الصبر مدرسة العظماء... الامام الكاظم (ع) نموذجا

 

شبكة النبأ: تؤكد الشواهد كافة، على أن الصبر من صفات العظماء على مر التاريخ، والصابر هو الغالب والفائز في جميع الاحوال، كونه يمتلك القدرة على ادارة التنافس او الصراع في شؤون الحياة كافة، بحكمة و رويّة و رؤية انسانية عميقة وبعيدة النظر، وعندما نريد أن نتحدّث عن أئمة أهل البيت(ع)، فإننا نتحدث عن قمم الروح والفكر والجهاد والانفتاح على الواقع الإسلامي كلِّه من موقع القيادة والرياسة والمسؤولية.. والإمام موسى بن جعفر الكاظم(ع) عاش مرحلته في حركة العلم في جميع حاجات الناس آنذاك، وعندما ندرس حركته من خلال الذين تعلّموا منه ورووا عنه، فإنَّنا نجد مدرسته تتميّز بالتنوّع في الذين أخذوا منها ما أخذوه من علم، بحيث لم تكن مدرسته مدرسةً مذهبيّةً تقتصر على الذين يلتزمون بإمامته وحسب، بل كان مرجعاً لكلِّ الناس الذين يتنوّعون في اهتماماتهم.

ولعل الصبر كان الدرس البليغ الذي قدمته لنا جميعا شخصية الامام الكاظم راهب آل محمد عليه السلام، حيث قارع الظلم والبطش والتسلط والطغيان العباسي بهذا السلاح الذي ينهزم امامه الجبروت بكل ما أوتي من غطرسة وتوحش وهمجية، وقد كانت قلوب الناس جميعا لاسيما الضعفاء والفقراء تهفو الى كاظم الغيظ عليه السلام وتستمد منه العون والقوة والرؤية السليمة للتعامل مع التسلط والتفرد والعنجهية والظلم والطغيان الذي ابداه هارون العباسي في تعامله مع المسلمين، ولم يكن الامر مقتصرا على ما يحدث من وقائع واحداث انذاك بل هناك الفكر ايضا، حيث النور والحكمة في التفكير والسلوك، فقد كانت عظمة أهل البيت عليهم السلام  كما هو دورهم أن يرصدوا الساحة في حركتها واتجاهاتها، وما هي السلبيات التي يمكن أن تدخل في عمق الفكر الإسلاميّ من خلال خطٍّ منحرف هنا، وحركة فوضى في الوعي الثقافي هناك.. ومن هنا، فقد واجه الإمام الكاظم عليه السلام كلَّ التيارات الجديدة المنحرفة التي حاولت أن تفرض نفسها على الواقع الإسلاميّ لتبتعد به عن الخط المستقيم، فواجهها بالفكر الإسلاميّ النقيّ الصافي الذي أخذه عن آبائه عليهم السلام عن جدّهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، عن جبرائيل عن الله تعالى.. وكان عليه السلام يبرز الرأي الصحيح في كلِّ خلاف فكريّ على مستوى القضايا العقيدية والشرعيّة وكافة المفاهيم الإسلاميّة، وكان في كلِّ مواقفه ناصحاً للمسلمين في شؤونهم الخاصة والعامة وشتى مجالات حياتهم..

وقد اتخذ الامام الكاظم عليه السلام من الصبر سلاحا لمحاربة ظلم السلطان العباسي، فقد حوّل السجن الى مكان مناسب للعبادة والاتصال بالرحمة الالهية على نحو متواصل وعظيم، وهكذا نرى كيف حوّل الإمام الكاظم عليه السلام إقامته في السجن إلى فرصة للعبادة المتواصلة، كما كانت حاله خارج السجن التي يعيش فيها الفرح الروحي مع الله، كما هي حالة أولياء الله الذين يشغلهم حبُّ الله عن التفكير في الآلام الصغيرة.

هكذا يجب أن يستخلص المؤمنون والمسلمون الدروس والعبر من رحلة الامام الكاظم عليه السلام مع الظلم والطغيان، وكيف قارعه بسلاح الصبر وكيف انتصر، وهزم ارادة الشر والسلطة الغاشمة، وهذا ما يجب أن نستوحيه للمسلمين الذين تفرض عليهم الظروف الصعبة القاسية دخول سجون الكافرين والطاغين، ويتعرّضون فيها للكثير من الضغوطات القاسية مما يمارسه السجّانون عليهم، ليُسقطوا مواقفهم، ويهزموا روحياتهم، ويقودوهم إلى بعض الأوضاع السلبيّة، في ما يلوّحون به من الوعد بالتخفيف عنهم في حالات الألم الشديد، فإنَّ بإمكانهم أن يستلهموا روحانية الإيمان بالله في الانفتاح على التفكير به سبحانه والخشوع له تعالى والدعاء في كلِّ مهماتهم، لترتفع معنوياتهم من خلال ذلك، لينفصلوا عن الجوِّ الخانق إلى الجوِّ الرحب الواسع في آفاق الله تعالى.

ولاشك ان الصبر ينتمي الى الروح وهو احد اساليبها وادواتها في مقارعة الظلم وتذليل المصاعب، ومقارعة ارادة الشر بحكمة و وعي متواصل لأنَّ الطاقة الروحية هي روح الحركة، وسرّ الشخصيّة، وشرط الثبات.

وقد جاء في سيرة الامام الكاظم عليه السلام كما روى الكليني - صاحب كتاب الكافي- (عن عليِّ بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن موسى بن بكر عن أبي إبراهيم الكاظم عليه السلام انه كتب دعاءً إليه في قرطاس: "اللهم اردد إلى جميع خلقك مظالمهم التي قِبَلي، صغيرها وكبيرها، في يسرٍ منك وعافية، وما لم تبلغه قوّتي ولم تَسَعْه ذاتُ يدي، ولم يَقْوَ عليه بدني ويقيني ونفسي، فأدِّه عني من جزيل ما عندك من فضلك، ثم لا تخلف عليَّ منه شيئاً تقضيه من حسناتي، يا أرحم الراحمين.. أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، وأنَّ الدين كما شرّع، وأنَّ الإسلام كما وصف، وأنَّ الكتاب كما أنزل، وأنَّ القول كما حدّث، وأنَّ الله هو الحقُّ المبين، ذكر اللهُ محمداً وأهلَ بيته بخير، حيّا محمداً وأهل بيته بالسلام"). وهكذا يتوضح لنا بصورة جلية كيف يمكن للصبر أن يدحر ارادة الشر، فهذا الدعاء يمثّل اسلوباً تربوياً في عملية التهذيب النفسيّ في التحرّر من كلِّ نقاط الضعف الإنساني، فيما يمكن أن تقود الإنسان إلى العدوان على الآخرين انطلاقاً من بعض الأوضاع النفسيّة المعقّدة، وذلك بأن يبتهل الإنسان إلى الله لأن يرزقه القوّة بردّ المظالم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 6/حزيران/2013 - 26/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م