غياب قواعد اللعبة في العراق

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ثمة أسس وقواعد لادارة اللعبة بين الكتل والاحزاب والشخصيات السياسية، هذه القواعد تشكل حالة ضبط لمختلف الحراك السياسي، وتمنحه نوعا من الاتساق والتناغم حتى لو انطوى على صراعات وتناقضات متعددة، بمعنى اوضح تحدث اختلافات وصراعات وتجاذبات كثيرة بين الداخلين في السياسة، ولابد أن تكون هناك لعبة لادارة العمل السياسي تقوم على قواعد ضبط او تحكم او تنسيق لمختلف الاتجاهات والتحركات السياسية.

وفي حالة غياب قواعد اللعبة، تحدث فوضى عارمة في السياسة ومن ثم في معظم مجالات الحياة، لان السياسة تنعكس بالتأكيد على مجريات الحياة اليومية، كونها تمس حياة الناس بشكل مباشر او غير مباشر، لذلك في الدول الديمقراطية المتطورة، تم صنع هذه القواعد وتم فهمها ايضا من لدن جميع المشتركين في السياسة، أفرادا أو احزاب أو جهات مختلفة، في حالة خروج احدهم على قواعد اللعبة يتم ردعه، او طرده خارج حدود السياسة حتى تبقى اللعبة منتظمة ومنسجمة وقادرة على ادارة شؤون المجتمع وفق ايقاع متناغم معتدل وسليم.

في العراق غابت قواعد اللعبة على نحو شبه تام، فانتشرت الفوضى في الساحة السياسية، وصار الجميع لا يعرف ماذا يريد وماذا يفعل، باستثناء اللهاث خلف الفوائد والمصالح الذاتية والفئوية والحزبية، الامر الذي ادى الى حدوث اضرار كبيرة في البنى والاهداف التي تخدم المجتمع، واصبح الشعب هو المتضرر الاكبر من فوضى السياسيين المتصارعين بلا قواعد ولا ضوابط.

لذلك ينتشر الفساد والمفسدين على نحو واضح، ويحضر الارهاب بقوة، ويضعف الردع اذا لم يغب، كل هذا وسواه من المساوئ والاضرار، تحدث بسبب فقدان القواعد التي تحكم اللعبة القائمة بين الداخلين والفاعلين في السياسة، ومن المخاطر الجسيمة التي ستحدث ايضا، أن الاحزاب السياسية الكبيرة أيضا معرضة للانهيار، بسبب تعاملها مع بعضها، بعيدا عن الثقة المتبادلة، فضلا عن انتشار لغة او منهج التربص بالاخر، ومحاولة اسقاطه بشتى السبل والوسائل.

كل هذا يحدث في غياب تام للقواعد التي ترتكز عليها اللعبة، على العكس مما يحدث لدى الدول التي سبقتنا في هذا المضمار، و وضعت قواعد واضحة تضبط وتحكم الحراك السياسي المتبادل، وترفض رفضا قاطعا التجاوز على هذه القواعد او القفز عليها، او محاولة اشاعة الفوضى كبديل عن القواعد المتفق عليها، والتي اصبحت مع تقادم الزمن وكثرة التجارب في تلك الدول، منهج عمل واضح المعالم لا يجوز لاحد، فردا كان او حزبا سياسيا، أن يتجاوز عليه، وبهذه الطريقة تم ضبط ايقاع اللعبة والحراك السياسي، وتم ردع من لا يلتزم بها، فغابت الفوضى وحل محلها العمل الواضح المنسجم، الذي يحتوي التناقضات والصراعات وفق لعبة واضحة القواعد.

لهذا مطلوب من المعنيين في ادارة اللعبة، أن يتفقوا جميعا على وضع قواعد للعبة، واضحة و دقيقة، وغير قابلة للتجاوز من لدن اي طرف داخل وفاعل من اطراف اللعبة، بعيدا عن المناهج والاساليب المتسرعة المفتعلة التي لا تخدم احدا، وان قدمت بعض الفوائد الانية السريعة، التي ستكون مع الزمن من عوامل واسباب الانهار الكبير الذي ستتعرض له السياسة والاحزاب في البلد، الامر الذي يستعدي حرصا كبيرا ومتواصلا من لدن الجميع، على وضع القواعد الضابطة والواضحة، وتوقيع وثيقة الالتزام بها (تحريريا أو حتى شفويا)، لأن مجرد معرفة قواعد اللعبة والاتفاق عليها، يشكل خطوة في الاتجاه الصحيح، ويبقى الزمن والتمرين والمراس من لدن جميع الاطراف، هو السبيل الصحيح الذي ستنتظم تحته جميع الاطراف خدمة للشعب والبلاد برمتها.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 25/آيار/2013 - 14/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م