لم يكد العالم، الغربي تحديدا البعيد عن الارهاب وجرائمه، يفيق من
صدمة انفجار العبوتين الداميتين في نهاية خط ماراثون بوسطن الامريكي في
يوم الاثنين 15 نيسان الفائت والتي أسفرتا عن مقتل ثلاث اشخاص وجرح
أكثر من 140 اخرين، حتى اقدم، شاب يدعى مايكل اديبولاجو مولود في
بريطانيا، ورفيق له من اصل نيجيري في ظهيرة الاربعاء الماضي في مدينة
وولتش في بريطانيا، على ذبح مواطن بريطاني في الشارع يدعى لي ريجي عمل
سابقاً كجندي في جوقة موسيقية عسكرية في افغانستان.
العمل الذي قام به اديبولاجو والبشاعة التي ظهرت فيه، اثارت موجات
من الاشمئزاز الوطني،على حد تعبير صحيفة الديلي ميل البريطانية، حيث
أعتبرها رئيس وزراء بريطانيا هجوم على" طريقة بريطانيا في الحياة...وانه
خيانة للاسلام...ولامبرر له...ومسؤوليته تقع على الاشخاص المرضى"ممن
يقومون بهذا الفعل الشنيع.
ان مسؤولية ماحدث في بريطانيا لا تقع على الاشخاص المرضى الذين
ينفذون بايديهم هذا السلوك الاجرامي مثل اديبولاجو، او المتطرف المسيحي
النرويجي اندرس بيهرنك بريفيك الذي نفذ مجزرة بتاريخ 22 من حزيران عام
2011 وقتل سبعين مراهقا نرويجيا في مخيف صيفي فحسب، بل تقع المسؤولية
الكبرى على الفكر المتطرف سواء كان اسلاميا او مسيحيا او يهوديا او اي
فكر او ايديولوجيا آخرى تؤيد التطرف وأعمال القتل والاجرام.
هذا الفكر او الايديولوجيا المتطرفة هي التي تغذي هذه الشخصيات
المريضة او التي يتم تضليلها من خلال الافكار المنحرفة التي يسوّقها
مشايخ التكفير ورجال الدين المتطرفين الذين يسوّغون لهذه الشخصيات
افعالها التي تتلاعب بها في أغلب الاحوال عاملان بارزان في شخصيتهم
وهما النرجسية المرضية والبارانويا او جنود الاضطهاد كما يقول المسؤول
السابق في الـ FBI والخبير الدولي الحالي في علم الاتصال ولغة الجسد
السيد جو نافارو في مقالته " دروس من هجوم اوسلو الارهابي" الذي
تناولناه بالترجمة والتحليل سابقا.
فعندما نأتي الى مايكل اديبولاجو الذي نفذ العملية فنجد انه متأثر
بفكر شيخ متشدد سوري هو عمر بكري محمد الذي طلب اللجوء في 1986 واسس
حزب التحرير المتطرف في بريطانيا ولقبوه "باية الله توتنهام" وقد تم
طرده من بريطانيا بعد ان ثبت ان هناك صلة بينه وبين تفجيرات السابع من
حزيران في بريطانيا حيث كان يعطي نصائح دينية لمنفذي الهجوم في مسجد في
ليدز وبرادفورد وتم ترحيله الى لبنان واصبح يدير مجموعة المهاجرون بعد
انفصاله عن حزب التحرير، واراد بكل صلافة الرجوع لبريطانيا عام 2007،
لكن الاخيرة لم تقبل بذلك.
كما ان منفذ العملية اديبولاجو قد تتلمذ على يد متطرف اسلامي اخر هو
انجم شودري والذي دخل الى الاسلام على يديه، اذ كتب الكاتب أندرو مالون
تحليلا يستحق الوقوف عنده بعنوان " هل هذا البلد مجنون "لماذا انجم
شودري، الذي أثرت تعاليمه المسمومة على قاتل وولتش، حراً في ابداء
آراءه في ستوديوهات الــBBC ويطلق كراهية قاتلة ضد البريطانيين"، تطرق
فيه الى موضوع التحريض ضد البريطانيين في الفضائيات والقنوات
البريطانية من قبل بعض المتطرفين الاسلاميين بصورة علنية ومن غير ادنى
اعتراض من قبل الجهات الحكومية.
يتناول مالون نموذج متطرف اسلامي آخر يمثل الذراع الأيمن لعمر بكري
وهو لازال يعيش الى الان في شرق بريطانيا، ويستلم اكثر من2000 دولار
شهريا، هو انجم شودري الذي يحلم، كما يقول مالون، ان يرى علم الهلال
الاسود، وهم علم الاسلام المتطرف وتنظيم القاعدة، يرفرف في بريطانيا،
وان يفرض نسخة الاسلام المتطرف في هذا البلاد.
اجرى شودري، بعد حادثة وولتش، سلسة لقاءات في الـ BBC والقناة
الرابعة البريطانية وغيرها من الوسائل الاعلامية التي حاولت فيها ان
تسأله، باعتباره، خبير، كما يكتب مستهزئا مالون، عن الدافع الذي يقف
وراء قيام شاب بريطاني المولد بذبح بريطاني اخر في الشارع علنا؟
يجيب شودري عن ذلك بالقول بان" هذا نتيجة سياسيات بريطانيا المتحيزة
والمتعصبة ضد المسلمين الشباب" وان الامر، الذي قام به اديبولاجو"
مبرر.والناس في الشرق الاوسط يؤيدون ماقام به".ويؤكد شودري بانه يعرف
اديبولاجو، الذي التقاه قبل 8 سنوات، فقد كان يستمع لخطبه ومواعظه التي
بالطبع تمتلئ كراهية وحقدا على الاخر، وهو الذي جعله يصبح مسلما،واخبر
صحيفة الاندبندنت البريطانية بان يفهم لماذ قام مايكل بهذا الفعل !
الذي وصفه بان " بطل ".
وقد اكتشفت بالدليل القاطع، كما يقول الكاتب أندرو مالون، بان شودري
احد المجندون الرئيسيون للشباب البريطاني المتطرف ومنهم من له علاقة
بالعملية الارهابية البشعة الذين كانون ينوون فعلها في بريطانيا، وطبقا
لخبير ارهاب، يعتبر شودري، مسؤول تجنيد، ماتسميه الاستخبارات الامريكية
جيل الجهاد البريطاني.
العالم الاسلامي مغيّب كالعادة وشعوبه مشغولة بـ" اراب ايدل" او
بتحشيد الشباب لقتال نظام الاسد والسيطرة على سوريا ولايهمهم سمعتهم
والصورة التي ترتسم لدى الاخر عنهم، فهم يتظاهرون ويحرقون ويدمرون
الممتلكات العامة وحتى الخاصة من اجل رسم كاريكاتوري تافه ضد النبي
محمد صلى الله عليه واله ولايتظاهرون تنديدا بمن يذبح مواطنا بريطانياً
باسم الاسلام، او من ينفذ هجمات ارهابية في مناطق مختلفة من العالم
الاسلامي.
وهنا تبرز عدة نقاط مهمة يمكن لنا صياغتها بمجموعة أسئلة :
الاولى: هل يمكن لمثل هذه العمليات الارهابية ان تحقق نجاحا او يكون
لها اثرا وصدى يستفيد منه منفذ العملية؟ او ممولها؟ او المحرض عليها؟
الثاني: هل يحق قتل كل جندي خدم في افغانستان او العراق او اي بلد
اخر حتى لو رجع لبلده بعد انقضاء فترة خدمته او حتى بعد انتهاء الحرب؟
الثالث: كيف يمكن لشخص بريطاني المولد عاش ودرس وتخرج في بريطانيا
ان يمارس هكذا نوع من العنف في بلده؟
الرابع: كم شخص امثال اديبولاجو يوجد في المجتمع الاوربي على
استعداد لتنفيذ مثل هكذا افعال ارهابية شنعاء؟
منفذ العملية في والتش، الذي كان عضوا في عصابة للسرقة في مدينة
رامفورد وتم حبسه سابقا، قال للسيدة البريطانية الشجاعة لايو كينت 48
عام التي وقفت امامه تحاوره بعد عمليته الشنعاء بعد ان سالته لماذا
فعلت هذا؟ قال: اريد ان ابدأ حربا في لندن، الحرب في بلدي، انه جندي
بريطاني لقد قتل مسلمين في بلد افغانستان !... فاجابته بكل هدوء " سوف
تخسر... انت واحد مقابل الكثير".
alsemawee@gmail.com |