القضاء السعودي... قوانين واحكام اساسها القبلية والتطرف

احمد جويد/مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

إحقاق الحقوق وتطبيق القوانين بالمجرمين بأحكام تصدرها المحاكم هو مطلب إنساني قبل أن يكون تطبيقاً لشرع أو لقانون، وهو أيضاً ضمانة لحماية حقوق الإنسان وذلك بعدم التعرض لحقوقه وحرياته من قبل الغير.

 لكنما يثير الخشية والقلق من إصدار الأحكام وتنفيذها هو ما يلف تلك الأحكام من غموض وضبابية وعدم نضج، إضافة إلى ما يتعلق بالكيفية التي تفسر فيها النصوص القانونية والشرعية التي يتم بموجبها إصدار الأحكام وتنفيذها ناهيك عن عدم وجود المؤهلات اللازمة لمن يجلس على سدة القضاء.

ومع أن جهات دولية عدة رصدت الكثير من الأحكام التي تنتهك حقوق الإنسان انتهاكاً صريحاً عن طريق إجراء محاكمات تفتقد أبسط المعايير القانونية في الشكل والمضمون، لا تزال المحاكم السعودية مستمرة على نفس النهج البعيد عن إحقاق الحق وتجسيد العدل في أحكامها ضد المتهمين في العديد من أحكامها القضائية، حيث إن السلطات السعودية هناك تنتهك بصورة روتينية المعايير الدولية للمحاكمة العادلة وتبتعد عن المبادئ القانونية المتعارف عليها الخاصة بتوفير الضمانات للمتهمين وحق الدفاع عن أنفسهم وحق التوكيل والمساواة بينهم أمام القضاء.

لا أحد يُنِكر أمر الله سبحانه وتعالى في تطبيق القصاص بقوله في سورة البقرة (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179))، لكنه أمر أيضاً بان يكون الحكم عادلاً، كما جاء في قوله تعالى في سورة النساء (...وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58)).

وفي هذا المقال يمكن الاشارة إلى جملة أمور تميزت بها احكام القضاء السعودي عن غيره وهي:

1- انتهاك حقوق الانسان:

من المسائل المهمة أن القضاء السعودي لا يلتزم بالمبادئ الخاصة بحقوق الانسان الواردة في المواثيق والاعلانات الدولية ففي أحد الأحكام الملفتة للنظر والذي يمثل اشد أنواع الانتهاكات لحقوق الإنسان، هو إقدام المحاكم السعودية على إصدار أحكام الإعدام ضد خمسة شبان يمنين تم تنفيذ الحكم بهم بطريقة بشعة وذلك بقطع رؤوسهم والتمثل بجثثهم وتعليقها في وسط المدينة.

هذا الفعل الذي أثار ردود أفعال وإدانات دولية رسمية وغير رسمية "منظمات حقوقية" كالإدانة الصادرة من المفوضة السامية للشئون الخارجية والأمن لدى الاتحاد الأوروبي كاترين آشتون، في بيان صحفي لها بالقول، "إنني أشجب عمليات الإعدام الأخيرة في المملكة العربية السعودية لخمسة مواطنين يمنيين، بعد إدانتهم بارتكاب جرائم القتل والسرقة"، ومنظمة العفو الدولية التي وصفته في بيان صحفي لها "بأنه عقوبة قاسية ولا إنسانية ومقلقة للغاية" وقالت "إنه يجب على المملكة العربية السعودية وقف تلك التصرفات المرعبة"، ومسئول المنظمة في منطقة الشرق وشمال أفريقيا، فيلب لوثر "يجب فرض حظر على تنفيذ أحكام الإعدام تمهيدا لإلغاء عقوبة الإعدام فورا في السعودية "، بالإضافة إلى المؤسسة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر والتي وصفت ما قامت به السلطات السعودية بأنه جريمة "بشعة ومهينة للإنسانية". وطالبت المجتمع الدولي بـ"التدخل لمنع مثل هذه الجرائم التي تمارسها السلطات السعودية ضد المواطنين اليمنيين".

2- قبلية الأحكام القضائية:

 مما تميز به القضاء السعودي أن احكامه ذات طابع قبلي وبدوي رغم ان ظاهرها يزعم انه تستند إلى النصوص الدينية، فعلى سبيل المثال، قامت محكمة في مدينة الجوف، في أغسطس/آب 2005، بالتفريق بين زوجين قسراً بسبب "عدم الكفاءة بالنسب"، في الحكم الصادر في القضية التي رفعها الأخوة غير الأشقاء للزوجة بعد موت أبيهم الذي وافق على هذه الزيجة، وقامت محكمة التمييز بالرياض بتأكيد الحكم في يناير/كانون الثاني من عام 2006، وقد لقي حكم المحكمة استهجان الرأي العام السعودي، وأنكره علماء مسلمون آخرون واصفين إياه بأنه "لا يستند إلى أحكام الشريعة الإسلامية،" بل إلى "أعراف قبلية. "وانتقدت منظمة "هيومان رايتس ووتش" الحكم، ودعت الملك عبد الله إلى إحالة القضية إلى المجلس الأعلى للقضاء "لتصحيح الحكم غير العادل.".

3- عدم شفافية الأحكام القضائية:

 رغم وجود بعض النصوص القانونية التي تشير إلى إن المحاكمات علنية، إلا أن الواقع يؤكد غير ذلك، فأغلب المحاكمات تجري بصورة غير علنية، كما أنه يفتقر إلى الشفافية، والضمانات الكفيلة بإجراء محاكمات عادلة، ويوصف القضاء السعودي كذلك بأنه متخلف عن الأخذ بالتشريعات الحديثة وعاجز عن التعامل مع الحياة المعاصرة.

4- غياب المحاكمة العادلة:

 مثل عدم المساواة بين الرجل والمرأة في بعض الحالات، وعدم الالتزام بحق المساواة في التقاضي من تمييز بين الخصوم أو تمييز بين المواطن السعودي وغيره، وعدم المساواة بين المتهمين من ناحية العقوبات الصادرة ضدهم بحيث يكون هناك أكثر من عقوبة مختلفة مع توحد الجرم المرتكب.

5- غياب حق الدفاع:

 لا يتمتع المتهم لدى القضاء السعودي بأبسط وسائل الدفاع، وكل ما يتم فهمه بعد تنفيذ الحكم هو ما يتم التحدث به من قبل الناطق الإعلامي باسم وزارة الداخلية خصوصاً بالقضايا التي تصدر فيها أحكام إعدام، كقضية الشباب اليمنيين الخمسة الذين تم إعدامهم مؤخراً في السعودية.

6- تسلط المتطرفين:

 نظام القضاء الشرعي هو النظام الأساسي للقضاء السعودي وقضاته ومحاموه هم من (العلماء)، والمفتي العام للبلاد هو الذي يملك أعلى منصب قضائي في البلاد وهو أيضا يشغل منصب كبير القضاة، وملك البلاد هو صاحب الاختصاص الأعلى في الاستئناف من كل المحاكم الشرعية والإدارية، كما أن كل المحاكم الشرعية والإدارية تتبع أحكام الإثبات والإجراءات الشرعية التي تشرع قوانينها أو تكيف قانونياً أو تفسر شرعياً من قبل رجال دين متطرفين، فهو خليط من قبليين ومتطرفين، وبفعل هؤلاء فان النظام القضائي السعودي انتُقد أيضاً، بأنه بطيء، غامض، خالي من الضمانات ولا يجاري العالم الحديث، وإن المرجعية الإسلامية واسعة وفضفاضة وتحتاج إلى مصادر قانونية محددة وواضحة، بحيث لا تختلف الأحكام الصادرة للتهمة نفسها بين محكمة وأخرى.

7- توهين المرأة وتحقيرها:

 إن المرأة السعودية تشعر بأن النظام القضائي يقوم بظلم واضطهاد مضاعف لها، وخير مثال على ذلك الحكم في قضية "فتاة القطيف" والذي حوَّل الضحية إلى جانية، بحسب تعليق هتون الفاسي، المدرّسة في جامعة الملك سعود بالرياض والناشطة في مجال حقوق المرأة، كما اعتبرت الفاسي، أن السعوديات "يعانين من غياب قوانين مكتوبة، ومن كون الأحكام متروكة لتقدير القضاة.".

 ووفقاً للناشطة وجيهة الحويدر فإن القضاء السعودي "يعد المرأة جزءاً من ممتلكات ولي أمرها،" حسب تعبيرها، كما أنه يتجاهل فيه القضاة إصدار الأحكام كتابياً، حتى في القضايا التي يُحكم فيها بالإعدام، وفقاً لـ "هيومان رايتس ووتش.".

 وبالرغم من إعلان السلطات السعودية لأكثر من مرة نيتها بإصلاح النظام القضائي إلا أن الإصلاح الحقيقي للقضاء السعودي لا يمكن أن يتم بمعزل عن الإصلاح الشامل في المملكة، ولاسيما في الإطار السياسي والاجتماعي والتعليمي، لذا فإن القضاء السعودي لن يشهد تغيرات نوعية في الفترة القريبة على الأقل برأي العديد من الخبراء في الشأن القضائي.

ويرى خبراء قانونيون ان وجود قضاء عادل ربما يتحقق من خلال ثلاثة شروط؛

 الأول: استقلال القضاء، ويسبق هذا الاستقلال إصلاح القضاء وتقنينه بوضع قوانين تراعي حقوق الإنسان وتضمن حقوق المدعي والمدعى عليه وحقوق المتهم، كما يجب وضع معاهد متطورة لتدريس هذه القوانين، وتطوير نظام المرافعات والرقابة على السجون، ويتم اعتماد ميزانية خاصة للقضاء، ثم يتم فصل القضاء كلياً عن أي سلطة قد تؤثر في قراراته مستقبلاً، وبذلك سوف يشعر المواطن السعودي بالطمأنينة مع قضاء عادل ونزيه.

 الثاني: الابتعاد عن التمسك بالمواريث القديمة، إذ لايمكن أن يتم الإصلاح القضائي بتوفير الأموال فقط كما تم الإعلان عنه من قبل السلطات السعودية، بل الإصلاح يتم من خلال تغيير مصادر التفكير الكلاسيكية التي تحكم القضاء السعودي والتي تشتمل من يصوغ الأحكام ومن يطبقها، بالإضافة إلى التقييم الفني والمسلكي للقضاة حيث لا بد أن تكون هناك جهة مختصة بإجراء تقييم دوري للقضاة بحيث يتضمن طريقة عمله وأدائه والخبرة التي اكتسبها ومدى قدرته على استيعاب القانون وتطبيقه على القضايا المنظورة أمامه بالإضافة إلى تقييم سلوك القاضي والتعرف على علاقاته مع العالم الخارجي والسلوك الذي يتبعه في حياته بشكل عام ولا بد من متابعة ذلك أولا بأول.

الثالث: التعامل مع المواطن كمواطن دون النظر إلى خلفياته الدينية أو معتقده المذهبي، وأن تأخذ التشريعات بنظر الاعتبار معتقدات المواطنين، من دون أن يتم تغليب مذهب على مذهب في القضايا المتعلقة بكل طائفة في الجوانب التي يتم الحكم فيها وفقا للشريعة الإسلامية.

* عضو الفريق القانوني في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

.............................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

موبايل/009647712421188

http://adamrights.org

[email protected]

https://twitter.com/ademrights

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 19/حزيران/2013 - 9/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م