من بغداد الى المحافظات... محاصصة تجهض آمال الناخبين

 

شبكة النبأ: مما نسمعه ويسمعه المتابع العراقي من مداولات مفاوضات ساخنة خلف الستار حول تقسيم المناصب والمكاسب لما تمخضت عنه نتائج انتخابات مجالس المحافظات التي أجريت في العشرين من نيسان الماضي، يتضح أن سلبية مصطلح "المحاصصة السياسية" ليست بالشكل المقزز والمنبوذ الذي كنا نتصوره خلال السنوات العشر الماضية التي أعقبت سقوط صنم الديكتاتورية عام 2003، وظهور نظام سياسي "تعددي – ديمقراطي" ، إنما المسألة – حسب اعتقاد السياسيين - فيها نوعاً من المطاطية والليونة بما يمكن الكتل السياسية من ممارسة المزيد من الدور السياسي في إطار العملية السياسية، وتعزيز التجربة الحديثة لما بعد الديكتاتورية، من تداول سلمي للسلطة والاتفاق على تشكيل الدوائر التنفيذية بما يسهم في تسريع الخدمات وتطوير الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. لكن واقع المحاصصة قد ينطبق مع هذه الطموحات والتصورات، كما أثبتت التجربة لنا خلال معارك المحاصصة في العاصمة بغداد، وبعد إجراء الانتخابات البرلمانية، فحتى دخول شخص ما من كتلة ما، الى مجلس النواب، كان يمر خلال المحاصصة، حيث أصبح بعض الاشخاص نواباً عن أناس لا يعرفونه بفضل القانون القديم للانتخابات، هذا فضلاً عن الاستيزار وتوزيع الحقائب الوزارية، والمناصب السيادية والمواقع التنفيذية والعسكرية والأمنية وغيرها. ولم يخف على أحد وفي الطليعة زعماء الكتل وأهل الحل والعقد في الكتل السياسية، ما جرّت هذه المحاصصة من ويلات وكوارث على الشعب العراقي، ومثال بسيط لا على سبيل الحصر؛ لم يتمكن مجلس النواب المنتخب من قبل الشعب العراقي من أن يدين وزير واحد أو مسؤول أمني ويجره الى القضاء على ما حصل من حالات فساد فضيعة وسافرة، واختلاسات بملايين الدولارات، منها ما مسّ لقمة الناس، مثال وزير التجارة فلاح السوداني، في صفقات المفردات  التموينية، وما مسّ راحة الناس واستقرارهم النفسي والاجتماعي مثال وزراء الكهرباء في الحكومات السابقة وعقودهم الوهمية لحل مشكلة الكهرباء، وما مسّ أمن الناس وأرواحهم ودمائهم، مثال وزارة الداخلية وصفقة أجهزة السونار المزيفة.

الكتل السياسية الموجودة في الوقت الحاضر تسجّل علينا أنها قدمت أداءً سياسياً وديمقراطياً حسناً، من خلال قانون جديد للانتخابات وتعدد القوائم، بما يمكّن الناخب من اختيار من يراه الأصلح والأفضل، وانه سيكون صاحب الدور المؤثر في صعود النائب الى مجلس المحافظة، وليس الكتلة أو القائمة كما كان سابقاً، لكن هذا كل شيء..؟ إن الناخب الذي أدلى بصوته في صناديق الاقتراع وسجل رقماً في نسبة المشاركين، يبغي العبرة من التجربة الحديثة المطوّرة من الديمقراطية، وهي أن يرى الذي يدير محافظته ونوابه وغيرهم ممن يرتضونه ويجدون فيه الكفاءة والامكانية الادارية والعلمية، لا أن تكرر وجوه خبرها الناس في ضعف الأداء وتلكؤ المشاريع واستمرار الازمات.

ففي الوقت الحاضر يجري الحديث بصوت عالٍ عن تعليق اختيار المحافظين في المحافظات الاثني عشر التي جرت في الانتخابات المحلية، على اتفاق بين كتلة المواطن بزعامة السيد عمار الحكيم، رئيس المجلس الاسلامي الأعلى، وائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الحكومة نوري المالكي. وكتلة الأحرار بزعامة السيد مقتدى الصدر. وفي تصريح صحفي يقول النائب في البرلمان عن كتلة المواطن وأحد رموز المجلس الأعلى، علي شبر: إن "حسم هوية الشخص الذي سيتولى منصب المحافظ في المحافظات التي حققت فيها كتل المواطن ودولة القانون والاحرار مراكز متقدمة في نتائج الانتخابات، يعتمد على تقويم لجنة مركزية في بغداد".

فاذا تُحسم مسالة اختيار المحافظ لمحافظة ميسان أو النجف أو كربلاء – مثلاً- في العاصمة بغداد، فأين دور سكان تلكم المحافظات في اختيار المحافظ؟ ثم أين دور النواب المنتخبين في هذه المجالس المحلية القانوني المنصوص عليه في اختيار المحافظ من بينهم أو من خارج مجلس المحافظة لا فرق..؟

ربما يقول البعض بإيجابية هذه التحركات والتحالفات وفائدتها للمواطن في عدم حصول الفوضى والتشتت في الآراء فيما يتعلق باختيار المحافظين، لكن هل ثمة أدوات وعناصر لبناء الثقة بين المتفقين والمتحالفين لتحقيق هذه الإيجابية؟

هنالك مؤشرات واضحة تدل على زعزعة الثقة بين كتلة الحكيم وائتلاف المالكي عندما يصل الأمر الى المحافظات ذات الخصوصية، مثل البصرة والنجف، فالأولى تُعد العاصمة الاقتصادية للعراق، والثانية العاصمة الدينية للعراق وللعالم الاسلامي، كونها تضم الحوزة العلمية ومرجعياتها الدينية الكبيرة. وحسب التصريحات التي تتناقلها وسائل الإعلام فان كتلة الحكيم تسعى لانتزاع المحافظين لهذه المحافظتين من المالكي الى جانب بابل، التي تُعد الأخرى من المحافظات الحيوية والهامة اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، حيث تقع على مفترق طرق محافظات الوسط والجنوب والعاصمة بغداد، علماً إن قائمة المالكي أحرزت المرتبة الأولى في البصرة بحصولها على (16) مقعداً من مجموع (35) مقعداً لمجلس محافظة البصرة، فيما حلّت كتلة المواطن في المرتبة الثانية بحصولها على ستة مقاعد فقط، وحسب المصادر فان "المواطن" يراهن على تحالفات مع كتل أخرى للحصول على نسبة من المقاعد يفوق ائتلاف المالكي للحضو بالمحافظ "المواطني". وهكذا الأمر في النجف الأشرف.

ثم لا ننسى أننا لسنا في وضع يحتمل المزيد من التعقيدات والتأخيرات في الجهاز التنفيذي، بوجود أزمات أمنية متفاقمة وأوضاع اقتصادية صعبة، مما يترك ظلالاً ثقيلة على الوضع الاجتماعي والنفسي، وليس أدل ما نقول؛ التراجع الكبير في نسبة المشاركين في الانتخابات المحلية في عدد من المحافظات، حيث تدنّى في بعضها الى حد الخمسين بالمئة. وحتى لا نكرر تجربة تشكيل الحكومة المركزية بعد انتخابات عام 2010، والتي شغلت الناس حوالي ستة أشهر وجعلت من "ديمقراطية العراق" حديث السياسة والاعلام في العالم، يجدر بالكتل السياسية الفائزة والمعنية بتشكيل الحكومات المحلية في المحافظات التحلّي بالمزيد من الاخلاق السياسية بما تتطلبه من شفافية وتكاملية وتغليب المصلحة العامة على الفئوية، والعمل على إنجاح التجربة الديمقراطية – المحلية في اختيار المحافظين داخل المجالس وليس بغداد، لكسب المزيد من المصداقية السياسية في الانتخابات البرلمانية القادمة، وتعزيز الثقة في نفوس الناس بأن هنالك تجربة ديمقراطية حقيقية يخوضونها، وهنالك سياسيون ينتخبونهم، يضعون مصالحهم وتطلعاتهم واحتياجاتهم في سلّم أولوياتهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 1/حزيران/2013 - 21/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م