عن السلاح و"الفتاوى" الكيماوية

عريب الرنتاوي

في الأنباء، أن السلطات التركية ألقت القبض على خلية من "القاعدة" وبحوزتها كيلوغرامين من غاز "السارين"، جاءت بهما من ليبيا على متن طائرة مدنية، أما وجهتهما فكانت "قاعدة انجرليك" الأمريكية كما تقول هذه السلطات.. روسيا التقطت طرف الخيط، وطالب لافروف سلطات أنقرة، بكشف نتائج التحقيق مع أفراد هذه الخلية، مذكراً بموقف بلاده المُتهم لبعض المعارضة "النصرة" باستخدام هذا السلاح في خان العسل في حلب، ومحاولتها إلصاق التهمة بالنظام.

في المقابل، بدا الغرب صامتاً حيال هذا الموضوع.. وبالمقارنة مع الضجة الكبرى التي يثيرها عادة، اكتشاف غرامين فقط من مسحوق "الانثراكس" في إحدى عواصمه، يصبح الصمت الغربي تواطؤاً.. فالكشف التركي على غموضه والتباساته، يقوّض رواية كاملة عملت أوساط غربية عديدة على صناعتها وترويجها، وتحديداً المخابرات الفرنسية الناشطة في هذا الحقل أكثر من سواها.. المطلوب الآن "ضبضبة" الرواية التركية، أو حرفها عن وجهتها، كالقول مثلاً أن "أنجرليك" وليس الداخل السوري، هو هدف "الخلية الإرهابية".

والحقيقة أننا في مقال سابق، كنّا عبرنا عن أشد الدهشة من هذا البحث المضني عن شواهد دالة على استخدام النظام للكيماوي ضد شعبه والمعارضة.. فمثل هذا السلاح، المدرج في خانة "الدمار الشامل"، تفضحه أكداس الضحايا ومئات الجثث الملقاة على جنبات الطرق، وركام الأجساد المختنقة.. وافتضاح أمر استخدامه، لا يحتاج إلى جواسيس وأجهزة تعقب وتنصت، اللهم إلا إذا كان الاستخدام "موضعيا"، أو "مختبرياً"، وهذا النوع من الاستخدام، لا يحتاجه النظام الذي يمتلك من أدوات القتل والتدمير، ما يكفي لمضاعفة أعداد الضحايا الذي يمكن إسقاطهم بـ"رشة" كيماوي هنا أو "مقذوف" ملوث هناك.

رأينا من شواهد ما حصل، أننا أمام فعلة استخبارية بامتياز، يجري توظيف عناصر "متطرفة" لتنفيذها.. كل ما هو مطلوب هو تأمين "البضاعة"، من النوع الذي قالت السلطات التركية أنها صادرته مع خلية "القاعدة" إياها.. وبعدها يبدأ عمل "البروباغندا" و"بناء سيناريوهات التدخل"، وتحريك الآلة الإعلامية – الحقوقية الجبارة، الجاهزة لاستقبال أية رواية عن النظام، حتى من دون أدلة أو شواهد.. ولأن للنظام سجل تاريخي حافل في القتل الجماعي، فقد صار "جسمه لبيّس" وفقاً للتعبير اللبناني الدارج، أي أن أي رواية شريرة عنه، قابلة للتصديق من دون جدال، وستؤخذ دائماً على محمل الجد.

القوى (دول ومعارضات) التي استعجلت التدخل العسكري الخارجي والعسكرة والتسليح، واستدرجت عطاءاته مراراً وتكراراً من دون جدوى.. لن تتردد في عمل كل ما شأنه الإسهام في "بناء هذا السيناريو"، ولن تتوانى بالقطع عن إلقاء عبوة كيماوية هنا أو مقذوف ملوث هناك.. ولا بأس إن سقط عدد من المدنيين الأبرياء في الطريق اختناقاً، ألم تصدر عن شيوخ الفتنة المذهبية وفقهاء الأطلسي والكهوف، موجات من الفتاوى التي تبشر الضحايا بالجنة، وتعد سقوطهم صرعى بلا ثمن، تقدمة لهم، وتكريما ما بعده تكريم.. ألم يفتٍ القرضاوي بهذا قبل أسابيع قليلة فقط، قبل أن يعود ويفتي الجمعة الفائت، بان "النصيريين" أشد كفراً من اليهود والنصارى، وأن قتالهم فريضة على المسلمين في كل أصقاع الأرض، وأن الرحال يجب أن تُشد صوب "القصير".

تصريحات القرضاوي، المثيرة للفتنة والقتل، هي أشد خطورة من أسلحة القاعدة الكيماوية التي تحدثت عنها السلطات التركية.. ولو أن لدينا وسائل لإحصاء عدد القتلى والضحايا الذين سيسقطون بفعل فتاوى القرضاوي، ومن الطرفين، لوجدنا أن أعدادهم تفوق بأضعاف مضاعفة ما قد يسقط منهم بقنبلة كيماوية.. هنا يجري التباكي على دماء السوريين، ومن المسجد نفسه في الدوحة، حيث يجري تحضير المسرح لموجة عاتية من القتل والذبح على الهوية الطائفية والمذهبية.

والمؤسف حقاً، أن بعض الإخوة والأصدقاء في صفوف المعارضة السورية، خصوصاً الإسلاميين منهم، لطالما تنطحوا لنفي أي طابع مذهبي عن معارضتهم، ولكنهم حين تصدر فتاوى الفتنة والقتل والظلام، يلوذون بصمت القبور، بل وتراهم في واقع الحال، يستخدمونها ويقطفون ثمارها في عمليات التحشيد المذهبي والتأجيج الغرائزي.

ما قيمة توسعة الائتلاف الوطني السوري بعدد من ممثلي العلوين والمسيحيين والدروز إلى صفوف هيئته العامة، فيما مفتي الائتلاف، والزعيم الروحي لأكثر قواه نفوذاّ وتأثيراً، يحرّض على قتالهم وتقتيلهم، بوصفهم أشد كفراً من اليهود والمسيحيين.. دع عنك ردات فعل مسيحي سوريا الذين يدرجهم "كبير العلماء" في خانة الكفار، وليس في خانة "المواطنة"، مع منحهم ميزة وأفضلية، بإقرار أنهم ليسوا الأشد كفراً، أقله في اللحظة السياسية الراهنة.

الدمار الشامل، ليس في السلاح الكيماوي فحسب.. الدمار الشامل، هو ما تبثه منابر الفتنة وفتاوى التفرقة والعنصرية والتحريض.. الأول قد يودي بحياة من تطاله الشظايا والغازات والأبخرة السامة في محيط معين ولزمنٍ معين.. أما الثانية، فلا حدود لشظاياها السامة، لا في المكان (على امتداد جغرافية العالم) ولا في الزمان (جيلاً بعد جيل)، فمن الأولى بالإندراج في قائمة الإرهاب، من استخدم السلاح الكيماوي أم من أطلق الفتاوى الكيماوية؟!

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 4/حزيران/2013 - 24/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م