شبكة النبأ: الناس على دين ملوكهم،
مقولة مأثورة، تداولها كتاب ومفكرون ومثقفون وخطباء، تُرى ما هو مدى
صحة هذا القول، وما درجة تقاربه مع الواقع؟، هل الناس فعلا يتحركون
ويفكرون ويعملون كما يفعل حكامهم، وهل تأثير الحكام في الناس واضح
وكبير فعلا؟.
الدلائل المأخوذة من تجارب الشعوب والامم، تؤكد أن القائد السياسي
يشكل نموذجا يقتدي به الشعب، اذا كان قائدا جيدا، بل ينبهر الشعب
وتنبهر الجماهير بشخصية القائد وتفكيره وسلوكه، ويتم التشبّه به في
اقواله وافعاله من لدن شرائح وفئات وافرد كثيرون من الشعب، إذ يقلده
الناس في اسلوب حياته، وتفكيره وسلوكه، بل يذهب آخرون اكثر من ذلك
فيقلدون القائد في لباسه وكلامه!.
هكذا يكون تأثير القائد السياسي كبيرا في الجماهير الواسعة، لاسيما
بسطاء الناس، لذلك لابد أن يتم تدريب السياسيين على القيادة الجيدة،
نعم لابد ان تكون هناك مؤسسات وجهات تشرف على تدريب الموظفين على
القيادة، وادارة شؤون الشعب بأفضل الطرق، من أعلى درجة في الدولة الى
اقل منصب فيها، ويمكن ان يتم ذلك من خلال التخطيط والتنفيذ الدقيق
لانشاء وادارة مؤسسة تعنى بتدريب جميع المراتب في الدولة، فضلا عن
الاستفادة من تجارب الدول الاخرى في هذا المضمار.
ولاشك ان طبيعة منهجية القائد في قيادة الشعب وادارة الدولة يكون
تأثيرها واضحا، لذلك نلاحظ ان سياسة الدولة بأكملها تتشكل وفقا لمنهجية
قائدها، وطبيعة شخصيته وافكاره، وطرائق القيادة والادارة التي يعتمدها
في دفع عجلة الانتاج الى امام، والانتاج هنا يتمثل في كل المجالات ولا
يتعلق في جانب دون سواه، فإذا كان القائد ذا ميول مدنية متحضرة، سنلاحظ
انعكاس هذا المنهج على الدولة بأكملها، بل يمكن ان يصنع القائد مجتمعا
مدنيا متحضرا من خلال شخصيته وسلوكه وتفكيره، و يمكن ان يحدث العكس
تماما، فحينما يكون القائد السياسي ذا ميول عسكرية، فإن المجتمع برمته
سيتجه نحو العسكرة، ويبتعد عن التفكير العلمي ولا ينشغل في بناء الدولة
القوية المتحضرة.
في دولة جنوب افريقيا وهي تتكون من شعب متعدد الاعراق والانتماءات
الدينية وما شابه، كانت هناك حرب اهلية طاحنة بين مكوناته، لاسيما بين
السكان البيض والسود، وكانت العنصرية على اساس اللون قد بلغت اقصاها،
فيما كان السود يتعرضون الى ابشع عمليات القتل والتشريد والاقصاء، من
لدن البيض و(النظام الابيض) الذي كان يقود البلد، ومنذ البدايات ظهرت
شخصية نلسن مانديلا، الرجل المناضل النموذج الذي برع في مكافحة العنف
والاقتتال منذ نعومة اظفاره، حيث امضى عقودا طويلة من عمره في السجون
والمعتقلات كونه قياديا معارضا، ولكنه بقي شخصية مبدئية تؤمن بالسلام
والتعايش، وتروج للسلم الاهلي، وعندما استلم الحكم، واصبح قائدا لدولة
جنوب افريقيا، كان الاحتقان بين مكونات شعبها قد بلغ أوجه، ومع ذلك
استطاع هذا القائد المحنك أن يؤثر في عموم مكونات الشعب، بيضاَ وسودا،
ومن الانتماءات كافة، وتمكن مانديلا من خلال منهجيته الرصينة العالية،
ان يبني دولة مدنية متحضرة، وقام بتوحيد الشعب، الذي تمكن من نسيان
آلام الماضي وعقده ومواقفه الأليمة، ليصبح هذا الشعب الخارج من حرب
اهلية طاحنة، ذا رؤية واحدة متحضرة مسالمة، تنزع الى التقدم والتطور
والابداع والتسامح والتعايش، متخذة من شخصية قائدها السياسي مانديلا
نموذجا بليغا ومؤثرا، لتصبح دولة جنوب افريقيا في غضون سنوات قليلة،
دولة قوية منسجمة ومتحضرة، بفضل قائدها ومنهجيته السلمية المدنية
المميزة.
اذاً يحتاج العراقيون والعرب، وكل الدول والشعوب المتأخرة، الى
قيادة ذات منهج مدني متحضر، وشخصية قيادية تترك تأثيرها البالغ في
الشعب، ليترك بصمات شخصيته وسلوكه وافكاره في شعبه، لان الشعب كما
ذكرنا سابقا ينظر الى قائده، كنموذج افضل، يحب تقليده في الفكر والعمل،
لذا نحن نحتاج الى منهجية قيادية قادرة على التأثير في الجماهير
الواسعة، وتنقلها من مسار التراجع والتخلف، الى مضمار الدولة المدنية
المتطورة. |