النفط في ليبيا... ثروة بيد من؟

 

 شبكة النبأ: تعتمد ليبيا على قطاع النفط الذي يعتبر الشريان الأساسي لاقتصاد البلاد، حيث يشكل النفط نحو 94% من عائدات ليبيا من النقد الأجنبي كما تثير بعض التقارير الخاصة، هذا القطاع المهم وبحسب بعض المراقبين قد تأثر كغيره من القطاعات الأخرى بجملة العوامل السياسية والاقتصادية والأمنية التي أعقبت ثورة التغير التي أطاحت بنظام معمر القذافي، مؤكدين في الوقت ذاته على النفط ربما سيكون أهم الأوراق التي ستستخدمها المجموعات المسلحة في سبيل الحصول على بعض الامتيازات والمكاسب الخاصة خصوصا مع استمرار الضعف الحكومي وانتشار الفساد السياسي والإداري واتساع عمليات التهريب وغيرها من الأمور الأخرى التي تعتبر من أهم التحديات لليبيا الجديدة.

وفي هذا الشأن فقد هاجمت مجموعة ليبية مسلّحة أكبر مجمع نفطي لتصدير الغاز الى أوروبا غرب العاصمة طرابلس، واستولت على 20 مركبة تابعة له. وقالت رئاسة أركان الجيش الليبي في بيان، إن مجموعة ليبية مسلّحة هاجمت المجمع الصناعي للنفط في مليتة 160 كلم غرب طرابلس، والذي تديره شركة (إيني) الإيطلية، واعتدت على كتيبة الحراسة الخاصة به، ما أدّى إلى إصابة آمر الكتيبة وأحد أفراد الحراسة بجروح. وأوضح البيان أن المسلّحين استولوا على 20 مركبة آلية تابعة للشركة.

وذكرت رئاسة الأركان في بيانها أنها أصدرت الأوامر لسلاح الجو بالتحرّك وتمشيط المنطقة لملاحقة الجناة، والقيام بعمليات استطلاعية، والتعامل مع أي هدف مشبوه. وأوضحت أن القوة المكلفة بحماية المجمع تجنّبت التعامل المسلّح المباشر مع المجموعة المعتدية تفادياً لوقوع أضرار بالمجمع الصناعي، وبالمنطقة وسكانها.

ويقع المجمع على بعد 22 كيلومتر شرق مدنية زوراة، وتبلغ مساحته حوالى 355 هكتار تضم مرافق معالجة النفط والغاز، وكذالك خزانات لتخزين النفط الخام والمنتجات السائلة الأخرى، فضلاً عن مرافق التصدير. ويقوم المجمع بمعالجة الغاز والمكثفات المنتجة، وتصل طاقته الإجمالية إلى 695 مليون قدم مكعب من الغاز القابل للتصدير، و31,000 برميل من المكثفات والغاز السائل، و450 طن متري من مادة الكبريت الصلب.

من جانب أخر قالت مصادر بصناعة النفط إن تحقيقا في انفجار وقع في خط أنابيب ينقل النفط والمكثفات إلى ميناء الزويتينة في ليبيا يشير إلى انه نتج عن تخريب. وإذا تأكد ذلك فستتزايد المخاطر الأمنية التي تواجهها شركات النفط العاملة في ليبيا التي تعج بالأسلحة والجماعات المسلحة التي تفعل غالبا ما تريده.

وقالت ليبيا إنها تجري تحقيقا في الانفجار الذي وقع في قطاع من خط أنابيب يربط الحقل 103 الذي تديره شركة الزويتينة للنفط بمرفأ التصدير الشرقي وتبلغ طاقته 60-70 ألف برميل يوميا. وضرب الانفجار الأنبوب الذي ينقل مكثفات نفطية خفيفة بالشبكة والذي تضرر بشكل اكبر من الأنبوب الذي ينقل النفط الخام. وتم استئناف الضخ في الأنبوب الذي ينقل النفط الخام بشكل سريع نسبيا بينما استغرق اصلاح انبوب المكثفات وقتا أطول.

وقال مصدر كبير بصناعة النفط في ليبيا "لم ينته التحقيق بعد لكن يبدو أن هناك تخريبا. تشير المعلومات التي تم جمعها ممن كانوا في الموقع إلى أن ذلك لم يحدث من داخل خط الأنابيب. "إذا كان نتيجة تخريب فلن يكون ذلك في مصلحة البلاد والمواطنين. إنه يظهر أهمية وجود نظام جيد للحماية حتى لا يتكرر ذلك في أنحاء أخرى."

وتضررت عودة ليبيا السريعة إلى مستويات قريبة من إنتاج النفط قبل الحرب عند 1.6 مليون برميل يوميا بسلسلة انقطاعات ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى احتجاجات وإضرابات عطلت الإنتاج فترات قصيرة. ولم ترد تقارير عن حالات تخريب في أعقاب إنتهاء حرب 2011 التي أطاحت بالقذافي.

وتم إطلاق تحقيقين عن الانفجار أحدهما تقوم به لجنة من خبراء نفطيين والآخر تجريه شرطة مدينة أجدابيا التي تبعد نحو 20 كيلومترا عن موقع الانفجار. وقال إبراهيم بلبان الذي يرأس لجنة الخبراء "إنه تحقيق معقد ولا يوجد ما يمكن الكشف عنه حاليا. وقال متحدث باسم شركة الزويتينة في طرابلس إنه ليس لديه علم بتفاصيل التحقيق.

وينقل خط الأنابيب أيضا النفط الخام المنتج من حقل أبو الطفل الذي تبلغ طاقته 70 ألف برميل يوميا وتديره شركة مليته للنفط وهي مشروع مشترك بين المؤسسة الوطنية الليبية للنفط المملوكة للدولة وشركة إيني الإيطالية كما ينقل الخط نفطا من حقل النخلة الاصغر حجما الذي تشغله فنترشال الألمانية. وقال مصدر مطلع على تحقيق الشرطة "بناء على المعلومات التي حصلنا عليها وما أبلغنا به الخبراء فإن ذلك بالتأكيد يشير إلى تخريب."

على صعيد متصل كشفت القوات الجوية الليبية بالصوَر عن عمليات التهريب الكبرى التي تجرى على الحدود الليبية ـ المصرية، معتبرة أن تلك العمليات ليست عادية وإنما تقودها 'مافيات ورؤوس أموال'. ونشرت القوات الجوية على موقعها عبر شبكة الإنترنت صوراً ثابتة ومقاطع فيديو التقطتها طائرات الاستطلاع، للمهرّبين وطرق التهريب التي يتبعونها على الحدود ما بين واحة الجغبوب الليبية وواحة سيوة المصرية.

وأكد مصدر بالقوات الجوية الليبية أن طيّاريها مستعدون لمكافحة هذه الظاهرة، مطالباً الحكومة بدعم وتزويد القواعد الجوية الواقعة على الحدود بطيران عمودي مقاتل للقضاء على هذه الظاهرة وكانت ليبيا كشفت في وقت سابق عن قيام طائرات من دون طيار بمهمة استطلاع أهداف أرضية وجمع معلومات وإحالتها الى مراكز عمليات القيادة والسيطرة برئاسة أركان قوات الدفاع الجوي، غير أنه لم يتم تحديد طبيعة هذه الأهداف.

 يشار إلى أن عدداً من الطيارين العسكريين الليبيين، طالبوا المفتي العام لبلادهم بالخروج على شاشات التلفزة الرسمية، وإصدار فتوى صريحة تقضي بجواز أو عدم جواز قتل المهربين الذين قالوا إنهم يستنزفون ثروات ليبيا ويهدّدون اقتصادها. بحسب رويترز.

من جانب أخر قال نوري بالروين رئيس المؤسسة الوطنية للنفط الليبية إن ليبيا لن تسمح بأي وجود أمني أجنبي في حقولها النفطية حتى رغم استمرار قلق شركات عالمية عديدة تعمل في البلاد من أعمال العنف بعد الحرب. وقال بالروين في بيان على الموقع الإلكتروني للمؤسسة إن ليبيا لن تسمح بوجود أمني أجنبي بأي شكل من الأشكال في منشآتها النفطية. وقال البيان إن بالروين أدلى بتلك التصريحات خلال اجتماعه مع وفد من بي.بي النفطية البريطانية لمناقشة الوضع الأمني في مواقع بي.بي النفطية في ليبيا. وقالت بي.بي إنها تعيد النظر في خطط للتنقيب عن النفط في ليبيا نظرا لمخاوف أمنية في أعقاب هجوم شنه متشددون إسلاميون على محطة إن أميناس للغاز في الجزائر في وقت سابق من ذلك الشهر.

إنهاء دعم الوقود

في السياق ذاته قال وزير النفط الليبي عبد الباري العروسي إن ليبيا ستنضم لجيرانها في إجراء إصلاحات لسوق الوقود وتعتزم إنهاء الدعم بالكامل في غضون ثلاث سنوات. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي الي أن أكثر من 14 بالمئة من الموازنة الليبية أو سبعة بلايين دولار ستذهب إلى دعم الغذاء والوقود والذي تقول الحكومة انه غير فعال لأنه يشجع على التهريب ولا يستهدف الفئات الأكثر احتياجا.

وقال وزير النفط في مقابلة إن السلطات تعتزم إلغاء الدعم لجميع أنواع الوقود بما فيها البنزين والديزل. وأضاف أن الوزارة تتوقع تنفيذ ذلك على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة مشيرا إلى بدء حملات توعية للمواطنين لتهيئتهم لذلك الأمر. وقال العروسي إن البنزين يحتاج للارتفاع ليتماشى مع الأسعار في الدول المجاورة لوقف تهريبه عبر الحدود.

ولا تتعرض ليبيا للضغوط التي تشهدها مصر وتونس اللتين تواجهان اضطرابات سياسية لتطبيق إصلاحات اقتصادية مؤلمة لضمان الحصول على قروض من صندوق النقد الدولي. غير ان التوترات بين الحكومة وميليشيات مسلحة تتصاعد منذ أن بدأت السلطات حملة لإخراج مسلحين من معاقل في طرابلس لبسط سلطة القانون الغائبة منذ الإطاحة بحكم معمر القذافي.

ومع عدد سكان يبلغ حوالي ستة ملايين تبدو تكلفة الدعم الليبي ضئيلة بالأرقام المجردة. وتنفق مصر على سبيل المثال 15 بليون دولار أو ما يزيد عن خمس الناتج المحلي الإجمالي على الدعم. وتكلف دعم الوقود في ليبيا 8.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2011 اذا بلغ في المتوسط حوالي 487 دولاراً للفرد أو نحو ثلاثة مليارات دولار وفقا لبيانات وكالة الطاقة الدولية.

وقال العروسي إن ليبيا لديها القدرة على انتاج 1.7 مليون برميل يومياً لكن هناك العديد من العوائق منها تراجع الأسعار في الأسواق العالمية. وأضاف ان الإنتاج الحالي مازال أقل بعض الشيء من مستوياته قبل الحرب عند 1.55 مليون برميل يومياً بسبب مسائل تتعلق بالأمن والصيانة عطلت عودة كاملة لليبيا إلى المستويات السابقة.

ويتماشى هذا مع مستوى الحصة الإنتاجية لليبيا داخل منظمة أوبك البالغة 1.47 مليون برميل يومياً. وقال العروسي إن نقص قطع الغيار المطلوبة في الحقول النفطية يظهر اثره بشكل واضح في حقلي سرير ومسلة لكنه توقع أن تصل قطع الغيار قريبا. وأضاف أن المشكلات الأمنية في مناطق أخرى مثل غاني حيث اندلع قتال باتت تحت السيطرة.

وقال العروسي أيضا ان وزارته مازالت تخطط لأن تطلق هذا العام أول جولة للتراخيص في ليبيا بعد الثورة وان المفاوضات جارية بشان شروط طرح الحقول. وأضاف ان الوزارة الان في عملية مراجعة الاتفاقات السابقة وتوقع ان تبدأ جولة التراخيص مع بداية الربع الرابع من هذا العام.

على صعيد متصل قال وزير النفط الليبي عبد الباري العروسي إن بلاده ستسعى إلى زيادة حصتها الإنتاجية في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك). ولم تبحث أوبك حصص الدول الأعضاء عام 2011 عندما حددت هدف الإنتاج بواقع 30 مليون برميل يوميا. لكن مع ارتفاع الإنتاج في ليبيا والعراق قد يقتضي الأمر بحث مسألة الحصص. بحسب رويترز.

وكان آخر هدف للإنتاج الليبي بموجب اتفاق أبرم في عام 2008 بلغ 1.47 مليون برميل يوميا. وقال العروسي إن إنتاج ليبيا الحالي من النفط يبلغ نحو 1.5 مليون برميل يوميا. وقال نائب وزير النفط الليبي عمر الشكماك إن بلاده تهدف إلى إنتاج 1.5 مليون برميل يوميا في المتوسط هذا العام و1.7 مليون برميل يوميا بدءا من الربع الثالث. وقال الوزير في قمة النفط والغاز لعام 2013 في طرابلس إن بلاده التي تتمتع بأكبر احتياطيات في إفريقيا ستطرح مناطق تنقيب جديدة ولكنه لم يحدد إطارا زمنيا. وأضاف أن ليبيا عازمة على طرح مناطق الامتياز الجديدة بعد إجراء الدراسات اللازمة.

الاعتماد على النفط

الى جانب ذلك قال صندوق النقد الدولي إن اعتماد ليبيا على صناعة النفط وقطاع عام ضخم لتوفير فرص العمل سيستمر لسنوات حتى مع قيام البلد بإعادة البناء في ظل مناخ ديمقراطي. وكان الزعيم السابق معمر القذافي الذي أطيح به وقتل في أكتوبر تشرين الأول 2011 قد وطد أركان حكمه عن طريق إيرادات تصدير النفط وإتاحة الوظائف وخلص تقرير للصندوق إلى أن القوى العاملة في البلاد مازالت شديدة الاعتماد على هذين العنصرين.

وقال التقرير "إلى أن تستطيع ليبيا توفير فرص العمل في القطاع الخاص فإنها ستعجز عن معالجة أحد الأسباب الجوهرية للثورة." وأضاف أن دفع أجور الموظفين الحكوميين في ظل تذبذب إيرادات النفط يشكل مشكلة ملحة لكن التضخم استقر بالمقارنة مع فترة الصراع. ونجحت ليبيا في العودة بإنتاج النفط إلى مستويات ما قبل الحرب تقريبا حسبما ذكر التقرير الذي اعتبر ذلك أحد العوامل الرئيسية لتحقيق الاستقرار.

لكنه مضى يقول إن الإنفاق على الأجور الحكومية المرتفعة ودعم أسعار الغذاء ينطوي على مشاكل هيكلية ينبغي معالجتها. وقال "أوصت البعثة بإجراءات للحد من الإنفاق الحالي ولاسيما احتواء زيادات الأجور وعدد موظفي القطاع العام وترشيد الدعم. بحسب رويترز.

وقال الصندوق إن أمام ليبيا الكثير لتطوير المجتمع المدني وحكم القانون بعد عقود من الاستبداد وهو ما سيشجع القطاع الخاص. وقال التقرير "تظهر المؤشرات الدولية صعوبة مناخ الأعمال وضعف البنية التحتية." لكن التحول إلى اقتصاد أكثر توازنا سيستغرق سنوات في ظل هيمنة النفط وأنواع الوقود الأخرى على 98 بالمئة من صادرات البلاد.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 1/حزيران/2013 - 21/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م