كيف يتميز الانسان في صراع الحياة؟

مئة كلمة وكلمة في قواعد الحياة

 

شبكة النبأ: الحياة قاعة امتحان!، وهي ايضا طريق عبور الى حياة اخرى، أرقى وأهم وأكثر اتساعا وعمقا وآفاقا، من حياتنا هذه، من يفشل في هذه الحياة، او في هذا الامتحان، لا يمكنه قطع الطريق بنجاح الى الدار الاخرى، لذلك ينبغي على الانسان أن يتحصّل على صفات وملكات تساعده على قطع الطريق الصعب والشاق بنجاح مضمون.

في كتاب نهج البلاغة للامام علي بن ابي طالب عليه السلام، نجد ضالتنا، ونحصل على الادوات والخطوات والنصائح الاكيدة التي تساعدنا على امتلاك الصفات والدوافع التي تدفعنا الى امام، من اجل تحقيق الضمان الاكيد للعبور، من حياتنا الاولى الشاقة، الى الحياة الاخرى، لكي يضمن الانسان له فرصة الوجود والعبور الى الحياة الاخرى.

صفات ومَلَكات الفوز

ورد في كتاب نهج البلاغة أن (الْعَجْزُ آفَةٌ وَ الصَّبْرُ شَجَاعَةٌ وَ الزُّهْدُ ثَرْوَةٌ وَ الْوَرَعُ جُنَّةٌ وَ نِعْمَ الْقَرِينُ الرِّضَى). عندما نلاحظ هذا القول سنكتشف صفات لها معاني مختلفة، فالعجز يمكن ان يصيب الانسان في حالات معينة، وهذا يعني عواقب وخيمة عليه، تجعله في المرتبة الاسفل او في قعر الحياة، فضلا عن فشله الاكيد في تحقيق درجة العبور الى العالم الاخر بنجاح، أي ان العجز سوف يؤدي بالانسان الى فشل اكيد في الامتحان الذي تفرضه عليه الحياة الاولى، وتستدعي منه أن يتجاوزه بنجاح، لذلك يصفه الامام عليه السلام بوصف دقيق وخطير عندما يقول عن العجز بأنه (آفة)، لأن الآفة تأكل الاخضر واليابس معا، بمعنى ادق حتى لو كانت هناك محاسن معينة عند الانسان فالعجز كفيل بأن يسحقها ويدمرها بصورة كلية، ويبقى الانسان العاجز صفرا على الشمال بلا أدنى قيمة تذكر.

لذلك يأتي في قول آخر للامام عليه السلام في نهج البلاغة ايضا: (أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الْإِخْوَانِ وَ أَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ). وهذا يؤكد لنا ان العجز لا يتعلق بالعمل فقط ولا الجهد العضلي او الفكري، بل يتعلق بطريقة حياة الانسان برمتها، وتعامله مع الاخرين، ومدى قدرته على النجاح في كسب قلوبهم او العكس.

وهناك الصبر الذي يختلف تماما عن العجز، ولذلك وصفه الامام عليه السلام بأرقى الصفات الانسانية وهي الشجاعة، نعم ان الانسان الصبور شجاع قطعا، وهو مختلف تماما عن الانسان العاجز، لذلك نجد ان الانسان القادر على تحمل الصابر في حالة فوز دائم على الصعاب، وهو عابر لا محالة الى الدار الاخرى بنجاح، كونه يمتلك اهم الصفات التي تعينه على تحقيق النجاح المطلوب، ألا وهو الصبر.

كذلك ترد في قول امير المؤمنين عليه السلام صفة الزهد، وهي قد تكون ملكة ايضا، ولكن الزهد انواع ودرجات ايضا، وأفضل الزهد هو الذي يعيشه الانسان ويتمسك به من دون أن يعلنه على الملأ، او يتبجح به، او يحاول من خلاله التباهي والترفع وما شابه، إذ يرد في قول للامام عليه السلام ((أَفْضَلُ الزُّهْدِ إِخْفَاءُ الزُّهْدِ).

لذا فإن الانسان الذي يجعل من الزهد طريقا غير معلن لحياته هو الافضل من غيره. واذا رافقها الورع، أي مخافة الله والتمسك بثوابت الدين وتعاليمه السمحاء، فإن النجاح في الحياة الاولى يصبح امرا لا جدال فيه قط.

التوافق مع الذات

لاشك أن تركيبة الانسان النفسية والتكوينية بشكل عام، تنطوي على درجات متباينة من التوافق والمصالحة مع الذات، بل هناك اناس يرفضون الصلح بشكل تام مع ذواتهم، الامر الذي يجعل الانسان في حالة صراع دائم مع الذات، وهذا يجعل حياته في قمة البؤس والقلق، لذلك مطلوب أن نرضى عن انفسنا ونتوافق مع ذواتنا، ونتعلم كيف نحقق هذا الهدف من خلال السعي والصبر والبحث الدائم عن سبل ووسائل الرضى.

ويتطلب التصالح مع الذات نوعا من تحقيق الاهداف الجيدة التي يسعى الى تحقيقها الانسان وفق سبل مشروعة ومقبولة شرعيا وعرفيا واخلاقيا، وهذا بدوره يتطلب شخصية قوية صادقة لها همّة عالية ومروءة وشجاعة، قادرة على ان تمنع النفس من السقوط في وحل الرغائب واهواء النفس وغرائزها الضاغطة.

لذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة حول هذا الموضوع: (قَدْرُ الرَّجُلِ عَلَى قَدْرِ هِمَّتِهِ وَ صِدْقُهُ عَلَى قَدْرِ مُرُوءَتِهِ وَ شَجَاعَتُهُ عَلَى قَدْرِ أَنَفَتِهِ وَ عِفَّتُهُ عَلَى قَدْرِ غَيْرَتِهِ). وبهذا يتساوى قدر او قيمة الانسان مع قدر همته، أما صدقه فهو يتسق مع مروءته، فيما تكون درجة شجاعته متسقة ومتوافقة مع قدر أنفته وترفعه على الصغائر التي تطيح بالنفوس الضعيفة في الغالب، ويؤكد الامام عليه السلام على ان عفّة الانسان تأتي على قدر غيرته.

وهكذا نلاحظ ان ثمة جملة من الصفات والملكات، تتيح للانسان ان يتميز على غيره في حياته الاولى، وقدرته على تحقيق النجاح فيها، وعبوره الى الدار الاخرى بنجاح مضمون، ولك عليه أن يكون اهلا لهذا النجاح الصعب الذي لا يتمكن من تحقيقه، إلا من هو حاصل على السمات والصفات والملكات التي تؤهله فعلا وتمكنه من تحقيق النجاح المطلوب.

الخلاصة ينبغي على الانسان أن يسعى الى التوافق مع الذات، والى السير في حياته وفق سبل ومبادئ واضحة، تساعده على المضيّ فيها، عناصر وصفات، عليه أن يحققها ويبنيها في ذاته اولا، بصبر وصدق وشجاعة وزهد ورضى.. بعيدا عن العجز والتكاسل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 13/حزيران/2013 - 3/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م