سوريا والاسلحة الكيماوية... ذرائع غربية لعرقلة السلام

 

شبكة النبأ: منذ عدة اشهر اثيرت قضية استخدام الاسلحة الكيميائية في الحرب السورية، فأخذت حيزا كبيرا من أولويات المجتمع الدولي لكنها اتسمت بتباين مواقف المجتمع الدولي وخاصة من لدن فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، إذ يرى معظم المحللين ان اتهام امريكا وحلفائها لسوريا باستخدام الكيميائي قد يكون ذريعة للحرب، خصوصا بعدما حقتت القوات السورية انتصارات متتالية على قوى المعارضة المسلحة خاصة خلال الاونة الاخيرة، ويعتقد هؤلاء المحللين ان هذه الذريعة ربما تكون تكرار السيناريو العراقي في سوريا والمتعلق باستخدام وتقصي وجود الاسلحة الكيمياوية في البلد كحجة للاطاحة بالرئيس بشار الأسد.

فيما يرى محللون آخرون انه في الوقت الحاضر يبقى اي تدخل مباشر للمجتمع الدولي في سوريا مسألة نظرية، في المقابل تنضم موسكو الحليف الرئيسي لدمشق الى الغربيين في مسألة الاسلحة الكيميائية، لتكسب هذه قضية مزيدا من التعقيد او التوازن، لكنه في اي حالة من الاحوال لم تتبع تلك الدول تدابير ملموسة في هذه القضية على الرغم من تأكيد فرنسا وبريطانيا بشكل قاطع على استخدام الاسلحة الكيميائية في سوريا، الا ان الولايات المتحدة لن تقطع بعد بأن الحكومة السورية استخدمت أسلحة كيماوية في الحرب الدائرة في سوريا رغم إعلان باريس ولندن حدوث ذلك واعلنها ان قضية الاسلحة الكيمائية خطر احمر لا يمكن تجاوزه، لكن في الوقت الذي تنشر فيه الاعلانات الطنانة من قبل فرنسا وبريطانيا حركت سطح الماء في وقت حصل فيه تقارب بين واشنطن وموسكو اللتين تسعيان لعقد مؤتمر دولي للسلام في سوريا، وتاتي هذه التاكيدات مع استمرار التحضير لاجتماع دولي في جنيف يبحث ايجاد تسوية للنزاع السوري، كما جدد روسيا الحليف الاوحد لسوريا التحذير من اي تدخل عسكري خارجي في سوريا، مشيرة الى ان مصيره سيكون الفشل.

فيما اعتبر بعض المحللين لعب ورقة الاسلحة الكيماوية من قبل فرنسا وبريطانيا في هذا التوقيت جاء كرد فعل لصفقة صواريخ ارض-جو من طراز اس 300 الروسية الى سوريا، حيث تعترض اسرائيل والدول الغربية بشدة على حصول سوريا على مثل هذه الصواريخ المتطورة المضادة للطائرات والصواريخ، وعليه في ظل تصاعد التوترات المضطردة في سوريا المتسمة بالاجندات والمصالح المتمثلة بالعوامل آنفة الذكر، تبقى الأزمة السورية متأرجحة بلا تسوية او توافق حتى المستقبل القريب.

الموقف الروسي ازاء الاسلحة الكيماوية

في سياق متصل عبرت روسيا الرافضة بقوة للتدخل العسكري الاجنبي في سوريا عن قلقها من ان قوى لم تسمها قد تستغل المزاعم باستخدام اسلحة كيماوية لتبرير التدخل، وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في مؤتمر صحفي مع نظيريه الالماني والفنلندي "اصبحت قضية الأسلحة الكيماوية موضع تكهنات واستفزازات"، واضاف "لا أستبعد أن يريد أحد استغلالها ليقول إنه تم تجاوز خط احمر وإن التدخل الخارجي ضرورة". بحسب رويترز.

كما حث لافروف تركيا على توضيح التقارير بأن متشددين سوريين يقاتلون للاطاحة بالرئيس السوري بشار الاسد اعتقلوا على اراضيها وبحوزتهم غاز الاعصاب (السارين)، وقالت فرنسا انها اجرت اختبارات اثبتت ان قوات الاسد استخدمت غاز الاعصاب خلال الصراع المستمر منذ اكثر من عامين وهو الفعل او "الخط الاحمر" الذي قالت الولايات المتحدة ودول أخرى اكثر من مرة انه سيستدعي الرد.

الامم المتحدة حذرة بشأن مزاعم فرنسية

في الوقت نفسه رد محققون للامم المتحدة بحذر على اعلان فرنسا أن اختبارات معملية أثبتت ان قوات الرئيس السوري بشار الاسد استخذمت غاز الاعصاب في الحرب الاهلية في سوريا قائلين ان من الضروري الاطلاع على الوثائق المتعلقة بجمع وتحليل العينات.

وقال مسؤولون فرنسيون إن اختباراتهم هي الاولى التي تتقيد بالمعاريير الدولية والتي تثبت ان اسلحة كيميائية استخدمت في سوريا. وسلمت باريس النتائج الي فريق الامم المتحدة للتحقيق في الاسلحة الكيميائية الذي يرأسه العالم السويدي أكي سيلستروم، وقالت الامم المتحدة في بيان "تلقى السيد سيلستروم في باريس معلومات اضافية مرتبطة بالتقارير عن استخدام مزعوم لاسلحة كيميائية في سوريا قدمتها حكومة فرنسا"، واضاف البيان قائلا "يحذر السيد سيلستروم من أن صحة المعلومات غير مؤكدة في غياب أدلة مقنعة فيما يتعلق بسلسلة جمع وتحليل البيانات"، ورد البيت الابيض بحذر ايضا على الاعلان الفرنسي قائلا ان الولايات المتحدة غير مستعدة لأن تقول ان قوات الحكومة السورية استخدمت اسلحة كيميائية في الحرب الاهلية التي تعصف بالبلاد منذ عامين. بحسب رويترز.

وفريق خبراء الاسلحة الكيميائية الذي يرأسه سيلستروم جاهز منذ اكثر من شهر لدخول سوريا للتحقيق في المزاعم لكن مشاحنات دبلوماسية ومخاوف امنية تعطله، وحث الامين العام للامم المتحدة بان جي مون سوريا على منح فريق الخبراء حرية الحركة للتحقيق في جميع حوادث الاسلحة الكيميائية المزعومة. لكن حكومة الاسد تريد فقط ان يحقق فريق الامم المتحدة في حادث واحد في حلب يرجع الي شهر مارس اذار. ويقول دبلوماسيون بالمنظمة الدولية ان المفاوضات بين الامم المتحدة وسوريا وصلت الي طريق مسدود، واوضح بيان الامم المتحدة ان سيلستروم يعتقد ان السبيل الوحيد لاجراء تحقيق واف هو الذهاب الي سوريا، وقال "الانشطة في الموقع ضرورية إذا اريد للامم المتحدة ان يكون بمقدورها الوقوف على الحقائق."

ادلتة لندن

من جهته اعلن متحدث باسم الحكومة البريطانية ان المملكة المتحدة لديها عينات "فيزيولوجية" تؤكد استخدام غاز السارين في سوريا على الارجح من قبل نظام بشار الاسد، وقال المتحدث "حصلنا على عينات فيزيولوجية من سوريا جرى فحصها" في انكلترا و"اثبتت المواد التي تم الحصول عليها من سوريا وجود غاز السارين"، واضاف "حسب تقديراتنا فان استخدام الاسلحة الكيميائية في سوريا يرجح بقوة ان يكون من فعل النظام" مشيرا الى ان بريطانيا "ليس لديها حتى الان دليل على استخدام المعارضة" السورية للاسلحة الكيميائية. بحسب فرانس برس.

واوضح "توجد كمية متزايدة من المعلومات، المقنعة رغم كونها محدودة، تثبت ان النظام استخدم، وما زال يستخدم، اسلحة كيميائية وخاصة غاز السارين"، واكد ان "استخدام الاسلحة الكيميائية جريمة حرب" مذكرا بان لندن طلبت من الرئيس بشار الاسد السماح "لمحققي الامم المتحدة بالوصول فورا وبلا قيود" الى الارضي السورية، واضاف ان "الاسد شكل مخزونا من الاسلحة (الكيميائية) ودرب وحدات عسكرية على استخدامها وما زال يسيطر على هذه الوحدات. ومن ثم فانه يتحمل مسؤولية ملحة في وضع حد لاستخدامها واتاحة اجراء تحقيق كامل بلا عرقلة".

تحفظ البيت الابيض

من جهة أخرى قال البيت الأبيض إن الولايات المتحدة لا تستطيع القول بعد بأن الحكومة السورية استخدمت أسلحة كيماوية في الحرب الدائرة في سوريا رغم إعلان فرنسا حدوث ذلك. وتأتي تصريحات البيت الابيض في اطار اتباع سياسة التريث تجاه هذه المسألة، وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني للصحفيين "نحتاج المزيد من المعلومات" بشأن الادعاءات باستخدام مثل هذه الأسلحة، وتعرض الرئيس الأمريكي باراك أوباما لانتقادات بسبب نهجه المتأني تجاه سوريا بعد تحذيره بأن حكومة الرئيس بشار الأسد ستجتاز "خطا أحمر" إذا تأكد استخدام قواتها للأسلحة الكيماوية لمحاولة الحاق الهزيمة بمقاتلي المعارضة. بحسب رويترز.

واستشهد المسؤولون الأمريكيون مرارا بضرروة ان تكون واثقة تماما من أن الأسلحة الكيماوية قد استخدمت خشية ان تكرر الولايات المتحدة ما حدث في 2003 عندما شن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش حربا ضد العراق بموجب تقارير عن وجود اسلحة دمار شامل لم يعثر عليها قط، وقال كارني إن هناك حاجة لجمع المزيد من الأدلة لتحديد متى استخدمت الأسلحة الكيماوية ومن الذي استخدمها وتسلسل الحراسة عليها "ولإرساء هيكل من المعلومات يمكن طرحه ومراجعته وبموجبه يمكن اتخاذ قرارات سياسية"، ولم يعلن عن موعد للانتهاء من هذه المراجعة، وقال "أستطيع أن أؤكد لكم اننا نعمل بجد كإدارة مع حلفائنا والمعارضة السورية بشأن هذه المسألة"، وعبر كارني عن غضبه من حصار الحكومة السورية لبلدة القصير وحث حكومة الأسد على السماح بدخول امدادات الاغاثة إلى البلدة التي قال انها تعاني من ازمة انسانية.

من استخدم ألاسلحة الكيماوية

الى ذلك قال محققو الأمم المتحدة المعنيون بحقوق الانسان إن لديهم "أسبابا معقولة" للاعتقاد بأن الأسلحة الكيماوية استخدمت على نطاق محدود في سوريا، وأضافوا في أحدث تقرير لهم والذي اعتمد على مقابلات مع ضحايا وأطقم طبية وشهود آخرين أنهم تلقوا مزاعم عن استخدام قوات الحكومة السورية ومقاتلي المعارضة لأسلحة محظورة إلا أن معظم الشهادات كانت متعلقة باستخدام القوات الحكومية لهذه الأسلحة، وفحصت اللجنة أربع هجمات بمواد سامة في مارس آذار وابريل نيسان لكنها لم تتمكن من تحديد الجانب الذي يقف وراء هذه الهجمات.

وقال باولو بينييرو الذي رأس لجنة التحقيق التابعة للامم المتحدة خلال مؤتمر صحفي في جنيف "هناك أسباب معقولة للاعتقاد باستخدام كميات محدودة من الكيماويات السامة. وتعذر بناء على الادلة المتاحة تحديد العناصر الكيماوية التي استخدمت على وجه الدقة او انظمة اطلاقها او مرتكبيها (الهجمات)"، وأضاف بينييرو "الشهود الذين أخذنا أقوالهم بينهم ضحايا ولاجئون فروا من بعض المناطق وأطقم طبية" ورفض ان يكون أكثر تحديدا لسرية الموضوع.

وتبادلت حكومة الرئيس السوري بشار الاسد ومعارضيها الاتهامات باستخدام اسلحة كيماوية، وضم الفريق أكثر من 20 محققا وأجرى 430 مقابلة في الفترة بين 15 يناير كانون الثاني و15 مايو ايار مع لاجئين الى دول مجاورة ومع اناس في سوريا من خلال خدمة سكايب، وقال فيتيت منتاربورن أحد المحققين ان الفريق تحقق من الشهادات الخاصة بالاسلحة الكيماوية من عدة مصادر وشاهد افلام فيديو من بينها افلام بثت على يوتيوب.

لكن الفريق أوضح ان النتائج التي توصل اليها غير قاطعة وان من المهم ان يسمح لفريق آخر من الخبراء عينه الامين العام للامم المتحدة بان جي مون بدخول سوريا بحرية كاملة لجمع العينات من الضحايا والمواقع التي يزعم انها تعرضت للهجوم، وصرح بينييرو بأن الانتهاكات التي ارتكبت بالاسلحة التقليدية تفوق في كل الاحوال الخسائر الناجمة عن استخدام اسلحة كيماوية مشيرا الى انه لم يحدث في سوريا هجوم كيماوي واسع النطاق.

وجاء في تقرير محققي الامم المتحدة الذي وقع في 29 صفحة "الصراع في سوريا وصل الى مستويات جديدة من الوحشية. وتقع بشكل متسارع جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وانتهاكات مريعة لحقوق الانسان"، وطالب المحققون بضرورة محاسبة الزعماء السوريين على سياستهم التي تشمل حصار وقصف المدن واعدام المدنيين.

وقالوا في تقريرهم الخامس عن الحرب المندلعة في سوريا منذ 26 شهرا وأودت بحياة أكثر من 80 الفا "الانتهاكات الموثقة مستمرة وواسعة النطاق وهي دليل على سياسة مدبرة ينفذها قادة الجيش والحكومة في سوريا"، وذكر التقرير ان قوات الحكومة السورية والميليشيا المتحالفة معها ارتكبت جرائم قتل وتعذيب واغتصاب وأفعال اخرى غير انسانية.

وطوال حاصرت القوات السورية بلدة القصير الحدودية التي تقول وكالات ان بها مئات من الجرحى والمدنيين المحاصرين داخلها في وضع رهيب، وجاء في التقرير ان مقاتلي المعارضة السورية ومتشددين اجانب متحالفين معهم قتلوا مدنيين وجنودا اسرى عادة بعد "محاكمات صورية" في اطار صراع يزداد طائفية، وأضاف "انهم يشكلون تهديدا مستمرا على المدنيين بوضع أهداف عسكرية وسط المناطق المدنية."

لكن جرائم الحرب التي يرتكبها مقاتلو المعارضة ومنها القتل والتعذيب وأخذ رهائن لا تصل الى العنف والمدى الذي تصل اليه الجرائم التي ترتكبها القوات السورية والميليشيا المتحالفة معها.

ودعا الفريق مجلس الامن التابع للامم المتحدة لان يعمل على تقديم المسؤولين عن هذه الجرائم الى العدالة بما في ذلك الاحالة المحتملة لسوريا الى المحكمة الجنائية الدولية، وقالت كارلا ديل بونتي عضو اللجنة وهي مدعية سابقة لجرائم الحرب لدى الامم المتحدة "المحاسبة ستحدث. ستحدث على كل الاحوال."

وجاء في التقرير ان ما لا يقل عن 17 مذبحة ارتكبت في الفترة التي شملها التحقيق ليرتفع بذلك عددها الاجمالي الى 30 مذبحة منذ سبتمبر ايلول، وقال ان عشرات النساء والاطفال قتلوا في مايو ايار في قريتي البيضا وبانياس الساحليتين حيث تشير الادلة الى تورط ميليشيات موالية للحكومة، وتحدث التقرير عن قيام مقاتلي جبهة النصرة ذات الصلة بالقاعدة باطلاق النار من الخلف على رؤوس 11 رجلا معصوبي الاعين وهم ينحنون في محافظة دير الزور مستشهدا بفيلم فيديو، وفيما يتعلق بحادث منفصل قرب دير الزور حيث تشير الادلة ايضا الى مقاتلي المعارضة قال التقرير "لقطات الفيديو تظهر مشاركة أطفال في قطع رأسي رجلين مخطوفين. وبعد التحقيق يعتقد ان الفيديو صحيح وان الرجلين جنديان وقتلا كما ظهر (في الفيلم)."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 12/حزيران/2013 - 2/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م