آكلو لحوم البشر وقاطعي الرؤوس

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في مؤتمره الصحفي المشترك مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، حذَّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الغرب، من تسليح المعارضة السورية قائلا إن خصوم الرئيس بشار الأسد أكلوا أعضاء بشرية ويجب عدم دعمهم.

وقال بوتين (أظن إنك لا تنكر أن على المرء ألا يدعم أشخاصًا لا يقتلون أعداءهم فحسب بل يشقون أجسادهم ويأكلون أحشاءهم أمام الناس والكاميرات).

ومضى يقول (هل هؤلاء هم الذين تريد أن تدعمهم؟ هل هؤلاء هم من تريد أن تزودهم بالسلاح؟”مشيرا الى ان هذا يؤثر على القيم الثقافية والإنسانية ولا نسمح بحدوث ذلك”.

التصريح سينقض عليه المعارضون لبشار الاسد انقضاض الحيوانات الجائعة على طريدتها، وخاصة مايتعلق منه بجملته الاخيرة والتي تتحدث عن القيم الثقافية والانسانية، وسيرى هؤلاء المعارضون، ان روسيا او الغرب لاعلاقة لهم بتلك القيم، وانهم كثيرا مايميلون الى الكيل بمكيالين.

مشكلة العرب- الاعراب، انهم ينسون الكثير من كيل شعيرهم في تعاملهم مع الكثير من قضاياهم، ولعل ابرز الامثلة على ذلك، الموقف من صدام حسين وعلاقته بشعبه.

الكثير من النخب الثقافية والسياسية، والفعاليات الاجتماعية والحزبية، نظرت الى طاغية العراق نظرة تبجيل وتقديس، ولم تتهمه بالديكتاتورية والاستبداد، ووقفت معه في الكثير من مواقفه، التي قادت الى ما قادت اليه الان.

في العام 1991 وقف االعرب ضد انتفاضة العراقيين، وباركوا لصدام حسين عمليات القتل والتنكيل بشعبه، ولم يتقدم احد من وعاظ السلاطين ودعاة السوء، باعلان الجهاد ضد صدام حسين وقتها، ولم يذرف احد الدمع على القتلى، فهم في المحصلة النهائية، شيعة لا بواكي لهم.

هذا الموقف لم يقتصر على فصائل الاسلام السياسي السني، بل تعداه الى الكثير من نخب العربان الثقافية والعلمانية، والتي رأت في تعامل صدام حسين بتلك الوحشية والقسوة، نوعا من المقاومة والتصدي للمخططات الامبريالية والاستعمارية والصهيونية وغيرها من مصطلحات اكل عليها الدهر وشرب.

هل ابحث عن موقف اخلاقي في هذه المقارنة؟ يمكن ذلك، رغم ان لاوجود لما يمكن تسميته مبدأ اخلاقي عربي واسلامي، بل هو موقف انتهازي فيه الكثير من الانحطاط والابتذال.

اعود الى تصريح الرئيس الروسي، ووصفه للمعارضين للرئيس السوري، بانهم يشقون أجساد قتلاهم ويأكلون أحشاءهم أمام الناس والكاميرات.

احاول الان ان اقلب بعض صفحات التاريخ، واقتطف منها بعضا من تلك الارتكابات بحق الانسان، مطلق الانسان، من قبل قاتله وجلاده.

مورس أكل لحم البشر عبر التاريخ في عدة مواضع وحالات مثل:

1- أثناء المجاعات

2- في المدن المحاصرة

3- من بعض القبائل البدائية

4- كنوع من المبالغة في إيذاء العدو.. حيث يأكل المنتصر من لحم المهزوم

5- اعتقاد البعض أن أكل لحم الأعداء ينقل قدراتهم لهم.

6- كإحدى الطقوس الدينية أو طقوس الدفن.

7- كمرض سلوكي جنسي.

من القبائل التي اشتهرت تاريخيا باكل البشر هي قبيلة (أناسازي) في أمريكا الشمالية، ويقال أن (جيمس كوك) الرحالة الشهير الذي قتله سكان (هاواي) قد تم التهامه.

وتعتقد بعض القبائل في (نيوزيلندا)، ان اكل لحوم البشر هو بمثابة تكريم لهم، فهي تمجد ذكرى الميت بأن تأكل مخه.. فبعد أن يموت شخص له مكانة عندهم تجتمع القبيلة حول جثته وينشدون بعض الأناشيد الدينية ثم يستخرج ساحر القبيلة مخ الميت ويوزعه بالتساوي بين المشيعين ليأكلوا منه.

في عصرنا الحديث، اشتهر العديد من السفاحين بأكل لحوم البشر مثل:

الالماني (أرمن مايفس) فني الكمبيوتر الذي أعترف بقتل وأكل رجل في أوائل عام 2001 حيث التقى به بعد أن أعلن على مواقع الإنترنت أنه يطلب شابا قوي البنية ما بين الثامنة عشر والثلاثين للذبح والأكل.

ثم قال (مايفيس) بعد ذلك إنه قتله برضاه.. غير أن هذا لم يهدئ من حالة الاشمئزاز التي أصابت الشعب الألماني.

(ألبرت فيش) الذي اغتصب وقتل وأكل عددا من الأطفال خلال العشرينات.. وقد قال إنه كان يشعر بلذة جنسية هائلة نتيجة ذلك.

السفاح الروسي (أندريه تشيكاتيلو) الذي قتل 53 شخصا على الأقل بين عامي 1978 و1990

كما اشتهرت قضية الياباني (إسي ساجاوا) الذي قتل طالبة السوربون الدنمركية (رينيه هارتيفيلد) ثم أكلها.. واعتبره الأطباء مجنونا.. وبالتالي لا يمكن إخضاعه للمحاكمة.. فتمت إعادته إلى (اليابان) حيث مكث هناك في مصحة عقلية لخمسة عشر شهرا.. خرج بعدها ويعيش حتى اليوم طليقا ويلمح البعض أن ذلك تم بتدخل والده كونه رجل ذو نفوذ في اليابان.

وخلال الحرب العالمية الثانية تم تسجيل وتوثيق العديد من وقائع أكل لحوم البشر.. فمثلا:

1- ظلت مدينة (ليننجراد) محاصرة على مدى 872 يوما بين عامي 1941و1942.. في البداية كان الناس والجنود يأكلون الطيور والفئران والحيوانات الأليفة..وبعد نفاذها لجأ الناس لأكل لحوم البشر ما دفع شرطة المدينة لإنشاء قسم لمكافحة أكل لحوم البشر.

2- وفي فبراير 1943 تم نقل ما يقرب من مائة ألف جندي ألماني كأسرى حرب إلى معتقلات (سيبيريا).. وهناك حدثت مجاعة فالتهم السوفييت الألمان حتى لم يبق منهم سوى خمسة آلاف فقط.

وحتى أولئك الناجين من الالتهام نجوا لأن السوفييت تعافوا التهامهم نتيجة إصابتهم بالأمراض التي توفوا بها لاحقا في معتقلهم هذا.

3- وأثناء الحرب العالمية الثانية تم توثيق روايات من بعض الناس بالعثور على أظافر إنسان في النقانق مما يشير إلى استخدام اللحم البشري في صنعها.

4- تم توثيق العديد من الشهادات والتقارير التي تم الإدلاء بها عقب الحرب العالمية الثانية خلال التحقيقات والمحاكمات التي تمت بخصوص جرائم الحرب. أفادت أن الجنود اليابانيين قد مارسوا أكل لحم أسرى الحلفاء في الحرب في العديد من مناطق شرق آسيا..

ووفقا للمؤرخ (يوكي تاناكا): (أكل لحم البشر كان نشاطا منهجيا أجرته فرق كاملة من الجنود تحت قيادة ضباط).

5- في بعض الأحيان كان اللحم يقتطع من البشر الأحياء.

6- آخر حالة موثقة حدثت خلال الحرب العالمية الثانية تم تسجيلها في فبراير 1945 حيث قام 30 من الجنود اليابانيين في جزيرة (شيشيجيما) اليابانية يتزعمهم الميجور (ماتوبا) والجنرال (تاشيبانا) والأدميرال (موري) والنقيب (يوشي) والدكتور (تيراكي) بقتل والتهام خمسة من أفراد سلاك الجو الأميركي.

هذه الواقعة كانت مختلفة.. حيث فاقت التصور في بشاعتها..حيث كانوا يقتطعون أجزاء من الكبد أو يبترون الأطراف فقط للمحافظة على الخمسة أحياء لعدة أيام لضمان الحصول على لحوم طازجة.. وقد أدين الجميع أثناء التحقيق الذي تم معهم عام 1947 وتم الحكم عليهم من محكمة جرائم الحرب بالشنق.

في تاريخنا العربي المجيد، في شقه الجاهلي او الاسلامي، وفي احد المصادر المعروفة، وهو كتاب البخلاء للجاحظ، يعطينا لمحة قصيرة و سريعة عن بعض اكلة لحوم البشر العرب، كما ذكر الجاحظ في كتابه:

"و تهجا أسد بأكل الكلاب، وبأكل لحوم الناس. والعرب إذا وجدت رجلاً من القبيلة قد أتى قبيحاً، ألزمت ذلك القبيلة كلها. كما تمدح القبيلة بفعل جميل، وإن لم يكن ذلك إلا بواحد منها".

ويعطينا الجاحظ امثلة عن هذه الحوادث فيقول في باب الطعام المذموم عند العرب:

" وتهجى أسد وهذيل والعنبر وباهلة بأكل لحوم الناس.

قال الشاعر في هذيل:

وأنتم أكلتم سحفة ابن مخدم... زماناً فما يأمنكم أحد بعد

تداعوا له من بين خمس وأربع... وقد نصل الأظفار وانسبأ الجلد

وقال حسان فيهم:

إن سرك الغدر صرفا لا مزاج له... فأت الرجيع وسل عن دار لحيان

قوم تواصوا بأكل الجار بينهم... فالشاة والكلب والإنسان سيان

ولعل اشهر اسم نسائي في تاريخ العرب الحضاري في منجز اكل لحوم البشر هو اسم هند زوجة ابي سفيان وام الخليفة المعظم والمبجل معاوية، وعرفت بلقب اكلة الاكباد، حين التهمت كبد حمزة بن عبد المطلب بعد موقعة احد الشهيرة.

تحدثنا المصادر التاريخية:

قال الحافظ محمد بن عقيل في النصائح الكافية: (كانت شديدة العداوة للنبي صلى الله عليه وآله بمكة ، ولما تجهز مشركوا قريش لغزوة أحد ، خرجت معهم تحرِّض المشركين على القتال ، ولما مرُّوا بالأبواء حيث قبر أم النبي صلى الله عليه وآله آمنة بنت وهب أشارت على المشركين بنبش قبرها ، وقالت: لو نجشتم قبر أم محمد ، فإن أُسر منكم أحدٌ فديتم كل إنسان بإرْب من آرابها ، أي جزء من أجزائها ، فقال بعض قريش: لا يفتح هذا الباب).

وفي شرح النهج لابن ابي الحديد: (كانت هند بنت عتبة أول من مثل بأصحاب النبي وأمرت النساء بالمُثْلة ، وبجدع الأنوف والآذان ، فلم تبق امرأة إلا عليها معضدان ومسكتان وخدمتان ) ! انتهى. والمِعْضد سِوار ونحوه يلبس في العضُد ، والمَسْكة سوار يلبس في ذراع اليد ، والخَدَمة الخلخال يلبس في الساق.

وفي شرح النهج ايضا: ثم قالت (لوحشي): إذا جئت مكة فلك عشرة دنانير، ثم قالت: أرني مصرعه فأريتها مصرعه فقطعت مذاكيره وجدعت أنفه، وقطعت أذنيه، ثم جعلت ذلك مسكتين ومعضدين وخدمتين، حتى قدمت بذلك مكة وقدمت بكبده أيضاً معها.

العرب والمسلمون المعاصرون ورثوا تلك العادة من اسلافهم، وقادتهم الميامين، هند ومعاوية ويزيد، ولا داعي لذكر المزيد من الاسماء، اذ يمكن العثور عليها في مضانها التاريخية الكبرى والصغرى ومابينهما، وهي تدل دلالة واضحة ان تلك العادة الموروثة ماهي الا عبارة عن ثقافة مترسخة في الوجدان الاسلامي، تظهر في لحظات الاختبار الانساني، وشاهدنا الكثير من حالات الفشل في هذا الاختبار، وسنشهد المزيد منه طالما بقيت تلك الجماعات تقاتل تحت الوية فتاوى الحقد والكراهية والذئبية، حيث الانسان ذئب لاخيه الانسان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 19/حزيران/2013 - 9/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م