تاريخ حرب العصابات

كيف يمكن للضعيف هزيمة القوي؟

حاتم حميد محسن

 

كما هم الفقراء، استمرت جيوش العصابات تعمل دائما بيننا. بدءاً من الجماعات البدوية المتمردة التي اسقطت الامبراطورية الرومانية وحتى توظيف الانترنيت واستخدام  الانتحاريين الذين تسببوا في إشعال حرب غير حكيمة "حرب امريكا على الارهاب"، فالقوات غير النظامية هي عنصر دائم في تاريخ الحروب، وقتالها اصبح اكثر صعوبة من اي وقت مضى.

الكثير من الادب يعرض نصائح في كيفية هزيمة مثل هؤلاء الخصوم .

(Max Boot) الامريكي المحافظ الجديد والمؤرخ العسكري قام بشيء مختلف في هذا الميدان. كتاب "الجيوش غير المرئية" هو سرد تاريخي لحرب العصابات والارهاب منذ البدايات الاولى لحرب العصابات التي حطمت الامبراطورية الاكدية في بلاد وادي الرافدين في القرن 22 قبل الميلاد، وحتى الوقت الحاضر. يجول المؤلف بعجالة في الاربعة آلاف سنة الاولى حتى يصل القرن الثامن عشر ليبدأ التمحيص في الحروب الثورية للاستقلال.

من بين العديد من حركات التمرد التحررية التي يدرسها الكاتب هي الثورة الامريكية، الصراع ضد نابليون في جزيرة ليبريا، حرب الاستقلال اليونانية ضد الدولة العثمانية ، حروب التوحيد في ايطاليا ومختلف الثورات ضد القوى الكولنيالية، مثل ثورة العبيد ضد فرنسا التي قادت الى تأسيس جمهورية هاييتي.

وفيما يتعلق بالقرن العشرين سعى مستر بوت للتحقيق في تأثير القوات غير النظامية اثناء الحربين العالميتين الاولى والثانية (من بين تلك القوات تلك التي قادها الضابطين الانجليزيين ( T.E.Lawrence) و(Orde Wingate)، وبالمساهمات الاصلية والقوية لـ (Mao Zedong "حول حرب العصابات) المستمدة من تجربته في الحرب الاهلية الصينية، وكذلك دراسة ردود الفعل المختلفة للانجليز والفرنسيين تجاه الثوار ضد امبراطوريتهما، وتسليط الضوء على أهم الراديكاليين البارزين في 1960s وصولاً الى المتشددين الاسلاميين.

الكتاب رُتّب على شكل قائمة. مستر بوت يتناول مثلاً موضوع "نهاية الامبراطورية" ثم يضع في هذا القسم جميع النزاعات التي تنسجم مع هذا الوصف. كل نزاع خصص له عدد قليل من الصفحات التي تتضمن سرداً خفيفا وتحليلا مختصراً لسبب انتصار احد الاطراف على الاخر. الصياغة تبدو جيدة. وحتى عندما يتحدث الكاتب عن الاحداث المعروفة مثل فشل الفرنسيين امام فيتنام، هو عادة يجد شيئا قويا ليقوله.

لنأخذ على سبيل المثال، الجنرال الشيوعي اللامع (Vo Nguyen Giap) الذي نجح في طرد الفرنسيين من فيتنام اولاً ومن ثم الامريكيين. ان (Giap) اتبع بدقة اساليب ماو في التخطيط لثلاث مراحل من القتال – الاولى "تحديد موقع حرب العصابات"، ثم "حرب الحركة" و اخيراً "الانتفاضة العامة" التي دعمها بثلاثة مستويات من المقاتلين، هم المقاتلين القرويين، وعصابات تعمل طوال الوقت، والجيش النظامي. واذا كان ماو يتجنب المواجهة مع القوات الاكثر قوة، فان (Giap) كان يميل الى الهجمات الاستباقية في الاعوام 1951، 1968، ثم في  1972 والتي كان بالإمكان ان تكون مميتة لو لم يكن هدفها تحطيم الطرف المقابل نفسيا وسياسيا. في حرب العصابات، ما يهم كثيراً هو القدرة على تشكيل القصة وليس الحقائق على الارض. ذلك هو حال المتمردين الذين كانوا قادرين على كسب الحروب حتى عندما يخسرون المعارك.

وبما ان المتمردين يضعون الضعيف مقابل القوي ، فان أغلبهم ينتهي الى الفشل. يذكر مستر بوت انه بين الاعوام 1775 و 1945 كانت فقط ربع المعارك حققت بعض او كل اهدافها. ولكن منذ عام 1945 ارتفعت النسبة الى 40%.

ان الاسباب الجزئية للتحسن في نسبة النجاح هو بروز اهمية الرأي العام. منذ عام 1945 ادى انتشار الديمقراطية والتعليم والاعلام الجماهيري ومفهوم القانون الدولي الى إضعاف رغبة الدول في التورط بمكافحة التمرد الطويل الاجل. في المعركة ، يمتلك المتمردون اسلحة اكثر بكثير من السابق.

ان مستر بوت لم يستنتج بان مواجهة التمرد في القرن الواحد والعشرين هي لعبة خاسرة. ولكن لكي ننتصر ذلك يتطلب فهم لقواعد اللعبة. هو مؤيد قوي لما يسمى اتجاه "التركيز على السكان" The population-centric approach (1) وهو الاتجاه الذي أبدعهُ البريطانيون خلال الـ  12 سنة التي اعقبت حرب عصابات الملايو والتي استمرت حتى 1960، واعيد اكتشافها لاحقا من قبل الضباط الامريكان مثل ديفد باتريوس و ستانلي مكريستال  في العراق وافغانستان ولكن فقط بعد ان بلغت الاحداث طابعا كارثيا. يرتكز مبدأ التركيز السكاني على المبادئ التالية:

المبدأ الاول هو الغاء التكتيكات العسكرية التقليدية. إستخدم تكتيك "امتلك قلوب وعقول الناس" بدلاً من تكتيك "ابحث وحطّم". لكي تهزم المتمرد يجب ان توفر الأمن الكافي للناس العاديين ليعيشوا حياتهم.

 الثاني، هو ان الشرعية حيوية لكلا الجانبين: الحكومات الفاسدة والمفرطة بالعنف سوف تصارع دائماً، والشيء ذاته ينطبق على المتمردين الذين يرهبون شعبهم.

 الثالث هو ابقاء القوة الى جانب التحلي بالصبرعلى الارض.الناس الذين تحتاجهم الى جانبك يجب ان يعتقدوا انك معهم في المدى الطويل.

الرابع هو ان معظم حملات مقاومة العصابات في الخارج تُمنى بالخسارة في الداخل. الديمقراطيات الليبرالية لها مجال محدود من الاهتمام، وهي نادراً ما تتضامن مع الكوارث ومع كل ما يستدعي إنفاق الموارد. وما لم يعتقد الناخبون ان التدخل ضروري لأمنهم فهم سوف يتخلّون بسرعة عن الدعم المطلوب.

كل ذلك يوضح سبب التعثر في مواجهة العصابات في افغانستان. اتجاه التمركز السكاني والحاجة المتزايدة للقوات العسكرية لتحقيقه جاء متأخراً وبشكل اعتباطي. الحكومة الافغانية تمتلك بعض الشرعية الشعبية لكنها ليست كافية في المواقع التي يتواجد فيها المتمردون وبدرجة من المرونة. ولم يكن ايضا ممكناً للقوات الامريكية تجاهل ملاذ طالبان في باكستان: من الصعب هزيمة المتمردين حين يتلقون دعماً خارجيا. ان الناخبين في امريكا واوربا غير مستعدين لإنفاق مزيد من الدماء والنقود على ما يراه اغلب الناس هدفاً خاسراً. القليل من المواطنين الغربيين يعتقدون ان ما يحدث في افغانستان سيؤثر في أمنهم.

ان مقاومة التمرد ربما هي شيء قديم الطراز، ولكن يبقى من الضروري معرفة كيفية القيام بذلك. مستر بوت يقدم تذكيراً ملائماً للسياسيين والقادة العسكريين بالدروس القاسية للتاريخ.

اسم الكتاب: الجيوش اللامرئية، تاريخ ملحمي لحرب العصابات من العصور القديمة حتى الوقت الحاضر.

المؤلف: Max Boot

الناشر: Liveright

عدد الصفحات 750 صفحة.

 نُشر في بريطانيا في شهر شباط الماضي 2013.

.....................................

الهوامش

(1) ويتطلب هذا الاتجاه التركيز بالدرجة الاولى على السكان، فالناس المحليين هم مركز الجاذبية وينبغي حمايتهم، ومنعهم من تقديم الدعم للمتمردين بهدف اعاقة حركتهم. وفق هذا الاتجاه لابد من تدريب الشرطة المحلية وتمكينها من الإمساك بالأمن، وكذلك تعزيز الخدمات ومنع الفساد والسعي لكسب قلوب الناس.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/حزيران/2013 - 23/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م