الكويت... ازمات متداخلة

 

شبكة النبأ: شهدت الكويت في الثلاثة أشهر الأخيرة من العام الماضي احتجاجات سياسية غير مسبوقة اعتراضا على تغيير نظام الانتخابات من خلال مرسوم أميري وليس من خلال تشريع برلماني وهو ما رفضته الغالبية العظمى من قوى المعارضة التي رفضت أيضا المشاركة في الانتخابات التي جرت في نهاية العام الماضي والتي جرت طبقا للنظام الجديد.

فكل مرة تدخل فيها مرحلة التعافي في هذه الدولة، تندلع في المرة الأخرى اضطرابات وصدامات سياسية مرتبطة بعدة قضايا مثيرة للجدل كإبطال الانتخابات الأخيرة وحل البرلمان الحالي الموالي للحكومة، وكذلك الأزمة الجديدة التي هزت الكويت وذلك باستقالة وزراء الحكومة، فضلا عن حكم المعارض البارز مسلم البراك بسجن خمس سنوات مع الشغل والنفاذ بتهمة المساس بالذات الأميرية الذي عاد الزخم للحراك السياسي في مواجهة السلطة.

مما جعل من هذه الاضطرابات انفة الذكر تحديا جديدا للديمقراطية السياسية في البلاد، التي لطالما اعتبرت معقلا للديمقراطية في الخليج، اذ أصبحت عام 1962 اول دولة خليجية تحظى بدستور وتتبنى نظاما مع برلمان منتخب يتمتع بصلاحيات تشريعية ورقابية، لكن الدستور الكويتي يبقى صلاحية تعيين رئيس الوزراء واعتماد الحكومة بيد امير البلاد حصرا، وبغض النظر عن نتيجة الانتخابات.

الا ان صورة الديمقراطية الكويتية تضررت كثيرا في السنوات الأخيرة بسبب الخلافات المستمرة بين الحكومة والبرلمانات المتعاقبة، الامر الذي اثر كثيرا على التنمية في هذا البلد الذي يعوم على عشر الاحتياطي العالمي من الخام.

حيث يرى الكثير من المحللين أن الكويت تقف امام مفترق طرق قبل حكم منتظر يفترض ان يصدر عن المحكمة الدستورية حول القانون الانتخابي المثير للجدل، فربما سيؤثر هذا الحكم على معالم مستقبل الديمقراطية نفسها في هذا البلد الخليجي الغني.

كما شكلت استقالة وزراء الحكومة علامة خطيرة تذكي الحراك السياسي والشعبي مجددا، واتت هذه الاستقالات على اثر مذكرة من نواب يطلبون فيها استجواب وزيري النفط والداخلية خصوصا بشان تسديد غرامة بقيمة 2,2 مليار دولار للشركة الأميركية العملاقة "داو كيميكال" الناشطة في مجال البتروكيميائيات، وهذا اول اختبار قوة بين الحكومة والنواب الذين يعتبرون مع ذلك موالين للحكومة منذ انتخابات العام الماضي والتي قاطعتها المعارضة.

ومن جهة أخرى فعلى الرغم من أن الكويت تسمح بقدر نسبي من حرية الصحافة وحرية التعبير إلا أن الشهور الأخيرة شهدت صدور العديد من الأحكام بالسجن على نشطاء سياسيين بتهمة الإساءة للأمير، ويرى بعض المحللين أن الحكم الذي قضت به محكمة كويتية بسجن المعارض البارز مسلم البراك خمس سنوات مع الشغل والنفاذ بتهمة المساس بالذات الأميرية أعاد الزخم للحراك السياسي الذي انطلق في أكتوبر تشرين الأول الماضي في مواجهة السلطة.

وفي الوقت الذي حذر فيه محللون من أن معاقبة البراك يمكن أن توحد المعارضة وتطلق موجة احتجاجات جديدة سعت الحكومة لاحتواء ردة الفعل الشعبية على الحكم، لذا يرى معظم المحللين السياسيين إن الكويت في مفترق طرق على صعيد تشكيل حكومة جديدة، ففي ظل تصاعد  حدة الصراع بين الحكومة والمعارضة، يمكن للأزمة أن تطول مع ما يبدو من تداعياتها الخطيرة على الاقتصاد والحقوق وبالأخص على مسار التحول الديمقراطي، التي وضعت البلاد في دوامة الأزمات المتكررة وعلى أكثر من صعيد.

إبطال الانتخابات الأخيرة وتأيد مرسوم الصوت الواحد

في سياق متصل قضت المحكمة الدستورية الكويتية بابطال الانتخابات التشريعية الاخيرة التي نظمت في كانون الاول/ديسمبر الماضي وبحل البرلمان الحالي الموالي للحكومة، الا انها ايدت دستورية المرسوم الاميري بتعديل نظام الانتخابات واعتماد قانون الصوت الواحد، الامر الذي اعلنت المعارضة رفضها له مؤكدة انها وعلى غرار الانتخابات الاخيرة ستقاطع الانتخابات المقبلة.

من جهته اعلن امير البلاد الشيخ صباح الاحمد الصباح قبوله الحكم داعيا مواطنيه الى الاقتداء به والامتثال لمفاعيل هذا الحكم، وتلا رئيس المحكمة القاضي يوسف المطاوعة الحكم الذي يدعو ايضا الى اجراء انتخابات تشريعية جديدة. وهي المرة الثانية التي تلغي فيها هذه المحكمة التي لا يمكن نقض احكامها، الانتخابات في الكويت في غضون سنة واحدة.

وكانت المحكمة تنظر خصوصا في دستورية او عدم دستورية مرسوم اميري اصدره امير البلاد الشيخ صباح الاحمد الصباح في تشرين الأول/اكتوبر الماضي بعد حله البرلمان، وتم من خلاله تعديل قانون الدوائر الانتخابية بخفض عدد المرشحين الذين يحق للناخب انتخابهم من أربعة في القانون السابق إلى مرشح واحد فقط.

ورفضت المعارضة تعديل قانون الدوائر الانتخابية الذي بات يعرف ب"مرسوم الصوت الواحد"، وقاطعت الانتخابات الاخيرة التي نظمت في كانون الاول/ديسمبر 2012، ما ادى الى برلمان موال للحكومة بشكل كامل، وطبقا للمادة 71 من الدستور، يحق للامير اصدار التشريعات في غياب البرلمان فقط في حالة الضرورة واتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير.

واعتبرت المعارضة الإسلامية والوطنية والليبرالية أن التعديل غير دستوري لانه لم تكن هناك حالة ضرورة أو أمر طارئ بالإضافة إلى أن التعديل يمكن الحكومة من التحكم في تركيبة البرلمان، وفيما ايدت المحكمة دستورية المرسوم الاميري المتعلق بالتصويت لمرشح واحد، قررت الغاء الانتخابات الاخيرة على اساس الطعن في مرسوم اميري آخر تم بموجبه تشكيل اللجنة الوطنية للانتخابات.

وبحسب تفاصيل الحكم، اعتبرت المحكمة ان المرسوم الثاني المتعلق بتشكيل اللجنة الوطنية للانتخابات غير دستوري، وبالتالي ابطلت الانتخابات وحلت البرلمان، كما حكمت المحكمة بعدم الغاء القوانين التي اصدرها البرلمان المنحل، وفي خطاب عبر التلفزيون قال امير البلاد ان "حقيقة مهمة ساطعة يسطرها هذا الحكم التاريخي وهي أن الكويت دولة مؤسسات يحكمها الدستور والقانون وان لا سلطة ولا سقف يعلو على سلطة الحق والعدالة"، واضاف "أكرر لكم اليوم ما قلته من قبل بأنني أقبل عن طيب خاطر حكم المحكمة الدستورية أيا كان وأدعو جميع المواطنين الى احترامه والامتثال له اجلالا واحتراما لقضائنا الشامخ واعلاء لمنزلته والتزاما بدستورنا".

من جانبها وفي اعقاب صدور الحكم عقدت الحكومة اجتماعا استثنائيا اصدرت في خلاله قرارا "بتكليف الجهات المعنية بمتابعة دراسة حكم المحكمة الدستورية واثاره لوضع الخطوات العملية اللازمة لتنفيذ مضمونه". بحسب فرانس برس.

بالمقابل اعلنت المعارضة رفضها الحكم الصادر بدستورية مرسوم الصوت الواحد، داعية الى مقاطعة الانتخاباتن وقال زعيم المعارضة رئيس مجلس الامة السابق احمد السعدون انه وخلال اجتماع عقدته اطياف المعارضة لتدارس الحكم الصادر قرر المجتمعون تشكيل لجنة كلفت درس الخطوات الواجب اخذها لمواجهة هذا الحكم "الذي انهى عمليا الدستور"، وقال السعدون بحسب ما نقلت عنه وسائل اعلام محلية "سوف نعلن التصور خلال الايام القادمة من خلال اللجنة التي سوف تقوم بدراسة الوضن مشاركتنا في الانتخابات تعني المشاركة في انتهاك الدستور مؤكدا أن السلطة انقلبت على الدستور في عام 1976 و1986 موضحا أن الشعب الكويتي هو صاحب السلطة والسيادة، وفيما طالبت مرارا وتكرارا بحل البرلمان الحالي، الا ان المعارضة اكدت اكثر من مرة في الفترة الاخيرة انها لن تشارك في اي انتخابات تتم على اساس قانون الصوت الواحد وهي متمسكة بالعودة الى النظام السابق الذي ينص على انتخاب اربعة مرشحين في كل من الدوائر الانتخابية الخمس، وتضم كل دائرة عشرة نواب.

الكويت لن تسمح بأي احتجاجات على حكم الدستورية

من جهتها قالت الكويت إنها لن تسمح بتنظيم اي احتجاجات دون إذن على حكم قضائي سيحدد مدى دستورية قانون الانتخابات الجديد الذي طرحه امير البلاد، وكان الشيخ صباح الاحمد الصباح امير الكويت اصدر مرسوما اميريا في اكتوبر تشرين الأول الماضي بتغيير قواعد الانتخابات قبل ستة اسابيع من اجراء الانتخابات البرلمانية.

وقاطعت المعارضة الانتخابات وشارك عشرات الآلاف من الكويتيين في مظاهرات عشية التصويت احتجاجا على المرسوم.

ونقلت وكالة الانباء الكويتية الرسمية عن بيان وزارة الداخلية "ايا كانت نتائج قرار المحكمة الدستورية لن تسمح مطلقا بأي تجمعات او مسيرات خارج نطاق الساحة المقابلة لمجلس الامة للتعبير عن الرأي"، واضافت الوكالة ان بيان الداخلية شدد على "ان اجهزة الامن المختصة ستتعامل مع كل تعد على القانون والنظام او الخروج عن السلوك العام بكل الحزم."، وقالت الحكومة ان النظام الانتخابي الجديد الذي أتاح لكل ناخب منح صوته لمرشح واحد بدلا من اختيار اربعة مرشحين يضع الكويت في مصاف غيرها من الدول لكن ساسة المعارضة قالوا ان المرسوم يهدف لمنعهم من تشكيل اغلبية او تكتل داخل البرلمان. بحسب رويترز.

والاحزاب السياسية محظورة في الكويت لكن النظام الانتخابي السابق ساعد نواب المعارضة على تشكيل ائتلافات في الانتخابات ومنحهم المزيد من النفوذ داخل البرلمان، ودعا نشطاء الى تنظيم احتجاجات في حال صدور قرار المحكمة لصالح النظام الانتخابي الجديد.

ازمة جديدة تهز الكويت والوزراء يقدمون استقالاتهم

على الصعيد نفسه قدم الوزراء الكويتيون استقالاتهم على اثر مذكرة تقدم بها نواب تطالب باستجواب اثنين منهم بشان غرامة دفعت لشركة اميركية، كما اعلن رئيس مجلس الامة (البرلمان)، لكن لم يتضح على الفور ما اذا كان رئيس الوزراء الشيخ جابر مبارك الصباح، احد افراد العائلة المالكة، قدم هذه الاستقالات الى الامير، وقال علي الراشد للصحافيين "لقد تبلغت ان الوزراء قدموا استقالاتهم الى رئيس الوزراء وبالتالي لن تكون هناك جلسة للبرلمان"، وقاطع الوزراء جلسة البرلمان الذي اضطر رئيسه الى رفعها.

وجميع الوزراء في الكويت باستثناء وزير واحد، هم اعضاء غير منتخبين في البرلمان، ولا يمكن لجلسة البرلمان ان تعقد الا اذا حضر واحد منهم على الاقل، وبحسب القانون، يمكن للحكومة ان تستقيل فقط بعد ان يقدم رئيسها استقالته شخصيا واستقالة وزرائه الى الامير الذي له الكلمة الفصل في هذا الامر،  واعتبر النائب الاسلامي خالد الشليمي ان مقاطعة الوزراء تثبت ان الحكومة هي التي تثير المشاكل.

وقد اعرب السياسيون ووسائل الاعلام عن غضبهم بعد اعلان الشركة الحكومية "بتروكيميكال انداستريز كومباني" الاسبوع الماضي دفع تعويضات بقيمة 2,2 مليار دولار لشركة داو مقابل انسحابها من مشروع بتروكيميائي مشترك بقيمة 17,4 مليار دولار.

التوتر السياسي يرفع بورصة الكويت لمستويات تاريخية

الى ذلك أغلق المؤشر الرئيسي لبورصة الكويت على أعلى مستوى له منذ نوفمبر تشرين الثاني 2010 رغم التوتر السياسي الذي تعيشه البلاد وهو ما أثار شكوكا قوية لدى الأوساط الاقتصادية والمحللين حول تدخلات سياسية في تداولات البورصة.

ورجح محللون أن تكون المحفظة الوطنية التي تملكها الهيئة العامة للاستثمار التي تمثل الصندوق السيادي لدولة الكويت وراء هذه الارتفاعات التي لا سند لها من أخبار الشركات أو عوامل الاقتصاد.

وقال المحلل المالي نايف العنزي أن الصندوق السيادي يهدف "لتوصيل رسالة اطمئنان" للمتداولين أنه لن يتم السماح بترك البورصة وحدها دون مساندة في مواجهة عوامل السياسة مبينا أن "الارتفاعات كانت مبالغ فيها والرسالة كانت مبالغ فيها أيضا."

وتجاوب سوق الكويت للأوراق المالية مع الهدوء النسبي الذي شهدته الساحة السياسية وارتفع 18.7 في المئة منذ بداية العام الحالي وحتى إغلاق اليوم طبقا لحسابات رويترز، وتزايدت حدة ارتفاعات المؤشر في الأسابيع الأخيرة مع ظهور مؤشرات قوية على توافق حكومي نيابي على قضايا كانت توصف بالحساسة في حكومات سابقة من أهمها ملف قروض المواطنين الاستهلاكية الذي تم تسوية جزء كبير منه من خلال قانون صندوق الأسرة الذي أقر هذا الشهر بكلفة تتحملها الحكومة تصل 744 مليون دينار.

ويسعى نواب البرلمان ووزراء الحكومة خلال الفترة الحالية إلى إقرار تشريعات يشعر بها المواطنون حتى لو تحملت خزانة الدولة تكاليف باهظة ثمنا لذلك لاسيما أن الكويت عضو منظمة أوبك حققت فائضا قدره 17.22  مليار دينار (60.5  مليار دولار) خلال العشرة أشهر الأولى من السنة المالية الحالية 2012-2013 التي بدأت في ابريل نيسان وذلك بفضل ايرادات النفط القوية. بحسب رويترز.

وقال المحلل المالي محمد الثامر "واضح أن طلعة السوق (اليوم) مسيسة وخلفها رسالة أن الأمور تسير من حسن إلى أحسن"، وقال العنزي إن أي رفع مصطنع للأسعار سيكون له "مخاطر وانعكاسات سلبية.. وسوف نشاهد لونا أحمرا بانخفاضات كبيرة وعمليات جني أرباح سريعة"، وحذر الثامر من أن رفع أسعار الأسهم لمستويات "غير واقعية" سوف يدخل السوق في "متاهة" مستقبلا بعد أن تنقضي الأغراض السياسية لمن يرفعونه حاليا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 23/حزيران/2013 - 13/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م