التنقيب الأثري... بحث حثيث عن مدن ضائعة

 

شبكة النبأ: لايزال علماء الآثار يواصلون إعمالهم و نقيباتهم المستمرة في العديد من المناطق والدول لأجل الوصول الى استكشافات جديدة ومهمة تخص علم الآثار والحضارة الإنسانية السابقة، والاستكشافات الأثرية هي مورد مهم للحصول على المعلومات التي تخص المجتمعات القديمة وكيف تطورت الحضارة الإنسانية. وفي هذا الشأن فقد أعلن باحثون عثورهم على صخور ضخمة من مادة الغرانيت في عمق سواحل ريو دي جانيرو، مما زاد من ترجيحات عثورهم على "مدينة ضائعة" مشابهة لأطلانتيس.

وأعلن فريق بحث مشترك برازيلي_ياباني، على موقع مركز الأبحاث في عمق البحار الياباني، أنهم عثروا على صخور الغرانيت في عمق المحيط على بعد 900 ميل من سواحل ريو دي جانيرو.

والغرانيت لا يوجد عادة إلا في المناطق الجافة، وهو ما يعني أن جزيرة أو قارة أو قطعة من الأرض كانت توجد في نفس المنطقة التي تقول نظريات إن "أطلانتيس" كانت تقع فيها. ومعظم الموسوعات العلمية أمثال Britannica و Encarta تعرِّف قارة أطلانتس استناداً الى كتابي "Criteaus" و "Timaeus" لأفلاطون الذي تحدث عن وجود هذه القارة المفقودة .

فموسوعة انكارتا الحديثة تذكر أن المحيط الأطلسي و جبال الأطلس في منطقة المغرب العربي اشتقت أسماؤهما من اسم أطلس ، ملك تلك القارة المفقودة حسب قول أفلاطون الذي ارتكز على معلومات نقلت من كهنة مصريين الى الرحّالة اليوناني صولون. كما أن بعض الشعوب ما زالت تحتفظ بتسميات مشابهة لقارة أطلانتس. ففي شمالي شرقي أفريقيا ثمة قبائل يعرفون بشعب Atlantes و Atarantis تحدثوا في تقاليدهم الموروثة عن قارة تدعى Attala غرقت في البحر وستعود يوما للظهور.

أما الباسك في فرنسا فيتحدثون عن نفس القارة تماما مثل أساطير البرتغال وفي جنوب إسبانيا الملقب يقال إنّ جزر الكناري التي تقع جنوب غرب المغرب في المحيط الأطلسي كانت جزءا" من القارة المفقودة و يدعونها Atalaya. و في ملحمة مهابهاراتا يأتى على ذكر Attala أي الجزيرة البيضاء وهي قارة تقع غرب المحيط بعيدة بمقدار نصف الأرض عن الهند. بحسب CNN.

كما أنّ شعوب المكسيك القدامى المعروفين بال Aztecs أطلقوا على قارتهم المفقودة اسم Aztlan التي كانت تقع شرق المكسيك بحسب قصصهم المتوارثة فهم يؤمنون بأنهم انحدروا من تلك القارة. ويعتقد أحد الباحثين من الفريق الذي عثر على الغرانيت، أنّه من الممكن أن تكون المنطقة التي عثر فيها على الصخور هي نفسها التي تتحدث عنها شعوب الهند والأزتك. ويعتقد باحث آخر أنه من الممكن أن لا يكون الأمر مختلفا بين القارتين الضائعتين حيث أن قارتي أفريقيا وأمريكا الجنوبية كانتا متلاصقتين.

 الآثار في مصر

في السياق ذاته اعلنت وزار الدولة لشؤون الاثار المصرية ان البعثة الالمانية العاملة في المعبد الجنائزي للملك امنحتب الثالث في مدينة الاقصر عثرت على 14 تمثالا للالهة سخمت. وقال وزير الدولة لشؤون الاثار محمد ابراهيم ان هذه التماثيل اكتشفت داخل المعبد الجنائزي لامنحتب الثالث (1410- 1372 قبل الميلاد) من الاسرة الثامنة عشرة في البر الغربي لمدينة الاقصر.

واضاف الوزير ان العثور على هذا العدد من التماثيل "يؤكد على الدور البارز للالهة سخمت في عصر امنحتب الثالث باعتبارها الهة الحرب والدمار". وبدأت هذه البعثة عملها منذ اكثر من عشر سنوات في هذا المعبد، وقد عثرت بالتعاون مع فريق مصري في وقت سابق على اكثر من 64 تمثالا لهذه الالهة التي كان ينظر اليها على أنها آلهة شافية أيضا.

وقال المشرف العام على اثار الاقصر منصور بريك ان "العدد الكبير من تماثيل هذه الالهة يعود الى ان الملك الذي حكم مصر على مدى اكثر من 50 عاما كان مريضا فكان يتقرب من الالهة كي تشفيه". واضاف بريك "وكان امنحتب الثالث أيضا وضع عدد كبيرا من تماثيل هذه الآلهة في معبد موت الموجود ضمن مجمع معابد الكرنك وهذا يشير أيضا الى جانب الاستقرار السياسي والرفاه الاقتصادي الذي عاشته البلاد في عصره الى جانب انها عملت على تحقيق قفزات في الفن الفرعوني القديم".

على صعيد متصل قالت وزارة الدولة لشؤون الآثار بمصر إن بعثة أثرية مصرية اكتشفت في شمال شبه جزيرة سيناء آثار معركة تحرير مصر من الغزاة الهكسوس قبل نحو 3600 عام وتضم مباني ضخمة محصنة وهياكل آدمية مطعونة بحراب المعركة إضافة قطع من بركان سان توريني الذي تعتبره أول أمواج مد عاتية (تسونامي) في العالم القديم قبل 3500 عام وأدى إلى غرق جزء من سواحل مصر.

وتوحدت مصر جغرافيا وإداريا تحت حكم مركزي نحو عام 3100 قبل الميلاد على يد الملك مينا مؤسس الأسرة الفرعونية الأولى. وفي عصر بطليموس الثاني الذي حكم مصر تقريبا بين عامي 284 و246 قبل الميلاد قسم الكاهن مانيتون أشهر المؤرخين المصريين تاريخ البلاد إلى 30 أسرة حاكمة منذ توحيد مصر حتى الأسرة الثلاثين التي أنهى حكمها الإسكندر حين غزا مصر عام 332 قبل الميلاد.

وتعرض التاريخ المصري لفترات ضعف منها ما يسميه المؤرخون عصر الانتقال الثاني (1786-1567 قبل الميلاد) وهي فترة الغزاة الهكسوس الذين طردوا من البلاد بعد معارك قادها أحمس الأول مؤسس الدولة الأسرة الفرعونية الثامنة عشرة التي بدأ بها ما يطلق عليه أثريون ومؤرخون عصر الدولة الحديثة أو عصر الإمبراطورية المصرية (1567-1085 قبل الميلاد).

وقال محمد عبد المقصود رئيس بعثة الحفائر في شمال سيناء في بيان إن المباني المكتشفة تتكون من طابقين وعدة صالات وحجرات مبنية من الطوب اللبن وتقع في منطقة تل حبوة على بعد ثلاثة كيلومترات شرقي قناة السويس في منطقة القنطرة شرق شمالي مدينة الإسماعيلية.

وأضاف أنه عثر على هياكل حيوانية وأخرى آدمية مطعونة برؤوس سهام وحراب تدل على عنف المعارك "بالموقع بين الجيش المصري بقيادة الملك أحمس الأول والغزاة الهكسوس حتى تم طردهم" إضافة إلى مخازن الجيش المصري وصوامع للغلال بعضها دائري يبلغ قطره أربعة أمتار وبعضها مستطيل أبعاده 30 مترا في أربعة أمتار وترجع لعهد الملك تحتمس الثالث والملك رمسيس الثاني.

وتابع أن هذه الصوامع تسع كمية من الغلال تزيد على 280 طنا وتشير "إلى ضخامة أعداد الجيش المصري في عصر الدولة الحديثة" وأنه نظرا لأهمية الاكتشاف في تاريخ مصر العسكري فسوف يتم تنفيذ مشروع للحفاظ على هذه المباني التي تعد جزءا من "أقدم منظومة دفاعية في العالم القديم" وإعداد الموقع كمتحف مفتوح للتاريخ العسكري على مساحة ألف فدان.

وقال إن البعثة اكتشفت أيضا بقايا حريق ضخم لمنشآت أحرقت أثناء المعركة وهذا "يؤكد ما جاء في بردية رايند بالمتحف البريطاني بأن ملك مصر أحمس الأول قام بالهجوم على قلعة ثارو بتل حبوة ودخل المدينة وحاصر بعد ذلك عاصمة الهكسوس أفاريس بمحافظة الشرقية بتل الضبعة" على بعد 50 كيلومترا من تل حبوة. وتمثل قلعة ثارو منظومة دفاعية كاملة للجيش المصري بشمال شبه جزيرة سيناء في عصر الدولة الحديثة وأنشئت لحماية المدخل الشرقي لمصر وكانت القلعة مقرا ملكيا ومركز قيادة الجيش المصري وبها خنادق حول القلاع وموانع مائية ومنحدرات حول الأسوار لمنع تسلقها وتبلغ مساحة أكبر القلاع المكتشفة 600 متر في 300 متر. وقال عبد المقصود إن البعثة اكتشفت أيضا بقايا مخلفات بركانية لقطع من بركان سان توريني بالبحر المتوسط والذي أحدث "أول تسونامي في العالم القديم" منذ نحو 3500 عام وتسبب في غرق جزء كبير من سواحل سيناء والدلتا والمدن الأثرية الواقعة في مال البلاد.

من جانب اخر قالت وزارة الدولة لشؤون الآثار بمصر إن بعثة وطنية اكتشفت شرقي قناة السويس "منطقة صناعية متكاملة" ترجع إلى العصر اليوناني- الروماني وتقدم جانبا من الحياة اليومية آنذاك وبعض تفاصيل التاريخ العسكري مثل عمليات تقسيم الجيش الروماني في قلعة داخل شبه جزيرة سيناء. وقال محمد عبد المقصود المشرف على البعثة في بيان إن الكشف الذي يقع جنوبي منطقة القنطرة شرق يضم مباني إدارية ومخازن ومنازل للعمال ومجموعة من الجرار الفخارية المستوردة من جزيرة رودس.

وأضاف أن الكشف يوضح جوانب من علاقات مصر في مجال التجارة الخارجية عبر البحر المتوسط "من خلال الورش الفنية المكتشفة والتي تعد الأولى من نوعها بهذا الموقع" كما يلقي ضوءا على بعض تفاصيل الحياة اليومية القديمة في مجال الصناعة والحرف اليدوية. بحسب رويترز.

وقال إن البعثة اكتشفت في الموقع مجموعة من القطع الأثرية المنقولة منها نقش يوناني مسجل على حجر جيري "يوضح بعض تفاصيل التاريخ العسكري في العصر الروماني مثل عمليات تقسيم الجيش الروماني داخل القلعة" إضافة إلى مسارج فخارية وأطباق وعملات برونزية وتماثيل فخارية "تجسد الإله المحارب. الإله بس" الذي كانت له هيئة قزم ويعد أيضا إلها للمرح.

في السياق ذاته عثرت الشرطة الايطالية على تابوت فرعوني يعود تاريخه إلى القرن السابع قبل الميلاد في منزل مواطن من سوندريو قرب ميلانو، بشمال غرب البلاد. ونقلت وكالة أنباء (آكي) الإيطالية عن تقرير للشرطة المالية أنها عثرت على تابوت فرعوني يعود تاريخه إلى القرن السابع قبل الميلاد في منزل مواطن من سوندريو.

وأضاف التقرير أن الشرطة حررت محضراً ضد الرجل بتهمة 'الاستيلاء غير المشروع على الممتلكات الثقافية التابعة للدولة'، كما هو منصوص عليه بقانون حماية التراث الفني والأثري. وأشار الى أن الشرطة صادرت 'القطعة الأثرية عندما لم تعثر على وثائق تثبت شرعية إقتناء للتابوت'. وأكّد التقرير أن 'التابوت في حالة ممتازة'، مشيراً إلى أن 'عالم الآثار المصرية، إدوارد ألكسندرو غوتسون، من المتحف المصري بتورينو أكّد أصالة هذه القطعة الاثرية'.

جادة رومانية

 الى جانب ذلك سعد علماء الاثار في تيسالونيكي ثاني مدن اليونان في شمال البلاد العام 2006 عندما عثر على جادة رومانية تعود الى 2300 سنة عند انطلاق عمال بناء قطار أنفاق في المدينة. والقرار الذي اتخذ أخيرا بإبقاء هذه الجادة الواقعة تحت الأرض في مكانها شكل انتصارا كبيرا لعلماء الآثار هؤلاء في بلد يعاني أزمة اقتصادية خانقة دفعت الى اقتطاع كبير في ميزانية كل المجالات الثقافية.

وقال اريستوت مينتزوس أستاذ علم الآثار البيزنطي في جامعة تيسالونيكي "انه انتصار كبير". واوضح ان ممرات كثيرة كالذي اكتشف "موجودة في مدن رومانية أخرى لكن ايا من هذه الممرات لم يستخدم لفترة بهذا الطول اي سبعة قرون". وسمحت الحفريات على عمق خمسة امتار من مستوى المدينة الحالية بكشف اثار مهمة جدا لحياة مدينية بين القرنين الرابع والتاسع. فعلاوة على جزء معبد بالرخام يمتد على 76 مترا ويعود بناؤه الأساسي الى القرن الثالث قبل الميلاد ويؤدي الى المرفأ، عثر علماء الآثار على بوابة رومانية ضخمة وآثار أبنية عامة عدة تعطي لمحة نادرة عن الحياة اليومية التجارية والاجتماعية في حي في مطلع الإمبراطورية البيزنطية.

وأوضحت ديسبينا كوتسومبا التي تدير جمعية علماء الآثار اليونانيين "انه ملتقى طرقات رئيسي في المدينة قرب السوق الكبرى والابنية العامة". وأضافت "الحي حافظ على كل مميزات المتوافرة اليوم في قلب مدينة تيسالونيكي العصرية". وثمة نصوص كثيرة تعود الى تلك الحقبة من علمانية ودينية تشير صراحة الى هذه الجادة التي كانت تعرف في تلك الفترة ب اسم "الطريق الوسط" وهي تجارية في النهار فيما تحتلتها الزياحات الدينية ومسيرات الايقونات والذخائر ليلا وكان ذلك تقليدا منتشرا جدا خلال الفترة البيزنطية في اليونان.

في البداية طلبت شركة الهندسة المكلفة أعمال شق الأنفاق وخطوط سكك الحديد ان يتم انتشال هذه الجادة كليا ونقلها الى مكان آخر. إلا ان ذلك كان ليمنع الحفاظ عليها "من الناحية التقنية".

وقال علماء الآثار الساخطون في عريضة وقعها أكثر من 12 الف شخص من بينهم الكثير من الأستاذة الجامعيين "تصوروا نقل برج ايفل او ساعة بيغ بن من موقعهما الأصلي؟" وبعد وساطة قام بها المجلس البلدي وأساتذة جامعيون تراجعت الشركة عن موقفها. والخطط الحالية تقوم على إبقاء 84% من القطع التي عثر عليها في المكان عينه الذي ستبنى فيه محطة قطار أنفاق. بحسب فرانس برس.

وقد تم حتى الآن إخراج حوالي مئة ألف قطعة وما لا يقل عن 50 ألف قطعة نقدية تبرز النشاط التجاري للمكان وحلي ومصابيح واوان فضلا عن 2500 قبر عائد للمرحلتين الهيللينية والرومانية. وتيسالونيكي وهي مدينة مطلة على الساحل لها ماض عريق تتكدس فيها طبقات التاريخ منذ قرون ولها موقع جغرافي فريد يربط بين البلقان والبحر الأبيض المتوسط. وأسس الملك كاساندر المقدوني المدينة في القرن الرابع ومنحها اسم زوجته تيسالونيكي ابنة الاسكندر الكبير. وكان يفترض ان ينتهي مشروع بناء قطار الانفاق الذي بوشر في العام 2006، في العام 2012. ويتوقع الان ان يوضع في الخدمة في العام 2016.

اسطوانة كورش البابلية

من جهة أخرى ومع بداية الجولة التي تُعرض فيها اسطوانة كورش البابلية في الولايات المتحدة، تستكشف مراسلة بي بي سي كاشيار جونديدي كيف استطاع الملك الليبرالي الشهير الذي يطلق اسمه على الأعمال الحرفية الفارسية القديمة أن يلهم توماس جيفرسون، آحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية. وتتخذ الاسطوانة المصنوعة من الصلصال، والتي يعود تاريخها إلى نحو ألفين وستمئة عام، شكل كرة القدم الأمريكية، وقد صنعت بأمر من الملك الفارسي كورش بعد أن استولى على مدينة بابل عام 539 قبل الميلاد. ويشير بعض العلماء إلى هذه الاسطوانة على أنها أول ميثاق لحقوق الإنسان في العالم، كما أنها مكتوبة بالنقوش المسمارية، وتشجع على حرية العبادة في جميع أنحاء الامبراطورية الفارسية، وتسمح للسكان الذين تم تهجيرهم بالعودة إلى أوطانهم.

وخرجت الاسطوانة من المتحف البريطاني على سبيل الإعارة للولايات المتحدة لتعرض في بعض متاحفها في الوقت الذي أصبحت فيه العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران ليست في أحسن حال، كما يقول جوليان رابي، مدير معارض "فرير أند وساكلر" التي تستضيف القطعة الأثرية البابلية حاليا. وأضاف رابي: إنه من الضروري أن يفهم الجمهور الأمريكي إسهام إيران غير العادي في الحياة البشرية."

وقد امتدت الإمبراطورية التي أسسها كورش وداريوس من منطقة البلقان إلى آسيا الوسطى في أوج مجدها. وكانت أول نموذج لدولة تقوم على التنوع والتسامح بين الثقافات والأديان المختلفة، وفقا لمدير المتحف البريطاني نيل ماكغريغور. لكن الاكتشاف الأكبر بالنسبة لكثير من الناس، كما يقول ماكغريغور، هو "أهمية كورش لهؤلاء الذين كتبوا دستور الولايات المتحدة الأمريكية". وأضاف ماكغريغور: "إن قصة بلاد فارس، إيران، هي جزء من قصة الولايات المتحدة المعاصرة."

وتمثل اسطوانة كورش القطعة الأثرية الأساسية لمعرض بعنوان "اسطوانة كورش وفارس القديمة: بداية جديدة"، والذي يعرض 16 قطعة أثرية من مقتنيات المتحف البريطاني. وكانت هذه الاسطوانة المصنوعة من الصلصال على شكل برميل قد دفنت في مدينة بابل بعد أن استولى كورش على المدينة، وأعيد اكتشاف الاسطوانة عام 1879 فيما كان يطلق عليها بلاد ما بين النهرين، وهي العراق حاليا، على يد عالم الآثار والدبلوماسي البريطاني هورموزد راسام.

وتصف النقوش المسمارية المدونة على الاسطونة كيف غزا كورش مدينة بابل بدعوة من الإله البابلي ماردوخ، كما تذكر أيضا كيف حرر كورش الأمم التي استعبدها البابليون، وأعاد آلهتهم العديدة إلى أماكنها المقدسة. وبالرغم من عدم إشارة الاسطوانة للشعب اليهودي بالاسم، ورد في كتاب كرونيكلز، وكتاب عزرا أن اليهود كانوا من بين هؤلاء الذين حررهم كورش وعادوا لأرضهم لبناء المعبد الثاني.

ويقول ماكغريغور إن هذه الأعمال، والتي فُسرت بالسماح بحرية العبادة وإعادة الأشخاص المهجرين إلى أماكنهم، قد أكسبت كورش سمعة طيبة بوصفه "ملكا ليبراليا ومستنيرا". وبالإضافة إلى المقتنيات المستعارة من المتحف البريطاني لعرضها في العاصمة الأمريكية واشنطن، تعرض أيضا نسخة من كتاب سيروبيديا، أو موسوعة كورش، وهو كتاب للفيلسوف اليوناني زينوفون حول حياة الملك كورش.

والكتاب هو أحد نسختين تعودان لتوماس جيفرسون، ويحفظان في مكتبة الكونغرس الأمريكي، ونشر هذا الكتاب، وهو باللغتين اليونانية واللاتينية، في أوروبا عام 1767. وبوصفه تلميذا معاصرا لسقراط، كتب الفيلسوف زينوفون حول كيفية حكم الملك كورش لمجتمع متعدد يقوم على التسامح.

واكتسب الكتاب شهرة خلال عصر التنوير بين المفكرين السياسيين في أوروبا وأمريكا، بما في ذلك هؤلاء الذين صاغوا الدستور الأمريكي عام 1787. ويقول رابي: "في القرن الثامن عشر، هذا النموذج من التسامح الديني على أساس دولة ذات ثقافات متنوعة، وليست ذات دين واحد مسيطر، أصبح نموذجا للآباء المؤسسين لأمريكا. وقد أعتمد أناس مثل توماس جيفرسون، الذي صاغ إعلان الاستقلال للولايات المتحدة، وأصبح الرئيس الثالث لأمريكا، على كتاب موسوعة كورش للفيلسوف زينوفون كمرجع لحياة وحكم الملك الفارسي كورش.

وكان الكتاب المقدس مصدرا آخر للحصول على معلومات حول الملك كورش، كما تناول تاريخ غزو بابل وتحرير اليهود. وأضاف رابي: "ما يعد غير عادي حول الملك كورش، هو أنه ظهر كنموذج لحنكة الأمراء في اثنين من أركان الثقافات الغربية، وهما التراث اليوناني الروماني، والكتاب المقدس."

ولم يقم جيفرسون بقراءة الكتاب بالتفصيل فقط، ولكنه أوصى أفراد عائلته بقرائته أيضا، وذلك وفقا لكبيرة أمناء معرض فرير أند ساكلر، ماسوميه فارهاد. وقالت فارهاد إن جيفرسون طلب من أحفاده في رسالة له أن يدرسوا كتاب سيروبيديا. وأضافت: "لقد كتب جيفرسون: عندما تبدأون في تعلم اليونانية، فإن أول كتاب ينبغي عليكم أن تقرأوه هو كتاب سيروبيديا." وعلى الرغم من أنه مصدر إلهام للفلاسفة الأوروبيين والأمريكيين، تم التقاط نموذج الدولة التي أنشأها كورش فقط في القرن الثامن عشر في الولايات المتحدة. وأضاف ماكغريغور: "لم تتمكن دولة أوروبية من إقامة تسامح في هيكل الدولة، فهم فقط كانت لديهم دولة دينية مثل بريطانيا، أو كانوا ضد الأديان مثل فرنسا بعد الثورة." وسوف تنتقل اسطوانة كورش من واشنطن إلى متاحف أخرى في كل من هيوستن، ونيويورك، وسان فرانسيسكو، ولوس أنجيليس.

أمراض القلب

الى جانب ذلك أظهرت نتائج دراسة جديدة أجريت على مومياوات تعود الى حقبات مختلفة وتأتي من دول مختلفة ان تصلب الشرايين كان يصيب الإنسان منذ ما لا يقل عن أربعة آلاف سنة مما يدفع الى الاعتقاد ان أمراض القلب والأوعية ليست ناتجة عن الحياة العصرية. ودرس فريق دولي من الباحثين بالسكانر 137 مومياء، 76 منها مصرية و51 بيروفية وعشر من جنوب غرب الولايات المتحدة وجزر ألوتيان في الاسكا تغطي معا 40 قرنا.

واكتشف الباحثون مؤشرات "مؤكدة او مرجحة" لتصلب الشرايين لدى ثلث المومياوات هذه. واقدم هذه المومياوات كانت الأكثر إصابة بهذا المرض المسؤول الرئيسي عن الأزمات القلبية والجلطات الدماغية. وقال البرفسور راندال تومسون من معهد القلب في كنساس سيتي (ميسوري) المعد الرئيسي للدراسة "من الملفت ان نسجل انتشارا كبيرا لمرض تصلب الشراين في هذه الحضارات القديمة عبر العالم على فترة زمنية واسعة وفي صفوف اشخاص مختلفين كثيرا جينيا ومع انماط عيش وانظمة غذائية متنوعة ايضا".

وعرضت الدراسة في المؤتمر السنوية لمعهد القلب الأميركي الذ عقد في سان فرانسيكو (كاليفورنيا غرب) ونشرت في مجلة "ذي لانسيت" البريطانية. واوضح ان "هذا المرض الذي ينسب الى نمط العيش والى الحمية الغذائية في الحياة العصرية، مرتبط بالتقدم بالسن على ما يبدو، او اننا ربما لا نفهم عوامل الخطر جيدا كما كنا نظن" ومنها عدم ممارسة اي نشاط و التدخين والاغذية الغنية باكلولترول.

وكانت دراسة سابقة عرضها تومسون ونشرت العام 2011 أظهرت ان الكثير من مومياوات مصر كانت مصابة بتصلب الشرايين. الا ان الباحثين تساءلوا يومها ان كان ذلك مرتبطا بتناول نخب مصر القديمة اغذية غنية بالدهون. وقرر الباحثون يومها توسيع بحثهم لتشمل حضارات في حقبات اخرى. والى جانب مومياوات من مصر تعود الى اربعة الاف سنة درس العلماء مومياوات مزارعي ذرة من البيرو يراوح عمرها بين 2600 و600 سنة فضلا عن مزارعين من هنود اميركا كانوا يقيمون في هضبة كولورادو وصيادون من جزر أليوتان عاشوا بين عامي 1750 و1900 واكتشف العلماء مؤشرات الى وجود تصلب في الشرايين لدى 39 % من المومياوات المصرية و26 % من البيروفية و 40 % من تلك العائدة لهنود اميركا و60 % من صيادي الاسكا.

واستنتج البروفسور تومسون "من الواضح ان هذا المرض كان منتشرا جدا في صفوف الشعوب القديمة" مشددا على "اننا نبالغ ربما في امكانية الوقاية من أمراض القلب والأوعية من خلال حمية غذائية فقط". واعتبر الطبيب كاليب فينش استاذ علم الشيخوخة في جامعة كاليفورنيا الجنوبية في لوس انجليس واحد معدي الدراسة "هذا ليس مرضا مرتبطا فقط بنمط العيش بل باحد اعراض الشيخوخة في كل المجموعات البشرية".

حتى انسان اوتزي الذي توفي قبل خمسة الاف سنة عثر عليه محفوظا في احدى مجلدات جبال الالب الايطالية العام 1991 مع شريان سباتي يعاني من التكلس على ما اوضح العالم. وحدد متوسط اعمار المومياوات التي تم درسها عند وفاتها ب36 عاما. الا ان تلك التي كانت مصابة بتصلب في الشرايين كانت اكبر سنا لدى وفاتها مع عمر 43 عاما بشكل وسطي. بحسب فرانس برس.

وكان اجل الحياة المتوقع في الأزمنة الغابرة حوالى 40 عاما الأمر الذي يدعم الفرضية التي تفيد ان تصلب الشرايين ملازم فعلا للشيخوخة على ما قال تومسون لكنه شدد على ان هذا لا يمنع التحرك من اجل السيطرة على بعض العوامل الأخرى مثل التغذية والرياضة والتدخين والكوليستيرول وضغط الشرايين.

أكل لحوم البشر

 في السياق ذاته ذكرت مؤسسة سميثسونيان إن المستعمرين الأوائل في جيمس تاون بولاية فرجينيا الأميركية لجئوا إلى أكل لحوم البشر للبقاء على قيد الحياة خلال مجاعة عام 1609، إذ قطعوا وأكلوا فتاة إنكليزية عمرها 14 عاماً. وكشفت أعمال حفر أجريت في الآونة الأخيرة في الموقع التاريخي عن بقايا كلاب وقطط وخيول أكلها المستعمرون أثناء المجاعة في ذلك العام وعثر على عظام فتاة أطلق عليها باحثون اسم جاين.

وقالت مؤسسة سميثسونيان على موقعها الإلكتروني إن الكشف هو أول دليل مباشر على أكل لحوم البشر في جيمس تاون وهي أقدم مستعمرة في الأميركتين. والمؤسسة هي أكبر مجمع للأبحاث والمتاحف في العالم إذ تضم 19 متحفاً ومعرضاً أغلبها في واشنطن وتضم أيضاً حديقة الحيوان الوطنية.

وقال دوجلاس اولس عالم الحفريات الذي حلل العظام التي عثرت عليها جماعة بريزيرفاشن فرجينيا غير الهادفة للربح: تجادل المؤرخون فيما إذا كان هذا الشيء حدث حقاً. وتابع القول في بيان: بالعثور على هذه العظام في حفرة مخلفات مقطعة جميعها يتضح أن هذا الجسد قطعت أوصاله لأكله. ولا يعرف ما إذا كانت الفتاة قتلت أم ماتت لأسباب طبيعية وما إذا كان كثيرون أم شخص واحد فقط شارك في التقطيع حسب وصف البيان. بحسب رويترز.

وقال اولس: القطوع الموجودة في مقدمة الجمجمة سطحية جداً وغير غائرة... ويوجد أربع طعنات في مؤخرة الرأس إحداها الأقوى وقسمت الجمجمة إلى نصفين. تلا ذلك إحداث قطع نافذ في الجزء الأيسر ربما بسكين واستخدم لفتح الرأس وتفريغ المخ. وتكهن علماء بأن المجاعة الشديدة والعلاقات العدائية مع حلف بوهاتان المحلي وفقدان سفينة إمدادات جعل مستعمري جيمس تاون يلجأون لأكل لحوم البشر. وأشارت كتابات إلى ذلك لكن لا يوجد دليل مادي ملموس على هذا حتى الآن. وعثر وليام كيلسون كبير الأثريين في المشروع وفريقه على رفاة الفتاة الصيف الماضي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 22/آيار/2013 - 11/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م