العنف المدرسي... سلوك الحاق الاذى بالآخر

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: العام الدراسي على افول ورحيل، كم استفاد الطلاب من سنتهم الدراسية، وماهي الخبرات التي اكتسبوها طيلة ايام العام الدراسي، ماهي المشاكل التي واجهوها في تلك السنة الدراسية، ثم هل يعد النجاح في نهاية المطاف هو المطلوب، ماذا عن الذين فشلوا في الانتقال الى صفوف اخرى؟

كل عام يمكن لنا توجيه هذه الاسئلة، لكننا دون وعي لا نطرحها على انفسنا كاباء ومربين ومعلمين، لاننا نعتقد ان الغاية من الدراسة والمدرسة هي النجاح والتقدم الى صفوف اخرى ولا شيء غير ذلك.

اتذكر في العام 1977 وكنت طالبا في الصف الثالث المتوسط، كنت وقتها طالبا مجتهدا، مع بعض المشاغبة التي لا تؤثر على سير الدروس او تنتهك حرمة التدريس، كان احد اساتذتنا، وكان معلما مثقفا من طراز رفيع، وكان كاتبا للقصة القصيرة، كنا كثيرا ما نشاهده وهو يطالع الروايات المكتوبة باللغة الانكليزية، التي كانت بحجم صغير، يضعها في جيبه بعد الانتهاء منها.

كان احد الطلاب، وهو من المتاخرين دراسيا، حيث عمره لا يتناسب مع هذه المرحلة، كان مشاغبا بصورة متنمرة، اضافة الى كسله، استاذنا المثقف وفي نوبة غضب منه على هذا الطالب، قام بشد شعره وسحبه من الطابق الثاني للمدرسة الى غرفة المدير، كنت وقتها مستغربا من تصرف هذا المعلم الذي كنت اجله واحترمه كثيرا، الا اني وقتها لم اكن اعرف توصيف فعله، او توصيف ما يقوم به هذا الطالب او غيره من طلاب، لانني كنت اشعر احيانا انها تصرفات طبيعية بحكم البيئة والتنشئة، فالعقوبة البدنية شيء طبيعي، حتى لو كانت انتهاكا صارخا لكرامة الطفل او المراهق، تصدر من احد الابوين، فما بالك بالمعلم او اي شخص غريب؟

في مثل هذه المواقف انقسم الطلاب الى فريقين: فريق يرى في هذا الطالب بطلا لانه وقف في وجه هذا المعلم، وعانده، وهؤلاء الطلاب نعرف عنهم التنمر، وطلاب اخرين وقفوا مع المعلم، في تصرفه لان الطالب يستحق ما جرى له..

اتذكر هذه الحادثة، واسال نفسي: ماهي مشاعر ذلك الطالب وقتها التي شعر بها وهو يسحب من شعره على درجات السلم وحتى غرفة المدير؟ هل كان يشعر بالاحترام لنفسه وهو يرى عشرات العيون تنظر اليه، كيف كان شعوره تجاه ذلك المعلم، هل بقيت لديه نفس النظرة لثقافته او مايفترض بابوته، ام انه لم يطرح مثل تلك الاسئلة ربما لتعوده على مثل هذه العقوبة في منزله ومن قبل والده؟

لم يحقق ذلك الطالب شيئا في دراسته، وجرفته الحياة بمشاكلها وهمومها والتزاماتها، مثله مثل الكثيرين، مع ملاحظة ان تنمره الذي كان داخل اسوار المدرسة اخذ يتبادل المواقع خارجها، في سنوات مراهقته وشبابه.

ما حدث من المعلم، وما كان يحدث من ذلك الطالب، وغيره من الطلاب، من مشاغبات او تعدي بالضرب او الكلام الفاحش سبابا وشتائم، هو سلوك عنيف كان يؤطر سنواتنا الدراسية تلك في السبعينات من القرن الماضي.

وقتها لم تكن الحروب قد اجتاحت ارض العراق، ولم تكن سطوة البعث قد استكملت حلقاتها، الا ان البيئة والثقافة الاجتماعية كانت تدعم مثل تلك التصرفات، رغم قلتها، وهي قلة شاذة في نظر العرف الاجتماعي انذاك.

اكثر ما صادفتني تلك الحالات هي في الدراسة المتوسطة، اعني في مرحلة المراهقة تحديدا. هذا السلوك هو العنف المدرسي، والذي نعني به، تصرفات من الطالب توقع الأذى بالآخرين بقصد او بدون قصد ، وتكون على صورة بدنية مثل الضرب وصورة لفظية مثل الشتم ، وصورة تخريبية مثل إتلاف الأشياء.

تختلف أشكال العنف المدرسي باختلاف الجهة المسؤولة عنه فقد يكون عنفا بين الأستاذ والتلميذ أو بين التلميذ والتلميذ أو بين هذا الأخير والجهاز الإداري أو بين التلميذ والمؤسسة باعتبارها كبناية وتجهيزات ممكن أن تتعرض للعنف، بعض الممارسات والضغوط المادية والمعنوية التي يتعرض لها التلميذ ومنها:

العنف الجسدي هو استخدام القوة الجسدية بشكل متعمد اتجاه التلاميذ من أجل إيذائهم وإلحاق أضرار جسمية بهم كوسيلة عقاب غير شرعية مما يؤدي إلى الآلام والأوجاع ومعاناة نفسية جراء تلك الأضرار.

العنف قد يتم من الناحية النفسية من خلال عمل ما أو الامتناع عن قيام بعمل معين وهذا وفق مقاييس مجتمعية ومعرفة علمية بالضرر النفسي, وقد تحدث تلك الأفعال على يد شخص أو مجموعة من الأشخاص الذين يمتلكون القوة والسيطرة لجعل التلميذ أو الطفل مؤذى مما يؤثر على وظائفه السلوكية، والوجدانية، والذهنية، والجسدية كحرمان التلاميذ من الاستراحة بين الحصص الدراسية، رفض وعدم قبول الفرد، إهانة، تخويف، تهديد، عزلة، استغلال، صراخ، سلوكيات شاذة تلاعبية وغير واضحة، معاملة التلميذ كمتهم.

العنف التواصلي: ويقصد به التأثيرات السلبية التي يتعرض لها التلميذ أثناء الفعل التعليمي وأثناء تواصله داخل الفصل مع التلاميذ أو مع الأستاذ داخل المؤسسات التعليمية فالغالب على طرق التدريس التقليدية في العالم غياب الحوار بين العناصر المكونة للمنظومة التعليمية، إذ يصبح اللاحوار عنف تواصلي يعني أن التلميذ لا يستطيع التعبير عن أفكاره وأطروحاته وتصوراته مما يجعل من الصعب عليه تقبل الآخر (الأستاذ أو الإدارة) مما يزيد في تفشي هذا السلوك داخل الفصل الدراسي هو ضيق الوقت وكذلك الكم على مستوى المناهج والمقررات الدراسية.

العنف المدرسي ضد المدرس

أشكال العنف المدرس، أو الهيئة الإدارية:

كلام بذيء اتجاه الأساتذة من طرف التلاميذ

ضرب

نبز بالألقاب

تهديد

تخويف

في بحث هام لـدافيد توماس تحت عنوان (عقل الإنسان)، أن الأطفال والمراهقين الذين نصرخ في وجوههم ليل نهار، ينهارون من تقطيب الجباه فى مُحيَّاهم ومن الصراخ في وجوههم، مما يولد لديهم موانع للفهم؛ فالصراخ والشتيمة والهُزء والتحقير ليس الحل للطالب المشاغب أو النائم أو المرهق أو البليد، لكن السهل هو رد الفعل الانفعالى والتلقائى بزعيق المدرس وشتيمته وفقدانه لأعصابه.

هؤلاء الأطفال ضحايا العنف اللفظى والبدنى من قبل زملائهم ومدرسيهم وذويهم؛ يتعثرون دراسياً، بل وفى بعض المواقف بالغة الشدة يكرهون أنفسهم مما يؤثر عليهم لحظياً ولاحقاً فى رحلة معاناة مستمرة من الكرب والاكتئاب وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين، فقدان الثقة بالنفس بل والرهاب الاجتماعى والعزوف عن التجمعات وتجنب الآخرين مما يخلق لهم مشاكل زوجية وعملية.

لقد أثبتت العديد من الأبحاث وجود علاقة مباشره بين العنف البيتي والعنف المدرسي. فالطفل الذي تربى في عائله يعتبر فيها التصرف العنيف مقبولا، سيعكس هذا العنف في أول فرصه تتاح له خصوصا في المدرسة التي تمثل بيئة خصبة لانتشار العنف. فالطفل يتعرض إلى أنماط من السلوك العنيف يبدأ بالعنف(الأسري) وتتسع الحلقة لتشمل العنف (المدرسي) ومن ثم تأتي الحلقة الأوسع متمثلة بالعنف (المجتمعي).

أسباب العنف المدرسي

هناك عدة أسباب تسهم في تنشئة وظهور السلوك العدواني لدى الفرد ومن أهمها:

أولا/ الأسرة: حيث أظهرت بعض الدراسات أن هناك ارتباطا بين طلاق الزوجين وظهور السلوك العدواني لدى الأطفال بسبب الضغوط والصراعات داخل المنزل كرد فعل لهذه الضغوط.

ومن الجدير بالذكر أن الأسرة التي تستخدم العدوان اللفظي أو البدني في كل نزاع بين الوالدين، تميل إلى استخدام الأسلوب العدواني نفسه مع الآخرين، ومن ثم فان الطفل العدواني هو نتاج عدوان الوالدين.

وهناك بعض التلاميذ الذين يحاولون فرض ذاتهم بشتى الطرق والوسائل إذ أن الحظ لم يحالفهم في دراستهم ' فأحسوا بالنقص أو العجز ' ثم انصرفوا إلى إثارة الشغب داخل المؤسسات التربوية حتى وجدوا في العنف خير سبيل لفرض وجودهم .

ثانيا/ المستوى الاقتصادي والاجتماعي: أثبتت بعض الدراسات أن الأسر ذات المستوى الاجتماعي المنخفض، يستخدمون العقاب البدني بصورة أكبر من الطبقات الوسطى والعليا مما يشكل دافعا للسلوك العدواني. والطبقات الوسطى تميل إلى استخدام العقاب النفسي مثل: النبذ، واللامبالاة، والتجاهل، وهذا يفسر زيادة نسبة السلوك الإجرامي بين الطبقات الدنيا.

ثالثا/ جماعة الرفاق: من المعلوم أنه تحت تأثير الجماعة يقل التفكير المنطقي، وتبتعد المعايير الاجتماعية التي تتحكم في العدوان ومن ثم تظهر جميع الاندفاعات العدوانية المكبوتة في مختلف الاتجاهات. وبالإضافة إلى ذلك، فإننا لا نستطيع أن نغفل دور المجتمع بأسره الذي يعيش فيه الفرد كأحد الظروف المهمة المساعدة على العدوان.

تأثير العنف المدرسي على الطالب

آ ـ يولد عنفاً ارتدادياً على مبدأ الفعل ورد الفعل وكلما كان العنف أقوى كانت ردة الفعل عليه أقسى إن لم تكن اليوم فغداً بالتأكيد كنوع من إفراغ الإحساس بالعجز والإحباط والقهر وقد يصبح تلميذ الأمس معلم الغد بكل ما فيه من احتقان و عنف وخطورة.

ب ـ الآثار الانفعالية مثل (نقص الثقة بالنفس ـ اكتئاب ـ توتر وقلق وغضب دائم ـ حساسية مفرطة ـ شعور بالدونية ـ رغبة بالتدمير والنكوص ـ سادو مازوخية تجاه الذات والآخرين ـ شعور بالخوف وعدم الإحساس بالأمان والاستقرار النفسي ـ ردات فعل هجومية عصابية .....).

ج ـ الآثار الاجتماعية وتتمثل في (خمول اجتماعي ـ عدوانية تجاه الغير ـ انعزالية - فقدان التعاطف والتراحم مع الغير .....).

د ـ الآثار السلوكية مثل (الخوف المرضي ـ السرقة ـ الكذب ـ عدم القدرة على الانضباط والتركيز وتشتت الانتباه ـ محاولات الانتحار ـ تحطيم الأثاث ـ إشعال النيران ـ العنف الكلامي ـ التنكيل بالشخص الأضعف وبالحيوانات ـ تخبط وارتباك ...).

هـ ــ الآثار التعليمية يتمثل في (هبوط مستوى التحصيل الدراسي ـ تأخر عن المدرسة ـ غياب متكرر ـ عدم المشاركة في النشاط الصفي والطلابي ـ التسرب الدائم والمتقطع ....).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/آيار/2013 - 12/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م