الشيخ شحاتة... شهيد ربيع العنف والكراهية

 

شبكة النبأ: ليس من السهل – بالنسبة لي على الأقل- مشاهدة مقاطع "فيديو" الهجوم الأهوج على دار يقطنه رجال ونساء عزّل، وهم يتعرضون للضرب المبرح على باب دارهم بالعصي والهراوات، ثم يسحبون خارج الدار، ويربطون بالحبال ويسحبون على الأرض لمدة ساعتين، قبل أن يفارقوا الحياة.

هذه المشاهد أكثر إثارة للدهشة من مشهد انهيار النظام العسكري الديكتاتوري الذي حكم مصر منذ (61) عاماً، لأن الناس توسموا خيراً بـ "الثورة الجماهيرية"، وأنها ستأخذهم الى حيث العدالة والأمن والحرية واحترام الآخر، وهو ما لم يكن متوفراً في الحكومات العسكرية البائدة. ثم أن الذين صعدوا الى سدّة الحكم، من المفترض أن يعبروا عن إرادة غالبية الشعب المصري الملتزم بالقيم والمبادئ، وصاحب إرث حضاري وثقافي عريق، فكيف – والحال هكذا- يتمكن توجه فكري، مثل "السلفية" من أن تؤثر على تيار جماهيري عارم في مصر. ويتغلغل في مرافق الدولة، حتى أن الجريمة المريعة التي أودت بحياة الداعية الشيخ حسن شحاتة وثلاثة من اصحابه، لم تستدع أي تدخل من الشرطة أو قوى الأمن؟

من المعروف أن الإطاحة بنظام الحكم الديكتاتوري الفاسد، يعد طموحاً ومطلباً لجماهير واسعة، حيث تشترك فئات وشرائح وحتى توجهات سياسية على التخلص من هذا النظام واستبداله بآخر يأتي بالحرية والعدالة وحقوق الانسان بالقدر الممكن. لذا نجد في مصر – مثلاً- الجميع يشارك في العملية الديمقراطية، ويخوض تجربة الانتخابات في أجواء سياسية جديدة. لكن عندما تتم توظيف هذه الاجواء لتخدم تياراً معيناً ليصبغ الساحة بلون معين واحد. فهذا تعبير واضح عن الالتفاف على الثورة، وتفريغ الطموحات والاهداف من محتواها. وإلا ما الذي يشكله "التشيع"، كمذهب معترف به من قبل الأزهر الشريف في مصر، من خطر أو تهديد على عقائد الناس، او على الوضع الامني والسياسي والاجتماعي؟ وما الذي حققته "السلفية" من منجزات في الساحة الفكرية والثقافية؟ يكفي أن يكون التشيّع، جاء لأول مرة بالحوار العلمي بين ابناء الدين الواحد في مصر في عهد الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر عام 1952، وكانت نتيجة "احتجاج" العالم التحرير والفقيه الكبير السيد عبد الحسين شرف الدين، أن قبل شيخ الأزهر حجة الشيعة والتشيّع، وأفتى بجواز التعبّد على مذهب التشيّع، وبذلك وضع حدّاً نهائياً لبعض التخرّصات في مصر التي حاولت الوقوف أمام شعاع التشيع والاسلام الأصيل. بينما نلاحظ منطق السلفية في التعامل مع الواقع الفاسد سياسياً واجتماعياً، فقد رفعوا شعار "التكفير والهجرة" ضد نظام حكم مبارك، لكن هذا النظام الديكتاتوري والفاسد، لم يسقط من خلال تكفيره من قبل هذه الجماعة، إنما من خلال المطالب الجماهيرية العامة.

هذا التكفير قبل أن يثبت فشله سياسياً في مصر، تم تصديره الى البلاد الاسلامية الاخرى، بعد تعبئته وشحنه بمليارات الدولارات، ليفرض نفسه كنموذج وحيد للمجتمع الاسلامي، وهكذا كان التفرّع والتمدد في افغانستان ثم العراق وبعدها سوريا.

انهم يتحدثون عن محاربة "الكفر"، قبل أن يفكروا في العقل والمنطق والبناء والإصلاح، وكل ما من شأنه يدعو الى القيم الايجابية والانسانية التي فطر الانسان عليها.. فهذه التهمة لا تُلصق بمن هم على شاكلة الذين كان قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وآله، من اليهود والمشركين وأعداء الدين، إنما من يخالفهم في الفكر والرأي وحسب. والمثير حقاً؛ أنهم يتشبثون بلفظ "السلف"، بمعنى أن ما يفعلونه ويمارسونه مبرر لهم ومعذورون فيه، لأنه من يعبر عن أفعال "السلف"، وهم أولئك الذين عاصروا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، فهم قدوة وأسوة – حسب تصورهم-، حتى وإن كان بينهم المنحرف أخلاقياً، والمنافق والكذاب، ومن يحمل الرذائل في كوامن نفسه.

وهذا ما يدفعهم للجدال دون علم ولا كتاب مبين، في مسألة غيبة الإمام الثاني عشر من أئمة الهدى من نسل رسول الله صلى الله عليه وآله، ويجدون في هذه القضية ما يهدد أساس عقيدتهم وتصوراتهم الواهية. والحل في انتهاج العنف ونشر الكراهية، فهي أسهل بكثير من مفاهيم السلام والأمن والحوار ومنطق العقل التي تكلف صاحبه الكثير من العناء والبحث والتحقيق، ثم شيئاً من نكران الذات. ومعروف ان الهدم أسهل بكثير من البناء.

بهذا البرنامج تسلّق أدعياء الدين والالتزام بالصلاة والأذان الى الحكم في مصر، وها هم الآن يقدمون نموذجاً آخراً للسلطة، بعد انهيار سلطة الديكتاتورية العسكرية. فقد كان الحكام على المنهج في عموم بلادنا يطالبون بالولاء والحب للحاكم الأوحد، بينما أدعياء الدين في مصر وغيرها، يطالبون بالولاء المطلق لفكر الحاكم، والكراهية لمن يرفضه. وما أصدق المقولة: "التاريخ يعيد نفسه"..! هكذا كان أدعياء الدين ممن كانوا يسمون أنفسهم "خلفاء" في الدولة الأموية والعباسية والعثمانية. كل شيء يفعلونه حلال ومباح لهم باسم "الدين" ، والمعارض من الهالكين.

وربما لا تكون صدفةً وقوع جريمة استشهاد الداعية البطل الشيخ حسن شحاته مع عدد من اصحابه، وهم يحتفلون بذكرى مولد الإمام الحجة المنتظر عجل الله فرجه، فهذه الدماء الزكية غالية جداً على الله تعالى، وربما يأتي اليوم الذي يكون امتداداً ليوم استشهاد شحاتة، يتضح فيه للشعب المصري الربيع الحقيقي للخلاص من الفتن والدجل والانحراف ويُقطع دابر الذين كفروا والحمد لله رب العالمين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27/حزيران/2013 - 17/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م