العدل والمساواة والإنصاف

زهير الخويلدي

العدل أساس العمران ابن خلدون

 

يعتقد البعض أن مفاهيم العدل والمساواة والإنصاف تتنزل في السجل السياسي ولها تطبيقات قانونية وتخص القضاء وفن الحكم وتفيد نفس الشيء وتدل على معان متقاربة ولذلك يتم الاستخفاف بالفروقات القائمة بينها ويتم تداول هذه المصطلحات في استعمالات متشابهة. لكن ما المقصود بالعدل؟ وما الفرق بين العدل والعدالة؟ وكيف يتم التعامل مع قيمة المساواة؟ ولماذا يتم الاستنجاد بمفهوم الإنصاف؟ وهل يتعلق الأمر بعسر تطبيق المساواة أم يتم الاعتناء بالعدل؟ وما تأثير ذلك على جدلية السيادة والمواطنة في الاطار الوظيفي للدولة؟ وهل يمكن الحلم بنظام سياسي يكون في نفس الوقت عادلا ومنصفا ويساوي بين الأفراد في الحقوق والواجبات؟

العدل justice :

لغة: العدل خلاف الجور والظلم، وهو القصد في الأمور، وما قام في النفوس أنه مستقيم، مِن عَدَلَ يَعْدِلُ فهو عادل من عُدولٍ وعَدْلٍ، يقال: عَدَلَ عليه في القضية فهو عادِلٌ. وبسط الوالي عَدْلَه.

اصطلاحا: العدل هو عبارة عن الاستقامة على طريق الحق بالاجتناب عما هو محظور، وكذلك هو استعمال الأمور في مواضعها، وأوقاتها، ووجوهها، ومقاديرها، من غير سرف، ولا تقصير، ولا تقديم، ولا تأخير. من المعلوم أن الميزان هو رمز العدل ويقترن بالحكم القضائي.

فلسفة: العدل هو القسط والميزان باعطاء كل ذي حق حقه ، والعدالة ملكة راسخة في النفس تحمل صاحبها على ملازمة المروءة والاعتدال بامتثال المأمورات والابتعاد عن المنهيات. عند أفلاطون العدالة هي فضيلة أخلاقية في النفس ترتبط بفضائل الاعتدال عند العامة والشجاعة عند الحراس والحكمة عند الساسة وتفضي الى تحقيق السعادة بالنسبة الى المدينة.

كما أن العدل يختلف عن العدالة ، فالأول مبدأ سياسي له تفريعات اجتماعية واقتصادية ، في حين أن العدالة مفهوم أخلاقي له تفريعات قانونية قضائية.

المساواة Egalité:

لغة: ساواه: ماثله وعادله. بالتالي هي المماثلة والمعادلة على خلاف التفاوت والاختلال في الدرجات والتوزيع،والسوي أو الاستواء هو أن يكون اللفظ المعبِّر عن المعنى المراد مساويا له لا ينقص ولا يزيد.

اصطلاحا: أن يتساوى الناس جميعا فى الحقوق والواجبات دون تفرقة أو تمييز بسبب جنس أو طبقه أو مذهب أو عصبية أو حسب أو نسب أو مال... إلخ. من المعلوم أن الصراط المستقيم هو رمز المساواة ويتم تداوله في المجال الرياضي كمعادلة حسابية تحقق التكافؤ بين قيميتين وأن اناس سواسية كأسنان المشط لا فرق بين أعجمي أو عربي الا بالتقوى كما يذكر في حديث شريف.

فلسفة: المساواة بين الجنسين والمساوة الاجتماعية ومساواة جميعى الناس أمام القانون.

ومما تقدم من التعريف اللغوي يتبين لنا أن ثمة فرقا بين المساواة والعدل فالمساواة تعني رفع أحد الطرفين حتى يساوي الآخر أما العدل فهو إعطاء كل ذي حق حقه.

الانصاف Equité :

لغة: مشتق من نصف أي شطر الشيء الى شقين متساويين، وتناصف القوم أي تعاطوا بالحق وتعاملوا بالعدل والقسط. والتنصف هو طلب المعروف ودرء المنكر بعد استواء المحاسن والمساوىء.

اصطلاحا: هو الشعور التلقائي الصادق بما هو عدل أو جور، والإنصاف، حقوقيا، التقيد بنص القانون لأنه عدل طبيعي، لا عدل شرعي، و هو أسمى من القانون الوضعي و أكثر مرونة منه. وهو كذلك هو العدل في المعاملة بأن لا يأخذ من صاحبه من المنافع إلّا ما يعطيه، ولا ينيله من المضارّ إلّا كما ينيله. من المعلوم أن الاحسان هو رمز الانصاف وأن المجال الذي ينتشر فيه في الاتيقا والأخرويات والدين.

فلسفة: الانصاف هو أن يعطي صاحبه ما عليه بإزاء ما يأخذ من النّفع، وهو استيفاء الحقوق لأربابها واستخراجها بالأيدي العادلة والسّياسات الفاضلة. زد على ذلك الانصاف هو أن تعطي غيرك من الحقّ مثل الّذي تحبّ أن تأخذه منه لو كنت مكانه ويكون ذلك بالأقوال والأفعال، في الرّضا والغضب، مع من نحبّ ومع من نكره.

نستخلص مما سبق أن النظام الديمقراطي المشروع هو الذي يعتمد العدالة الاجتماعية والمساواة القانونية والإنصاف الاتيقي كقواعد تنظيمية للعلاقات بين الأفراد وتدبير الشأنى العام وأن ثلاثية العدالة والمساواة والإنصاف هي الكفيلة بجعل السيادة شرط ضمان المواطنة والحق في المقاومة والنظر الى المواطنة كمصدر شرعية سيادة الدولة ومصدر هيبتها وسؤددها زمن الثورات.

اذا كانت المساواة قد ارتبطت بنظرية العقد الاجتماعي عند جان جاك روسو ونظرية الارادة العامة وإذا كانت العدالة الاجتماعية قد ظهرت بالخصوص مع كارل ماركس ونظرية دولة الطبقة العاملة فإن مفهوم الانصاف ظهر مع جان راولز ومفهوم الدولة الليبرالية التي يحكمها مبدءا الحرية والاختلاف وينظم المجتمع الليبرالي قانون العدالة التوزيعية أين يتم تقسيم المنافع والمساوئ على المواطنين بشكل يحمي الأفراد الأكثر عرضة للتضرر عند الأزمات.

لكن الى أي مدى يسمح الاستنجاد بالإنصاف في اطار العدالة الانتقالية من جبر الأضرار والتعويض للمتضررين وتحقيق الصفح والمصالحة؟

* كاتب فلسفي

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/حزيران/2013 - 23/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م