السياحة في دول الربيع العربي

استقرار امني مفقود

 

شبكة النبأ: على الرغم من المساعي المتواصلة التي تقوم بها بعض الحكومات العربية وخصوصا دول الربيع العربي في سبيل إنعاش واقعها السياحي الذي تضررت بشكل خطير بسبب التغيرات السياسية المهمة التي أسهمت بتفاقم المشاكل الداخلية للعديد من البلدان التي تعاني اليوم من حالة عدم الاستقرار امني والاضطرابات المستمرة بسبب فشل بعض الأنظمة الجديدة في إدارة الأمور الأمر الذي انعكس سلبا على جميع قطاعات الدولة الأخر ومنها القطاع السياحي الذي يعتمد وبشكل أساسي على حالة الاستقرار الأمنية، وفي هذا الشأن وقف أجنبيان يلتقطان صورا لمسرح روماني قديم في مدينة صبراتة الساحلية في ليبيا في مشهد نادر هذه الأيام. وهذه المدينة الرومانية القديمة كانت تجتذب اكثر من 20 ألف زائر اجنبي سنويا قبل حرب عام 2011 التي أطاحت بالزعيم الراحل معمر القذافي. والآن أصبحت المعابد ولوحات الفسيفساء في المدينة المطلة على المياه الزرقاء للبحر المتوسط مهجورة عادة.

وكان الأجنبيان اللذان اخذا يتجولان في هذا الموقع الذي سجلته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) باعتباره أحد مواقع التراث العالمي هما خبيران في الجيولوجيا يقومان برحلة عمل إلى ليبيا. وكان هناك عدد محدود من الأسر الليبية ومجموعة من الكشافة. وقال محمد أبو عجيلة مدير إدارة مراقبة الآثار في صبراتة "العدد قليل هذه الأيام.. لم يعد الناس يأتون إلى ليبيا للسياحة. زائرونا أشخاص يعملون بالفعل في ليبيا أو من يأتون إلى هنا في رحلات عمل."

وأضاف "الوضع مختلف بسبب المشكلات الموجودة لدينا لكننا نأمل أن تبدأ السياحة مرة أخرى ربما في العام القادم." وفي ظل قبضة حديدية خلال حكم القذافي طوال نحو 40 عاما عزلت ليبيا عن العالم كان النشاط السياحي في طور النشأة بالفعل قبل انتفاضة 2011 التي أدت إلى توقفها. وبعد رحيله يتمنى كثيرون أن تساعد الإصلاحات الديمقراطية على جلب السائحين إلى بلد تمتد سواحله 1700 كيلومتر ويملك كنوزا من العصور القديمة منها خمسة مواقع سجلتها يونسكو باعتبارها من مواقع التراث العالمي ومناظر الصحراء الخلابة.

وتأمل الحكومة ان تساعد إيرادات السياحة مستقبلا على تنويع مصادر الدخل في ليبيا لتصبح أقل اعتمادا على صادرات النفط والغاز وتوفير الوظائف للحد من البطالة التي تقدر حاليا بنحو 15 في المئة. لكن في حين أن الحياة في البلاد عادت للأوضاع الطبيعية تقريبا بعد عامين من الإطاحة بالقذافي مع فتح متاجر ومطاعم جديدة بانتظام في طرابلس وتسيير رحلات جوية يومية إلى اوروبا فإن ليبيا ما زالت تعج بالسلاح وهذا من أسباب إحجام إقبال الزائرين على السياحة هناك.

وعينت البلاد اول وزيرة للسياحة بعد الحرب لكن بما أن ميليشيات مسلحة تفعل ما يحلو لها وفي بعض الأحيان تحاصر مباني حكومية أو تخوض معارك في الشوارع تقر الحكومة بأنه من غير المرجح ان ينطلق النشاط السياحي إلا بعد التعامل مع المشكلات الأمنية. وقالت وزيرة السياحة إكرام عبد السلام باش إمام "السياحة دليل على استقرار اي بلد." وأضافت "نحتاج لمستوى مرتفع جدا من الأمن حتى يأتي الناس. لا ننكر أن هناك بعض المشكلات لكن هذا وضع طبيعي بعد أي حرب." وقالت إكرام إنها لا تتوقع أن يعود السائحون الأجانب قبل عامين.

وارتفع عدد السائحين الأجانب منذ رفع عقوبات الأمم المتحدة عن ليبيا عام 2003 والتي فرضت بعد تفجير طائرة ركاب أمريكية فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية عام 1988 مما أسفر عن مقتل 270 شخصا. لكن من يعملون في قطاع السياحة سواء في شركات السياحة او كمرشدين سياحيين يقولون إن السياحة تعاني بسبب اللامبالاة والافتقار للكفاءات والإجراءات المعقدة للحصول على التأشيرة ولوائح تتغير سريعا.

وأظهرت إحصاءات من وزارة السياحة أن البلاد اجتذبت 32038 زائرا من خارج منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط عام 2010 لكنها لا توضح عدد من جاءوا للسياحة ومن جاءوا للعمل. وكان الرقم أعلى نحو عشرة في المئة مقارنة بعام 2000 لكنه أقل كثيرا من 125480 زائرا عام 2006 اذ انه بعد هذا العام نص القانون على ضرورة وجود ترجمة عربية في جوازات السفر.

وساعدت إيرادات النفط الكبيرة في ليبيا على تراجع أولوية السياحة مقارنة بالبلدين المجاورين مصر وتونس حيث مثلت السياحة مصدرا رئيسيا للدخل قبل الانتفاضة في كل من البلدين. قال عبد المجيد أبو دبوس رئيس إدارة التخطيط في وزارة السياحة إن إيرادات السياحة تمثل أقل من واحد في المئة من الدخل القومي. وتهدف خطة طموحة وضعت عام 2008 إلى زيادة النسبة إلى ستة في المئة بحلول عام 2025. وقال أبو دبوس "تعتمد السياحة على النقل والصرافة وقبل كل شيء الامن... تشعر بالحرج عندما تدعو أحدا إلى منزلك ويكون في حالة من الفوضى." وقالت وزيرة السياحة إن من السابق لأوانه تحديد أهداف جديدة لأن أولوياتها هي التخطيط لإصلاح البنية الأساسية وتدريب العاملين. وأضافت "نحن في حاجة إلى النظر إلى قصص نجاح دول أخرى والتعلم منها. هذا البلد مثل الورد المتفتح." وأظهرت دراسة أعدها العاملون في قطاع السياحة ونشرت في التقرير العالمي لسوق القطاع السياحي لعام 2012 ان 56 في المئة يعتقدون أن ليبيا لديها كل المقومات لتصبح وجهة سياحية رئيسية بمجرد تمتع البلاد بالاستقرار السياسي وتحسن البنية الأساسية.

وقال طالب الرفاعي وهو الامين العام لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة في مؤتمر صحفي خلال زيارة لطرابلس في الآونة الأخيرة إن ليبيا متأخرة بالفعل 40 عاما في هذا القطاع ولم يعد هناك وقت لإهداره. وبالنسبة للوقت الراهن فإن الأسر الليبية تمثل الزائرين الرئيسيين لأكبر وجهات سياحية في البلاد مثل مدينة لبدة الرومانية القديمة التي بها مسرح روماني في حالة جيدة جدا وشوارع تصطف بها الأعمدة الأثرية.

من الملامح البارزة أيضا مشاهدة النجوم في الصحراء الكبرى أو زيارة واحة غدامس أو الكهوف في الجبل الغربي. وهناك مواقع برزت خلال الانتفاضة الليبية كمصدر جذب للسائحين مثل مجمع القذافي القديم في طرابلس الذي كان يعرف باسم باب العزيزية والمتاحف التي تعرض أسلحة الحرب في مدينتي مصراتة وبنغازي.

وقال سائق سيارة أجرة في طرابلس "الناس من انحاء العالم سيرغبون في رؤية هذه الأماكن... إنه تاريخ." ومع قلة عدد السائحين أصبحت الفنادق تعتمد حاليا على نوع جديد من العمل هو زيارات الوفود التجارية. وقال عباس الفاغي وهو مدير في فندق تليل المطل على البحر في صبراتة "كنا نستقبل نزلاء من فرنسا والمانيا وأمريكا ودول أخرى... الآن لدينا مؤتمرات محلية تعقد هنا.. بعضها حتى يتحدث عن تنمية السياحة."

وتعمل بعض سلاسل الفنادق الدولية في طرابلس بما في ذلك راديسون بلو في حين أن فنادق عالمية اخرى مثل ماريوت كانت تعتزم أن تفتح فروعا هناك قبل الحرب لكنها جمدت تلك الخطط إلى حين اتضاح الوضع الأمني. وقال احد خبيري الجيولوجيا اللذين يزوران صبراتة عرف نفسه باسم جان إن أصدقاءه وأفراد أسرته حذروه قبل أن يزور ليبيا. وأضاف "لدينا تعليمات بعدم الخروج بعد حلول الليل لكن حتى الآن يبدو الوضع مستقرا وأشعر بالراحة... إنه شيء جميل أن أخرج وأزور اماكن مثل صبراتة. ليبيا بها كنوز مخبأة." بحسب رويترز.

وبدأ سالم الطويش وهو المدير التنفيذي لشركة يونايتد تورز ومقرها طرابلس والتي كانت تجلب سائحين من المانيا وتنظم الرحلات التي تجوب موانئ البحر المتوسط يرصد تجددا في الاهتمام من الخارج. وقال الطويش على هامش ورشة عمل عقدتها وزارة السياحة "إنهم يراسلوننا لأن هناك رحلة بحرية عام 2014 في المنطقة. إذا سارت الأمور على ما يرام فربما تأتي الى ليبيا... لكن ما دام هناك هذا الكم من السلاح.. لا يمكن أن نتوقع أن يأتي الناس إلى هنا ليتعرضوا للخطر."

جهود مستمرة

في السياق ذاته و بعد عامين على ثورات الربيع العربي، لا تزال السياحة تسعى للنهوض في مصر وتونس اللتين بذلتا جهودا للطمأنة الى الاوضاع السائدة فيهما خلال معرض السياحة في برلين. وقال وزير السياحة المصري هشام زعزوع "بامكاننا الوصول الى عدد سياح مماثل تقريبا للعام 2010 (قبل الربيع العربي) وهو 14,7 مليون سائح. هدفي هو التوصل الى ما لا يقل عن 14 مليونا في نهاية 2013" ولو انه اقر بان هذا الهدف طموح للغاية على ضوء عدد من السياح لم يتعد 11,5 مليون سائح عام 2012.

كذلك تعتزم تونس العودة هذه السنة الى مستوى الاقبال السياحي عام 2010 "اي سبعة ملايين سائح في نهاية 2013 كما كان الحال قبل ثلاث سنوات، مقابل ستة ملايين حاليا" بحسب ما اوضح حبيب عمار المدير العام للديوان الوطني التونسي للسياحة. وهو رهان بالغ الاهمية بالنسبة للبلدين اللذين تشكل السياحة دعامة اساسية لاقتصادهما في وقت لا يزالان يشهدان ازمة سياسية بالغة الخطورة.

ففي تونس يشغل القطاع السياحي سدس السكان في سن العمل وفي مصر يعمل حوالى 12 مليون شخص (من اصل عدد سكاني اجمالي يفوق 72 مليونا) بالارتباط بالسياحة. وقال زعزوع خلال مؤتمر صحافي في برلين "اننا نعيش انتقالا سياسيا وهذا لا يعني اننا لا نحرز تقدما. اننا بلد مضياف".

وتشهد مصر مرحلة جديدة من الاضطرابات منذ سقوط الرئيس حسني مبارك حيث تجري تظاهرات يترافق بعضها باعمال عنف، سواء احتجاجا على الرئيس محمد مرسي الاتي من صفوف الاسلاميين والذي تتهمه المعارضة بالسعي للاستئثار بالسلطة، او احتجاجا على تفاقم الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وللتصدي لصورة بلاده الكارثية في الاعلام الغربي، يعتزم زعزوع نصب شاشات عملاقة في عدد من المدن الاوروبية تعرض بشكل مباشر مشاهد اشخاص يقضون عطلة استجمام، تبثها كاميرات مثبتة في عدة مواقع مصرية مثل منتجع شرم الشيخ والاقصر والاسكندرية ومتحف الاثار المصرية في القاهرة. من جانبه اقر عفيف كشك ممثل جامعة النزل التونسية بان "تونس امنة لكننا بصدد تعلم الديموقراطية".

ويعتزم العاملون في مجال السياحة في هذا البلد اطلاق حملة اعلانات واسعة النطاق بواسطة الاذاعة والانترنت وملصقات في الدول الرئيسية التي كانت تقبل على السياحة في تونس. وتشهد تونس منذ اغتيال المعارض شكري بلعيد في 6 كانون الثاني/يناير اسوأ ازمة سياسية بعد ثورة كانون الثاني/يناير 2011 التي اطاحت زين العابدين بن علي.

وقلل عمار من اهمية هذه الازمة على السياحة فأوضح ان النصف الاول من السنة يشهد اساسا انحسارا في الحركة السياحية في بلاده التي يتركز اقبال السياح على شواطئها. وقال انه "بالنسبة لموسم الاقبال السياحي، فان جداول الحجز ايجابية على الارجح وخصوصا بالنسبة للسوق الالمانية". ويتمسك البلدان بالتفاؤل في ما يتعلق بالسنوات القادمة ويامل عمار في استقبال عشرة ملايين سائح عام 2016 في تونس بفضل تنويع النشاطات السياحية بحيث لا تقتصر على المنتجعات الساحلية بل بالتركيز ايضا على اجتذاب سياح يهتمون بالتراث الثقافي والصحراء والعلاج بمياه البحر. بحسب فرانس برس.

اما زعزوع فيهدف الى استقبال ثلاثين مليون سائح في مصر سنويا بحلول العام 2022 من خلال اجتذاب سياح من بلدان جديدة ولا سيما البلدان الاميركية والاسيوية. وفي الوقت الحاضر يغازل البلدان سياح المانيا، ثاني اهم مصدر للسياح بعد فرنسا لتونس وروسيا لمصر.

الأمس أفضل

مع تفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية والامنية في تونس، بات العاملون في قطاع السياحة يتحسرون على الاستقرار الذي كان يسود البلاد في عهد نظام زين العابدين بن علي. ويقول محمود بن رابح وهو يقف امام بسطة يبيع عليها منتجات تقليدية في سيدي بوسعيد السياحية الشهيرة بالضاحية الشمالية للعاصمة "كنا نعيش بشكل افضل. لم يكن يحدث شيء في عهد بن علي وكنا مطمئنين. جيد رحيله لكن في الماضي كنا افضل حالا".

واضاف البائع وهو يرتب محتويات بسطته في شارع مقفر في هذا الموقع السياحي الذي شهد حرق ضريح احد الاولياء في كانون الثاني/يناير في جريمة لم تكشف خيوطها لكنها تحيل الى وسائل اعتمدها السلفيون في الاشهر الاخيرة، "كان الوضع الامني افضل. واليوم لم نعد نستطيع النوم او التنزه مطمئنين". ويتابع محمود "انا اعمل في الصناعات التقليدية منذ 25 عاما ولم اشهد لهذا الافلاس مثيلا. لقد بعت جميع مصوغ زوجتي حتى اني اضطررت لبيع خاتمي زواجنا، لم يعد لدينا شيء".

ويشاطر صاحب فندق في هذه القرية الساحرة التي تقطنها برجوازية العاصمة هذا الراي، لكنه فضل التحدث دون كشف هويته "خشية ان يتلقى رصاصة في الراس" كما حدث لشكري بلعيد. ويقول صاحب الفندق "السياحة تعيش كارثة منذ الثورة ولا نملك رؤية واضحة عن الحجوزات. الامر اسوأ من عهد بن علي حين كانت تونس تتمتع باستقرار جيد في مجال الاعمال". واضاف "الامر اصبح يلقي بثقل كبير علينا. وبالكاد نتمكن من دفع فواتير الكهرباء واجور الموظفين. لا شيء مطمئن في الافق مع تفشي السلوك العدائي والعنف". بحسب فرانس برس.

وفي الاتجاه ذاته يضيف لطفي النادل في مقهى شهير يطل على البحر "كنا نعيش بشكل افضل في عهد بن علي ونكسب قوتنا بشكل افضل". غير ان مدير المقهى الملتحي على طريقة السلفيين والمرتدي لباسا افغانيا، قاطع النادل بعنف قائلا "من سمح لك بابداء رايك؟"، وطرد ايضا الصحافيين الذين كانوا يحاورونه بلا تردد. ولم يكن وجود مجموعات سلفية في المناطق السياحية من الامور التي يمكن تخيلها في عهد بن علي. وأثر تنامي تيارات متطرفة بعد الثورة بشدة على صورة تونس كوجهة سياحية. وكانت البلاد تجهد لتجاوز مخلفات الاعتداء على السفارة الاميركية في منتصف ايلول/سبتمبر 2012.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 29/حزيران/2013 - 19/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م