الموظف الحكومي بين التعطيل والتعجيل

 

شبكة النبأ: الموظف الحكومي وفقا للتعريف المبسّط له، هو عامل حكومي يؤدي عملا خدميا متنوعا يصب في الصالح العام، مقابل اجر تدفعه له الدولة، وبهذا يحصل على المال ومصدر الرزق له ولعائلته، مقابل خدمات معروفة و واضحة يجب أن يؤديها، وبهذا المعنى فإن الموظف الذي يعطّل عمله المعروف مسبقا، ولا ينجزه في الوقت المحدد، فهو لا يستحق الاجر الذي يحصل عليه من خزينة الدولة مقابل خدماته.

في ميدان العمل هنا نوع من التعطيل المقصود، وهو تعطيل اعتاد عليه الموظف الحكومي في العراق، واصبح حالة عامة، فأينما تذهب تجد مثل هذه الحالة في معظم الدوائر الرسمية، بمعنى أن ظاهرة تعطيل الانجاز من لدن الموظف الحكومي اصبحت امراً بالغ الوضوح ولا يحتاج الى دليل، وقد اعتاد عليه المواطن ايضا، وشكا منه كثيرا، ولكن ليست هناك معالجات جذرية لهذه الظاهرة، التي تشكل امتدادا للحكم الدكتاتوري والنظام البيروقراطي، الذي يتعمّد تعطيل الانجاز، من اجل تحقيق مصالح فردية آنية وسريعة الفائدة غير المشروعة، على حساب مصلحة الفرد والمجتمع والبلاد كلها في حاضرها ومستقبلها.

وهكذا يمكن ملاحظة ظاهرة تعطيل الانجاز في معظم دوائر الدولة الخدمية المتنوعة والانتاجية كذلك، والسبب يعود الى ان هذه الظاهرة، باتت تشكل نوعا من المسار العملي المتوارث من جيل الى جيل، الامر الذي يتطلب معالجات فورية عميقة، تتمثل بتأهيل الموظف الحكومي، وصقل قدراته وتطويرها نحو الافضل، بمعنى اوضح يجب إلغاء العقلية البيروقراطية القديمة التي اعتاد عليها الموظف الحكومي، والتي تمثل تركة خطيرة من مخلفات النظام البيروقراطي، الذي اثقل كاهل المجتمع والدولة بمنظومة عمل قائمة على التعطيل وتغييب التعجيل الدقيق في الانجاز.

وهنا غالبا ما تتم إثارة تساؤل مباشر و واضح، يطرحه المواطن على المسؤول والموظف الحكومي مفاده، هل الموظف أداة ضرر أم نفع للمجتمع؟، بطبيعة الحال ينبغي ان يكون الموظف أداة نفع للمجتمع، كونه ينتفع من عمله الذي هو مصدر رزقه وعيشه هو وعائلته، لهذا لابد ان يتعلم الموظف ان يكون معجّلا لانجاز العمل وليس معطلا له، على أن لا يكون التعجيل على حساب الاتقان والجودة والدقة في العمل، إذ يحدث حاليا في معظم الدوائر الرسمية التي يراجعها مئات بل آلاف المراجعين، لانجاز معاملاتهم التي تتوزع على مجالات واهتمامات وحاجات اساسية، يصعب التعامل معها وفق اسلوب التأجيل والتعطيل.

ومن الواضح أن هناك أدلة على قاطعة على انتشار ظاهرة الموظف المتلكّئ، الذي يتعمد انتهاج حالة التعطيل من اجل تحقيق فوائد معروفة، منها الرشوة، وبعضهم يطلق عليها (هدية)، واذا كانت هذه الظاهرة لها ما يبررها في زمن ما، عندما كانت الاجور متدنية في عهود سابقة - مع ان تبرير الرشا خاطئ في جميع الاحوال- لكن اجور الموظفين الراهنة تؤكد عدم حاجتهم لقبول الرشوة، واللجوء الى اسلوب ابتزاز المواطن (المراجع)، وهو اسلوب رخيص يلجأ له بعض الموظفين الحكوميين، لإجبار المراجع على دفع المال لهم مقابل الانجاز، وكأن الاجر الشهري لا يكفي الموظف كي يؤدي عمله بأمانة ودونما تعطيل.

إن الملاحَظ على الدوائر الرسمية الخدمية وموظفيها، هو التباطؤ المتعمَّد في انجاز العمل، والتعقيد المقصود لانجاز المعاملات دليل على ذلك، فبدلا من تقليص مراحل انجاز المعاملات وتذليل المصاعب والاستفادة من الوقت، نجد ما يحدث هو العكس تماما، حيث تلجأ الدوائر الى وضع معرقلات بيروقراطية واضحة ومملة وقاتلة للوقت، وهو اسلوب طبع سلوك الموظفين، لدرجة اننا لا نغالي اذا وصفنا الموظف الحكومي بانه موظف بيروقراطي يحمل عقلية قديمة تشكل امتدادا للمنهج الذي اكل عليه الدهر وشرب، لهذا مطلوب الغاء جميع عمليات التعطيل وتقليص مراحل الانجاز الى ادنى حد ممكن مع اعتماد الوضوح والنزاهة والشفافية في العمل.

ومغادرة الاسلوب البيروقراطي الذي بات يشكل احدى اشد العقبات امام تقدم المجتمع والدولة ككل، وهذه من مهمات الحكومة والجهات التشريعية، والوزرات المعنية، عليها ان تعيد النظر بأساليب العمل في دوائرها و وزاراتها كافة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 9/حزيران/2013 - 29/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م