في مديح الانحطاط... عن الصحافة والثقافة والعفونة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: منذ رجوعي الى العراق في العام 2003 وحتى العام 2012 لم اتقدم بطلب الانتماء الى نقابة الصحفيين لكرهي للانتماءات بكافة اشكالها، او لانني اعتبر نفسي هاويا في مجال العمل الصحفي، او في احسن الاحوال ان محفظتي لاتتسع لهوية اضافية، وهي التي تشكو من تخمة الهويات والبطاقات الشخصية، وفواتير الماء والكهرباء، وغيرها من قصاصات ورقية احيانا تكون من الاخضر الامريكي.

المهم قبل نهاية العام 2012 فكرت بالتقديم لتلك النقابة العريقة، وحصلت على كتاب تاييد من المؤسسة التي اعمل فيها منذ العام 1997 (وهي مؤسسة حقيقية)، لم اوفق الى تقديم الطلب، ففي المرة الاولى كانت هناك انشاءات جديدة في بناية النقابة، وفي المرة الثانية، اخبرني مدير الادارة بتوقف تقديم الطلبات الجديدة.

تركت كتاب التاييد بين اوراقي العديدة، ومع تقادم التاريخ المثبت عليه، احتجت الى كتاب تاييد جديد من مؤسستي (وهي مؤسسة حقيقية)، فاجأني احد الاخوة من العاملين معي بان النقابة قد شطبت اسماء المنتسبين الى المؤسسة وابقت فقط على اسم رئيسها بداعي العدد الكبير للصحفيين الموجودين في قوائم النقابة.

استغربت وقتها، كيف ان مثل مؤسستنا يتم التعامل معها بهذه الطريقة دون النظر الى تاريخها، وهو تاريخ لايمكن ان يكون مشمولا بقوانين الاجتثاث او المساءلة والعدالة، لانها اصلا قد تاسست في سوريا خلال التسعينات، ولها موقع الكتروني معروف، ومجلة شهرية، وعدد من مراكز الدراسات.

استغرابي لم يطل طويلا، فقد تذكرت اكثر من صديق ليس لهم علاقة بالصحافة وهم يحملون الهويات الصادرة منها، اثنان منهم اصحاب محلات تجارية في الشورجة والرصافي وثالثهم سائق سيارة اجرة.

وتذكرت ايضا احد الكتاب الذي بالكاد قد حصل على هوية (مشارك) وليس (عضو) وهو يصف نفسه بانه في مجال العمل الصحافي منذ ثلاثة وعشرين عاما وقبل ربما ان يكتب السيد النقيب اولى كلماته.

استغرابي لم يطل طويلا، وانا الذي عاهدت نفسي ان لايثير استغرابي شيء في عراقنا الجديد، عراق الديمقراطية وصناديق الاقتراع وتظاهرات المزورين للمطالبة بحقوقهم المالية، فالانحطاط عراقي، على وزن ارفع راسك انت عراقي، وهو عراق ابداع الاكاذيب، من كل جنس ولون..

يمكن شراء هوية كاملة العضوية لقاء مبلغ معين، هكذا اخبرني صديقي التاجر في الشورجة، لم اسأله عن مقدار المبلغ، ولم يخبرني هو عنه، المهم اني الغيت الفكرة من رأسي.

في الاخبار المتداولة ان نقابة الصحفيين عقدت اجتماعا لرؤساء تحرير الصحف والمجلات ووكالات الانباء المحلية لصياغة وثيقة شرف لمهنية العمل الصحفي ترتكز على نبذ الطائفية ومحاربة الارهاب بكل اشكاله والعنف بكل صيغه وانتهاج اسلوب الحوار وقبول الرأي الاخر وترسيخ مفاهيم الديمقراطية في المجتمع وعدم التهميش والترويج لذلك لتأخذ الصحافة دورها الفاعل والمؤثر في حركة المجتمع العراقي وبنائه الحضاري".

مثلما ترون الديباجة حلوة وجميلة ومؤثرة، لكنها ايضا انشائية، وقد اعجبتني هذه الكلمات الاخيرة منها، (المجتمع العراقي وبنائه الحضاري)..

وفي الاخبار ايضا، ولاتتعجلوا في الربط بين السابق من الكلام وماياتي بعده، واعتبروه هذيانا لمحموم في نهار صيف قائظ... فقد عرض شاعر وصحفى كولومبى خصيتيه للبيع لتوفير الأموال من أجل رحلة يقدم فيها أعماله للأوروبيين. وأضاف الشاعر الذى ألف 11 كتابا، أنه يمكن أن تزرع خصيتاه لدى شخص عقيم.

حين قرات الخبر، لم استغرب من تلك العلاقة بين الخصيتين وهذا الشاعر الكاتب، فقد تذكرت ماقرأته في رواية (نظافة القاتل) للروائية البلجيكية (اميلي نوثومب) وهي تتحدث عن كاتب شهير على وشكك الموت، وكيف ان الصحفيين يتقاطرون على لقائه واجراء الحوارات معه.

- بعض الصحفيين يكتبون بنحو جيد ايضا، ولكن لايكفي ان يكون لديك قلم جيد لكي تكون كاتبا.

- آه، لا. وماذا يلزم ايضا؟

- الكثير من الاشياء. في البداية، يلزم ان يكون للكاتب خصيتين.

في مكان اخر من الرواية يدور الحديث بين الكاتب الشهير والصحافي حول الشهرة:

- كتاباتي اشد ضررا من الحرب.

- انت لا تمدح نفسك الان؟

- بل يجب ان افعل ذلك مادمت القاريء الوحيد الذي يمكنه ان يفهمني. ان كتبي اكثر ضررا من اي حرب مادامت تخلق الرغبة بالموت. في حين ان الحرب تخلق الرغبة بالحياة. بعد ان يقرأ لي الناس سيتعين عليهم ان ينتحروا.

- كيف تفسر انهم لايفعلون ذلك؟

- هذا في المقابل افسره بسهولة كبيرة: لانه ما من احد يقرأ كتبي. في الحقيقة، هاهنا يمكن، ربما، تفسير نجاحي الباهر. فاذا كنت مشهورا ياعزيزي فلانه مامن احد يقرأ لي..

- اي تناقض هذا؟

- على العكس: لو حاول هؤلااء المساكين قراءة كتبي، لكرهوني، فلكي ينتقموا للجهد الذي كلفتهم اياه فانهم سيرمونني في سلة المهملات، بيد انهم لم يقرؤوا لي شيئا، وجدوني مريحا، وظريفا اذن وجديرا بالنجاح..

هل تبينت لكم العلاقة بين الخصيتين والقدرة على الكتابة؟

وهناك ايضا تعبير ساد كثيرا في اوساطنا الثقافية العربية، وهو تعبير الكاتب والمثقف (المخصي) للدلالة على عدم القدرة على التاثير في المجتمع بسبب عوامل سياسية او ثقافية تعيق الكاتب والمثقف العربي عن الابداع وبالتالي التاثير في مجتمعه..لكن هل يعد هذا سببا كافيا لعدم التاثير وكون المثقف في الاصل لادور له في مجتمعاتنا بسبب من تركيبته الثقافية التي تكدس الكثير من الافكار والكراكيب دون ان تقول شيئا..

ربما تعود هذه الثقافة المخصية الى ادوار تاريخية سابقة، حين كان (الخصي او المخصي) في بلاط السلاطين، له وظيفة حراسة الحريم السلطاني، والذي كان من كل الوان الطيف الشمسي، وقد اصبحت تلك الوظيفة لها تاثير كبير حتى على تعيين الخلفاء في امبراطورياتنا الاسلامية المجيدة.

وهي الخلافة التي يبشر بها وبعودتها الداعية السعودي محمد العريفي، حين قال "أيها المجاهدون اجتمعوا على مواجهة عدوكم .. نحن ننتظر الخلافة الإسلامية.. واقسم بالله الخلافة الإسلامية قادمة وكأني أنظر إليها بعيني الآن، وما يحدث اليوم في البلاد الإسلامية الآن من اتحاد لعلماء الأمة وأحداث يؤكد أن الخلافة الإسلامية قادمة."

خطبة هذا المبشر بالعودة المباركة للخلافة والتي يراها رأي العين كانت في مسجد  (عمرو بن العاص) من منا لايعرف هذا الاسم؟ وهو صاحب (العورة) التي حازت شهرة واسعة حين درأت القتل عن صاحبها، يوم صفين، والتي تُعرف أمه بالنابغة ، وكانت في مكة صاحبة راية.

وربما من هنا هذا التشجيع على جهاد النكاح، حيث كل مقاتل يطمح ان ينسب له مولود كعمرو بن العاص.

نستطيع ان نتعرف الان على شكل الخلافة القادمة، بعد ان بشر بتحققها النابغة العريفي وهو يراها رؤية عين، وطلائعها في سوريا حيث السيافون والجزارون واصحاب النطع، يزرعون كوابيسهم في (حطلة) وغيرها من مدن وقرى سوريا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/حزيران/2013 - 7/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م