؤسسي لانهاء حالة الجمود السياسي.

أما مسألة إقدام الجيش على هذه الخطوة فتتوقف على عاملين رئيسيين.. الأول تحدث عنه السيسي صراحة عندما أشار إلى احتمال وقوع عنف. فإذا ما سالت دماء ودارت اشتباكات فقد يتذرع قادة الجيش الذين نشروا قواتهم في المدن الرئيسية بالفعل "بالأمن القومي" وفشل الحكومة في حفظ النظام.

وقال مصدر عسكري إن الجيش وضح موقفه حين أشار إلى أنه لن يسمح بالعنف ولن يقف مكتوف الأيدي إذا بدا أن الأمور تخرج عن نطاق السيطرة. وأضاف أنه لا يبدو أن أحدا من زعماء الجانبين قادر على السيطرة تماما على أنصاره.

أما العامل الثاني وهو أقل وضوحا فيتمثل في كيفية تفسير الجيش للإرادة الشعبية. ففي حين أثارت واشنطن التي تقدم الدعم للجيش المصري غضب المعارضة عندما حثت على قبول نتائج الانتخابات التي جلبت مرسي للسلطة أنصت الجيش لصوت الشارع من قبل عند الاطاحة بمبارك، واختفى من الساحة سريعا عدد من الحركات الاحتجاجية منذ الانتفاضة. لكن هذا عامل لا يمكن استبعاده. وتقول حركة تمرد إنها جمعت 15 مليون توقيع لسحب الثقة من مرسي مما يعزز احتمال مشاركة كثيرين في الاحتجاجات.

وذكر المصدر العسكري أن المشاركة الواسعة في الاحتجاجات على غرار ما حدث عام 2011 عندما خرج الملايين على اختلاف مشاربهم إلى الشوارع قد يدفع مرسي للتنازل "إذا ما تجاوزت أعداد المتظاهرين ما كانت عليه وقت الثورة. ساعتها ستتغير مواقف الجميع"، وأردف "لن يتمكن أي طرف من الوقوف امام إرادة الشعب...على الأقل لفترة طويلة".

وقال الكاتب الصحفي البارز محمد حسنين هيكل الذي تربطه صلات وثيقة بالجيش في مقابلة تلفزيونية إن الجيش قلق من غياب الرؤية للمستقبل بين الساسة مضيفا "الجيش مع الشعب دائما" سواء عبر عن ارادته من خلال صناديق الاقتراع أو بطريقة أخرى، ويصعب على الكثير من المراقبين المستقلين الجزم بما ستؤول إليه المواجهة المرتقبة.

ولا يبدي أي من الجانبين استعدادا للتنازل.. فمرسي وجماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي إليها يتحدثون عن الشرعية التي منحتها الانتخابات للرئيس ويطالبون معارضيهم بمنازلتهم في الانتخابات الجديدة عندما يحين وقتها والمعارضون يطالبون مرسي بالاستقالة وافساح الطريق لسلطة مؤقتة تعيد ضبط كافة القواعد قبل اجراء انتخابات جديدة.

وقال ناثان براون الخبير في المرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر في جامعة جورج واشنطن والذي زار مصر هذا الشهر "مطالب الجانبين تكاد تصل للحد الأقصى لذا أرى امكانية حدوث مواجهة حقيقية... وقوع أحداث عنف أمر وارد"، وأضاف "حتى وإن حدث تدخل عسكري فمن غير الواضح كيف أو هل سيحل شيئا".

وخصوم جماعة الاخوان المسلمين يتهمونها بالتظاهر بالعمل من أجل الديمقراطية بين هي تسعى لترسيخ أقدامها في مؤسسات الدولة تماما كما كانت تفعل دائرة مبارك. أما مرسي وحلفاؤه فيتهمون الكثيرين في أجهزة الدولة ووسائل الاعلام بإفساد جهودهم.

ومما يزيد الشكوك في قدرة الحكومة على منع ذلك العنف الذي من شأنه أن يدفع الجيش للتدخل وجود مشاعر مناهضة للاسلاميين في الشرطة وغيرها من أجهزة الأمن التي قادت معركة مبارك ضد الاسلاميين لعقود، وقال مصدر داخل أحد أجهزة الأمن المحلية إن كثيرين في الجهاز الذي يعمل به يأملون في حدوث مواجهة عنيفة تسفر عن إسقاط حكم الاسلاميين، وتابع "هناك معركة قادمة بيننا وبين الجهاديين... نحن بحاجة لتطهير البلد منهم، "وستنضم الينا المزيد من أجهزة الدولة بمجرد أن ترى العنف الذي يفجره هؤلاء الارهابيون."

ورغم أنه يستحيل التحقق من مدى انتشار مثل هذا الكلام داخل أجهزة الأمن فإنه يدعم ما تردده حكومة مرسي من أن عملاء محرضين ينتمون للنظام السابق يقفون وراء اشتباكات وقعت مؤخرا.

ومن غير الواضح أيضا مدى السهولة التي يمكن للجيش أن يخمد بها أي اعمال العنف، فقد اعتمد مرسي بصورة متزايدة على مساندة فصائل اسلامية أكثر تشددا بينها الجماعة الاسلامية وهي حركة قضت سنوات تقاتل النظام القديم وتربطها صلات بتنظيم القاعدة. وتحدث زعماؤها الذين خرج كثير منهم من السجن بعد الانتفاضة عن استعدادهم لحمل السلاح دفاعا عن الرئيس.

وقال ناثان براون إن أي تحرك للجيش من شأنه اخراج الاسلاميين ثانية من الصورة قد يكون داميا. وأضاف "إذا وصل الأمر إلى حرمان الاسلاميين من السلطة السياسية سيقاتل الاخوان ربما بدعم من الجماعة الاسلامية"، وأضاف "وهذا قد يكون في غاية الشراسة... لكني لا أرجح قيام الجيش بانتزاع السلطة بالكامل. فهناك أمور أخرى كثيرة يمكنه أن يفعلها دون أن يصل إلى هذا الحد."

ويعتقد ياسر الشيمي محلل الشؤون المصرية بمجموعة الازمات الدولية في القاهرة أن أقصى ما يمكن أن يفعله الجيش هو استخدام قوته لاجبار الجانبين على التوصل الى تلك التسوية التي تحدث عنها السيسي خلال التحذير، وقال "حتى وإن كانت الاحتجاجات ضخمة ووقعت أحداث عنف بالغة السوء... إذا تدخل الجيش فإنه لن يجبر مرسي على الاستقالة أو يدعو لانتخابات رئاسية لكنه سيحاول طرح حلول وسط فيما يخص الدستور والحكومة لارضاء جميع الأطراف"، لكن مثل هذه الحلول الوسط لن تكون سهلة لاسيما إذا سال المزيد من الدماء، قال دبلوماسي غربي كبير في القاهرة "الوصول إلى حل سياسي يزداد تعقيدا يوما بعد يوم... وكلما زاد حجم نشاط الجيش كلما ضعفت المؤسسات المدنية. ستضيع الشرعية".

استقطاب سياسي حاد وعنف مستطير

فقد قتل شخصان أحدهما أمريكي وأصيب أكثر من 100 في اشتباكات وقعت يوم الجمعة بين مؤيدين ومعارضين للرئيس المصري محمد مرسي في حين حذر الأزهر من "حرب أهلية" إذا استمر الاستقطاب السياسي الحاد في البلاد.

ووقعت الاشتباكات في ثلاث مدن بينها الإسكندرية التي تطل على البحر المتوسط قبل يومين من مظاهرات حاشدة دعا لها المعارضون لإجبار مرسي على التنحي، وقتل شخص ثالث في انفجار وسط محتجين يبدو أنه ناتج عن اسطوانة غاز صغيرة لبائع متجول لكن خبراء لا يزالون يفحصون آثار الانفجار الذي أسفر عن إصابة عشرة آخرين.

ودعا الأزهر في بيان نشر في وسائل إعلام إلى الهدوء بعد مقتل خمسة أشخاص أغلبهم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي اليها مرسي، وناشد الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة طرفي الصراع التراجع عن المواجهة التي تهدد التجربة الديمقراطية التي كانت ثمرة ثورة عام 2011.

وقال مدير أمن الإسكندرية اللواء أمين عز الدين إن أحد القتيلين رجل مجهول الهوية أصابه طلق ناري في الرأس خلال اشتباكات أمام المقر الرئيسي لجماعة الإخوان في المدينة وإنه توفي متأثرا بإصابته، وأضاف أن القتيل الآخر أمريكي أصيب بطعنة نافذة في الصدر تسببت في وفاته بمستشفى عسكري في المدينة. وقال مسؤولون أمنيون آخرون إن الأمريكي كان يلتقط صورا للأحداث حين هاجمه متظاهرون.

وسيطر المعارضون بعد الاشتباكات على مقر جماعة الإخوان وألقوا محتوياته في الشارع وأضرموا فيها النار وسط هتافات بسقوط حكم المرشد في إشارة إلى المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع.

ويقول سياسيون ونشطون معارضون إن بديع يوجه سياسات مرسي لمصلحة جماعة الإخوان المسلمين دون الليبراليين واليساريين الذين بدأوا الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك مطلع عام 2011 قبل أن ينضم إليها الإخوان وإسلاميون آخرون، وقالت مصادر في مديرية الصحة لمحافظة الإسكندرية إن 70 من مؤيدي ومعارضي مرسي أصيبوا بالإضافة إلى تسعة من رجال الشرطة بينهم وكيل الأمن المركزي بالمحافظة اللواء أحمد سعيد، وقال مصدر إن أغلب المصابين سقطوا بطلقات الخرطوش. وقال مصدر في مستشفى جامعة الإسكندرية إن خمسة وصلوا إلى المستشفى مصابين بالذخيرة الحية.

وقالت جماعة الإخوان المسلمين إن ثمانية من مقارها هوجمت يوم الجمعة من بينها مقرها الرئيسي في الإسكندرية. وكان عضو في الجماعة قتل ليل الخميس في هجوم على المقر الرئيسي للجماعة في محافظة الشرقية.

ويقول المعارضون الذين دعوا لمظاهرات 30 يونيو حزيران إن الرئيس الذي انتخبوه قبل عام فشل في تحقيق أهداف الثورة التي أطاحت بسلفه حسني مبارك والتي جسدها الشعار "عيش (خبز).. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية"، ويأمل المعارضون في نزول الملاين إلى الشوارع يوم الأحد، وقال شهود في مدينة شبراخيت بمحافظة البحيرة التي تجاور الإسكندرية إن 25 أصيبوا بينهم ستة من أعضاء جماعة الإخوان في اشتباكات خارج مقر الجماعة بالمدينة. وقال شاهد إن المعارضين اقتحموا المقر وأشعلوا فيه النار.

وقالت مصادر صحية إن 21 أصيبوا في اشتباكات بين المؤيدين والمعارضين في مدينة أجا بمحافظة الدقهلية بدلتا النيل أغلبهم بطلقات الخرطوش وإن النار أشعلت خلال الاشتباكات في مقر حزب الحرية والعدالة بالمدينة، وقال الدكتور حسن الشافعى رئيس المكتب الفنى لمشيخة الأزهر وكبير مستشارى شيخ الأزهر في بيان "يجب اليقظة حتى لا ننزلق إلى حرب أهلية لا تفرق بين موالاة ومعارضة ولا ينفعنا الندم حين ذلك"، وأدان بيان الأزهر "العصابات الإجرامية التى تسببت فى سقوط ضحايا ومصابين من شباب مصر الطاهر."

ويشير البيان فيما يبدو إلى من يقول أعضاء قياديون في جماعة الإخوان المسلمين إنهم بلطجية يؤجرهم موالون لمبارك، وحث الأزهر الذي عادة ما يحتفظ بمسافة بينه وبين المؤسسة السياسية معارضي الرئيس على قبول دعوة وجهها لهم للحوار بدلا من المضي قدما في احتجاجات يوم الأحد، وقال الشافعي "تعتبر فرصة جديدة ينبغي انتهازها لصالح الوطن بدلا من الإصرار على المواجهة والصدام"، لكن عشرات الألوف من المؤيدين والمعارضين نزلوا إلى الشوارع اليوم في القاهرة وأكثر من 20 مدينة أخرى بينها السويس شرقي العاصمة والمنيا وأسيوط في جنوب البلاد دفاعا عن موقفين متعارضين.

وكان زعماء المعارضة رفضوا دعوة مرسي التي وجهها في كلمة إلى الشعب مساء الأربعاء قائلين إنها تكرار لمقترحات سابقة قالوا إنها لم تؤد إلى شيء لأن الإخوان المسلمين يرفضون تخفيف قبضتهم على السلطة، واحتشد عشرات الألوف من مؤيدي مرسي معظمهم من الإسلاميين في ميدان مسجد رابعة العدوية في شرق القاهرة وفي شوارع تؤدي إليه ونصب البعض منهم عشرات الخيام قائلين إنهم سيعتصمون إلى يوم الأحد.

ويبعد مسجد رابعة العدوية كيلومترات عن قصر الرئاسة الذي بدأ معارضون اعتصاما أمام أحد أبوابه قائلين إنهم لن يفضوا الاعتصام قبل أن يتنحى مرسي، وفي الأسابيع الماضية أقيمت تحصينات حول القصر الذي هوجم عدة مرات من قبل بالزجاجات الحارقة والحجارة، واحتشد ألوف المعارضين اليوم في ميدان التحرير بوسط القاهرة الذي شهد اندلاع ثورة 2011. كما احتشد عشرات الألوف من المعارضين في محافظات دمياط والبحيرة والغربية والمنيا والإسكندرية.

وقال شهود عيان إن معارضين في مدينة بسيون بمحافظة الغربية في دلتا النيل حطموا واجهة مقر حزب الحرية والعدالة في المدينة، وقالت مصادر أمنية وشهود عيان إن مئات المعارضين اقتحموا مقر جماعة الإخوان المسلمين في مدينة بلطيم بمحافظة كفر الشيخ بدلتا النيل وأتلفوا محتوياته وحرقوا اللافتات الخاصة به، وقال خطيب الجمعة في مسجد رابعة العدوية "نحذر من التمرد على الشرعية وجئنا لنقول الشرعية خط أحمر لأن الذي لن يحترم الشرعية اليوم لن تكون له شرعية غدا"، ويتظاهر مؤيدو مرسي حول المسجد تحت شعار "الشرعية خط أحمر".

وقال عاصم عبد الماجد العضو القيادي في الجماعة الإسلامية التي نبذت العنف قبل سنوات والمتحالفة مع جماعة الإخوان مخاطبا حشد الإسلاميين إن مظاهرات 30 يونيو "مكيدة" دبرها "عملاء وخونة". وأضاف أنهم "وضعوا رقابهم تحت المقصلة ولا بد أن ندوس الآن على السكين"، لكن مفتي جماعة الإخوان المسلمين عبد الرحمن البر قال موجها كلامه للمعارضين "لا تتصوروا أبدا أن طريق الاستعانة بالبلطجية يمكن أن يقدمكم لشيء. لن يكون على الإطلاق"، وأضاف "الطريق الوحيد هو أن نجلس معا وننظر إلى هذا الوطن العظيم ونحمله فوق رؤوسنا"، وفي المقابل وجه خطيب الجمعة في التحرير الشيخ محمد عبد الله الذي ينتمي لمجموعة من الأزهريين تطالب بدولة مدنية انتقادات عنيفة لجماعة الإخوان المسلمين متهما إياها بالفشل في إدارة مصر.

وقال "لو اجتمعت جميع أجهزة مخابرات العالم لكي يسقطوا الإخوان بهذه الصورة وبهذه السرعة (لفشلوا) لكن أراد الله أن يسقطوا أنفسهم بأنفسهم"، وحرص منظمو مسيرة لمعارضين في القاهرة شارك فيها نحو ألف شخص على أن يكون هتافها الوحيد "ارحل". وفي شوارع مرت بها المسيرة خرج لمؤازرتهم عاملون وأصحاب متاجر شاركوهم هتافهم، وفي بيان صدر في نيويورك دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون طرفي الأزمة في مصر إلى الحوار والابتعاد عن انتهاج العنف. ودعا المجتمع الدولي إلى تقديم "إسهامات كبيرة لمصلحة جميع المصريين."

مصر مهددة بالشلل والفوضى

الى ذلك قال الرئيس المصري الاسلامي محمد مرسي ان الاستقطاب يهدد الوطن كله بحالة من "الشلل والفوضى"، في حين قتل متظاهر على الاقل واصيب العشرات في اشتباكات بين انصاره ومعارضيه في مدينة المنصورة في دلتا النيل، وقال مرسي أن "مصر تواجه الكثير من التحديات. الاستقطاب والتطاحن السياسي يهدد تجربتنا الديمقراطية الوليدة، بل ويهدد الوطن كله بحالة من الشلل والفوضى، وهذا ما لا نريده جميعا لوطننا"، في خطاب له بمناسبة مرور عام على توليه حكم البلاد بثه التلفزيون الرسمي.

وقال مرسي "نحن المصريون قادرون على تجاوز المرحلة و التغلب على التحديات، كل ما اطلبه الآن هو ان نجتمع ونتفهم ونناقش الايجابيات ونبنى عليها والسلبيات نعالجها"، وقرر مرسي بتشكيل لجنة دستورية من جميع الاحزاب والقوى السياسية لمناقشة مقترحات التعديلات الدستورية.

واستجاب المئات من معارضي الرئيس لدعوة من المعارضة لمشاهدة خطاب مرسي في ميدان التحرير. قلب الثورة التي اطاحت بحكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك في العام 2011، وهتف المتظاهرون "ارحل ارحل" و "مرسي باطل" في اجواء من الحماس والتحدي. كما رفع بعضهم بطاقات حمراء كتب عليها "ارحل يا مرسي".

وخرجت تجمعات معارضة في محيط وزارة الدفاع المصرية حيث هتف المتظاهرون ضد الرئيس مرسي وهم يلوحون باعلام مصر، وفي مدينة الاسكندرية الساحلية وعدد من مدن الدلتا نظمت القوى الاسلامية مسيرات مؤيدة للرئيس المصري، وفي خطابه الذي استمر لنحو ساعتين، اكد مرسي على انه عمل على تحقيق اهداف الثورة التي اطاحت بالرئيس المصري السابق حسني مبارك في شباط/فبراير 2011، وقال مرسي ان "الثورة لكي تتحرك لتحقيق اهدافها لا بد لها من اصلاحات جذرية وسريعة"، واقر مرسي بالوقوع في اخطاء خلال العام الاول لحكمه متعهدا باصلاحها.

وقال مرسي "اجتهدت مع المخلصين فاصبت احيانا واخطات احيانا اخرى"... الخطا وارد لكن تصحيحه واجب"، ويؤكد انصار مرسي انه يملك شرعية مصدرها صناديق الاقتراع في انتخابات ديموقراطية، مشددين على انه رئيس شرعي واول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد.

لكن خصومه ينددون بسعي حركة الاخوان المسلمين التي ينبثق منها الرئيس، الى السيطرة على كل مفاصل الحكم والسعي الى "اسلمة" المجتمع. كما يواجه مرسي اتهامات بالاخفاق في تحقيق اهداف الثورة الرئيسية وابرزها العدالة الاجتماعية.

لكن مرسي قال بحزم في خطابه "هي ثورة واحدة بس ..كل المصريين شاركوا فيها كلهم دفعوا ثمنها قبلها وبعدها واثناءها"، واضاف "الممارسة اثبتت ان قوة كبيرة كالشباب لم تجد لها مكانا في الاحزاب السياسية ولا تجد وسيلة الا الرجوع للشوارع والميادين للتعبير عن مطالبها"، وقرر مرسي تكليف المحافظين بتعيين نواب شباب لهم لا تزيد اعمارهم عن اربعين عاما، ويخشى كثيرون من مواجهة واسعة وعنيفة بين انصار مرسي ومعارضيه في نهاية الشهر الجاري. بحسب فرانس برس.

لكن الجيش المصري، والذي بقي على هامش الحياة السياسية منذ انتخاب مرسي رئيسا للبلاد في حزيران/يونيو 2012، حذر من ان الجيش قد يتدخل في الحياة السياسية لمنع "اقتتال داخلي"، وبدا الجيش تعزيز تواجده الميداني في الشارع المصري في المدن الرئيسية خاصة حول المنشات الحيوية والاستراتيجية، حسبما قال مسؤولون أمنيون وشهود.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 30/حزيران/2013 - 20/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م