قراءة في كتاب المگاريد

لمحمد غازي الأخرس

عقيل عبدالله الأزرقي

تجربة المگاريد ظاهرة فريدة يخوض فيها الكاتب محمد غازي الأخرس في تابوات المجتمع العراقي ومواضيعه الملغمة مثل الطائفية والتهميش.

ينطلق الكاتب من مدينة الصدر ويجعلها عينه ليقوم بتشريحها وهو حريص كل الحرص على المشاعر حتى في تسمية هذه المدينة فتارة يطلق عليها الثورة وتارة يسميها بمدينه الصدر خوفاً من الإتهام والتحيز لفئة دون الاُخرى.

يغوص الأخرس في جزئيات المجتمع معتمداً على ذاكرة ثاقبة وحس مرهف فيصف عادات أهل المدينة وشجونهم وأفراحهم في مختلف الأماكن فمن المقبرة الى السينما ومن الفصل (العشيرة) والعرس الى مواطن الموت في المعركة والمغيسل (المغتسل). هذا التداخل بين الأبطال والأهوال وبين ساعات الفرح من أعراس ومواويل وشعراء ومطربين الى الجبهة والاعدامات حيث مرارة لا يشبهها حضيض مكسيم.

الكتاب أقرب الى علم الاجتماع منه الى الأدب بالرغم من القصص والأشعار التي احتفظت بها ذاكرة الاخرس لعقود.

يتناول المگاريد الطبقية ونظرة الاستحقار نتيجة لمنهجية التميز الطائفي التي سارت به الحكومات متعاقبة منذ أكثر من مئة عام. فالقرائن والحوادث التي ذكرها الكاتب في مسألة التميز بين طائفة وطائفة والمناطقية هي نتيجة التأسيس القسري لطائفية الدولة والذي نعيش اليوم احدى مآسيها حتى أصبح الخروج عنها يعتبر مروقا.

اليوم أصبحت الظاهرة التي يتكلم عنها الأخرس قبل عقد أو عقدين موجودة وقد عادت نتيجة ضعف الثقافة التشريعية في تجريم الأفكار العنصرية والطائفية. فهارون محمد لا يستحي أن يصف الشيعة بأنهم أولاد متعة متهماً طائفة كاملة بهذا الاُسلوب الرخيص. وصفحات الفيس بوك التي تدعو الى جعل بغداد خالية من الشروك وأخرى تطالب أن تكون مناطق في بغداد حكراً على طائفة دون الأخرى لازالت تعيث في عقول المتصفحين.

يركز كتاب المگاريد على جدلية الهوية فيتناول صراع الهويات في مدينة بغداد التي تعتبر من أكثر مدن العراق تعددية وأثنية خصوصا مع وجود قبري الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) والإمام أبو حنيفه النعمان.

ميزة كتاب الأخرس هو تناوله للحياة الاجتماعية بطريقة ظريفة وسرد أدبي ممتع ومشحون بمواويل جنوبية. يقف بها الأخرس عند محطاته الشعرية وينثر مقاطعها ويمزجها بمواقف سعيدة تارة ومحزنة عندما يتذكر من فقدهم.

كتاب الاخرس يتناول التهميش الذي حصل للمدن الفقيرة التي يقطنها المهاجرون الذين تركوا مدنهم وزحفوا نحو بغداد طلباً للرزق نتيجة لإهمال مدنهم من قبل الحكومات.

شكوى الأخرس وحرقته من هذا الحيف الذي أهمل الكثير من مبدعين هذا الطبقة فقط لانتماءاتهم وبشرتهم. ولايكتفي الكاتب بوصفه طرق معيشه هؤلاء ولكن يتناول المأساة التي رافقت حياة هؤلاء ومعاناتهم وتأسيس مدينه الثورة (الصدر).

العديد من الإقتباسات التي يستشهد بها الكاتب تضعك على الخزين الذي يمتلكه الأخرس من مفردات الحياة البسيطة وتراكيب الجمل في لغة الشروك وحتى دندنتهم وأهازيجهم. والتي استطاع الكاتب توظيفها بهذا السفر الذي جانب المألوف من طريقة التأليف.

ينعى الأخرس عراقاً تكالبت عليه الأعداء وعصفت به أفكار اليمين واليسار وجالت به أمراض الطائفية. دفاع محمد غازي الأخرس عن المگاريد ليس دفاعاً طائفياً لكنه لا يخفي حبه لطائفته. فالكثير من المثقفين يتهربون من الكلام عن طائفتهم وطبقتهم خوفاً من الاتهام بالطائفية هذا الخوف يمنعهم حتى من إلقاء التحية أو المشاركة في أفراح وأعياد أبناء جلدتهم. فرغم من أن أعياد الميلاد هي أعياد دينية لكن لا يجرأ أحداً حتى وأن كان شيعياً أن يذكر عيد الغدير ولو بكلمة. فالخوف من الاتهام بالطائفية جعل البعض يتنكرون حتى الى مورثهم الشعبي خوفا من عقدة الطائفية وعارها.

لم تحظى التبعية مثلما حظيت الطائفية ومشكلة الشروك في كتاب الأخرس بالرغم من أن التبعية كانت أشد فتكاً من تهم الشروك التي كان يطلقها البعض. فتهمه التبعية طاردة عابرة للحدود وقد نال الكرد الفيلين حظهم الأوفر من هذه التهمة.

مدينه الصدر أو الثورة نقطة الانطلاق الى الاخرس نحو كشف اسرار هذا العالم المعذب. يبدأ بسرد مواويله والأهوال التي ترافق قصص الحرب وأيام الحصار. ذكرتني قصة الثلاجة التي يتحدث بها الأخرس كيف وجد أمه تولول عندما تعطلت الثلاجة وقصه الثلاجة لا يكاد بيت من المگاريد لم يكن خائفاً من هذا المصير فقد كان أبي يعتبرها كأحد أولاده لأن خرابها في وقت الحصار يعني الهلاك والتحسر على شربه الماء البارد.

يقف الكاتب مدافعاً بالضد من ثقافة إنصهار الهوية الفرعية (بالعالمه) وتأكيده على طائفية المجتمع العراقي وهذه هي أم المصائب. محملاً ألافكار التي تشدق بها البعثيون بعد وصولهم الى السلطة أمثال سامي مهدي وأخرين.

شجاعة الاخرس ليس عند هذا الحد بل تتعداه الى الحديث عن سنين فقره وأيام العوز فجعل منها إنموذجاً للكلام حول مايدور في دهاليز مجتمع المدينة.

يستطرد الأخرس إلى خياله بصورة عفوية كلما تذكر مأسي أهله وأحزانه وعندما يفتح قارورة أحزانه من مأسي وكوابيسه. أمه أخوه وأبن عمه علاوي أبطال لا يفارقون المشهد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11/حزيران/2013 - 1/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م