الجزائر... ذكريات الحرب الأهلية والنفط عوامل مهدئة للسياسة

 

شبكة النبأ: في ظل غياب رئيسها منذ ما يزيد عن شهر في رحلة علاج في فرنسا واضطراب الأوضاع في المنطقة المحيطة تبدو الجزائر من الخارج وكأنها في الطريق إلى مرحلة من الاضطراب.

لكن الواقع على الأرض مختلف فالجزائر تملك احتياطيات نقدية قيمتها 200 مليار دولار من عائدات النفط والغاز تنفق منها لإرضاء السكان بتوفير الوظائف والدعم ولديها أيضا أجهزة أمنية قوية.

وإلى جانب ذكريات الحرب الأهلية الأليمة أدى هذا إلى سبات سياسي من المتوقع أن يستمر في وجود أو غياب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي لم يظهر علنا منذ سفره إلى فرنسا في 27 ابريل نيسان للعلاج من جلطة دماغية.

وقال دبلوماسي غربي في الجزائر العاصمة "لن يحدث عنف نتيجة تغيير سياسي هنا. الناس أكثر اهتماما بالعدالة الاقتصادية في هذا المجتمع." وأطاحت انتفاضات "الربيع العربي" بحكام تونس وليبيا ومصر في عام 2011.

لكن الجزائريين يقولون إنهم نالوا نصيبهم من الربيع العربي في أواخر الثمانينات عندما انفتحت البلاد أمام الانتخابات التعددية. وعندما اقترب الاسلاميون من الفوز تدخل الجيش بانقلاب عسكري في 1992 مما أشعل حربا أهلية عرفت باسم السنوات السوداء قتل خلالها ما يقدر بنحو 200 ألف شخص.

ومنذ ذلك الوقت وسعت الدولة وجودها إلى كل أرجاء الحياة العامة والاقتصادية لتضمن الاستقرار بين الشعب الذي يخشى العودة إلى الصراع وتبعات تحدي النظام بشكل أكثر عنفا.

وقال جيوف بورتر من مركز استشارات المخاطر بشمال افريقيا ومقره نيويورك "الجزائر لغز إلى حد ما ومن لم يزرها لم يفهمها بشكل عميق. "إذا مضيت كجزائري في طريق (المعارضة الشديدة) فسوف تجد أن فرصك الاقتصادية محدودة وتفاعلك مع بيروقراطية الدولة بطيء للغاية."

وحتى السلفيين الذين يتبع تنظيم القاعدة أيديولوجيتهم تم استقطابهم إلى نظام يقدم الاستقرار على أي شيء آخر. وقال توفيق وهو شاب سلفي بينما كان يجلس إلى طاولة بلاستيكية بجوار كشك لبيع البيتزا في مدينة بومرداس الساحلية "عانينا في السنوات السوداء." وقال صديقه طارق "المسلمون يجب ألا يقاتلوا المسلمين."

وبالقرب من بومرداس توجد منطقة القبائل الجبلية حيث المعقل الأخير لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي في شمال الجزائر. ولا يعرف أحد على وجه الدقة عدد المقاتلين الباقين لكن التقديرات تتراوح بين بضع مئات وأكثر من ألف مقاتل يشنون عمليات كر وفر ضد قوات الأمن في الجبال.

لكن في بومرداس كان الشاطئ على البحر المتوسط يستعد لاستقبال الزيارات الصيفية. وسارت الفتيات سافرات في الشارع أو بأغطية رأس وقمصان وسراويل جينز ضيقة.

وباستثناء نقطة تفتيش تابعة للشرطة على أطراف المدينة تقصر حركة المرور على حارة واحدة من الطريق لم تكن هناك أي علامة بارزة على الوجود الأمني. وقال أحد المارة عرف نفسه باسم مصطفى "الوضع هادئ هنا. من قبل لم يكن بإمكاننا حتى أن نتكلم هكذا. كنا مذعورون .. الوضع أفضل كثيرا الآن."

ونجحت قوات الأمن الجزائرية في منع المتشددين من مهاجمة المدن الساحلية التي يعيش فيها أغلب السكان معتمدة على عدد كبير من المخبرين.

وعندما يحدث العنف مثلما وقع في يناير كانون الثاني عندما سيطر متشددون على منشأة ان اميناس للغاز في أقصى الجنوب حصل قرار الجزائر على اقتحام المنشأة سريعا على تأييد شعبي. وقتل 38 رهينة من بينهم أجانب في ان اميناس.

وخلق عدم وجود معارضة حقيقية فراغا سياسي وتسلل السبات أيضا إلى الأعمال التجارية. ورغم أن دولا كبرى من الصين إلى اوروبا إلى الولايات المتحدة تترقب للحصول على موطئ قدم في الجزائر إلا انه عادة لا تتمكن سوى الشركات الكبرى والشركات المتعددة الجنسيات من المرور عبر هذا السبات والروتين والفساد.

وتعتمد الجزائر أيضا على الواردات ويمكن كل مساء مشاهدة نحو 20 سفينة شحن تقف في الانتظار خارج ميناء الجزائر. ويؤدي الاعتماد على تقديم الدولة للدعم والقروض دون فوائد للحفاظ على السلم بدلا من توفير وظائف حقيقية من خلال اصلاحات اقتصادية إلى خلق سخط غير ظاهر لكنه يتجلى في تصاعد معدلات الجريمة والاحتجاجات الصغيرة المتكررة التي تنظمها جماعات مصالح مختلفة.

وقالت امل بوبكير الباحثة في مركز بروكينجز الدوحة "ينبغي ألا نعتبر وهم اللامبالاة في الجزائر أمرا مسلما به. الشعب متعب ومكبوت. الناس لا يخشون فقط ما جرى في التسعينات لكنهم يخشون إيضا خسارة ما يملكون." وأضافت "لكننا يجب ألا ننتظر تغييرا من خلال ثورة على غرار الربيع العربي أو تغييرا في القيادة لأن ذلك لن يغير شيئا والناس يعرفون هذا."

ويحاول الناس العثور على وسائل لتحدي السلطات. وتحولت الصحف إلى الرسوم الكاريكاتيرية لانتقاد بوتفليقة لسفره للعلاج في مستشفى عسكري في باريس رغم أنه شارك في حرب الاستقلال عن فرنسا بين عامي 1954 و1962 .

وقالت صحيفة الخبر على صدر صفحتها الاولى "الشعب يريد ظهور الرئيس". وعولج بوتفليقة من السرطان في 2005 وأدى غيابه عن المشهد إلى تكهنات أنه يعاني من مرض شديد.

لكن بعد أن قال رئيس الوزراء عبد المالك سلال إن الرئيس يتعافى تلاشى كثير من التكهنات.

وعلى خلاف مصر وتونس حيث كان كل من حسني مبارك وعلي زين العابدين يشكل هدفا للغضب تتوزع السلطة في الجزائر من خلال نخبة سياسية وعسكرية سرية.

وتتفادى هذه النخبة السلوك الاستهلاكي الظاهر ويقتسمون ثروة النفط والغاز بطريقة تجعل للكثيرين مصلحة في الوضع الراهن. وقال بورتر "إنهم لا يريدون الثورة على الاقتصاد الذي تهيمن عليه الدولة لأن هذا يحافظ على حياة أغلب الجزائريين."

ولم تظهر النخبة السياسية العسكرية مؤشرات تذكر بشأن الكيفية التي تنوي بها إدارة عملية الانتقال السياسي بعد بوتفليقة (76 عاما) الذي يحكم البلاد منذ 1999 اذا تعين عليه ان يتخلى عن السلطة.

وربما تضطر السلطات لتقديم موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في ابريل نيسان 2014. ومن المتوقع أيضا أن يختاروا مرشحهم المفضل لخلافة بوتفليقة.

وسلال من بين الأسماء التي ترددت لخلافة بوتفليقة وهو تكنوقراط يبلغ من العمر 65 عاما وينظر اليه على انه يقدم امكانية للاصلاح الاقتصادي لكن لا أحد يستبعد مرشحا من صفوف مقاتلي حرب الاستقلال الذين يهيمنون على الجزائر.

ويعني غياب المعلومات أن هذه السلطة تحاول الاتفاق على الخطوات التالية وراء الستار. وقال المؤرخ الفرنسي والخبير بالشؤون الجزائرية بنجامين ستورا "رفض (النخبة السياسية العسكرية) الحديث بشأن صحته أو بشأن ما سيحدث بعد ذلك يرجع جزئيا إلى عقيدة السرية الشبيهة بالمرحلة السوفيتية لكنه يشير بلا شك أيضا إلى أن المتحكمين في السلطة في الجزائر يواجهون بعض المشاكل في التوصل إلى اتفاق بشأن الخلافة."

ومن بين الشخصيات التي يتوقع أن تسعى إلى توافق الجنرال محمد توفيق مدين الذي يدير المخابرات بقبضة من حديد منذ عام 1990 وسياسيون في معسكر بوتفليقة ومجموعة متنوعة ممن يمثلون جماعات مصالح سياسية واقتصادية وعسكرية. وقال الدبلوماسي الغربي "لا نتوقع حدوث كثير من العنف إو اراقة دماء. القضايا الاقتصادية في المدى البعيد هي ما قد يحرك الأوضاع بدرجة أكبر في بلد كهذا."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 12/حزيران/2013 - 2/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م