قيم التقدم... المفكر الاستراتيجي

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: التفكير أساس التقدم، جملة يتفق عليها الجميع، وقد أثبتت التجارب التي نقلت الامم من الجهل الى التطور، أن التفكير الاستراتيجي للفرد والجماعة، أسهم بدرجة كبيرة في تطور المجتمعات، وساعد على انتقالها من السكون والتراجع الى التقدم في الانتاج وانماط العيش، واصبح التفكير ذو الافاق الواسعة والبعيدة، أحد أهم القيم التي اسهمت في تقدمها، بل دخل هذا النوع من التفكير في منظومة السلوك المجتمعي، فأصبح الكل ينظر الى التفكير الاستراتيجي قيمة مهمة من قيم التقدم.

في العراق وربما في البلدان العربية عموما، تكاد تغيب هذه القيمة، وأعني بها قيمة التفكير الاستراتيجي، فنلاحظ أن الانسان لدينا مشغول في الآني بصورة شبه دائمة، ولا يعنيه أن يفكر بعيدا، ولا تعنيه أعماق المستقبل، وما ينطوي عليه من تكهنات واسرار، ينبغي الخوض في واكتشافها، بطبيعة الحال لا ينحصر التفكير الاستراتيجي في المستقبل فقط، إذ حتى الشؤون السريعة تتطلب هذا النوع من التفكير، لكن ما نلاحظه على طبيعة الشخصية العراقية والعربية، العزوف عن التفكير العميق، والانشغال بالمصلحة الآنية السريعة التي تتطلب تفكيرا آنيا سريعا، لذلك هو لا يبذل جهدا كافيا لمعرفة اسرار الازمنة القادمة.

إن صناعة التفكير الاستراتيجي تعد من قيم التقدم المهمة، لسبب واضح، أنها تسهم في بناء المجتمع بصورة سليمةن وتدفع بالدولة ومؤسساتها الى امام، وتساعد الفرد والجماعة على تقويم العقلية الفكرية التي تشترك في صناعة الانشطة المختلفة، ليس الفكرية منها فحسب، انما الجوانب العملية التي تعد نتاجا طبيعيا للافكار، لذلك يؤكد المعنيون من علماء الاجتماع بصناعة الشخصية وتقويمها، أن التفكير الاستراتيجي يساعد على بناء الانسان ويجعله اكثر تاثيرا في محيطه، واكثر قدرة على دفع المجتمع خطوة الى أمام، على العكس تماما ممن يعتمد التفكير الآني المصلحي.

لذلك يعتمد هذا النوع من التفكير على الابتكار والعمق، وينمو ويتطور في الاجواء الديمقراطية، لكي تكون مساحة الحريات مفتوحة للابداع الفكري، يقول احد الكتاب في هذا الشأن: يعتمد التفكير الإستراتيجي على الابتكار وتقديم أفكار جديدة يصعب على المنافسين تقليدها إلا بتكلفة عالية أو بعد وقت كبير، ومعظم الأفكار الجديدة في مجال الإدارة ظهرت في مناخ ديمقراطي يسمح باشتراك أكبر عدد من الأفراد مع إعطائهم أكبر قدر من الحرية المنظمة في التعبير عن آرائهم وعدم فرض أية قيود على الاقتراحات والأفكار المقدمة منهم، بل يتم تقييمها في مرحلة لاحقة لتقديمها لضمان وجود أكبر قدر ممكن من الأفكار والمقترحات البنّاءة، فكثير من الأفكار الخلاقة بدأت بأفكار كان من الصعب تصديقها.

إذاً نحن أمام خيار صعب، وأعني بذلك مجتمعاتنا التي لا تزال لا تفهم جيدا قيمة هذا النوع من التفكير، كذلك الانسان العربي والعراقي حيث يتحمل مسؤولية حصر التفكير بالآنية التي تعود عليه بالنفع السريع المباشر، فيما يفقد مزايا التفكير الاستراتيجي التي تصب في نهاية المطاف في تحقيق الاهداف الكبرى، مثل بناء مؤسسات الدولة المدنية، وتنمية الركائز الاساسية لبناء الاقتصاد السليم فضلا عن تحقيق قفزات التقدم المطلوبة في قطاعات التعليم والصحة والاجتماع والاعلام وسوى ذلك، فتصبح حياة المجتمع برمته اكثر استقرارا وتطورا.

خلاصة القول في هذا الجانب، نحن كشعوب تحتاج الى الانتقال من الفقر للغنى، ومن العشوائية الى التنظيم، فإننا في اشد الحاجة للتفكير الاستراتيجي، على المستويين الفردي والجمعي، ذلك أن الانسان المفكر وليس الآني، هو الذي نحتاجه الآن، ونحتاج ايضا للمفكر الاستراتجي الذي ينجح في التخطيط لحياته بعمق، وليس على اساس آني مصلحي لا يصب في بناء الدولة المدنية والمجتمع المتحضّر، هكذا يصبح هذا النوع من التفكيرن قيمة فاعلة وأساسية من القيم التي تسهم بجدية في تقدم الفرد والمجتمع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 26/حزيران/2013 - 16/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م